من المفارقات الجارحة والمحزنة حد النخاع والعظم أنه رغم
مرور سنوات وسنوات على تاريخ الأغنية السودانية إلا أنه طوال هذه السنوات ظلت قابعة في (المحلية) اللهم إلا من
بعض الاجتهادات الشخصية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون منهجاً نهتدي به
في مستقبل الغناء والموسيقى في البلاد.
ومن أكبر أسباب
عدم المواكبة هو غياب الوعي بالكيفية التي يصبح بها ممارسة الغناء مهنة توازي
للتجربة الغنائية والموسيقية في السودان، ضف إلى ذلك غياب اللجان المختص بالاختيار
لأن ما يرشح من أسماء نلحظ فيه المجاملة الواضحة ولا يمكن أن نؤسس بذلك لنهج محدد يواكب
راهن التطور الغنائي والموسيقى الذي يرتبط ارتباطاً عميقاً بعدم إتاحة الفرصة
لأنصاف المواهب ، وبالتالي بدأت الأزمات والإشكاليات تطل بوجهها القبيح علي المشهد
ما لم تحل مشكلة المجاملة حلاً جذرياً.
ويجب أن نؤكد أن أي قانون يسعى إلى تنظيم مهنة الغناء في
السودان لا يستطيع أن يشكل علاقات عبر
التبادل الثقافي والتلاقح الفكري فكل الكيانات الثقافية والفنية تتأثر بقانون مجلس
المهن الموسيقية والمسرحية وذلك من واقع الأسماء التي رشحت في بادئ الأمر لتولي
مقاليد تنفيذ القانون المشار إليه فهم ليس من بينهم ممثلون للاتحادات المختلفة فيما
نجد أن الرخصة منحت لكل من هب ودب في الحركتين الثقافية والفنية دون وضع اعتبارات
مستقبلية كثيرة اللهم إلا إذا كان هذا القانون لا يمت بصلة لتنظيم المهنة.
ويبدو أن المناصب القيادية التي استأثر بها اتحاد
الممثلين برئاسة الأستاذ على مهدي نوري وآخرين استثني منهم الدكتور عبدالقادر سالم
رئيس مجلس المهن الموسيقية والمسرحية الحقيقي لأنه يعمل جاهداً لتطوير المهنة
وإيجاد الحلول الناجزة لمعضلات ظلت تشكل هاجساً للعامة الذين أبدو امتعاضهم من
الأسماء التي ظهرت في اللوحة الإعلانية بدار إتحاد الفنانين وهي الأسماء التي
يفترض أن تتم تصفيتها بعيداً عن المجاملة التي في إطارها أوجه سؤالي مباشرة
للموسيقار محمد الأمين ما هي المقومات الفنية التي أعطيت بها إيمان لندن ومونيكا
ونضال بكار وأخريات وآخرين رخصة مزاولة مهنة الغناء باعتبار أنك رئيس اللجنة التي
تجيز أمثال هؤلاء أو أولئك أليس مثل هذه الخطوة ما يجعل الخلافات تطفو على السطح
وتنزلق ناحية الإسقاطات السالبة التي لا تحتمل فكرة أن يكون هناك قانون يتولى
تطبيقه من هم ينتمون لقبيلتي الثقافة والفنون لأن قيماً ومواقف واتجاهات سادت عقب
توقيع المجلس الوطني على قانون مجلس المهن الموسيقية وهي القيم الناتج عنها في
نهاية المطاف أن مجلس المهن الموسيقية لا يعنيه تنظيم مهنة الغناء بقدر ما تعنيه
(الجباية) وظهر ذلك من العددية الكبيرة المرخص لها في الفترة الزمنية الوجيزة من
عمر المجلس.
فإذا كنا نؤمن إيماناً
جازماً بضرورة قانون يمنع هذا أو ذاك من مزاولة مهنة الغناء والموسيقى والمسرح
فانه من اوجب الواجبات أن توظف الدولة كوادر قانونية تمت بصلة للحركتين الثقافية والفنية وأن تكون اللجان لا
تربطها علائق بالمتقدمين حتى نضمن الحيادية المنشودة من كل الإطراف المطبقة لهذا
القانون الذي وقع فيه الاختيار علي الدكتور الفنان عبد القادر سالم ليكون الرجل الأول
في قيادة هذا الجهاز لبر الأمان في ظل التردي الذي يسيطر سيطرة تامة وهو ما حدا بالبعض
أن يكون لهم رأي سلبي يطرح السؤال الصعب لماذا
ينال إتحاد المهن الموسيقية وإتحاد الممثلين نصيب الأسد في المناصب القيادية
المقررة لمجلس المهن الموسيقية والمسرحية حتى علي مستوي اللجان المعنية؟ علماً بان
الاتحادات الأهلية جميعاً يحكمها قانون الجماعات الثقافية وما ينطبق على هذه الاتحادات
ينطبق علي الاتحادات الاخري فلماذا ترغب الدولة في تمييز كيان على الكيانات الأخرى
التي هي الأغلبية العظمى وهي التي يعنيها قانون مجلس المهن الموسيقية أكثر من
غيرها فهل تعيد الدولة حساباتها وان تضع في اعتبارها تجربة المجلس الاتحادي
للمصنفات الأدبية والفنية الذي حين أداره مبدع أصابه التصدع على عكس قانونيي
الدولة الذين خدموا طوال سنوات عمرهم في تنفيذ مثل هذه القوانين التي لا تتطلب بأي
حال من الأحوال من ينتمون للحركتين الثقافية والفنية بقدر ما هي تحتاج إليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق