الأحد، 16 يونيو 2019

الدار تفتح ملف الاتجار بالبشر في عهد الرئيس المخلوع







...........
إنقلاب ( تاتشرات) يؤدي إلى وفاة (6) سودانيين في الحدود السودانية ـ التشادية
...........
قتل السوداني (عماد) على يد الأمن الليبي بسبب الهجرة غير الشرعية 
...........
وقف عندها : سراج النعيم
...........
الاتجار بالبشر يتمثل في بيع وشراء الأشخاص الذين يحلمون بالهجرة إلى بلاد العم سام، وهم شباباً ونشء وأطفال ذكور وإناث بالإضافة إلى النساء والرجال الذين فرضت عليهم الظروف الإقتصادية والنزاعات العسكرية في بلدانهم الإتجاه على ذلك النحو المحفوف بالمخاطر، وهم بهذا الفعل كالمستجير من الرمضاء بالنار.
مما ذهبت إليه فإن هنالك استغلالاً من تجار وسماسرة يهدفون من وراء ذلك للكسب المادي الرخيص، ويعتبر هذا النوع من الاتجار جرماً ضد الإنسانية، إذ أنه يجبر الانسان المهاجر على الانتقال من مكان آخر عبر الاكراه، وذلك بالتهديد بالقوة واستخدام السلاح، وهي شكل من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع مقابل دفع مبالغ مالية من أجل تهريب الأشخاص من أفريقيا إلى أوروبا عبر الحدود والمواني، لذلك يعتبر هذا الفعل جرماً يرتكب في حق الإنسانية التي تتعرض أثناء ذلك للإكراه، مما يؤثر على معظم الدول الأقل إنماء، والتي يهاجر منها بعض سكانها إلى الدول الأكثر إنماء للظروف الإقتصادية أو الحروب التي تركن لها بلدانهم.
من جهتها كانت إيطاليا قد أعلنت لأول مرة تعاوناً مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج، وهو تعاوناً هدفه مكافحة الاتجار بالبشر عبر الهجرة التي ظلت تتدفق من خلال السواحل الليبية.
وحول تعرض البعض من المهاجرين العابرين للأراضي الليبية لأعمال عنف، قال مسئول ليبي إن ما يحدث من انتهاكات بحق المهاجرين يحدث بعيدا عن مراكز الإيواء الرسمية، التي تضمن توفير الحماية والرعاية اللازمتين للموقوفين رغم عجز الإمكانات. 
فيما نجد أن السودانيين عاشوا ظروفاً قاسية في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مما قادهم إلى الهجرة عبر تجار البشر إلى ليبيا التي أمضوا فيها أياماً صعيبة من حياتهم حيث تشير قصصهم منذ تلك اللحظة التي تحركوا فيها من إحدى المدن غرب امدرمان إلى المعاناة الكبيرة التي عانوها.
وفي السياق كشف تفاصيل مثيرة ومؤثرة حول المعاناة ذهاباً وإياباً من وإلي ليبيا، وقال : بدأت قصتنا أكثر قسوة وإيلاماً حيث اتفقنا مع أحد تجار البشر على مساعدتنا في دخول ليبيا مقابل ألفي جنيه سوداني للعمل هناك موظفين، فرسم كل منا احلاماً عراض بحكم الروايات والقصص عن ليبيا، والتي شددنا إليها الرحال عبر خارطة طريق بدأت من منطقة غرب مدينة امدرمان، وفي تلك المنطقة وضعنا في منزل، وكان عددنا يبلغ حوالي مئة شخص تقريباً، ومنها تحركنا عبر عربات ماركة (تويوتا) إلى منطقة (البوحات) على أساس أننا منقبين عن الذهب، لذلك كان مرورنا مروراً طبيعياً إلى أن وصلنا إلى وجهتنا في الصباح، فاحضروا لنا شاحنات أوصلتنا بدورها قبل الحدود السودانية التشادية، ومن ثم تم إحضار ثلاثة عربات لاندكروزر( تاتشرات) تحركت بنا بسرعة، مما أدى إلى انقلاب إحداهن فتوفي ستة منا في الحال، ولم يكترثوا لما حدث، وواصلنا المسير نحو الهدف إلى أن تم تسليمنا إلى شخوص آخرين علي الحدود الليبية السودانية، وهم بدورهم قاموا بإيصالنا إلى مسجد (الشروق) بمنطقة (اجدابيا) الليبية، وهناك كانت المفاجأة غير المتوقعة حيث تم حجزنا داخل (هنكر) ملئ بـ(القمل)، وبعض الأشياء المنفرة للإنسان، واشترطوا لتحريرنا أن يدفع كل منا (فدية) سبعة ألف جنيه سوداني، وعندما لم نستجيب قاموا بضربنا مع إطلاق الذخائر بالقرب من آذاننا بغرض التخويف، وفي ظل ذلك الواقع المذري حاول ثلاثة من مرافقينا الهرب فتم القبض عليهم ليحضر أحد الحاجزين لنا حديدة يطلقون عليها (الأميرة)، ومن ثم طلب من السودانيين التوحد في زاوية من زوايا الهنكر، ومن ثم أمرنا بالجلوس على الأرضية، ومن ثم أحضر حبالاً ربطنا بها، ومن ثم بدأوا في الاعتداء على البعض منا بـ(الحديدة) للدرجة التي أحدثوا بها جروح في الكثيرين منا لدرجة أن الجراح تعفنت، هكذا واصلوا مسلسل التعذيب حيث تم صب البنزين على أجساد البعض من السودانيين، ومن ثم أشعل أحدهم النار من أجل حرقنا فما كان مني إلا وأن تدخلت، وقلت له هل ترغبون في المال أم تعذيبنا؟، فقال المال عندها أكدت له أننا سندفع، وكان أن اتصلت بأسرتي، وطلبت منها أن تبيع المكيف الخاص بي وتسلم سعره إلى شخص بغرب مدينة امدرمان، ومن ثم سمح لنا بالدخول إلى (اجدابيا) الليبية، ومنحنا الجنسية السودانية للتمكن من التنقل داخل ليبيا، وبعد الانتهاء من هذا الإجراء جاء ليبيين وأخذونا للعمل معهم في رعى المواشي بمنطقة (التلت) القريبة من مطار (الابرق)، وهناك قالوا إنتم تم بيعكم لنا، فلا تسألوا عن راتب شهري أو حقوق نهاية خدمة، وكل ما سنتكفل به إليكم الأكل والشرب والأزياء ولا شئ خلاف ذلك.
وأردف : أنقذنا من ذلك الواقع السوداني أشرف الشهير في ليبيا بود الجبل البالغ من العمر 28عاما الذي توفي فيما بعد في حادث وكان أن تحصلت على رقم هاتفه، واتصلت عليه، فطلب مني الخروج من منطقة (التلت) إلى شارع الزلط بدون علم الليبيين فما كان مني إلا وتوجهت إلى منطقة المرج الجديد، وهناك قابلته فاستقبلني بحفاوة شديدة، واستأجر لي عربة أجرة عدت بها إلى منطقة التلت، وأحضرت بقية السودانيين وعدنا إليه فاستأجر لنا غرفة بمنطقة (المرج الجديد)، ومنها تحركنا مباشرة إلى مدينة (بنغازي) التي عملت فيها في مجال الحدادة والنجارة المسلحة حوالي الشهر إلا أن صاحب العمل رفض منحى مستحقاتي المالية، بل أخذ جوازي على أن يرده لي مقابل ألفي درهم ليبي، وبالفعل دبرت له المبلغ، وعندها اتصلت عليه لكي يحدد لي مكاناً ما، وعندما أتيت لم يأت، فلم يكن أمامي بداً سوى أن أتنقل إلى مدينة البيضاء، وفيها ألقى علىّ القبض ووضعي في سجن بمنطقة (الشحاد)، بينما كان يتم تعذيبنا بالكهرباء ووسائل مستحدثة آخري، وهكذا إلى أن مضى 21 يوماً فجاء سودانياً وقام بإخراجنا من السجن، ومن ثم عملت في محل تجارى خاص بالإلكترونيات، والذي قضيت فيه شهراً، فلم يتم منحى راتبي الشهري، فتركت العمل به، واتجهت إلى العمل في مطعم بمدينة (البيضاء) حوالي الشهر، ولم أمنح راتبي الشهري أيضاً، فغادرت المدينة إلى منطقة (اجدابيا) بالطريق الصحراوي إلى أن وصلت منطقة (الكفرة) ليتم نقلنا إلى مدينة (دنقلا) السودانية.
فيما كشفت سمية أحمد عبدالله قصة مؤثرة حول وفاة زوجها شنقاً، وقالت : ملف المعتقلين والمفقودين من أهم الملفات التى تبين حجم الانتهاكات التي أرتكبها نظام العقيد معمر القذافي في حق الشعب الليبى والأجانب الذين هاجروا إلى هناك بدوافع تحسين أوضاعهم الإقتصادية، ومن بينهم السوداني (عماد) الذي قتل بواسطة سلاسل تتدلى من الكهرباء داخل حراسة الأمن الخارجي الليبى أو ما يسمى بـ(الاستخبارات)، بعد أن أشتمل الاعتقال على التحقيق والتعذيب الذى هو سبباً أدى بالعديد من عائلات السجناء الأبرياء إلى مغادرة الأراضى الليبية خوفاً من المصير الذين يقبعون في إطاره السجناء وراء جدران الزنزانات، والغرف الأمنية المتردية من الصحة، والتى تعانى من (الرطوبة) العالية جداً، وغالباً ما تنتشر فيها الأمراض المزمنة، والتى أدت إلى وفاة العشرات داخل السجون والخلايا وغرف الأمن، إضافة إلى أنهم ليسوا على اتصال مع العالم المحيط من حولهم، وهذا هو بالضبط ما حدث مع القتيل السوداني (عماد عبد الله فضل المولى) الذى حرم من العرض على الطبيب كنوع من الجزاء الموقع عليه، وهكذا لقوا حتفهم على مرأى من زملائهم بعد الإهمال في المرض، وعدم اللامبالاة من الحراس والسجانين على صحتهم، وهكذا واصلت تعذيب زوجي (عماد) حتى الموت.
وأضافت : عندما تحدثت مع زوجى، قال لى بالحرف الواحد: (هؤلاء الناس لا رحمة لهم والشفقة في قلوبهم معدومة، فقد تعرضت للتعذيب والضرب على اليدين، والقدمين بالأحزمة والعصى والأسلاك الكهربائية، والتعليق بصورة ملتوية ومؤلمة جداً، مع استخدام الصدمات الكهربائية، فضلاً عن عدم المعاملة الإنسانية، فمنذ الوهلة الأولى من اعتقالى عرفت أننى سأموت لا محال)، حينها شعرت بالمرارة الشديدة لدرجة إننى بكيت بحرقة، وكان أن طلب مني إيجاد حل عاجل لهذه التهمة الباطلة التي لفقها له أفراد من الأمن الخارجي الليبي، إذ أنهم زعموا تهريبه للأفارقة والعرب من مدينة (الزوار) إلى المناطق الساحلية على الشواطئ الإيطالية مقابل ألف دولار، وهذا الاتهام جاء بعد أن غرق مركباً بالمهاجرين المهربين الذين يبلغ عددهم (24) شخصاً، لقوا حتفهم غرقاً في المياه الليبية الأمر الذي أضطر الأمن الخارجى الليبى أن يدفع (18) ألف دولار لأولئك الذين نجوا من الموت غرقاً، وبهذا المعنى فإن الشخص المعتقل أن يموت تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي أو التصفية داخل خلايا الأمن الخارجى أو الداخلى.
واستطردت : ما حدث مع (عماد) لا يمكن أن يتصوره العقل حيث أنه تم تعذيبه وإذلاله لعدة أيام إلى أن قتل بالإعدام شنقاً بسلسلة كهربائية داخل الخلية الأمنية، فابكانى ذلك المشهد المروع الذى ارتكبت في ظله الجريمة النكراء، والذى كل ذنبه أنه سعى لتحسين أوضاعه الاقتصادية، لذلك سوف لا أنسى نظراته الىّ بحزن عميق عندما أشارت عقارب الساعة لمغادرة مبانى الأمن الداخلى، وسجلت له أكثر من زيارة كنت خلالها أحجب دموعى ولا أفرج عنها إلا داخل المنزل، هكذا عشت حياة جديدة مليئة بالحزن والجراح، فالموت أصبح جزءاً من ذكرياتى المفروضة علىّ بوحشية مطلقة، مما دفعنى ذلك الواقع للبحث عن الانتقام لمقتل زوجى (عماد).
واسترسلت : ها أنا أمشى حذره في خطواتى خوفاً من ويلات الانتهاكات اللاإنسانية واللاأخلاقية من قبل الأجهزة الأمنية التي قتلت (عماد) في زنزانته شنقاً بسلسلة كهربائية تستخدم في تعذيب السجناء، إضافة إلى الضرب الجسدي المستمر يومياً إلى أن تشرق الشمس في صباح اليوم التالى، لا يمكن إنكار هذه الحقائق التي وقفت عليها شاهدة وذلك من واقع اعتقال زوجى (عماد) الذى تعرض للضرب الوحشى على باطن القدمين والخ، كان يقول لى : (والله، أنا بريء من التهم المنسوبة الى، لذلك أتألم لهذا الظلم دون توجيه تهمة أو محاكمة)، بينما كان يسألنى ماذا أفعل؟ فلم تكن لدى إجابة، لأنهم أغلقوا في وجهي كل الأبواب ، فخرجت من مكاتب الأمن الخارجي الليبي والدموع تنهمر من عينى بغزارة، بيد أنني كنت أفكر في الخروج، ولكن كيف؟. وتستعرض وقائع سنوات من الألم والحزن قضتها بليبيا ثم عادت للسودان، وهى العائل الوحيد لأبنائها، لذا أسأل نفسى ماذا أنوي أن أفعل غداً؟، كنت أقول فى قرارة نفسى دعى الغد فهو لن يكون أفضل، وهذا يلخص مشاعري في تلك اللحظة، وإذا كرر على السؤال فأنا لا أعرف ما أقول؟ ليس لدى جواب وواصلت حواري في ظل الظروف الإنسانية المحيطة بى، ولكن مرة بعد مرة، كنت أمشى على كف القدر ولا ادرى بالمكتوب الذى رأيت في إطاره كيف تم اغتيال الإنسانية، وكيف هي الروح رخيصة، هكذا يموتون تعذيب حد القتل أو الشنق كالذى حدث مع (عماد) الذي أعدم شنقاً في منطقة (الزوار) بعد أن عذبوه بوسائل محرمة دولياً، فالتعذيب الذى تعرض له زوجى (عماد) بدأ من اللحظة التي تم نقله فيها من المنزل حيث تعرض للضرب دون تهمة إلا أنهم طلبوا منهم رد (18) ألف دولار استخدموا فى إطارها أساليب من التعذيب المحرم جسدياً ونفسياً، فلا يوجد شىء هناك إلا التعذيب اليومى الذي لم أذهب فى ظله إلى الحمام منذ اعتقالى إلى جانب أنهم يجبرونى على تغطية رأسي وبعد ذلك يسلطون الضوء القوي على عينى، وكل صباح يخترعون نمطاً جديداً من أساليب التعذيب الجسدي والمعنوى ولا يراعون فارق السن فى التعامل معنا بطريقهم الوحشية جداً، ومن ثم يتم وضعنا فى زنزانات انفرادية، ولا يسمح لنا بالاتصال، الأمر الذي أدى إلى وفاة العديد منا لعدم تحملهم التعذيب الشديد، والأغرب فى عملية اعتقال زوجى هو أن اسمه مشابهاً لاسم مطلوب لديهم، لذلك كان يواجه كارثة إنسانية حقيقية، صمت فى إطارها أولئك الذين نجوا؟ إلا أن زوجي (عماد) أعدم شنقاً كما أعدم (عمر ديوب) لمشاركته في مظاهرات يناير 1976م، المهم أن الأجهزة الأمنية حولت جثمانه إلى مشرحة الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة دون جدوى

