قال الإمام القرطبي في أحكام القرآن : ( وفي هذا دليل على حفظ الأشعار
والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعاً وطبعاً وإنما استكثر النبي
صلى الله عليه وسلم من شعر أمية ، لأنه كان حكيماً) .وفي صحيح البخاري عن أبي كعب رضى
الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : إن من الشعر لحكمة
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية : (هي هذه المواعظ والأمثال التى يتعظ
بها الناس)وقد نص الإمام النووي رحمه الله في شرحه على جواز إنشاد الشعر الذي لا فحش
فيه وسماعه، شعر الجاهلية وغيره بل قال ابن قدامة في المغني ( وليس في إباحة الشعر
خلاف ، وقد قاله الصحابة والعلماء ، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية ، ويستدل
به أيضاً على النسب والتاريخ ، وأيام العرب )..
ولكن إذا
نظرنا إلي واقع الشعر اليوم فاننا نجده شعراً يخدش الحياء العام كالنصوص الغنائية
المؤلفة بواسطة هيثم عباس وامجد حمزة وأخرين مضوا علي نفس النسق الذي انجرف وراءه
حتي المطربين والمطربات الذين كنا نعول عليهم في المستقبل المنظور والبعيد ومثل
هذه الاشعار(الركيكة) الركيكة افرزت للحركة الفنية أمثال ايمان لندن ومونيكا التي
تحولت بقدرة قادر من موديل إعلاني إلي مطربة تكتب عنها الصحف وربما أنهم نتاج
طبيعي للحالة الاقتصادية القاهرة التي تصاحبها ظواهر سالبة كالظواهر التي تملأ
الوسط الفني الذي ساهم في هدمه كبار الفنانين والموسيقين أمثال الفنان محمد الأمين
والعازف محمدية وأخرين منحوا من نحن نتطرق لهم الشرعية بالرخصة من مجلس المهن
الموسيقية والمسرحية أو بالعزف معهم في المناسبات الخاصة والعامة وليتهم أكتفوا
بذلك بل تجاوزوا هذه الخطوط إلي الأطلالة خلفهم من علي شاشات القنوات الفضائية
النيل الأزرق والسودان والشروق وقوون وامدرمان.
من أن يكون مقرر لدى أهل الحراك الفني في البلاد أن الآفة الأولي في
الوضعية المذرية الرهنة هوالشعر الذي هو كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح. فهو لا يكره
لذاته وإنما لما يتضمنه من معان سامية حميدة فيكون مليحاً ، أو معان سيئة قبيحة فيكون
مرفوضاً مرذولاً.. فالشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام وفي الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت
تقول : الشعر منه حسن ومنه قبيح خذ بالحسن ودع القبيح ولقد رويت من شعر كعب بن مالك
أشعاراً منها القصيدة فيها أربعون بيتا ودون ذلك. ونقل البيهقي في السنن الكبرى عن الشافعي رحمه الله قال الشعر كلام حسنه كحسن
الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام ) ولا ينكر
الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولى النهى وليس أحد من كبار الصحابة وأهل
العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر أو تمثل به أو سمعه مرضية ما كان حكمة أو مباحاً
ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى ، فاذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء
لا يحل سماعة ولا قوله ) وقال ابن قدامة في المغني (والشعر كالكلام حسنه كحسنه ، وقبيحه
كقبيحه )وقال الشنقيطي في أضواء البيان ): (وأعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول
عنه أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح أقول
وعليه فالشعر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :قال القرطبي في أحكام القرأن (أماتناشد الأشعار فاختلف في ذلك،فمن مانع مطلقا،ومن
مجيز مطلقا، والأولى التفصيل) القسم الأول : الشعر الحسن الذي فيه الدفاع عن الدين
وأهله ، أوالحض على الطاعات ومكارم الأخلاق ،أوالتحذير من المعاصي ومساوئ الأخلاق،
أوالزهد في الدنيا ،أوالحث على العلم .فهذا يستحب إنشاده واستماعه. في صحيح البخاري
،ومسلم(عن سعيد ابن المسيب قال: مر عمر رضى الله عنه في المسجد وحسان ينشد فقال كنت
أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس ) . قال: نعم. وفي صحيح مسلم
عن عائشة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :اهجو قريشا فإنه أشد عليهم
من رشق بالنبل فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك
ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد
الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال :والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري
الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها
وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال :يا رسول الله قد لخص لي
نسبك.
قال القرطبي في أحكام القرأن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء
على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم عنهما كما كان شعر حسان أو يتضمن
الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها فهو حسن في المساجد وغيرها كقول
القائل : طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمداً ... وذريني لست أبغي غير ربي أحداً.. فهو
أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
ومما ذهبت إليه دعوني اعود إلي الآفة الثانية التي لعبت دوراً كبيراً
إلا وهي بعض الفنانين الكبار والموسيقين الذين أخذنا منهم نماذج من وحي انضمامهم
إلي اللجان المختص بمنح رخصة مزاولة المهنة وتنظيمها الذي كتبنا حوله قبلاً وأكدنا
أن المجاملة غلبت علي الفكرة التي وضع علي اساسها قانون مجلس المهن الموسيقية
والمسرحية الذي منح الرخصة حتي للرياضيين فهناك رياضي في الجنباز منح الرخصة بأي
اعتبار لا ادري ولماذا لا أدري طالما أنهم منحوها لنضال مكابر وايمان لندن ومونيكا
الموديل الإعلاني
الذين فتحوا عينيهم على
عالم الغناء الذي تزودوا فيه بأكبر زاد من ثقافة السطحية في الطرح غير المنطقية للمنتوج
الغنائي (الضعيف)، وحاولوا تجميل ذلك القبح برحلات شريف نيجيريا، وكان ذلك سبباً لصدمة
الكثيرين من الموسيقين والنقاد إذ أن تصريحاتهم معظمها خروج على العادات والتقاليد
السودانية السمحة، التي رفضت رفضاً باتاً تهافت المغنيين والمغنيات نحو الدعوات الشخصية
لحاكم ولاية مايدوغري النيجيرية، وهي بلا شك ألقت بظلالها السالبة على المجتمع السوداني
الذي جبل على عدم تجاوز الخطوط الحمراء مهما كانت الدواعي والأسباب المؤدية لهذا الطريق
المحفوف بالمخاطر