الأحد، 23 يونيو 2019

اتفاق الحكومة والحركة الشعبية اقر فصل الجنوب بالاستفتاء

على خلفية توقيع نيفاشا 
................
اتفاق الحكومة والحركة الشعبية اقر فصل الجنوب بالاستفتاء
.................
على عثمان محمد طه ممثل نظام الرئيس المخلوع وقع الاتفاق
...............
وقف عندها : سراج النعيم
...............
ركزت بيانات الحكومات العسكرية في البلاد على فشل التجارب الديمقراطية في السودان، ولعل آخرها ثورة الإنقاذ الوطني برئاسة المخلوع عمر البشير الذي انقلب على شرعية الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، والذي شكل ائتلافاً مع الحزب الإتحادي الديمقراطي، والجبهة القومية الإسلامية التي قادت ضباطاً من قوات الشعب المسلحة للانقلاب سالف الذكر باعتبار أن البلاد تشهد إشكاليات اقتصادية بالغة التعقيد، مما أفقدها القدرة على تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تمرد جنوب السودان، والخلاف حول الدستور، فالبعض يدعو إلى سلطة علمانية، والبعض الآخر يدعو إلى سلطة دينية، مما حدا بنظام الحكم المايوي إعلان الحرب على الأحزاب التقليدية وقتئذ، مثال حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي إلا أن الأول حاز على النصيب الأكبر من سخط نظام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، إذ أنه قام بمصادرة أمواله، ومن ثم وجه تهماً إلى قيادته، فأخذت الإشكالات تسيطر على الوضع فيما يتعلق بالسياسة المنتهجة لحل الأزمات، في حين طالب القوميون العرب بنظام حكم اشتراكي عربي يرتكز ارتكازاً أساسياً على الديانة الإسلامية، مما أدي إلى حدوث انشقاقات، مما نتج عنها إنقلاب الشيوعيون على النظام الماوي، وهو الانقلاب الذي ترأسه الرائد هاشم العطا في 19 يوليو 1970م، إلا أنه لم يستمر في الحكم سوي ثلاثة أيام فقط، ثم عاد النميري إلى تولي السلطة مجدداً، والتي على خلفيتها شكل محاكم أصدرت أحكاماً قضت بإعدام قادة من الحزب الشيوعي، وأبرزهم عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب، وجوزيف قرنق، ومن ثم قام بإتباع سياسة إقتصادية قائمة على تأميم المؤسسات الشركات، والمصارف، محولاً إياها إلى قطاع عام، وابرم عقوداً مع شركة (شيفرون) الأمريكية للتنقيب عن النفط في إقليم كردفان وجنوب السودان، إلا أن التعاقد لم يستمر طويلاً نسبة إلى الأوضاع أمنية في البلاد، وشملت ثورة النميري التصحيحية الخدمة المدنية، وحل مجلس قيادة الثورة المايوية، والإتحاد الاشتراكي، الأحزاب، التنظيمات، النقابات والاتحادات، ومن ثم أجري استفتاء على رئاسة الجمهورية، وهو الاستفتاء الذي جعله أول رئيس سوداني ينال لقب رئيس الجمهورية، ومن ثم كلف جعفر محمد علي بخيت، منصور، وبدرالدين سليمان لوضع مسودة حكم للبلاد، وعليه تم الاقتراع عبر الصناديق لتكوين مجلس الشعب، والذي كان له رأياً آخراً حول مسودة الدستور، وكان الأعتراض قائماً على مسألة شكل النظام الجمهوري، وحدث خلاف بين المعسكر الداعي إلى وضع الدستور علمانياً، والآخر الداعي وضع الدستور وفقاً للتشريعات الإسلامية، وكانت من النقاط المثارة عدم إدراج النص على دين الدولة الرسمي، وقال أحد نواب البرلمان : (إن الدستور قد نص على اللغة والعلم والأوسمة، فكيف يعقل أن يهمل الديانة الإسلامية، فرد عليه جعفر محمد بخيت الذي رأس من وضعوا المسودة بأن مسألة النص على الدين الإسلامي مسألة مظهرية وليست جوهرية، لأن الدولة كائن معنوي لا دين لها، وهي لا تمارس العبادة التي يمارسها الفرد والدولة هي اساس المواطنة لا الدين).
وفي العام 1989م قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري تحت اسم ثورة الإنقاذ الوطني، وفي بداية الانقلاب لم يكن معروفاً توجه الانقلابين السياسي إلى أن ظهرت الجبهة الإسلامية بزعامة حسن عبد الله الترابي في المشهد السياسي، وفي ظل ذلك النظام الجديد ساءت العلاقات السودانية مع بعض دول العالم، مما نتج عن ذلك مقاطعة السودان، وإيقاف المعونات الأمريكية، ومن ثم إدراجه اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، إما في العام 1999م فقد قام نظام المعزول عمر البشير بتجريد الدكتور حسن عبد الله الترابي من صلاحياته التشريعية كرئيس للمجلس الوطني، ومن ثم تم اعتقاله واقتياده إلى السجن الاتحادي (كوبر)، مما حدا به تكوين حزبه الذي أطلق عليه المؤتمر الشعبي، وبالتالي أنشق الإسلاميين إلى حزبيين، وفي ظل هذه الصراعات والانشقاقات والانقسامات أندلعت حرباً في إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م، والذي تكونت فيه حركات مسلحة، وتصاعدت وتيرة الأحداث التي أصدر في إطارها مورينيو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لويس مذكرة اعتقال بحق الرئيس المخلوع عمر البشير.
وتستمر الأزمات في ظل النظام السابق الذي استقل انشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان في أغسطس من العام 1991م، وأجري اتصالاً احادياً بالدكتور لام أكول، والذي توصل معه إلى اتفاق يفضي لتوقيع وثيقة (فرانكفورت) في يناير من العام 1992م، إلا أن نظام الرئيس المعزول عمر البشير تنصل عنها فيما بعد، وفي مايو من العام 1992م قامت الحكومة بأجراء مفاوضات في (أبوجا) النيجيرية بوساطة من الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا، إلا أنها لم تسفر عن الوصول لاتفاق بين طرفي الصراع، وعليه ظلت الحكومة والحركة الشعبية في حالة شد وجذب إلى أن تم التوقيع على الاتفاق الإطاري (ماشاكوس) في يوليو من العام 2005م، ومن ثم تم إبرام اتفاق (نيفاشا) بين نظام الرئيس السابق عمر البشير ممثلاً له علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، الدكتورجون قرنق دي مبيور زعيم الحركة الشعبية، وهو الاتفاق الذي أوقفت بموجبه الحرب الدائرة بجنوب البلاد، وعلى خلفية ذلك منح إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً، والمشاركة في الحكم الاتحادي، ومن ثم إجراء استفتاء حول بقاءه مع شمال السودان أو الانفصال، وذلك في العام 2011م، وفي 9 يناير من العام2011م وقع اختيار الجنوبيين على الانفصال، وعليه تم إنزال علم جمهورية السودان من مدينة (جوبا) واستبداله بعلم الحركة الشعبية.
من الواضح أن الأحزاب والتنظيمات السياسية تستغل ثغرات الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم السودان، واتضح ذلك في معارضة نظام حكم الرئيس الفريق (عبود)، وذلك عندما أطلقت كوادره تصريحات حول الوضع الراهن في البلاد، وهي التصريحات التي نتج عنها الحراك الثوري الذي اضطره للتنازل عن مقاليد الحكم، والذي قتلت في ظله الشرطة الطالب أحمد القرشي طه، والذي صحب تشييع جثمانه احتجاجات عنيفة، وهذه الاحتجاجات لم تتوقف عند الخرطوم، بل امتدت شرارتها لمعظم مدن ومناطق سودانية في جميع أنحاء السودان، وبما أن الأمر خرج عن السيطرة اضطر الفريق إبراهيم عبود إعلان استقالته من الحكومة، وحل المجلس العسكري، ومن ثم دخل في مفاوضات مع زعماء النقابات العمالية والمهنية وممثلي أحزاب المعارضة والأكاديميين، وقد أفضت المفاوضات إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، وإبقاء الفريق عبود كرئيس للدولة، والذي سرعان ما تخلي عن الحكم، وحل محله مجلس رئاسي يتكون من خمسة أعضاء، وعليه انتهي الحكم العسكري في أكتوبر من العام 1964م.
وفي نوفمبر من العام ١٩٦٤م تم انتخاب الإمام الصادق المهدي رئيساً، حيث أنه مارس ضغطاً على محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان وقتئذ للاستقالة بعد بلوغه للسن القانونية، والتي تتيح له أن يتقلد منصب رئيس الوزراء، وما أن تحقق له ذلك، إلا ودخل في نظام حكم ائتلافي مع الحزب الإتحادي الديمقراطي في 25 يوليو من العام 1966م.
فيما تسامحت حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية مع المعارضين الجنوبيين، وأعلنت العفو العام عن المتمردين، ودعت إلى مؤتمر (المائدة المستديرة) في مارس من العام 1965م، والذي عقد بمدينة جوبا، وكان يهدف إلى إيجاد حل لمشكلة جنوب السودان، وفيه انقسم الجنوبيين بين البقاء مع شمال السودان أو الانفصال، فيما كانت رؤية السلطة المركزية قائمة على فكرة قيام دولتين لكل منهما برلماناً وسلطات تنفيذية، إلى جانب كفالة حريتها في معالجة الأمور الاقتصادية والزراعية ومسائل التعليم والأمن، وأن يكون للجنوب جيش تحت قيادة موحدة للدولتين، إما الجنوبيون الأكثر راديكالية فقد كانوا يودون الحصول على حق تقرير المصير للاستقلال التام بدولتهم، وبما أن الأمر كان يمضي في هذا الاتجاه أشعل التمرد الحرب، وهكذا الجنوب يشكل عقبة للأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد إلى أن قام نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بفصل جنوب السودان من خلال الاستفتاء الاحادي في العام 2011م، وذلك وفقا للاتفاق الذي وقع في ضاحية نيفاشا في العام 2005م.
من جانبها، سعت حكومة النميري سعياً حثيثاً لإيجاد حلول ناجزة لإشكالية جنوب السودان والانتهاء من التمرد، فما كان منه إلا الاعتراف في التاسع من يونيو من العام 1969م بالفوارق بين الجنوب وشمال السودان، وشكل هذا الاعتراف علامة تحول كبرى في سياسات الحكم المركزي تجاه الجنوب، ورغماً عما قام به النظام المايوي إلا أنه لم يشفع له باعتبار أن نظام الرئيس النميري ينتمي للمعسكر اليساري، ولم يمنع ذلك المفهوم التوقيع على اتفاقية أديس أبابا في 3 مارس من العام 1972م، وذلك بين نظام الرئيس الراحل النميري وزعماء التمرد الجنوبي من خلال وساطة أثيوبية، مجلس الكنائس العالمي ومجلس عموم أفريقيا الكنسي، ونتج عن ذلك الاتفاق إيقاف إطلاق النار بين الجانبين وإقرار حكم ذاتي إقليمي، واستيعاب (٦) آلاف فرد من قوات حركة (الأنانيا) في قوات الشعب المسلحة، ما أن بدأت السلطات المختصة في تنفيذ بنود الاتفاقية إلا وقفزت على السطح الخلاف في الجنوب السودان، ثم أمتدت إلى البرلمان الإقليمي، وترتكز الصراعات العنيفة في المكاسب الشخصية غير الرامية للمصلحة العامة، وارتفعت بعض الأصوات المدعية أن هنالك نعرات قبلية وغيرها من العوامل المؤدية دون أدني شك للفشل الذريع، وظل المشهد كما هو إلى أن حلت سبعينيات القرن الماضي، وفي ذلك التاريخ حدث خلاف بين أبيل الير وزعيم المتمردين السابق جوزيف لاقو، وعليه حدثت الانشقاقات بين القبائل الجنوبية، واعترض جنوبيون على إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. 
وفي العام ١٩٨٣م قاد العقيد ركن الدكتور جون قرنق دي مبيور التمرد الجنوبي تحت عنوان حركة (الأنانيا ٢)، والذي وصل إلى مرحلة متأخرة من التأزم، إذ أن هنالك مجموعة عسكرية في مدينة (واو) رفضت رفضاً باتاً أوامر قيادتها بالتحرك من هناك إلى شمال السودان، ولم تكتف بل خالفت التعليمات العسكرية، وقامت بقتل ضباط شماليين، ومن ثم هربت من المدينة إلى الغابة،
ومن هنا بدأ الجزء الثاني من تمرد الجنوبيين، مما جعل النظام المايوي يرسل ضابطاً جنوبياً لإعادة المجموعة مجدداً إلى حضن قوات الشعب المسلحة، إلا أن جون قرنق فاجأ الحكومة السودانية بالانضمام إلى الفرقة العسكرية المتفاوض معها، ثم كون فيما بعد الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي ظل هذه المستجدات وتطور الأحداث أصبح نظام في البلاد يمضي نحو العد التنازلي. 
وفي ٦ إبريل من العام ١٩٨٥م تقلد المشير عبدالرحمن سوار الدهب مقاليد حكم البلاد في فترة انتقالية مزحت بين العسكرية والمدينة ونجحت في الخروج بالسودان إلى بر الانتخابات بأمان، وهي الحكومة التي جاءت إلى سدة الحكم بصورة عفوية بعد انتفاضة الشعب على النظام المايوي بسبب ارتفاع الأسعار، ومن الملاحظ أن الاحتجاجات في السودان تخرج للشارع بشكل عفوي كما حدث في أكتوبر من العام 1964م، فهي كانت ضد الغلاء، ومن ثم أصبحت عصيان مدني، مما اضطر السلطات العسكرية في البلاد التخلي عن حكمه، وهكذا حدثت مظاهرات إبريل من العام 1986م، وهي أيضاً انتفضت في وجه التسعيرة التي أقرتها السلطات المختصة، وبما أن المظاهرات تواصلت، ولم تتراجع عن خيارها رغما عن تراجع الحكومة عن التسعيرة التي وضعتها في تلك الأثناء، مما فرض على قيادة قوات الشعب المسلحة احتواء الأوضاع المتأزمة في البلاد، وفي السادس من أبريل من العام 1985م، أعلن المشير عبد الرحمن سوار الذهب الاستيلاء على السلطة، وبرر الإطاحة بالمشير النميري إلى أن قيادة قوات الشعب المسلحة ظلت تراقب الأوضاع الأمنية السيئة في البلاد، وما تشهده من أزمة سياسية، اقتصادية واجتماعية، عليه قررت بالإجماع الوقوف إلى جانب إرادة الشعب السوداني، ومن ثم أصدر قرارات عطلت بموجبها الدستور، وإعلان حالة الطوارئ، وإقالة الرئيس وحكومته، وحل الاتحاد الاشتراكي. 
فيما ترمي مرحلة الحكم الإنتقالي تهيئة الأجواء لفترة الانتخابات، واحتواء آثار نظام الحكم المخلوع، وانجزت الحكومة الانتقالية وعدها بالتخلي عن السلطة بعد مضي عام، ومن ثم تم الاقتراع للانتخابات، والتي تقلب فيها حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي، الذي أصبح رئيساً لمجلس الوزراء، فيما تقلد الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة أحمد الميرغني رأس الدولة، وتميزت هذه الفترة بعدم الاستقرار الذي أدي إلى تشكيل عدد من الحكومات الائتلافية خلال أربع سنوات، مما نجم عن ذلك خروج الحزب الإتحادي الديمقراطي من الحكومة، وعمل على إبرام اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد تحقيقها انتصارات عسكرية، ونتج عن ذلك تذمر في قوات الشعب المسلحة والتي رفعت مذكرة شديدة اللهجة لحكومة الإمام الصادق المهدي.











سراج النعيم يكتب : الحكومة المدنية المطلوبة للشعب

...............
مما لا شك فيه، فإن الدولة المدنية المطلوبة من الشعب السوداني، هي الدولة المؤسسة على التساوي والعدل بين الناس جميعاً دون تمييز بين هذا أو ذاك، وذلك وفقاً للحقوق المكفولة لهم سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وهي قائمة في الأساس على الحرية، العدالة والسلام، وإذا توفرت تلك العوامل فإنها سوف تلعب دوراً ريادياً في تحيق ما يصبو إليه، بالإضافة إلى أنها توفر الحماية للأشخاص، والذي ظل يبحث عن العيش في الحياة بكرامة.
مما أشرت له، فإن إنسان السودان لم ينعم يوماً واحداً بالحقوق خاصته، والتي عاني في ظلها من عدم توفرها نسبة للظلم البائيين الذي ظلت تمارسه الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم البلاد، فهو ومنذ الاستقلال لم يهنأ بيوم جميلاً، وعليه فإن تصريف شئون السودان ارتكزت بشكل سافر على المحسوبية والولاء الأعمي، والذي أفرادت في إطاره المساحات الشاسعة للمصالح الشخصية، والتي ظلت تتأصل في بعض المؤسسات، الشركات والمصارف، وذلك منذ الانقلاب على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، هكذا ظل نظام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير يعلي من قيم عدم إحقاق الحق يوماً تلو الآخر، ويفرد المجال لاستشرا (الفساد) الذي كان يدعي في إطاره أنه يحكم بالديمقراطية ولكن لم يفعل سوي أنه خلع البزات العسكرية للإيهام بأنه تحول من نظام عسكري إلي سلطة مدنية مع التأكيد أن الدولة المدنية يجب أن تكون فكرتها قائمة على حفظ كرامة الإنسان داخلياً وخارجيا، وإعلاء قيم العدل والمساواة بين أبناء الشعب السوداني دون تمييز خاصة وأنهم ظلوا يبحثون عن حقوقه المغتصبة على مدي ثلاثين عام، إلا أن ذلك البحث دون جدوي.
إن الدولة المدنية التي ينشدها الشعب في المشهد السوداني، هي دولة بعيدة كل البعد عن العنصرية والتمييز العرقي بين مكوناتها المختلفة، والتي يجب أن تتسم في بالشفافية والتنوع رغماً عن اختلاف السحنات واللهجات، إلى جانب أنها ترفض رفضاً باتاً الوصايا، والتي يحاول البعض فرضها من خلال أفكار وتوجهات تهدف إلى خدمة حزباً أو طائفة سياسية محددة، وهذا الحزب أو الطائفة نجده ما أن يتقلد مقاليد السلطة في البلاد يفكر جدياً في كيفية إقصاء التيارات المؤثرة في المشهد السياسي، ومن ثم يعمد إلى وضع الدستور وسن القوانين المتلائمة مع رؤيته، والتي يود أن يدير بها البلاد، وهي قطعاً تكون مقيدة للحريات الشخصية، الصحفية والإعلامية، وترمي جميعاً إلى إجبار من يخالفهم الرأي على الإنصياع إليها مكرها بالضبط كما فعل النظام البائد خلال ثلاثة عقود متصلة دون إنقطاع، إذ أنه وضع الدستور وشرع القوانين بما يتماشي مع سياسات الإخضاع الكلي، وذلك فقاً لما يرمي إليه من أجندات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية، ناسياً أو متعمداً النسيان هضم حقوق الشعب السوداني دون أن يأبه بها رغماً عن أنه وضع دستوراً وقوانيناً تنص على حفظ الحقوق، مثلاً حرية التنقل من مكان إلى آخر، والعمل في الوظائف الحكومية بالمؤهلات، الكفاءات والخبرات بعيداً عن التوظيف بالولاء، إما في جانب التعليم والصحة فقد حولهما النظام السابق إلى سلع تجارية متجاوزاً بهما القيمة الإنسانية والأخلاقية، أي أن الإنسان الذي لا يمتلك المال الكافي لا يمكنه تلقي العلاج بالصورة المثلي، وكذلك لا يمكنه التحصيل الأكاديمي وغيره من الحقوق المهضومة، والمنوط توفيرها للمواطن المقلوب على أمره في دولته، إلا أن استشراء (الفساد) في البلاد جعل ذلك مستحيلاً.
من المعروف أن فكرة الدولة المدنية قائمة على فلسفة يونانية قديمة، وهذه الفلسفة تهدف إلى أن يكون الحكم نظاما شعيبا مدنيا، وهذه النظام المدني منوط به وضع الدساتير وتشريع القوانين في أي مرحلة من مراحل السلطة، المهم أن فكرة الدولة المدنية أخذت تتطور تدريجيا في محيطها، ومن ثم بدأت في الانتشار على نطاق واسع، إلى أن وصلت إلى الدول الأوروبية، والتي كانت تعاني معاناة بالغة التعقيد من (الفساد) الذي انتشر فيها بإسم الدين، لذا التقطوا الفكرة سريعا وبدأوا في تنفيذها عمليا، وذلك من خلال تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية الرامية إلى أن يكون الشعب أساسيا في عملية إنتاج الأفكار سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا وفكريا باعتبار أنه شريكا أصيلا في السلطة، وبالتالي يستطيع بالانتماء إلى المجالس التشريعية والبرلمانات المطالبة بحقوقهِ، وحمايتها في ذات الوقت من التغول الذي يحاول البعض ممارسته، وذلك من أجل تحقيق مكاسب شخصية، لا علاقة لها بالمصلحة العامة، لذا يجب عدم إتاحة الفرصة لهؤلاء أولئك للانجراف بها عن مسارها، بل يجب أن يضغط الناس في الإتجاه الصحيح، والذي دون أدني شك يقود للقضاء على التهميش، القهر، الاقصاء، التمييز والتعصب، وهي جميعا تجد مرتعا خصبا كلما كان (الفساد) مستشريا في البلاد، لذلك استند البعض من الساسة على تلك السياسة للاقصاء والتفريق بين الناس، وذلك من استقلال الدين لتقسيم الناس إلى طوائف ومذهب. 