سراج النعيم يكتب : القضاء على الطبقة الوسطى

......................
يبقى ملف (فساد) نظام الرئيس المخلوع عمر البشير متجذراً في كل مؤسسات الدولة على إختلاف تخصصاتها، وذلك نسبة إلى أنه ركز تركيزاً كبيراً على النواحي الأمنية، وبالتالي فإنه دون أدني شك أغفل الجوانب التعليمية والصحية، بل سعي سعياً حثيثاً للقضاء على آخر ما تبقي منها، لذلك تظل الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية حول حكم السودان قائمة داخلياً وخارجياً للأهمية القصوى التي يتسم بها.
إن السودان بلد غني بثرواته المتنوعة ـ الموجودة في ظاهر وباطن الأرض، وبالتالي تبقى تلك الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية مستمرة، وهي جميعاً تحكمها أجندات وسيناريوهات محلية، إقليمية ودولية، واللاعب الأساسي فيها بعض أبناء السودان الذين انجرفوا وراء تيارات جارفة ومعمقة للأزمات المتوالية في المشهد، والذي تحاول بعض القوى الخارجية أن تلعب في إطاره دوراً طليعياً، مما ينتج عن ذلك عدم الاستقرار، وتلك التدخلات يهدف منها البعض إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة، لذا يجب الاستجابة لمن هم صادقون في النوايا الرامية لتحقيق الوفاق، ونبذ الآخر الذي لديه أجندات بعيدة عما اشرت إليه ، ولكل هذه العوامل المتنافرة والتجاذبات على المجلس العسكري السوداني تجاوز التحديات الجسام، والتي قطعاً تفوق كل التصورات، وتفوق كل الإمكانيات التي ورثها من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي بدوره دمر البنية التحتية، مما جعل البلاد منهارة والخزانة خاوية من الأموال، أي أنه أفرغ البلاد من محتواها تماماً، وذلك بـ(الفساد) الذي استشري في مؤسسات وشركات الدولة المختلفة، مما أتاح الفرصة للتدخلات الخارجية في الشئون السودانية الداخلية، وذلك تحت غطاء دعم الأشقاء لتجاوز الأزمات السياسية، الإقتصادية، والاجتماعية وغيرها، مما دفع النظام السابق للزج بالسودان فيما هو دائر في اليمن من خلال تحالفه مع السعودية والإمارات بدعم من أمريكيا، بالإضافة إلى أنه دخل في صراعات مع إسرائيل التي تدخل طرفاً في الكثير من الصراعات والنزاعات الدائرة في المحيطين العربي والأفريقي.
ومن المؤكد أن القوى الخارجية لها مصالح استراتيجية في السودان من حيث موقعه الجغرافي وثرواته الحيوانية والمعدنية وإطلالة موانيه على البحر الأحمر وغيرها من الموارد، لذلك فإن العالم يهتم إهتماماً بالغاً بما يجري فيه، وذلك منذ تقلد نظام المعزول عمر البشير مقاليد الحكم في البلاد، ومنذ ذلك التاريخ أدخل السودان في صراعات سياسية ونزاعات عسكرية من خلال تحالفه مع هذا أو ذاك حسب مصالحه الشخصية البعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن، ومن بينها الصراعات السياسية والمناوشات العسكرية بين أمريكيا وإيران من جهة والسعودية وحلفائها من جهة آخري وبين دولة الكيان الصهيوني وإيران من جهة ثالثة، وهي تحالفات أفرزها انتهاج النظام البائد للسياسات الخارجية الخاطئة بكل المعايير والمقاييس.
إن السياسات المنتجة من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير سياسات افقدت الشعب السوداني كرامته، وجعلت أوضاعه الإنسانية بالغة التعقيد، خاصة وأنه لعب دوراً كبيراً في التدمير الذي شهدته البلاد على كافة المستويات السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية والفكرية، وأدى إلى القضاء على البنية التحتية تماماً، وهو الأمر الذي يصعب على من يتقلد حكم السودان فيما بعد لإستعادة البلاد إلى توازنها الطبيعي بين دول العالم، وحفظ حقوق إنسان السودان المهضومة على مر ثلاثين عام وهي الحقوق التي قادت إلى انتفاضة مدينة (عطبرة) في وجه الظلم، و(الفساد) الذي استشري في كل مفاصل الدولة ، وظهر ذلك جلياً من خلال فتح ملف (الفساد) في الفترة الماضية، إلا أن النظام ظل يصر على سياساته الخاطئة، والتي كان يقود بها البلاد برؤيه تشوبها الكثير من الشوائب، مما أدي إلى تعمق الصراعات السياسية، والنزاعات العسكرية، فالسودان منذ العام 1956م وإلى الآن لم يشهد استقراراً نسبة إلى أن البلاد كانت تدار بقبضة ديكتاتورية أحادية لم تفسح المجال لنظام حكم عادل في السودان، نظام يحفظ حقوق الإنسان الذي ظل دوماً يبحث عن الحرية، العدالة والسلام، وهي أجواء كفيلة بأن تحقق له الاستقرار والحقوق التي تتيح له مقاضاة حتى من هم في السلطة التنفيذية المنوط بها تطبيق القانون على أرض الواقع. 
إن الدولة من حيث مفهومها العميق هي النظام، الأرض والشعب، وهذا المثلث المكون لها يتطلب فيه إعلاء سلطة القانون لحفظ حقوق طبقات المجتمع المختلفة، وهو الامر الذي لم يشهده منذ الاستقلال، بل ظل محكوماً بالقبضة الديكتاتورية، وهي بلا شك تتيح الفرصة للمصلحة الشخصية الغالبة على المصلحة الوطنية، وبالتالي يدفع الشعب ثمناً باهظاً في ظل أوضاع اقتصادية متردية جداً، وهي واحدة من الأسباب الرئيسية لقيام الثورة الشباب ضد النظام سيء الذكر، والذي لم يكن يضع في حساباته الطبقة الوسطى والتي يعتقد أنه قضى عليها.

الخميس، 13 يونيو 2019

سيناريو التدويل للأزمة السودانية بعد الإطاحة بالبشير














................
المبعوث الإثيوبي: المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية سيعودان للمفاوضات
................
توافق على ترشيح عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية 
................
بقلم : سراج النعيم
..............
من نعم الله على بلادنا أن الراهن السياسي، الاقتصادي، الإجتماعي، والثقافي، والفكري فيها لم يصل إلى الآن للنفق المظلم الذي يتوقعه بعض المهتمين بالشأن السياسي والعسكري في البلاد التي تتناوشها صراعات التيارات السياسية المحلية، الإقليمية والدولية ما بين الفينة والآخري، وهذا المفهوم ظل سائداً على مر تاريخ السودان القديم والحديث، مما جعله يعاني الأمرين من بعض المحاولات الجاذبة له نحو فرض الوصايا الخارجية عليه، وهو الأمر الذي يعمق التحديات الجسام التي تواجهه من هنا وهناك، وهي جميعاً تلوح بتوقيع الجزاءات والعقوبات التي عاني منها في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثة عقود، ومنذ ذلك التاريخ فالواقع السوداني تتجاذبه النزاعات والصراعات الداخلية والخارجية، ويتم استغلالها بصورة تصب في مصلحة بعض الجهات الداعمة لأجنداتها هنا وهناك، وهي جميعاً تسعى باستمرار إلى تدويل ما يجري من أحداث وأزمات سودانية يموج معظمها بالصراعات السياسية والعسكرية، ومما أشرت له فإن السودان يمر بمرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد، وبالتالي تتطلب منا جميعاً التكاتف والتعاضد من أجل تجاوز المعضلة التي نمر بها والخروج بالبلاد إلى بر الأمان وما ذهبت إليه لن يجعل هذا البلد متأزماً بقدر ما أنه سيمضي في الإتجاه الصحيح، لذا يجب أن نفوت على من يتربصون به الفرصة فهم الوحيدون المستفيدون من تلك الأوضاع لتمرير أجندات سياسية، إقتصادية، إجتماعية، ثقافية وفكرية، وأمثال هؤلاء يضعون بصمتهم السالبة في المشهد السوداني بشكل مباشر أو عكسه، ويدفعون بالبلاد دفعاً إلى التدخل الدولي في الشأن السوداني الداخلي، وهو دون أدني شك تدخلاً لا يحل الإشكاليات القائمة أصلاً بقدر ما أنه يعقد ويضاعف الأزمات السودانية المتوالية، مما يقود إلى صعوبة إيجاد الحلول الناجزة نسبة إلى تفاوت نسب درجات التأثير، فمنذ أن تمت الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر حسن البشير في 11 أبريل الماضي، إلا وظلت بعض القوى الدولية تفعل دورها في تحديد المصير الذي يجب أن يؤول إليه السودان، فهنالك من يضع خارطة طريق لشكل النظام الذي يجب أن يخلف النظام البائد، والذي رسمت له صوراً ربما تتوافق مع السودان أو العكس وذلك لعدم درايتهم بطبيعة السودان الذي ظلت تتلاطمه الأمواج وتتجاذبه التيارات السياسية، وبالتالي تعمل بعض الدول على استمالة نظام الحكم في البلاد لتحقيق ما تصبو إليه بالتدخل في الشأن السوداني الداخلي، والذي لم تتضح رؤيته بالنسبة للتحالفات الدولية في الفترة الانتقالية المزمع الدخول فيها بعد تشكيل السلطة المدنية، وهى الحكومة المنوط بها إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، وما هي توجهاتها من حيث السياسة الخارجية، خاصة وأن نظام الرئيس المعزول عمر البشير خلق إشكاليات مع المجتمع الدولي بالتحالفات غير المندرجة في مصلحة البلاد، مما جعل هنالك تبايناً بين المرحلة السابقة والقادمة، وهذا الأمر يوضح أن الدخول في تحالف إقليمي أو دولي متروك للمتغيرات المتسارعة في العالم، والذي تلعب فيه الدول العظمي دوراً ريادياً من حيث مواقفها وتوجهاتها وتصريحاتها المنضوية في هذا الإطار أو ذاك، وهو الأمر الذي يضفى بعداً انحيازياً لهذا الإتجاه أو ذاك لتحقيق أهداف مختلفة.
مما أشرت إليه فإن هذه التيارات الدولية سارعت للإتجاه نحو السودان كلياً بعد سقوط نظام الحكم السابق، ومن ثم واصلت ذلك بعد فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ، والذي نجم عنه وقوع عدد من الضحايا الشباب وإصابة البعض الآخر بجروح، مما قاد المجتمع الدولي إلى إدانة وشجب ورفض العملية التي تمت في تلك الأثناء، وهذا التنفيذ الذي جري في محيط قيادة الجيش السوداني أخرج الأزمة السودانية من الإطار المحلي الذي كانت تدور فيه إلى الرحاب الدولي الاوسع، مما حدا بذلك تكوين مجموعة دولية لما حدث في السودان، وتضم من بينها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وعقدت المنظومة الدولية إجتماعاً، لمناقشة مستجدات الأحداث في السودان، والتي على إثرها سجل آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، رئيس الدورة الحالية لمنظمة (إيغاد) التابعة للاتحاد الأفريقي زيارة للسودان، وعقد لقاءات بالمجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير، وجاءت نتائج تلك اللقاءات العودة للتفاوض ، ومن الراجح أن تلعب وساطة آبي أحمد دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير، خاصة وأن الطرفان قبلا الوساطة، مما يبشر بانفراج الأزمة السودانية من خلال العودة إلى التفاوض مجدداً بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير، وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي يفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد في المرحلة المقبلة، خاصة وأن السودان ظل على مدى ثلاثين عام من حكم الرئيس المعزول عمر البشير يشهد تدخلاً خارجياً للسياسات الخاطئة منها الحرب الطاحنة التي شهدها السودان بالتمرد الذي قاده الدكتور العقيد جون قرنق دي مبيور من خلال الحركة الشعبية، وبعد ضغوطات دولية تم التوصل إلى إتفاق (نيفاشا) الذي أفضى انفصال الجنوب عن الشمال بموجب استفتاء أجرى وسط الجنوبيين الذين وقع اختيارهم على الاستقلال بدولتهم، في العام ٢٠٠٣م ظهرت حركات مسلحة في إقليم دارفور، مما أدى إلى أن تقرر المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهماً للرئيس المخلوع عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي فإن التدخل الخارجي في الشأن السوداني ليس أمراً جديداً، بل هو بدأ مع تقلد ثورة الإنقاذ الوطني للحكم في البلاد بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في العام ١٩٨٩م، فمنذ ذلك التاريخ بدأ النظام البائد في الدخول مع تحالفات دولية، مما أدى إلى عدم الثقة فيه، فضلاً عن أنه كان يبحث عن نفوذ في المنطقة من خلال توجهه الإسلامي إلا أنه فشل في القيام بهذا الدور للأزمات التي يشهدها والعدائيات غير المبررة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول العظمى، مما سهل على المعارضة تدويل الأزمات الداخلية و رغماً عن تنازلات النظام لصالح القوى العظمى ، إلا انها في نهاية المطاف أدت إلى انفصال جنوب السودان، والي عدم الاستقرار الأمني في البلاد، وعليه فإن كل العوامل سالفة الذكر نتج عنها انعدام الثقة ، إلا أن الفرصة الآن مواتية للخروج بالسودان إلى بر الأمان بعيداً عن التدويل الذي ادخل دولاً في المحيط الأفريقي والعربي في نفق مظلم، فالتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي تحدث وفقاً للصراعات والنزاعات السياسية والعسكرية ، إلا أن ما تشهده البلاد في الراهن السوداني لم يصل إلى مرحلة الولوج إلى نفق مظلم وبالرغم عن ذلك فإن الاجندات الدولية حاضرة في المشهد السوداني الذي يعتبر من الدول ذات المساحة الجغرافية الكبيرة التي لا يستهان بها وبالتالي له تأثير على مصالح القوى الدولية، وعليه فإن ما حدث من تدويل للقضية السودانية يهدف إلى حل الأزمة.
بينما قال المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي للسودان محمود درير، إن المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير توصلا إلى أن لا عودة فيما تم الاتفاق عليه، مؤكداً عودة الطرفين إلى المفاوضات قريباً.
وتابع : إن الطرفين سيتباحثان حول المجلس السيادي بنية حسنة، وأردف : اتفقا على أن لا يكون هناك ما يسيء لهما من بيانات تصعيدية تعيق المبادرة.
وأشار إلي أن المجلس العسكري الانتقالي وافق على بناء الثقة بإطلاق سراح المعتقلين، كما وافقت قوى إعلان الحرية والتغيير على إيقاف العصيان، وقال مبعوث الرئيس الإثيوبي إنهم سيتقدمون بأفكار لتجاوز معضلة المجلس السيادي.
وأضاف : نحن نسعى لأن تتجنب الأطراف التصعيد والاتهامات المتبادلة، وتابع : نريد أن نمضي قدماً في المبادرة، مؤكداً أنه على ثقة بأن السودان سيتجاوز المرحلة الراهنة.
من جهة أخري أكدت مصادر مطلعة أن الخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة عبدالله حمدوك بات أقوي المرشحين لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، وكان الرئيس المخلوع عمر البشير قد اختاره لتولي وزارة المالية، إلا أنه إعتذر عن تقلد المنصب، مؤكداً جاهزيته الكاملة لوضع كل خبراته لصالح السودان.

الأربعاء، 22 مايو 2019

سراج النعيم يكتب : قصة حواري مع ( أم الحسن) أشهر صاحبة قهوة شمال السودان



تعتبر (أم الحسن) الهوارية أشهر صاحبة قهوة وكافتيريا بطريق شريان الشمال حيث بدأت قصتي معها بأول لقاء صحفي  وذلك في اليوم الذي جئت فيه على غير العادة إلي مقر صحيفة ( الدار) بالخرطوم في الصباح الباكر لكتابة صفحة (أوتار الأصيل)، وقبل أن أدلف إلي المكتب تفاجأت بسيدة كبيرة في السن تجلس وبعض الشبان على الأرض بمدخل الصحيفة، وكانوا يتفاكرون في ماذا؟ لا أدرى، ولكن كانت تعتريني رغبة في التعرف على تلك السيدة إلا أنني كنت متخوفاً من أن يكون لهم موعداً مع أحد الزملاء باعتبار أن لديها إشكالية، وتود طرحها عبر الصحيفة، الأمر الذي جعلني اتجاوز رغبتي وبالرغم عن ذلك كان منظرها يطل أمام عيني فقلت في غرارة نفسي لماذا لا اقتحم عليها خلوتها مع أولئك الشبان وأسألها عن إشكاليتها؟ المهم أنني خرجت من المكتب نحوها مباشرة وسألتها ما هي مشكلتك؟ فلم ترد على والتفت إلي أحد الشبان متسائلة ماذا قال؟ فرد هو علي قائلاً : هذه السيدة هي والدتي (أم الحسن) أشهر صاحبة قهوة بطريق شريان الشمال ثم أردف : وهي لها قصص مثيرة في الصحراء إلي جانب أن لها علاقة قوية بالرئيس الراحل جعفر محمد نميري الذي استجاب لها أبان ما كان حاكماً للسودان بأن حفر لها بئراً بالمنطقة التي تقطن فيها، عموماً عندما فرغت من الحوار والتقطت لأم الحسن صوراً قررت أن أعود بالحوار إلي المنزل وكتابته فيما بعد ومن ثم تسليمه السكرتارية في صباح اليوم التالي، وبالفعل تحركت من مقر الصحيفة، وما أن وصلت وسط الخرطوم إلا ورن هاتفي، وحينما نظرت في الشاشة وجدت المتصل الأستاذ أحمد البلال الطيب رئيس مجلس إدارة صحيفة ( الدار)، ورئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم) فقال لي بالحرف الواحد : أين أنت الآن؟ فقلت : وسط الخرطوم فقال : أركب أي عربة أجرة وعود إلي مقر الصحيفة وكان أن استجبت لرغبته وعندما وصلت مقر الصحيفة وجدت الأستاذ معاوية محمد علي سكرتير التحرير يسألني عن نص حوار الحاجة أم الحسن؟ فقلت : لم أعيد صياغته حتى الآن فقال : الأستاذ أحمد البلال الطيب يرجو منك أن تكتب منه خبر، فقلت إنه ابلغني بذلك، وكان أن كتبت خبراً مطولاً من الحوار الذي اجريته مع أم الحسن فتفاجأت في صباح اليوم التالي بأن صوري وصور أم الحسن والمشيرين النميري والرئيس المخلوع عمر البشير تتصدر صدر الصفحة الأولى مصحوبة بالخطوط العريضة والخبر الذي كتبته، وكان هذا الحوار التوثيقي الوحيد الذي تم للسيدة أم الحسن.
وأم الحسن التي التقيتها سيدة كبيرة في السن وتعاني من إشكالية بسيطة في السمع لذا كان أحد أبنائها حلقة الوصل في إدارة الحوار الذي بدأت تداعياته على بأن طلبت منهم تشريفي في المكتب حتى أتمكن من التوثيق لأم الحسن، فهي إنسانة جديرة بذلك، وبدأت أم الحسن في رواية قصتها من الألف للياء وكيف كان لقاءها بالرئيسين الراحل جعفر محمد النميري والمخلوع عمر البشير، فالأول تبرع لها بحفر بئر بينما تبرع الثاني بعربة والأخيرة هي السبب في إجراء الحوار إذ أن البشير أصدر توجيهاته بأن تمنح أم الحسن عربة دفع رباعي لحظة افتتاح طريق شريان الشمال، ولكنها لم تستطع الحصول عليها ما استدعاها اللجوء إلي الصحيفة لإيصال صوتها، أما قصتها مع الرئيس الراحل المشير النميري فبدأت عندما زار المنطقة وقهوتها ولم يجدها فسأل عنها فجاءه الرد بأن أم الحسن ذهبت في مشوار؟ فقال : ألم تسمع بأنني سآتي إلي هنا؟ فقالوا : أم الحسن لا تملك راديو فحزن النميري حزناً شديداً وأمر بأن تمنح أم الحسن راديو حتى تستطيع أن تستمع نشرة الأخبار وتعرف موعد زيارته الثانية للمنطقة وقوتها وعندما أزفت ساعة زيارة النميري كانت أم الحسن في مقدمة مستقبلية فسألها عن حالته الصحية؟ فقالت : الحمدلله ثم أردف : ما الذي تحتاجين وإليه فلم تطلب لنفسها شيئاً، بل طلب حفر بئر لمنطقتها، هذه هي الحاجة أم الحسن ﺻﺎﺣﺒﺔ أشهر قهوة بطريق شريان الشمال الطريق الممتد من مدينة (ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ) إلي مدينة (دنقلا).
وقالت : لم أكن أفكر في نفسي بقدر ما كنت أفكر في تنمية المنطقة وتطوير القهوة إلي كافتيريا حديثة، وكنت استثمر أي فرصة لخدمة أهلي والمسافرين، وظللت على هذا النحو منذ أن كان هذا الطريق صحراء جرداء، صحراء قاحلة ما يربو عن ﺳﺘﺔ ﻋﻘﻮﺩ ﺃﻭ ﻳﺰﻳﺪ، وخلال تلك العقود فكرت في إنشاء قهوة (أم الحسن)، ثم طورتها فيما بعد إلي قهوة وكافتيريا حديثة ساهم معي في إنشائها الباشمهندس عطا المنان وواصل اسهاماته معي داعماً للمشروع بالسكر والشاي والكراسي والترابيز، وكلما مر عبر طريق شريان الشمال لا يقصر معي، المهم أن المنطقة بفضل الله، وطريق شريان الشمال تمت تنميتها بعد أن كانت صحراء جراء صحراء قاحلة لا خضرة ولا مياه، إنما كانت مليئة بالكثبان الرملية الثابتة والمتحركة.
وتضيف ( أم الحسن) : من المعلوم أن طريق شريان الشمال يمتد من مدينة ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ إلي مدينة ﺩﻧﻘﻼ ويبلغ ﻃﻮﻟﻪ ( 594) ﻛﻴﻠﻮ متر ﻣﺮﻭﺭﺍً بمنطقة (ابوﺿﻠﻮﻉ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ (68) ﻛﻴﻠﻮ متر ﺷﻤﺎﻝ ﻏﺮﺏ ﺃﻣﺪﺭﻣﺎﻥ وﻳﻤﺘﺪ ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ( 7) ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮﺍﺕ.
وتتذكر أم الحسن كيف كان هذا الطريق قبل أن يتم رصفه بالإسفلت؟ قائلة : كان من الصعب على الإنسان أن يسلك هذا الطريق الصحراوي ومن يفعل فهو مفقود ولم تفلح معه كل عمليات البحث عن المفقودين أو أن يستطيعوا الخروج من ذلك النفق ما يؤكد أن من يدخل تلك المنطقة مفقود.. مفقود.. والخارج منها مولود.. مولود.. إلا أنني خبرت الصحراء جيداً، وذلك من كثرة ترحالي فيها من منطقة إلي أخري حتى أنني أصبحت خبيرة فيها من منطقتي، وﺣﺘﻰ منطقة (ﺍﻟﺘﻤﺘﺎﻡ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 200) ﻛﻴﻠﻮ متر، فيما تجد أن منطقتي ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 50) ﻛﻴﻠﻮ متر.
أين تقع قهوتك جغرافيا؟ قالت : ﻋﻠﻰ امتداد ﺻﺤﺮاء ( ﺑﻴﻮﺿﺔ)، وكان السفر قبل افتتاح طريق شريان الشمال بالعربات (اللواري) ثم تطور إلي البصات، ومع هذا التطور قهوتي إلي كافتيريا، فأصبحت مشهورة، ولكن شهرتي زادت عندما زارني الرئيس الراحل جعفر محمد النميري مرتين المرة، الأولي لم يجدني وأهداني راديو، وفي المرة الثانية حفر لي بئراً.


سراج النعيم يكتب : الثورة ثورة الشباب لا الأحزاب


مما لاشك فيه أن شعارات الثورة الشبابية السودانية كان لها دوراً ريادياً في وضع حد لنظام الرئيس (المخلوع) عمر البشير إذ أنها بدأت تدريجيا سلمية.. سلمية ومدنية.. مدنية إلي أن اوصدت الباب تماماً في وجه النظام البائد بأن ارتفع سقفها إلي تسقط بس.. تسقط بس وبعدها انتقلت إلي مرحلة الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهناك تغيرت الشعارات لتتوافق مع تطورات الثورة التصحيحية وفق التفاوض الذي يجري بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير مثلا صابنها.. صابنها.. والحل في البل وغيرها من الشعارات البراقة والجاذبة التي رددها الجميع في كافة أرجاء المعمورة.
فيما نجد أن الشرارة الأولي للثورة الداعية للحرية والعدالة والسلام انطلقت من مدينة (عطبرة) شمال السودان وهي مدينة الجسارة والصمود والصبر على الابتلاءات والافتراءات المستمرة منذ ثلاثة عقود من عمر النظام السابق والذي وقفت في وجهة دون وجل أو خوف من بطشه وقمعه وقهره الذي ظل يمارسه منذ تقلده الحكم في البلاد هكذا ظلت (عطبرة) تكافح وتنافح وتناضل كل الأنظمة الديكتاتورية على مر تاريخها العريق والمشهود بالصمود وبالتالي كان لها القدح المعلي في شق صمت صفوف الشعب السوداني بعد ثلاثين عام من القمع والقهر والذل والإذلال والإهانة والتهميش والتشهير والظلم والطغيان والتجبر الذي جعل سكانها ينتفضون انتفاضة قوية ضد السلطان الجائر ومن ثم أمتدت الشرارة لتصبح الثورة ثورة الشعب السوداني عموما والذي عبر عن سخطه وغضبه على نظام حكم (المعزول) عمر البشير باعتبار أنه الحاكم الأسوأ الذي مر على تاريخ السودان لا بل أن شئت قل الأسوأ على مر تاريخ العالم فهو كلما ذكر ذكرت معه الصورة البشعة التي تسلط بها على البلاد والعباد الأمر الذي استدعي شباب السودان للخروج في تظاهرات واحتجاجات في معظم مدن السودان إلي أن تم الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهي بدورها وفرت الحماية لهم من كتائب الظل والمليشيات وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وعليه ظل الشباب الثائر صامداً في ساحة الاعتصام إلي أن تم اجتزاز الشجرة (الفاسدة) من جذورها وذلك بتصعيد وضغط الثوار الشباب على نظام الرئيس المعزول عمر البشير والذي فرض على الجيش السوداني خلع رأس النظام السابق.
وبينما نجد أن الثورة التي انتظمت في السودان ومنذ انطلاقتها الأولي ثورة شبابية لم نشهد منتمياً واحداً للأحزاب أو التنظيمات السياسية أو الطوائف مختلفة التيارات يشاركون فيها أو يقدمون شهيداً واحداً وبما أنهم لم يفعلوا ظفرت الثورة الشبابية بالنجاح المنقطع النظير وشهد لها بذلك العالم أجمع إذ أنها صبرت صبرا لم تشهده كل ثورات الربيع العربي وبهذا الصبر استطاعت أن تخلع الطاغية عمر البشير وتجرده من السلطة المنقلبة على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة الذي عندما تمت الإطاحة به لم يحرك هو أو الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية إلي التيارات المختلفة ساكنا لإعادة الوضع إلي ما كان عليه بل خيبت آمال الشعب السوداني بالمشاركة في حكم النظام البائد بصورة مباشرة أو غير ذلك بالدعم أو الصمت على الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية وتأتي بعد نجاح الثورة لتقطف ثمار ما زرعه الشباب السوداني بالاستشهاد والأحزان والجراح والآلام والأوجاع والمرارات والتي لم يكن همهم غير الخلاص ومستقبل السودان بعيداً عن الانتماءات الحزبية أو التنظيمية أو الطائفية الضيقه بل همهم الأول والأخير الوطن وبالتالي على الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة أن تحصد ثمارها مما بذرته من بذور المشاركة أو الدعم أو التأييد للسياسات الفاشلة على مدي ثلاثين عام لم يفكروا خلالها في المعارضة لمصلحة المواطن والخروج بالوطن إلي بر الأمان بل كانوا يبحثون عن مصالحهم ولو كانت على أنقاض محمد احمد الغلبان الذي عاني من (الفساد) المستشري في مؤسسات الدولة العميقة والذي جعل كل شي منتهي الصلاحية لذا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا تصر الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة على أن تفرض الوصايا على الشباب الذين عرضوا أنفسهم للخطر ولم تكونوا أنتم جزء من الإنجاز الذي تحقق بل كنتم مشاركين في الحكم الذي دافعتم عنه بصورة مستفزة جداً لذا ابحثوا لكم عن أمجاد بعيداً عن ثورة الشباب الواعي والمدرك لما يجري حوله في الراهن السوداني ولا يحتاج في هذه الفترة المفصلية من تاريخ السودان الحديث لأفكاركم ومقترحاتكم البالية التي لم تقدم البلاد للأمام يوماً واحداً بل اوصلته إلي مرحلة متأخرة من التأزم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثفافياً وفكرياً، وعليه فإن السودان لا يحتمل المزيد من الأزمات خاصة وأن راهنه الآن لا يحتمل أي أجندات سياسية، فهو في مرحلة إما أن يكون أو لا يكون، لذا أرجوكم رجاء خاص أن تبتعدوا على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة من تاريخ السودان الحديث، وبالمقابل عليكم الانتظار إلي حين فتح صناديق الاقتراع للانتخابات.
على المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير الإسراع في التوصل إلي اتفاق نهائي حتى لا تتاح الفرصة لشق الصفوف بدس السم في الدسم نعم أسرعوا من أجل استقرار البلاد وعودة الحياة إلي طبيعتها، وهذا لن يتحقق إلا بالتوافق على تشكيل حكومة (تكنقراط) من أصحاب الخبرات والكفاءات المستقلة خاصة وأن الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة أخذت فرصتها كاملة في حكم السودان، وذلك منذ استقلاله من المستعمر البريطاني في العام 1956م، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك فشلها الذريع في إدارتها للبلاد والشواهد والأمثلة كثيرة مثلاً حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي سبق له أن حكم البلاد على فترتين إلا أنه لم يستطيع الاستمرار في الفترة الأولى لذا لم يكن أمامه حلاً سوي أن يسلم السلطة آنذاك للفريق (عبود)، والذي حكم السودان أربع سنوات ، ثم قاد الحزب الشيوعي انقلاباً عسكرياً من خلال ضباط موالين له في قوات الشعب المسلحة برئاسة الراحل المشير جعفر نميري، والذي انقلب عليهم فيما بعد ليظل هو حاكماً للبلاد (16) عاماً ، ثم تمت الإطاحة به من خلال انتفاضة شعبية تولي بعدها الراحل المشير سوار الدهب حكم السودان انتقالياً لمدة عام، ومن ثم جرت بعد ذلك انتخابات، وهي التي فاز بها حزب الأمة بزعامة الإمام الصادق المهدي وشكل حكومته، والتي أطاح بها فيما بعد الدكتور حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية، والذي انقلب على الشرعية من خلال استخدامه ضباطاً في قوات الشعب المسلحة برئاسة (المخلوع) عمر البشير تحت غطاء (ثورة الإنقاذ الوطني)، وذلك في الثلاثين من يونيو من 1989م ومنذ ذلك التاريخ ظل الرئيس المخلوع جاثماً على صدور الشعب السوداني إلي أن أطاحت به الثورة الشبابية.
إن معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة تسعي إلي السلطة بأي طريقة من الطرق، وليس مهماً أن جاءت إليها عبر صناديق الاقتراع أو الانقلابات العسكرية مع التأكيد أنها لا تحظي بالقبول من السودانيين عموماً وعلى وجه التحديد الشباب الذين كفروا بها بعد أن عفي على أفكارها الزمن.




حتى لا ننسي : قتل أمن الرئيس المخلوع للمتظاهرين بـ(الرصاص)


القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور بابكر سلامة بطلق ناري بـ(بري)
...................
أمل : قتل أثناء اسعافه لثائر ضد نظام المخلوع عمر البشير
.....................






كشفت الاستاذة أمل محمد أحمد الحاج المحامية والمستشار القانوني القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور (بابكر) نجل المستشار القانوني عبد الحميد سلامة بمنطقه (بري) المنتفضة ضد نظام حكم البلاد الديكتاتوري والتي كانت انتفاضة أقوى واشد من بين بقية مناطق ولاية الخرطوم حيث أنها لعبت دوراً طليعيا في إنجاح الثورة الشبابية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) شمال السودان ومن ثم تواصلت في مدن ومناطق الخرطوم والتي استشهد من خلالها الدكتور (بابكر) وعدد كبير من الشهداء الأطفال والشباب الذين كان لهم القدح المعلي في الإطاحة بنظام حكم الرئيس (المخلوع) عمر البشير بعد ثلاثة عقود من القمع والقهر والذل والظلم والذي هو الاقسي والأشد على مر تاريخ الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان فلم يكن النظام السابق يرعوي من إزهاق أرواح الأطفال والشباب الذين خالفوه التوجه السياسي التعسفي الذي قاد البلاد إلي مرحلة اللاعودة.
وعلى خلفية ذلك دعونا نتعرف على تفاصيل في غاية الأهمية حول وقائع مقتل الطبيب الشاب (بابكر عبدالحميد) وبقية الشهداء وكيف استشهدوا في تلك الأثناء.
وفي السياق قالت الأستاذة أمل المحامية : بدأت قصة شهيدنا البطل الدكتور (بابكر عبدالحميد) مع الجوانب الإنسانية من خلال الخدمة عبر ملائكة الرحمة الراسخة في ذهنه منذ نعومة أظافره وفي هذا الاتجاه نشأ وترعرع في كنف والده ووالدته اللذين نميا في دواخله حبه الإنسانية وذلك منذ إنجابه بالسعودية وإلي تاريخ استشهاده في السودان.
وأضافت : يعتبر الدكتور (بابكر عبدالحميد) المولود الثاني في ترتيب أسرته أي أنه الذكر الوحيد من بين شقيقاته الإناث (سلافة) و(هاجر) و(علياء) وينحدر من مدينة (دنقلة) الواقعة شمال السودان الجغرافي وينتمي إلي قبيلة (الدناقلة) أما وأبا ووالدته هي شريفة عوض عبيش وهي من أسرة متصوفة.
وأردفت : نشاء الشهيد الدكتور (بابكر) في بيئة تعلم منها الزاهد وعفيف اليد واللسان والنفس رغماً عن أن والديه من الأثرياء إلا أن هذا الثراء لم يمنعه من الانحياز إلي الإنسانية وقضاياها مهما كان الطريق إليها صعيباً.
وأسترسلت : كان الشهيد (بابكر) إنساناً، خلوقاَ ومهذباً وهادئ الطبع مع الكبير والصغير وظل يتسم بصفات نبيلة تلقى على إثرها تعليمه الأكاديمي الإبتدائي والثانوي والمتوسط بالسعودية ومن ثم شد الرحال منها إلي الخرطوم والتحق بكلية الطب - جامعة السودان وتخرج منها طبيباً ثم بدأ الانخراط في الحقل الطبي الذي استشهد على خلفيته أثناء أداء واجبه المرتبط بالإنسانية، والذي تنقل في إطاره بين المستشفيات الحكومية طبيب امتياز لمدة (9) أشهر قضاها غرب السودان مؤدياً خدمته على أتم الوجه رغماً عن أنه الابن الوحيد بين شقيقاته الثلاث فلم يتحجج بهذه الحقيقة التي كانت كفيلة بأن تعفيه من مشقة السفر إلي إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م الواقع غرب السودان، وعندما اتجه على ذلك النحو حركته إنسانيته وإحساسه بحوجة الناس إليه.
وتابعت : في اليوم الذي استشهد فيه الدكتور بابكر عبدالحميد طلب من والدته (العفو والعافية) وكأنه كان يحس بدنو أجله مؤكدا لها أنه يلبي نداء الإنسانية والواجب اتجاه إنسان السودان مشيراً في ذات الوقت إلي أن هناك جرحي في منطقة (بري) وهم يحتاجون المساعدة للاستشفاء على يديه ومن ثم توجه مباشرة إلي منطقة (بري) بالخرطوم وهي كانت من أكثر المناطق الساخنة في ولاية الخرطوم إذ أنها شهدت تظاهرات واحتجاجات عنيفة ومتواصلة هكذا ذهب إليها من أجل أن يعالج الشباب الثائر من جراحه التي أحدثها النظام البائد وكانت هنالك حالة تحتاج إلي إجراء عملية جراحية عاجلة لضعف إمكانيات المكان الذي تتلقي فيه العلاج فما كان من الدكتور الشهيد بابكر إلا أن يخرج منه لإنقاذ الثائر بالإسعاف إلي المستشفي ظناً منه أنه يخاطب الإنسانية في قلوب من يحمون نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعندما خرج إليهم كان رافعاً يديه إلي أعلى موضحاً أنه إنسان مسالم وأعزل إلا أنهم باغتوه بإطلاق عياراً نارياً عليه دون رأفة أو رحمة ، مما أدي إلي استقرار الرصاصة في منطقة الظهر، مما أدي إلي استشهاده دون أن يرتكب جرماً يستوجب إطلاق الرصاص عليه سوي أنه كان يؤدي في واجبه خادماً للإنسانية، والتي ترك على إثرها سيرة عطرة وسط أساتذته وزملائه وأهله وأصدقائه.
