الأربعاء، 22 مايو 2019

سراج النعيم يكتب : الثورة ثورة الشباب لا الأحزاب


مما لاشك فيه أن شعارات الثورة الشبابية السودانية كان لها دوراً ريادياً في وضع حد لنظام الرئيس (المخلوع) عمر البشير إذ أنها بدأت تدريجيا سلمية.. سلمية ومدنية.. مدنية إلي أن اوصدت الباب تماماً في وجه النظام البائد بأن ارتفع سقفها إلي تسقط بس.. تسقط بس وبعدها انتقلت إلي مرحلة الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهناك تغيرت الشعارات لتتوافق مع تطورات الثورة التصحيحية وفق التفاوض الذي يجري بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير مثلا صابنها.. صابنها.. والحل في البل وغيرها من الشعارات البراقة والجاذبة التي رددها الجميع في كافة أرجاء المعمورة.
فيما نجد أن الشرارة الأولي للثورة الداعية للحرية والعدالة والسلام انطلقت من مدينة (عطبرة) شمال السودان وهي مدينة الجسارة والصمود والصبر على الابتلاءات والافتراءات المستمرة منذ ثلاثة عقود من عمر النظام السابق والذي وقفت في وجهة دون وجل أو خوف من بطشه وقمعه وقهره الذي ظل يمارسه منذ تقلده الحكم في البلاد هكذا ظلت (عطبرة) تكافح وتنافح وتناضل كل الأنظمة الديكتاتورية على مر تاريخها العريق والمشهود بالصمود وبالتالي كان لها القدح المعلي في شق صمت صفوف الشعب السوداني بعد ثلاثين عام من القمع والقهر والذل والإذلال والإهانة والتهميش والتشهير والظلم والطغيان والتجبر الذي جعل سكانها ينتفضون انتفاضة قوية ضد السلطان الجائر ومن ثم أمتدت الشرارة لتصبح الثورة ثورة الشعب السوداني عموما والذي عبر عن سخطه وغضبه على نظام حكم (المعزول) عمر البشير باعتبار أنه الحاكم الأسوأ الذي مر على تاريخ السودان لا بل أن شئت قل الأسوأ على مر تاريخ العالم فهو كلما ذكر ذكرت معه الصورة البشعة التي تسلط بها على البلاد والعباد الأمر الذي استدعي شباب السودان للخروج في تظاهرات واحتجاجات في معظم مدن السودان إلي أن تم الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهي بدورها وفرت الحماية لهم من كتائب الظل والمليشيات وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وعليه ظل الشباب الثائر صامداً في ساحة الاعتصام إلي أن تم اجتزاز الشجرة (الفاسدة) من جذورها وذلك بتصعيد وضغط الثوار الشباب على نظام الرئيس المعزول عمر البشير والذي فرض على الجيش السوداني خلع رأس النظام السابق.
وبينما نجد أن الثورة التي انتظمت في السودان ومنذ انطلاقتها الأولي ثورة شبابية لم نشهد منتمياً واحداً للأحزاب أو التنظيمات السياسية أو الطوائف مختلفة التيارات يشاركون فيها أو يقدمون شهيداً واحداً وبما أنهم لم يفعلوا ظفرت الثورة الشبابية بالنجاح المنقطع النظير وشهد لها بذلك العالم أجمع إذ أنها صبرت صبرا لم تشهده كل ثورات الربيع العربي وبهذا الصبر استطاعت أن تخلع الطاغية عمر البشير وتجرده من السلطة المنقلبة على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة الذي عندما تمت الإطاحة به لم يحرك هو أو الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية إلي التيارات المختلفة ساكنا لإعادة الوضع إلي ما كان عليه بل خيبت آمال الشعب السوداني بالمشاركة في حكم النظام البائد بصورة مباشرة أو غير ذلك بالدعم أو الصمت على الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية وتأتي بعد نجاح الثورة لتقطف ثمار ما زرعه الشباب السوداني بالاستشهاد والأحزان والجراح والآلام والأوجاع والمرارات والتي لم يكن همهم غير الخلاص ومستقبل السودان بعيداً عن الانتماءات الحزبية أو التنظيمية أو الطائفية الضيقه بل همهم الأول والأخير الوطن وبالتالي على الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة أن تحصد ثمارها مما بذرته من بذور المشاركة أو الدعم أو التأييد للسياسات الفاشلة على مدي ثلاثين عام لم يفكروا خلالها في المعارضة لمصلحة المواطن والخروج بالوطن إلي بر الأمان بل كانوا يبحثون عن مصالحهم ولو كانت على أنقاض محمد احمد الغلبان الذي عاني من (الفساد) المستشري في مؤسسات الدولة العميقة والذي جعل كل شي منتهي الصلاحية لذا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا تصر الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة على أن تفرض الوصايا على الشباب الذين عرضوا أنفسهم للخطر ولم تكونوا أنتم جزء من الإنجاز الذي تحقق بل كنتم مشاركين في الحكم الذي دافعتم عنه بصورة مستفزة جداً لذا ابحثوا لكم عن أمجاد بعيداً عن ثورة الشباب الواعي والمدرك لما يجري حوله في الراهن السوداني ولا يحتاج في هذه الفترة المفصلية من تاريخ السودان الحديث لأفكاركم ومقترحاتكم البالية التي لم تقدم البلاد للأمام يوماً واحداً بل اوصلته إلي مرحلة متأخرة من التأزم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثفافياً وفكرياً، وعليه فإن السودان لا يحتمل المزيد من الأزمات خاصة وأن راهنه الآن لا يحتمل أي أجندات سياسية، فهو في مرحلة إما أن يكون أو لا يكون، لذا أرجوكم رجاء خاص أن تبتعدوا على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة من تاريخ السودان الحديث، وبالمقابل عليكم الانتظار إلي حين فتح صناديق الاقتراع للانتخابات.
على المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير الإسراع في التوصل إلي اتفاق نهائي حتى لا تتاح الفرصة لشق الصفوف بدس السم في الدسم نعم أسرعوا من أجل استقرار البلاد وعودة الحياة إلي طبيعتها، وهذا لن يتحقق إلا بالتوافق على تشكيل حكومة (تكنقراط) من أصحاب الخبرات والكفاءات المستقلة خاصة وأن الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة أخذت فرصتها كاملة في حكم السودان، وذلك منذ استقلاله من المستعمر البريطاني في العام 1956م، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك فشلها الذريع في إدارتها للبلاد والشواهد والأمثلة كثيرة مثلاً حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي سبق له أن حكم البلاد على فترتين إلا أنه لم يستطيع الاستمرار في الفترة الأولى لذا لم يكن أمامه حلاً سوي أن يسلم السلطة آنذاك للفريق (عبود)، والذي حكم السودان أربع سنوات ، ثم قاد الحزب الشيوعي انقلاباً عسكرياً من خلال ضباط موالين له في قوات الشعب المسلحة برئاسة الراحل المشير جعفر نميري، والذي انقلب عليهم فيما بعد ليظل هو حاكماً للبلاد (16) عاماً ، ثم تمت الإطاحة به من خلال انتفاضة شعبية تولي بعدها الراحل المشير سوار الدهب حكم السودان انتقالياً لمدة عام، ومن ثم جرت بعد ذلك انتخابات، وهي التي فاز بها حزب الأمة بزعامة الإمام الصادق المهدي وشكل حكومته، والتي أطاح بها فيما بعد الدكتور حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية، والذي انقلب على الشرعية من خلال استخدامه ضباطاً في قوات الشعب المسلحة برئاسة (المخلوع) عمر البشير تحت غطاء (ثورة الإنقاذ الوطني)، وذلك في الثلاثين من يونيو من 1989م ومنذ ذلك التاريخ ظل الرئيس المخلوع جاثماً على صدور الشعب السوداني إلي أن أطاحت به الثورة الشبابية.
إن معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة تسعي إلي السلطة بأي طريقة من الطرق، وليس مهماً أن جاءت إليها عبر صناديق الاقتراع أو الانقلابات العسكرية مع التأكيد أنها لا تحظي بالقبول من السودانيين عموماً وعلى وجه التحديد الشباب الذين كفروا بها بعد أن عفي على أفكارها الزمن.




ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...