فيما نجد أن الدولة المدنية مبنية على عدم خلط الدين بالنظام السياسي، وبالرغم عن ذلك لا تتعارض معه من قريب أو بعيد، بدليل أنه مصدرا للأخلاق والقيم الإنسانية، وبالتالي هي ليست ضده كما حاول البعض تصويرها، بل من أهم اهتماماتها المواطنة كجزء أصيل من تكوين من الدولة، أي أن الناس تتساوي في الحقوق والواجبات، أي أنها لا تنصف إنسانا على الآخر مهما كانت وظيفة، أو سلطته، أو نفوذه، بل هم سواسية في نظر القانون الذي يعلي ولا يعلي عليه. 
بينما نجد أن السلطة المدنية تلعب دورا كبيرا في من حيث جعل الإنسان يقبل الآخر بغض النظر عن القبيلة أو السحنة، وتعمل أيضا على التوظيف وفقا للموهلات، الكفاءات والخبرات المشروطة بالإنتاج، وذلك من أجل منح الشباب فرصا في الوظائف التي حرموا منها في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مما نجم عن ذلك انتشار البطالة بصورة مقلقة جدا، مما قاد إلى التوظيف بالولاء الذي أثر تأثيرا بالغا لعدم المساهمة في الانتاج، مما أدي إلى التأثير سلبا في الميزانية العامة، وبالتالي تدهور القطاع الاقتصادي، ودخلت المؤسسات، الشركات، المصارف والمشاريع الحيوية في نفق الفساد المظلم، مما انعكس ذلك سلبا على الاقتصاد السوداني بصورة عامة وعلى المجتمع بصورة خاصة، فلم يكن نظام الرئيس المعزول عمر البشير حريصا على تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وكلما أشرق صباحا جديدا تتعمق فيه الأزمات المتوالية، فهو كان جل تركيزه منحصر في النواحي الأمنية للبقاء في كرسي السلطة، وعليه أدت تلك السياسة المفتقرة للرؤية المستقبلية إلى عدم الاستقرار داخل الدولة، مما أدي إلى ظهور سوالب وانتشار الجريمة وتفشي المخدرات وغيرها من الظواهر الدخيلة على المجتمع السوداني، ولم يولي الجانب المعرفي اهتماما من أجل تثقيف وتوعية أفراد المجتمع بالحقوق والواجبات، وبما أنه لم تكن هنالك حقوق فإنه ليست هنالك واجبات على المواطن الذي فقد ابسط حقوقه في ظل نظام ديكتاتوري لم يهتم بالحقل الصحي الذي لم يسلم من الصفقات المشبوهة بالتعاقد مع شركات لاستيراد الأجهزة الطبية والأدوية، بكم مريض توفي نتيجة الإهمال أو عدم امتلاكه المال الذي يسترد به عافيته لذا يضطر إلى أن يتلقي العلاج في بيئة صحية مذرية، خاصة وأن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لم يوفر الأدوات المساهمة في تنظيف الأماكن العامة، والطرقات في كافة أنحاء الدولة.

الأحد، 16 يونيو 2019

الدار تفتح ملف الاتجار بالبشر في عهد الرئيس المخلوع







...........
إنقلاب ( تاتشرات) يؤدي إلى وفاة (6) سودانيين في الحدود السودانية ـ التشادية
...........
قتل السوداني (عماد) على يد الأمن الليبي بسبب الهجرة غير الشرعية 
...........
وقف عندها : سراج النعيم
...........
الاتجار بالبشر يتمثل في بيع وشراء الأشخاص الذين يحلمون بالهجرة إلى بلاد العم سام، وهم شباباً ونشء وأطفال ذكور وإناث بالإضافة إلى النساء والرجال الذين فرضت عليهم الظروف الإقتصادية والنزاعات العسكرية في بلدانهم الإتجاه على ذلك النحو المحفوف بالمخاطر، وهم بهذا الفعل كالمستجير من الرمضاء بالنار.
مما ذهبت إليه فإن هنالك استغلالاً من تجار وسماسرة يهدفون من وراء ذلك للكسب المادي الرخيص، ويعتبر هذا النوع من الاتجار جرماً ضد الإنسانية، إذ أنه يجبر الانسان المهاجر على الانتقال من مكان آخر عبر الاكراه، وذلك بالتهديد بالقوة واستخدام السلاح، وهي شكل من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع مقابل دفع مبالغ مالية من أجل تهريب الأشخاص من أفريقيا إلى أوروبا عبر الحدود والمواني، لذلك يعتبر هذا الفعل جرماً يرتكب في حق الإنسانية التي تتعرض أثناء ذلك للإكراه، مما يؤثر على معظم الدول الأقل إنماء، والتي يهاجر منها بعض سكانها إلى الدول الأكثر إنماء للظروف الإقتصادية أو الحروب التي تركن لها بلدانهم.
من جهتها كانت إيطاليا قد أعلنت لأول مرة تعاوناً مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج، وهو تعاوناً هدفه مكافحة الاتجار بالبشر عبر الهجرة التي ظلت تتدفق من خلال السواحل الليبية.
وحول تعرض البعض من المهاجرين العابرين للأراضي الليبية لأعمال عنف، قال مسئول ليبي إن ما يحدث من انتهاكات بحق المهاجرين يحدث بعيدا عن مراكز الإيواء الرسمية، التي تضمن توفير الحماية والرعاية اللازمتين للموقوفين رغم عجز الإمكانات. 
فيما نجد أن السودانيين عاشوا ظروفاً قاسية في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مما قادهم إلى الهجرة عبر تجار البشر إلى ليبيا التي أمضوا فيها أياماً صعيبة من حياتهم حيث تشير قصصهم منذ تلك اللحظة التي تحركوا فيها من إحدى المدن غرب امدرمان إلى المعاناة الكبيرة التي عانوها.
وفي السياق كشف تفاصيل مثيرة ومؤثرة حول المعاناة ذهاباً وإياباً من وإلي ليبيا، وقال : بدأت قصتنا أكثر قسوة وإيلاماً حيث اتفقنا مع أحد تجار البشر على مساعدتنا في دخول ليبيا مقابل ألفي جنيه سوداني للعمل هناك موظفين، فرسم كل منا احلاماً عراض بحكم الروايات والقصص عن ليبيا، والتي شددنا إليها الرحال عبر خارطة طريق بدأت من منطقة غرب مدينة امدرمان، وفي تلك المنطقة وضعنا في منزل، وكان عددنا يبلغ حوالي مئة شخص تقريباً، ومنها تحركنا عبر عربات ماركة (تويوتا) إلى منطقة (البوحات) على أساس أننا منقبين عن الذهب، لذلك كان مرورنا مروراً طبيعياً إلى أن وصلنا إلى وجهتنا في الصباح، فاحضروا لنا شاحنات أوصلتنا بدورها قبل الحدود السودانية التشادية، ومن ثم تم إحضار ثلاثة عربات لاندكروزر( تاتشرات) تحركت بنا بسرعة، مما أدى إلى انقلاب إحداهن فتوفي ستة منا في الحال، ولم يكترثوا لما حدث، وواصلنا المسير نحو الهدف إلى أن تم تسليمنا إلى شخوص آخرين علي الحدود الليبية السودانية، وهم بدورهم قاموا بإيصالنا إلى مسجد (الشروق) بمنطقة (اجدابيا) الليبية، وهناك كانت المفاجأة غير المتوقعة حيث تم حجزنا داخل (هنكر) ملئ بـ(القمل)، وبعض الأشياء المنفرة للإنسان، واشترطوا لتحريرنا أن يدفع كل منا (فدية) سبعة ألف جنيه سوداني، وعندما لم نستجيب قاموا بضربنا مع إطلاق الذخائر بالقرب من آذاننا بغرض التخويف، وفي ظل ذلك الواقع المذري حاول ثلاثة من مرافقينا الهرب فتم القبض عليهم ليحضر أحد الحاجزين لنا حديدة يطلقون عليها (الأميرة)، ومن ثم طلب من السودانيين التوحد في زاوية من زوايا الهنكر، ومن ثم أمرنا بالجلوس على الأرضية، ومن ثم أحضر حبالاً ربطنا بها، ومن ثم بدأوا في الاعتداء على البعض منا بـ(الحديدة) للدرجة التي أحدثوا بها جروح في الكثيرين منا لدرجة أن الجراح تعفنت، هكذا واصلوا مسلسل التعذيب حيث تم صب البنزين على أجساد البعض من السودانيين، ومن ثم أشعل أحدهم النار من أجل حرقنا فما كان مني إلا وأن تدخلت، وقلت له هل ترغبون في المال أم تعذيبنا؟، فقال المال عندها أكدت له أننا سندفع، وكان أن اتصلت بأسرتي، وطلبت منها أن تبيع المكيف الخاص بي وتسلم سعره إلى شخص بغرب مدينة امدرمان، ومن ثم سمح لنا بالدخول إلى (اجدابيا) الليبية، ومنحنا الجنسية السودانية للتمكن من التنقل داخل ليبيا، وبعد الانتهاء من هذا الإجراء جاء ليبيين وأخذونا للعمل معهم في رعى المواشي بمنطقة (التلت) القريبة من مطار (الابرق)، وهناك قالوا إنتم تم بيعكم لنا، فلا تسألوا عن راتب شهري أو حقوق نهاية خدمة، وكل ما سنتكفل به إليكم الأكل والشرب والأزياء ولا شئ خلاف ذلك.
وأردف : أنقذنا من ذلك الواقع السوداني أشرف الشهير في ليبيا بود الجبل البالغ من العمر 28عاما الذي توفي فيما بعد في حادث وكان أن تحصلت على رقم هاتفه، واتصلت عليه، فطلب مني الخروج من منطقة (التلت) إلى شارع الزلط بدون علم الليبيين فما كان مني إلا وتوجهت إلى منطقة المرج الجديد، وهناك قابلته فاستقبلني بحفاوة شديدة، واستأجر لي عربة أجرة عدت بها إلى منطقة التلت، وأحضرت بقية السودانيين وعدنا إليه فاستأجر لنا غرفة بمنطقة (المرج الجديد)، ومنها تحركنا مباشرة إلى مدينة (بنغازي) التي عملت فيها في مجال الحدادة والنجارة المسلحة حوالي الشهر إلا أن صاحب العمل رفض منحى مستحقاتي المالية، بل أخذ جوازي على أن يرده لي مقابل ألفي درهم ليبي، وبالفعل دبرت له المبلغ، وعندها اتصلت عليه لكي يحدد لي مكاناً ما، وعندما أتيت لم يأت، فلم يكن أمامي بداً سوى أن أتنقل إلى مدينة البيضاء، وفيها ألقى علىّ القبض ووضعي في سجن بمنطقة (الشحاد)، بينما كان يتم تعذيبنا بالكهرباء ووسائل مستحدثة آخري، وهكذا إلى أن مضى 21 يوماً فجاء سودانياً وقام بإخراجنا من السجن، ومن ثم عملت في محل تجارى خاص بالإلكترونيات، والذي قضيت فيه شهراً، فلم يتم منحى راتبي الشهري، فتركت العمل به، واتجهت إلى العمل في مطعم بمدينة (البيضاء) حوالي الشهر، ولم أمنح راتبي الشهري أيضاً، فغادرت المدينة إلى منطقة (اجدابيا) بالطريق الصحراوي إلى أن وصلت منطقة (الكفرة) ليتم نقلنا إلى مدينة (دنقلا) السودانية.
فيما كشفت سمية أحمد عبدالله قصة مؤثرة حول وفاة زوجها شنقاً، وقالت : ملف المعتقلين والمفقودين من أهم الملفات التى تبين حجم الانتهاكات التي أرتكبها نظام العقيد معمر القذافي في حق الشعب الليبى والأجانب الذين هاجروا إلى هناك بدوافع تحسين أوضاعهم الإقتصادية، ومن بينهم السوداني (عماد) الذي قتل بواسطة سلاسل تتدلى من الكهرباء داخل حراسة الأمن الخارجي الليبى أو ما يسمى بـ(الاستخبارات)، بعد أن أشتمل الاعتقال على التحقيق والتعذيب الذى هو سبباً أدى بالعديد من عائلات السجناء الأبرياء إلى مغادرة الأراضى الليبية خوفاً من المصير الذين يقبعون في إطاره السجناء وراء جدران الزنزانات، والغرف الأمنية المتردية من الصحة، والتى تعانى من (الرطوبة) العالية جداً، وغالباً ما تنتشر فيها الأمراض المزمنة، والتى أدت إلى وفاة العشرات داخل السجون والخلايا وغرف الأمن، إضافة إلى أنهم ليسوا على اتصال مع العالم المحيط من حولهم، وهذا هو بالضبط ما حدث مع القتيل السوداني (عماد عبد الله فضل المولى) الذى حرم من العرض على الطبيب كنوع من الجزاء الموقع عليه، وهكذا لقوا حتفهم على مرأى من زملائهم بعد الإهمال في المرض، وعدم اللامبالاة من الحراس والسجانين على صحتهم، وهكذا واصلت تعذيب زوجي (عماد) حتى الموت.
وأضافت : عندما تحدثت مع زوجى، قال لى بالحرف الواحد: (هؤلاء الناس لا رحمة لهم والشفقة في قلوبهم معدومة، فقد تعرضت للتعذيب والضرب على اليدين، والقدمين بالأحزمة والعصى والأسلاك الكهربائية، والتعليق بصورة ملتوية ومؤلمة جداً، مع استخدام الصدمات الكهربائية، فضلاً عن عدم المعاملة الإنسانية، فمنذ الوهلة الأولى من اعتقالى عرفت أننى سأموت لا محال)، حينها شعرت بالمرارة الشديدة لدرجة إننى بكيت بحرقة، وكان أن طلب مني إيجاد حل عاجل لهذه التهمة الباطلة التي لفقها له أفراد من الأمن الخارجي الليبي، إذ أنهم زعموا تهريبه للأفارقة والعرب من مدينة (الزوار) إلى المناطق الساحلية على الشواطئ الإيطالية مقابل ألف دولار، وهذا الاتهام جاء بعد أن غرق مركباً بالمهاجرين المهربين الذين يبلغ عددهم (24) شخصاً، لقوا حتفهم غرقاً في المياه الليبية الأمر الذي أضطر الأمن الخارجى الليبى أن يدفع (18) ألف دولار لأولئك الذين نجوا من الموت غرقاً، وبهذا المعنى فإن الشخص المعتقل أن يموت تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي أو التصفية داخل خلايا الأمن الخارجى أو الداخلى.
واستطردت : ما حدث مع (عماد) لا يمكن أن يتصوره العقل حيث أنه تم تعذيبه وإذلاله لعدة أيام إلى أن قتل بالإعدام شنقاً بسلسلة كهربائية داخل الخلية الأمنية، فابكانى ذلك المشهد المروع الذى ارتكبت في ظله الجريمة النكراء، والذى كل ذنبه أنه سعى لتحسين أوضاعه الاقتصادية، لذلك سوف لا أنسى نظراته الىّ بحزن عميق عندما أشارت عقارب الساعة لمغادرة مبانى الأمن الداخلى، وسجلت له أكثر من زيارة كنت خلالها أحجب دموعى ولا أفرج عنها إلا داخل المنزل، هكذا عشت حياة جديدة مليئة بالحزن والجراح، فالموت أصبح جزءاً من ذكرياتى المفروضة علىّ بوحشية مطلقة، مما دفعنى ذلك الواقع للبحث عن الانتقام لمقتل زوجى (عماد).
واسترسلت : ها أنا أمشى حذره في خطواتى خوفاً من ويلات الانتهاكات اللاإنسانية واللاأخلاقية من قبل الأجهزة الأمنية التي قتلت (عماد) في زنزانته شنقاً بسلسلة كهربائية تستخدم في تعذيب السجناء، إضافة إلى الضرب الجسدي المستمر يومياً إلى أن تشرق الشمس في صباح اليوم التالى، لا يمكن إنكار هذه الحقائق التي وقفت عليها شاهدة وذلك من واقع اعتقال زوجى (عماد) الذى تعرض للضرب الوحشى على باطن القدمين والخ، كان يقول لى : (والله، أنا بريء من التهم المنسوبة الى، لذلك أتألم لهذا الظلم دون توجيه تهمة أو محاكمة)، بينما كان يسألنى ماذا أفعل؟ فلم تكن لدى إجابة، لأنهم أغلقوا في وجهي كل الأبواب ، فخرجت من مكاتب الأمن الخارجي الليبي والدموع تنهمر من عينى بغزارة، بيد أنني كنت أفكر في الخروج، ولكن كيف؟. وتستعرض وقائع سنوات من الألم والحزن قضتها بليبيا ثم عادت للسودان، وهى العائل الوحيد لأبنائها، لذا أسأل نفسى ماذا أنوي أن أفعل غداً؟، كنت أقول فى قرارة نفسى دعى الغد فهو لن يكون أفضل، وهذا يلخص مشاعري في تلك اللحظة، وإذا كرر على السؤال فأنا لا أعرف ما أقول؟ ليس لدى جواب وواصلت حواري في ظل الظروف الإنسانية المحيطة بى، ولكن مرة بعد مرة، كنت أمشى على كف القدر ولا ادرى بالمكتوب الذى رأيت في إطاره كيف تم اغتيال الإنسانية، وكيف هي الروح رخيصة، هكذا يموتون تعذيب حد القتل أو الشنق كالذى حدث مع (عماد) الذي أعدم شنقاً في منطقة (الزوار) بعد أن عذبوه بوسائل محرمة دولياً، فالتعذيب الذى تعرض له زوجى (عماد) بدأ من اللحظة التي تم نقله فيها من المنزل حيث تعرض للضرب دون تهمة إلا أنهم طلبوا منهم رد (18) ألف دولار استخدموا فى إطارها أساليب من التعذيب المحرم جسدياً ونفسياً، فلا يوجد شىء هناك إلا التعذيب اليومى الذي لم أذهب فى ظله إلى الحمام منذ اعتقالى إلى جانب أنهم يجبرونى على تغطية رأسي وبعد ذلك يسلطون الضوء القوي على عينى، وكل صباح يخترعون نمطاً جديداً من أساليب التعذيب الجسدي والمعنوى ولا يراعون فارق السن فى التعامل معنا بطريقهم الوحشية جداً، ومن ثم يتم وضعنا فى زنزانات انفرادية، ولا يسمح لنا بالاتصال، الأمر الذي أدى إلى وفاة العديد منا لعدم تحملهم التعذيب الشديد، والأغرب فى عملية اعتقال زوجى هو أن اسمه مشابهاً لاسم مطلوب لديهم، لذلك كان يواجه كارثة إنسانية حقيقية، صمت فى إطارها أولئك الذين نجوا؟ إلا أن زوجي (عماد) أعدم شنقاً كما أعدم (عمر ديوب) لمشاركته في مظاهرات يناير 1976م، المهم أن الأجهزة الأمنية حولت جثمانه إلى مشرحة الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة دون جدوى

سراج النعيم يكتب : القضاء على الطبقة الوسطى

......................
يبقى ملف (فساد) نظام الرئيس المخلوع عمر البشير متجذراً في كل مؤسسات الدولة على إختلاف تخصصاتها، وذلك نسبة إلى أنه ركز تركيزاً كبيراً على النواحي الأمنية، وبالتالي فإنه دون أدني شك أغفل الجوانب التعليمية والصحية، بل سعي سعياً حثيثاً للقضاء على آخر ما تبقي منها، لذلك تظل الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية حول حكم السودان قائمة داخلياً وخارجياً للأهمية القصوى التي يتسم بها.
إن السودان بلد غني بثرواته المتنوعة ـ الموجودة في ظاهر وباطن الأرض، وبالتالي تبقى تلك الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية مستمرة، وهي جميعاً تحكمها أجندات وسيناريوهات محلية، إقليمية ودولية، واللاعب الأساسي فيها بعض أبناء السودان الذين انجرفوا وراء تيارات جارفة ومعمقة للأزمات المتوالية في المشهد، والذي تحاول بعض القوى الخارجية أن تلعب في إطاره دوراً طليعياً، مما ينتج عن ذلك عدم الاستقرار، وتلك التدخلات يهدف منها البعض إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة، لذا يجب الاستجابة لمن هم صادقون في النوايا الرامية لتحقيق الوفاق، ونبذ الآخر الذي لديه أجندات بعيدة عما اشرت إليه ، ولكل هذه العوامل المتنافرة والتجاذبات على المجلس العسكري السوداني تجاوز التحديات الجسام، والتي قطعاً تفوق كل التصورات، وتفوق كل الإمكانيات التي ورثها من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي بدوره دمر البنية التحتية، مما جعل البلاد منهارة والخزانة خاوية من الأموال، أي أنه أفرغ البلاد من محتواها تماماً، وذلك بـ(الفساد) الذي استشري في مؤسسات وشركات الدولة المختلفة، مما أتاح الفرصة للتدخلات الخارجية في الشئون السودانية الداخلية، وذلك تحت غطاء دعم الأشقاء لتجاوز الأزمات السياسية، الإقتصادية، والاجتماعية وغيرها، مما دفع النظام السابق للزج بالسودان فيما هو دائر في اليمن من خلال تحالفه مع السعودية والإمارات بدعم من أمريكيا، بالإضافة إلى أنه دخل في صراعات مع إسرائيل التي تدخل طرفاً في الكثير من الصراعات والنزاعات الدائرة في المحيطين العربي والأفريقي.
ومن المؤكد أن القوى الخارجية لها مصالح استراتيجية في السودان من حيث موقعه الجغرافي وثرواته الحيوانية والمعدنية وإطلالة موانيه على البحر الأحمر وغيرها من الموارد، لذلك فإن العالم يهتم إهتماماً بالغاً بما يجري فيه، وذلك منذ تقلد نظام المعزول عمر البشير مقاليد الحكم في البلاد، ومنذ ذلك التاريخ أدخل السودان في صراعات سياسية ونزاعات عسكرية من خلال تحالفه مع هذا أو ذاك حسب مصالحه الشخصية البعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن، ومن بينها الصراعات السياسية والمناوشات العسكرية بين أمريكيا وإيران من جهة والسعودية وحلفائها من جهة آخري وبين دولة الكيان الصهيوني وإيران من جهة ثالثة، وهي تحالفات أفرزها انتهاج النظام البائد للسياسات الخارجية الخاطئة بكل المعايير والمقاييس.
إن السياسات المنتجة من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير سياسات افقدت الشعب السوداني كرامته، وجعلت أوضاعه الإنسانية بالغة التعقيد، خاصة وأنه لعب دوراً كبيراً في التدمير الذي شهدته البلاد على كافة المستويات السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية والفكرية، وأدى إلى القضاء على البنية التحتية تماماً، وهو الأمر الذي يصعب على من يتقلد حكم السودان فيما بعد لإستعادة البلاد إلى توازنها الطبيعي بين دول العالم، وحفظ حقوق إنسان السودان المهضومة على مر ثلاثين عام وهي الحقوق التي قادت إلى انتفاضة مدينة (عطبرة) في وجه الظلم، و(الفساد) الذي استشري في كل مفاصل الدولة ، وظهر ذلك جلياً من خلال فتح ملف (الفساد) في الفترة الماضية، إلا أن النظام ظل يصر على سياساته الخاطئة، والتي كان يقود بها البلاد برؤيه تشوبها الكثير من الشوائب، مما أدي إلى تعمق الصراعات السياسية، والنزاعات العسكرية، فالسودان منذ العام 1956م وإلى الآن لم يشهد استقراراً نسبة إلى أن البلاد كانت تدار بقبضة ديكتاتورية أحادية لم تفسح المجال لنظام حكم عادل في السودان، نظام يحفظ حقوق الإنسان الذي ظل دوماً يبحث عن الحرية، العدالة والسلام، وهي أجواء كفيلة بأن تحقق له الاستقرار والحقوق التي تتيح له مقاضاة حتى من هم في السلطة التنفيذية المنوط بها تطبيق القانون على أرض الواقع. 
إن الدولة من حيث مفهومها العميق هي النظام، الأرض والشعب، وهذا المثلث المكون لها يتطلب فيه إعلاء سلطة القانون لحفظ حقوق طبقات المجتمع المختلفة، وهو الامر الذي لم يشهده منذ الاستقلال، بل ظل محكوماً بالقبضة الديكتاتورية، وهي بلا شك تتيح الفرصة للمصلحة الشخصية الغالبة على المصلحة الوطنية، وبالتالي يدفع الشعب ثمناً باهظاً في ظل أوضاع اقتصادية متردية جداً، وهي واحدة من الأسباب الرئيسية لقيام الثورة الشباب ضد النظام سيء الذكر، والذي لم يكن يضع في حساباته الطبقة الوسطى والتي يعتقد أنه قضى عليها.

الخميس، 13 يونيو 2019

سيناريو التدويل للأزمة السودانية بعد الإطاحة بالبشير














................
المبعوث الإثيوبي: المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية سيعودان للمفاوضات
................
توافق على ترشيح عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية 
................
بقلم : سراج النعيم
..............
من نعم الله على بلادنا أن الراهن السياسي، الاقتصادي، الإجتماعي، والثقافي، والفكري فيها لم يصل إلى الآن للنفق المظلم الذي يتوقعه بعض المهتمين بالشأن السياسي والعسكري في البلاد التي تتناوشها صراعات التيارات السياسية المحلية، الإقليمية والدولية ما بين الفينة والآخري، وهذا المفهوم ظل سائداً على مر تاريخ السودان القديم والحديث، مما جعله يعاني الأمرين من بعض المحاولات الجاذبة له نحو فرض الوصايا الخارجية عليه، وهو الأمر الذي يعمق التحديات الجسام التي تواجهه من هنا وهناك، وهي جميعاً تلوح بتوقيع الجزاءات والعقوبات التي عاني منها في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثة عقود، ومنذ ذلك التاريخ فالواقع السوداني تتجاذبه النزاعات والصراعات الداخلية والخارجية، ويتم استغلالها بصورة تصب في مصلحة بعض الجهات الداعمة لأجنداتها هنا وهناك، وهي جميعاً تسعى باستمرار إلى تدويل ما يجري من أحداث وأزمات سودانية يموج معظمها بالصراعات السياسية والعسكرية، ومما أشرت له فإن السودان يمر بمرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد، وبالتالي تتطلب منا جميعاً التكاتف والتعاضد من أجل تجاوز المعضلة التي نمر بها والخروج بالبلاد إلى بر الأمان وما ذهبت إليه لن يجعل هذا البلد متأزماً بقدر ما أنه سيمضي في الإتجاه الصحيح، لذا يجب أن نفوت على من يتربصون به الفرصة فهم الوحيدون المستفيدون من تلك الأوضاع لتمرير أجندات سياسية، إقتصادية، إجتماعية، ثقافية وفكرية، وأمثال هؤلاء يضعون بصمتهم السالبة في المشهد السوداني بشكل مباشر أو عكسه، ويدفعون بالبلاد دفعاً إلى التدخل الدولي في الشأن السوداني الداخلي، وهو دون أدني شك تدخلاً لا يحل الإشكاليات القائمة أصلاً بقدر ما أنه يعقد ويضاعف الأزمات السودانية المتوالية، مما يقود إلى صعوبة إيجاد الحلول الناجزة نسبة إلى تفاوت نسب درجات التأثير، فمنذ أن تمت الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر حسن البشير في 11 أبريل الماضي، إلا وظلت بعض القوى الدولية تفعل دورها في تحديد المصير الذي يجب أن يؤول إليه السودان، فهنالك من يضع خارطة طريق لشكل النظام الذي يجب أن يخلف النظام البائد، والذي رسمت له صوراً ربما تتوافق مع السودان أو العكس وذلك لعدم درايتهم بطبيعة السودان الذي ظلت تتلاطمه الأمواج وتتجاذبه التيارات السياسية، وبالتالي تعمل بعض الدول على استمالة نظام الحكم في البلاد لتحقيق ما تصبو إليه بالتدخل في الشأن السوداني الداخلي، والذي لم تتضح رؤيته بالنسبة للتحالفات الدولية في الفترة الانتقالية المزمع الدخول فيها بعد تشكيل السلطة المدنية، وهى الحكومة المنوط بها إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، وما هي توجهاتها من حيث السياسة الخارجية، خاصة وأن نظام الرئيس المعزول عمر البشير خلق إشكاليات مع المجتمع الدولي بالتحالفات غير المندرجة في مصلحة البلاد، مما جعل هنالك تبايناً بين المرحلة السابقة والقادمة، وهذا الأمر يوضح أن الدخول في تحالف إقليمي أو دولي متروك للمتغيرات المتسارعة في العالم، والذي تلعب فيه الدول العظمي دوراً ريادياً من حيث مواقفها وتوجهاتها وتصريحاتها المنضوية في هذا الإطار أو ذاك، وهو الأمر الذي يضفى بعداً انحيازياً لهذا الإتجاه أو ذاك لتحقيق أهداف مختلفة.
مما أشرت إليه فإن هذه التيارات الدولية سارعت للإتجاه نحو السودان كلياً بعد سقوط نظام الحكم السابق، ومن ثم واصلت ذلك بعد فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ، والذي نجم عنه وقوع عدد من الضحايا الشباب وإصابة البعض الآخر بجروح، مما قاد المجتمع الدولي إلى إدانة وشجب ورفض العملية التي تمت في تلك الأثناء، وهذا التنفيذ الذي جري في محيط قيادة الجيش السوداني أخرج الأزمة السودانية من الإطار المحلي الذي كانت تدور فيه إلى الرحاب الدولي الاوسع، مما حدا بذلك تكوين مجموعة دولية لما حدث في السودان، وتضم من بينها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وعقدت المنظومة الدولية إجتماعاً، لمناقشة مستجدات الأحداث في السودان، والتي على إثرها سجل آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، رئيس الدورة الحالية لمنظمة (إيغاد) التابعة للاتحاد الأفريقي زيارة للسودان، وعقد لقاءات بالمجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير، وجاءت نتائج تلك اللقاءات العودة للتفاوض ، ومن الراجح أن تلعب وساطة آبي أحمد دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير، خاصة وأن الطرفان قبلا الوساطة، مما يبشر بانفراج الأزمة السودانية من خلال العودة إلى التفاوض مجدداً بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير، وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي يفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد في المرحلة المقبلة، خاصة وأن السودان ظل على مدى ثلاثين عام من حكم الرئيس المعزول عمر البشير يشهد تدخلاً خارجياً للسياسات الخاطئة منها الحرب الطاحنة التي شهدها السودان بالتمرد الذي قاده الدكتور العقيد جون قرنق دي مبيور من خلال الحركة الشعبية، وبعد ضغوطات دولية تم التوصل إلى إتفاق (نيفاشا) الذي أفضى انفصال الجنوب عن الشمال بموجب استفتاء أجرى وسط الجنوبيين الذين وقع اختيارهم على الاستقلال بدولتهم، في العام ٢٠٠٣م ظهرت حركات مسلحة في إقليم دارفور، مما أدى إلى أن تقرر المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهماً للرئيس المخلوع عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي فإن التدخل الخارجي في الشأن السوداني ليس أمراً جديداً، بل هو بدأ مع تقلد ثورة الإنقاذ الوطني للحكم في البلاد بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في العام ١٩٨٩م، فمنذ ذلك التاريخ بدأ النظام البائد في الدخول مع تحالفات دولية، مما أدى إلى عدم الثقة فيه، فضلاً عن أنه كان يبحث عن نفوذ في المنطقة من خلال توجهه الإسلامي إلا أنه فشل في القيام بهذا الدور للأزمات التي يشهدها والعدائيات غير المبررة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول العظمى، مما سهل على المعارضة تدويل الأزمات الداخلية و رغماً عن تنازلات النظام لصالح القوى العظمى ، إلا انها في نهاية المطاف أدت إلى انفصال جنوب السودان، والي عدم الاستقرار الأمني في البلاد، وعليه فإن كل العوامل سالفة الذكر نتج عنها انعدام الثقة ، إلا أن الفرصة الآن مواتية للخروج بالسودان إلى بر الأمان بعيداً عن التدويل الذي ادخل دولاً في المحيط الأفريقي والعربي في نفق مظلم، فالتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي تحدث وفقاً للصراعات والنزاعات السياسية والعسكرية ، إلا أن ما تشهده البلاد في الراهن السوداني لم يصل إلى مرحلة الولوج إلى نفق مظلم وبالرغم عن ذلك فإن الاجندات الدولية حاضرة في المشهد السوداني الذي يعتبر من الدول ذات المساحة الجغرافية الكبيرة التي لا يستهان بها وبالتالي له تأثير على مصالح القوى الدولية، وعليه فإن ما حدث من تدويل للقضية السودانية يهدف إلى حل الأزمة.
بينما قال المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي للسودان محمود درير، إن المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير توصلا إلى أن لا عودة فيما تم الاتفاق عليه، مؤكداً عودة الطرفين إلى المفاوضات قريباً.
وتابع : إن الطرفين سيتباحثان حول المجلس السيادي بنية حسنة، وأردف : اتفقا على أن لا يكون هناك ما يسيء لهما من بيانات تصعيدية تعيق المبادرة.
وأشار إلي أن المجلس العسكري الانتقالي وافق على بناء الثقة بإطلاق سراح المعتقلين، كما وافقت قوى إعلان الحرية والتغيير على إيقاف العصيان، وقال مبعوث الرئيس الإثيوبي إنهم سيتقدمون بأفكار لتجاوز معضلة المجلس السيادي.
وأضاف : نحن نسعى لأن تتجنب الأطراف التصعيد والاتهامات المتبادلة، وتابع : نريد أن نمضي قدماً في المبادرة، مؤكداً أنه على ثقة بأن السودان سيتجاوز المرحلة الراهنة.
من جهة أخري أكدت مصادر مطلعة أن الخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة عبدالله حمدوك بات أقوي المرشحين لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، وكان الرئيس المخلوع عمر البشير قد اختاره لتولي وزارة المالية، إلا أنه إعتذر عن تقلد المنصب، مؤكداً جاهزيته الكاملة لوضع كل خبراته لصالح السودان.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...