من جانب آخر، فإنني أواصل فتح هذا الملف الذي لاحظت في ظله أن الجهات التابعة للنظام المخلوع تتعمد إطلاق الأعيرة النارية على الأطفال والشباب الثائر من الجنسين في مناطق قاتلة، وذلك منذ أن بدأت الثورة الشبابية في التاسع عشر من ديسمبر وحتى استشهاد معتصمين أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، والذين بلغ عددهم (٩٠) شهيداً من ولايات ومدن السودان المختلفة ، وعلى خلفية ذلك تعددت الأسباب المؤدية للوفيات، والمتمثلة في الإصابات المباشرة بالأعيرة النارية في الصدر والرأس، بالإضافة إلي التعذيب والدهس بالآليات العسكرية (التاتشرات) التي استخدمها أسوأ استخدام يستوجب من الشركة المصنعة له  مقاضاة نظام الحكم المعزول، خاصة وأن من قتلوا بها تتفاوت أعمارهم حتى وصلوا في إطاره إلي (11) شهيداً ، (8) منهم استشهدوا إثر انفجار عبوة ناسفة في مدينة أمدرمان إلي جانب عدد من شهداء قوات الشعب المسلحة وشهداء ساحة الاعتصام بالقيادة العامة بالخرطوم.
بدأت الثورة الشبابية متسلسلة منذ 19 ديسمبر من العام 2018م في بعض المدن السودانية المنتفضة بسببِ الارتفاع الجنوني للأسعار والغلاء الفاحش الذي يعيشه إنسان السودان مما نجم عن ذلك الوضع المذري الذي تدهور على اثره حال البلد تماما على كل الأصعدة والمستويات ووصلت إلى مرحلة متأزمة جدا من التردي الإقتصادي والإنساني الأمر الذي دفع سكان مدينة (عطبرة) شمال السودان الخروج للشارع في تظاهرات عنيفة في 19 ديسمبر من العام 2019م ثم امتدت شرارتها سريعاً إلي مدن سودانية أخرى من بينها ولاية الخرطوم خاصة مدينة أم درمان (العباسية) و(بانت) و(بري) بالخرطوم و(شمبات) بالخرطوم بحري ومدينة (الأبيض) غرب السودان وغيرها في 20 ديسمبر من العام 2019م وغيرها والتي كان خروجها على ذلك النحو مدهشا للعالم، وذلك من واقع أن الثورة الشبابية وضعت النظام (البائد) أمام خيار واحد لا ثان له وهو السقوط فقط بالسلمية الملتزم بها والتي جعلت ردة فعل الرئيس المخلوع عمر البشير اتجاه الثورة الشبابية عنيفا إذ أنه أمر سلطاته القمعية باستخدام القوة المفرطة لكبح جماح الثوار الذين كلما أستشهد منهم واحدا يمنحهم دافعا أقوي لمواصلة النضال في مواجهة النظام والذي كان يلفظ في أنفاسه الأخيرة بعد أن فقد السيطرة على قيادة البلاد ولم يستطيع أن يضبط نفسه أمام التظاهرات والاحتجاجات والاعتصام مما حدا به أن يستخدم الأسلحة النارية ضد شعبه الأعزل الذي استشهد منه عددا من الثوار الذين مازالوا في ريان شبابهم بالإضافة إلي أنه سبب الجراح لعدد كبير منهم ولم يكن النظام السابق يأبه بما يحدثه من جراح بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، والذي تطلقه أجهزة أمن الرئيس المعزول عمر البشير والذي لم يكن يرعوي من هذا الفعل المنافي لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين في مدن ومناطق السودان المختلفة مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى.
فيما نجد أن الثورة الشبابية بدأت سلمية ومختلفة الطعم والنكهة عن كل ثورات (الربيع العربي) والتي انطلقت شرارتها الأولي في تونس ومن ثم امتدت سريعاً كالنار في الهشيم في مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان الذي رفع شبابه سقف مطالبهم في العام 2019م بـ(تسقط بس) وهو السقف الذي لم يدع حلولاً نصفية لنظام الحكم المخلوع فكانت النتائج النهائية
خلع الرئيس عمر البشير الذي أفقر شعبه إفقاراً (مقدعاً) وجعله عاطلاً عن العمل بسبب توظيفه لكوادره بالولاء وليس المؤهل والكفاءة ومع هذا وذاك مارس كبتاً على الحريات الشخصية والإعلامية والصحفية والتضييق على المعارضين.
بينما نجد أن ذلك الواقع الذي خرج شباب السودان في مظاهرات في الشوارع العامة والاعتصام في الميادين رغما عن تنازلات الرئيس المعزول عمر البشير إلا أنها لم تكن مرضية إذ أنه قام بحل الحكومة المركزية والولائية وقطع وعوداً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية العاجلة فيما كان يخبئ في منزله ببيت الضيافة (7) ملايين يورو و(350) ألف دولار أمريكي.
وفي 11 أبريل من العام 2019م أعلنت قوات الشعب المسلحة الجيش خلع الرئيس عمر البشير وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة الانتخابات في البلاد إلا أن الثورة الشبابية كان لها كلمة ثانية إذ أنها أجبرت ابنعوف على التنحي وإعفاء نائبه كمال عبدالمعروف وتعيين البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقائي وحميدتي نائباً له.



azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...