القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور بابكر سلامة
بطلق ناري بـ(بري)
...................
أمل : قتل أثناء اسعافه لثائر ضد نظام المخلوع
عمر البشير
.....................
كشفت الاستاذة أمل محمد أحمد الحاج المحامية
والمستشار القانوني القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور (بابكر) نجل المستشار القانوني
عبد الحميد سلامة بمنطقه (بري) المنتفضة ضد نظام حكم البلاد الديكتاتوري والتي كانت
انتفاضة أقوى واشد من بين بقية مناطق ولاية الخرطوم حيث أنها لعبت دوراً طليعيا في
إنجاح الثورة الشبابية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) شمال السودان ومن
ثم تواصلت في مدن ومناطق الخرطوم والتي استشهد من خلالها الدكتور (بابكر) وعدد كبير
من الشهداء الأطفال والشباب الذين كان لهم القدح المعلي في الإطاحة بنظام حكم الرئيس
(المخلوع) عمر البشير بعد ثلاثة عقود من القمع والقهر والذل والظلم والذي هو الاقسي
والأشد على مر تاريخ الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان فلم يكن النظام السابق يرعوي
من إزهاق أرواح الأطفال والشباب الذين خالفوه التوجه السياسي التعسفي الذي قاد البلاد
إلي مرحلة اللاعودة.
وعلى خلفية ذلك دعونا نتعرف على تفاصيل
في غاية الأهمية حول وقائع مقتل الطبيب الشاب (بابكر عبدالحميد) وبقية الشهداء وكيف
استشهدوا في تلك الأثناء.
وفي السياق قالت الأستاذة أمل المحامية
: بدأت قصة شهيدنا البطل الدكتور (بابكر عبدالحميد) مع الجوانب الإنسانية من خلال الخدمة
عبر ملائكة الرحمة الراسخة في ذهنه منذ نعومة أظافره وفي هذا الاتجاه نشأ وترعرع في
كنف والده ووالدته اللذين نميا في دواخله حبه الإنسانية وذلك منذ إنجابه بالسعودية
وإلي تاريخ استشهاده في السودان.
وأضافت : يعتبر الدكتور (بابكر عبدالحميد)
المولود الثاني في ترتيب أسرته أي أنه الذكر الوحيد من بين شقيقاته الإناث (سلافة)
و(هاجر) و(علياء) وينحدر من مدينة (دنقلة) الواقعة شمال السودان الجغرافي وينتمي إلي
قبيلة (الدناقلة) أما وأبا ووالدته هي شريفة عوض عبيش وهي من أسرة متصوفة.
وأردفت : نشاء الشهيد الدكتور (بابكر) في
بيئة تعلم منها الزاهد وعفيف اليد واللسان والنفس رغماً عن أن والديه من الأثرياء إلا
أن هذا الثراء لم يمنعه من الانحياز إلي الإنسانية وقضاياها مهما كان الطريق إليها
صعيباً.
وأسترسلت : كان الشهيد (بابكر) إنساناً،
خلوقاَ ومهذباً وهادئ الطبع مع الكبير والصغير وظل يتسم بصفات نبيلة تلقى على إثرها
تعليمه الأكاديمي الإبتدائي والثانوي والمتوسط بالسعودية ومن ثم شد الرحال منها إلي
الخرطوم والتحق بكلية الطب - جامعة السودان وتخرج منها طبيباً ثم بدأ الانخراط في الحقل
الطبي الذي استشهد على خلفيته أثناء أداء واجبه المرتبط بالإنسانية، والذي تنقل في
إطاره بين المستشفيات الحكومية طبيب امتياز لمدة (9) أشهر قضاها غرب السودان مؤدياً
خدمته على أتم الوجه رغماً عن أنه الابن الوحيد بين شقيقاته الثلاث فلم يتحجج بهذه
الحقيقة التي كانت كفيلة بأن تعفيه من مشقة السفر إلي إقليم دارفور المضطرب منذ العام
2003م الواقع غرب السودان، وعندما اتجه على ذلك النحو حركته إنسانيته وإحساسه بحوجة
الناس إليه.
وتابعت : في اليوم الذي استشهد فيه الدكتور
بابكر عبدالحميد طلب من والدته (العفو والعافية) وكأنه كان يحس بدنو أجله مؤكدا لها
أنه يلبي نداء الإنسانية والواجب اتجاه إنسان السودان مشيراً في ذات الوقت إلي أن هناك
جرحي في منطقة (بري) وهم يحتاجون المساعدة للاستشفاء على يديه ومن ثم توجه مباشرة إلي
منطقة (بري) بالخرطوم وهي كانت من أكثر المناطق الساخنة في ولاية الخرطوم إذ أنها شهدت
تظاهرات واحتجاجات عنيفة ومتواصلة هكذا ذهب إليها من أجل أن يعالج الشباب الثائر من
جراحه التي أحدثها النظام البائد وكانت هنالك حالة تحتاج إلي إجراء عملية جراحية عاجلة
لضعف إمكانيات المكان الذي تتلقي فيه العلاج فما كان من الدكتور الشهيد بابكر إلا أن
يخرج منه لإنقاذ الثائر بالإسعاف إلي المستشفي ظناً منه أنه يخاطب الإنسانية في قلوب
من يحمون نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعندما خرج إليهم كان رافعاً يديه إلي أعلى
موضحاً أنه إنسان مسالم وأعزل إلا أنهم باغتوه بإطلاق عياراً نارياً عليه دون رأفة
أو رحمة ، مما أدي إلي استقرار الرصاصة في منطقة الظهر، مما أدي إلي استشهاده دون
أن يرتكب جرماً يستوجب إطلاق الرصاص عليه سوي أنه كان يؤدي في واجبه خادماً للإنسانية،
والتي ترك على إثرها سيرة عطرة وسط أساتذته وزملائه وأهله وأصدقائه.
من جانب آخر، فإنني أواصل فتح هذا الملف
الذي لاحظت في ظله أن الجهات التابعة للنظام المخلوع تتعمد إطلاق الأعيرة النارية على
الأطفال والشباب الثائر من الجنسين في مناطق قاتلة، وذلك منذ أن بدأت الثورة الشبابية
في التاسع عشر من ديسمبر وحتى استشهاد معتصمين أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة،
والذين بلغ عددهم (٩٠) شهيداً من ولايات ومدن السودان المختلفة ، وعلى خلفية ذلك تعددت
الأسباب المؤدية للوفيات، والمتمثلة في الإصابات المباشرة بالأعيرة النارية في الصدر
والرأس، بالإضافة إلي التعذيب والدهس بالآليات العسكرية (التاتشرات) التي استخدمها
أسوأ استخدام يستوجب من الشركة المصنعة له مقاضاة نظام الحكم المعزول، خاصة وأن من قتلوا بها
تتفاوت أعمارهم حتى وصلوا في إطاره إلي (11) شهيداً ، (8) منهم استشهدوا إثر انفجار
عبوة ناسفة في مدينة أمدرمان إلي جانب عدد من شهداء قوات الشعب المسلحة وشهداء ساحة
الاعتصام بالقيادة العامة بالخرطوم.
بدأت الثورة الشبابية متسلسلة منذ 19 ديسمبر
من العام 2018م في بعض المدن السودانية المنتفضة بسببِ الارتفاع الجنوني للأسعار والغلاء
الفاحش الذي يعيشه إنسان السودان مما نجم عن ذلك الوضع المذري الذي تدهور على اثره
حال البلد تماما على كل الأصعدة والمستويات ووصلت إلى مرحلة متأزمة جدا من التردي الإقتصادي
والإنساني الأمر الذي دفع سكان مدينة (عطبرة) شمال السودان الخروج للشارع في تظاهرات
عنيفة في 19 ديسمبر من العام 2019م ثم امتدت شرارتها سريعاً إلي مدن سودانية أخرى من
بينها ولاية الخرطوم خاصة مدينة أم درمان (العباسية) و(بانت) و(بري) بالخرطوم و(شمبات)
بالخرطوم بحري ومدينة (الأبيض) غرب السودان وغيرها في 20 ديسمبر من العام 2019م وغيرها
والتي كان خروجها على ذلك النحو مدهشا للعالم، وذلك من واقع أن الثورة الشبابية وضعت
النظام (البائد) أمام خيار واحد لا ثان له وهو السقوط فقط بالسلمية الملتزم بها والتي
جعلت ردة فعل الرئيس المخلوع عمر البشير اتجاه الثورة الشبابية عنيفا إذ أنه أمر سلطاته
القمعية باستخدام القوة المفرطة لكبح جماح الثوار الذين كلما أستشهد منهم واحدا يمنحهم
دافعا أقوي لمواصلة النضال في مواجهة النظام والذي كان يلفظ في أنفاسه الأخيرة بعد
أن فقد السيطرة على قيادة البلاد ولم يستطيع أن يضبط نفسه أمام التظاهرات والاحتجاجات
والاعتصام مما حدا به أن يستخدم الأسلحة النارية ضد شعبه الأعزل الذي استشهد منه عددا
من الثوار الذين مازالوا في ريان شبابهم بالإضافة إلي أنه سبب الجراح لعدد كبير منهم
ولم يكن النظام السابق يأبه بما يحدثه من جراح بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع،
والذي تطلقه أجهزة أمن الرئيس المعزول عمر البشير والذي لم يكن يرعوي من هذا الفعل
المنافي لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين في مدن ومناطق السودان المختلفة مما تسبب في سقوط
عشرات القتلى والجرحى.
فيما نجد أن الثورة الشبابية بدأت سلمية
ومختلفة الطعم والنكهة عن كل ثورات (الربيع العربي) والتي انطلقت شرارتها الأولي في
تونس ومن ثم امتدت سريعاً كالنار في الهشيم في مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان الذي
رفع شبابه سقف مطالبهم في العام 2019م بـ(تسقط بس) وهو السقف الذي لم يدع حلولاً نصفية
لنظام الحكم المخلوع فكانت النتائج النهائية
خلع الرئيس عمر البشير الذي أفقر شعبه إفقاراً
(مقدعاً) وجعله عاطلاً عن العمل بسبب توظيفه لكوادره بالولاء وليس المؤهل والكفاءة
ومع هذا وذاك مارس كبتاً على الحريات الشخصية والإعلامية والصحفية والتضييق على المعارضين.
بينما نجد أن ذلك الواقع الذي خرج شباب
السودان في مظاهرات في الشوارع العامة والاعتصام في الميادين رغما عن تنازلات الرئيس
المعزول عمر البشير إلا أنها لم تكن مرضية إذ أنه قام بحل الحكومة المركزية والولائية
وقطع وعوداً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية العاجلة فيما كان يخبئ في منزله ببيت
الضيافة (7) ملايين يورو و(350) ألف دولار أمريكي.
وفي 11 أبريل من العام 2019م أعلنت قوات
الشعب المسلحة الجيش خلع الرئيس عمر البشير وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة
الانتخابات في البلاد إلا أن الثورة الشبابية كان لها كلمة ثانية إذ أنها أجبرت ابنعوف
على التنحي وإعفاء نائبه كمال عبدالمعروف وتعيين البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقائي
وحميدتي نائباً له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق