الأربعاء، 18 مارس 2020

أسرة شهيد (المواكب) الفاتح النمير تكشف تفاصيل تنشر لأول مرة.. شيماء : شاهدنا فيديو ضربه بالرصاصة ولحظة سقوطه دون معرفتنا له



جلس إليها : سراج النعيم
وضعت شيماء الشقيقة الصغرى للشهيد الفاتح عمر النمير التفاصيل الكاملة لقصة استشهاده أثناء مشاركته في مواكب ثورة ديسمبر المجيدة، وذلك منذ انطلاقتها الأولى.
وقالت : يعتبر شقيقي الأكبر (الفاتح) من شهداء (المواكب) الذين حرصوا على الانتظام في إطارها منذ بداية ثورة ديسمبر الداعية للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والتي ضُرب في ظلها بطلق ناري في العين اليمني، وذلك في موكب (١٧ يناير) بمنطقة (برى الدرايسة) بالخرطوم.
ومضت : يعد اليوم الذي أصيب فيه شقيقي يوماً خالداً في ذاكرة الشعب السوداني لأنه أشتهر في أذهان العامة بـ(مجزرة بري)، والتي استشهد فيها إلى جانبه الشهيد الدكتور بابكر والشهيد العم معاوية اللذين أسلما الروح لبارئها في نفس اليوم الذي أشرت له مسبقاً، فيما توفى شقيقي الشهيد (الفاتح) بعد مرور أربع أيام من تاريخ إصابته بالعيار الناري في ٢١ يناير، وكان ذلك اليوم يوماً مفصلياً في تاريخ الثورة السودانية الداعية للتحرر من قبضة النظام البائد.
وأضافت : الشهيد (الفاتح) ظل يداوم على الخروج في كل مواكب الثورة، وذلك منذ انطلاقتها الأولى على أساس أنه أعتبرها فرصة لتحقيق ما يصبو إليه من أهداف، فهو كان رافضاً رفضاً باتاً لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، لذلك عندما بدأت الشرارة الأولى للثورة لاحظت أنه كان فرحاً بها فرحاً منقطع النظير، وهذه الفرحة نابعة من أنه سوف يحدث التغيير الذي ينشده على مدى سنوات طوال من حياته، فهو كان يركز جل اهتمامه للتخلص من النظام البائد الذي يعتبره نظاماً ظالماً من خلال ممارساته القمعية المستمرة على مدى ثلاثة عقود متصلة دون انقطاع.
وماذا؟
كان الشهيد (الفاتح) كثير التحدث عن الظلم، القهر، القمع، التشريد والقتل الذي نتج عن سياسات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فهي انتهاكات كانت تؤثر فيه تأثيراً بالغاً، وهي عوامل دفعته إلى المشاركة بفعالية في المواكب، فهو لم يترك موكباً واحداً إلا وكان من أوائل المنضمين إليه بما فيها المواكب البعيدة.
وأردفت : شقيقي (الفاتح) كان يفترض أن يتخرج من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا (هندسة ميكانيكا) في العام ٢٠٢٠م ورغماً عن أن الجامعة كانت منتظمة في التدريس إلا أنه كان مصراً على المشاركة في الثورة التي يؤمن بها إيماناً منقطع النظير.
وتابعت : الشهيد أطلق عليه عياراً نارياً في عينه اليمني، مما أدى إلى استقرار المقذوف في الرأس، فتم إسعافه بصعوبة إلى مستشفى (رويال كير)، والذي بقي على إثره طريح الفراش إلى أن اسلم روحه إلى بارئها.
وقالت : استشهاد (الفاتح) في موكب (الخميس) الموافق ١٧ يناير، وهو من دون كل المواكب شهد قمعاً أمنياً شديداً، وانتشاراً كثيفاً لقوات أمن الرئيس المخلوع عمر البشير، وتعود الوقائع إلى أن الموكب بدأ في تمام الساعة الواحدة ظهراً في السوق العربي بالخرطوم، وكان الشهيد مشاركاً فيه بفعالية، وما أن استمر حوالي الربع ساعة إلا وأطلقت سلطات النظام البائد الغاز المسيل للدموع بصورة مكثفة جداً، مما أدى إلى توزع الثوار من هناك إلى مناطق مختلفة، بينما ذهب الشهيد (الفاتح) إلى منطقة (بري الدرايسة)، وشارك في موكب بميدان المنطقة سالفة الذكر، إلا أن الأجهزة الأمنية مارست قمعاً لم يكن مسبوقاً وعنفاً بصورة مفرطة جداً، بالإضافة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع، إلى جانب إطلاق الرصاص الحي في مناطق قاتلة من أجسام الثوار الذين تعرضوا لإصابات الخطيرة بما فيهم الشهداء الذين أثبتت إصاباتهم أن النظام البائد انتهك حقوق الإنسان الموقع عليها في المواثيق، المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وذهبت إلى إصابة الشهيد (الفاتح) قائلة : أصيب حوالي الساعة الثالثة عصراً، وبما أن الأجهزة الأمنية كانت تطوق منطقة (بري الدرايسة)، وتطلق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع بكثافة كبيرة، لذا كان من العسير إسعافه لمستشفى رويال كير، وعندما سنحت الفرصة أخذه الثوار إلى المستشفي، وبعد إدخاله إليها ظلوا معتصمين أمامها، وهذا اليوم غير مسار ثورة ديسمبر المجيدة، إذ أن هنالك من لم يكن مشاركاً في المواكب، إلا أن الانتهاك الذي شهدته منطقة (بري الدرايسة) قادهم إلى الانضمام إلى الثورة.
فيما قالت شيماء : أتضح أنه لديه نزيف حاد ناتج عن العيار الناري الذي أطلق عليه، وهو من نوع الرصاص الممنوع أصلاً استخدامه في مواجهة البشرية، إنما يستخدم في صيد الحيوانات لأنه ما أن يطلق على الجسم إلا ويتفتت داخله، وكل الإصابات في موكب الخميس 17 يناير على هذا النحو، مما يؤكد أنهم عمدوا إلى أن تكون الإصابة في مقتل، إذ أنها مصوبة بشكل مباشرة في مناطق حساسة من جسم الإنسان، لذا لم يستطع الأطباء إنقاذ حالة شقيقي الشهيد (الفاتح).
ومضت : الشهيد كان مستقلاً، وليس لديه انتماء سياسي، وهو كانت لديه قضية رغماً عن أنه يبلغ من العمر (٢٤) عاماً، درس الشهيد المرحلة الابتدائية في مدرسة الثورة الحارة العاشرة بنين وأحرز من خلالها نسبة كبيرة انتقل بها إلى مدرسة (الدقير) الثانوية، ثم جلس إلى امتحان الشهادة السودانية الذي بموجبه التحق بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا (هندسة ميكانيكا) وهو كان في السنة الأخيرة بداية (السمستر) الثاني، وكانوا يعملون في مشروع التخرج.
واستطردت : قمنا بفتح بلاغ بوقائع قتله منذ اليوم الأول الذي تلقينا فيه خبر استشهاده ضد جهاز أمن الرئيس المخلوع عمر البشير، خاصة وأن هنالك شهود كثر على واقعة مقتله، لذا لا أرى مبرراً يوقف إجراءات القضية منذ الوفاة إلى هذه اللحظة، مع التأكيد بأن كل ملفات شهداء ثورة ديسمبر وضعت على منضدة السلطات العدلية بالخرطوم شمال.
واسترسلت : الشهيد (الفاتح) الوحيد الذي صور له مقطع فيديو لحظة إطلاق العيار الناري عليه، والذي كنت أتصفحه بموقع (الفيس بوك)، وعندما شاهدته لم أكن أعرف أنه شقيقي الشهيد لأن ملامح شكله بعد إطلاق الرصاصة عليه تغير تماماً، كما أنه كان يربط على رأسه قطعة (قماش)، فهزني ذلك كما هز كل الشعب السوداني في الداخل والخارج، خاصة وأن مصور مقطع الفيديو التقط مشهد لحظة سقوطه على الأرض، وبما إنني لم أكن أعرف أنه شقيقي بكيت عليه بكاءاً حاراً، وتضرعت لله العلي القدير أن يصبر أهله على مصابه الجلل، ولم أكتف بذلك بل توجهت من مكاني نحو غرفة والدتي وعرضت عليها مقطع الفيديو من البداية قائلة : يا أمي شاهدي كيف ضربت الأجهزة الأمنية هذا الشاب في مظاهرات بمنطقة (بري الدرايسة)، وكان أن حزنت والدتي عليه حزناً عميقاً، وبعد أيام مما أشرت له اكتشفنا أن الشاب الذي شاهدناه في مقطع الفيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي هو شقيقي الأكبر الشهيد (الفاتح)، فنزل علينا خبر إصابته كـ(الصاعقة)، ومن ثم مقتله الذي كان بالنسبة لنا كارثة وصدمة كبيرة.
وذكرت : وعندما ذهبنا إلى المستشفى لم نكن مستوعبين ما جري معه، إلا إنني شخصياً أعرف أن الإصابة في الرأس ماذا تعني من الناحية الطبية، ورغماً عن ذلك كنت رافضه تصديق ما حدث، إلا أن أملي كان كبيراً في رب العباد أن يتجاوز تلك المرحلة الخطيرة، وكنت أدعو الله العلي القدير أن يتخطى المرحلة (الحرجة)، ويتماثل للشفاء خاصة وأنه كان إنساناً محبوباً وقريباً جداً إلى قلوبنا، فهو بطبعه أقرب إنسان لكل شخص في العائلة لما يمتاز به من إنسانية، عطف وحنان.
وأشارت إلى أن ترتيب الشهيد الفاتح من بين أشقائه هو أنه الابن الأكبر، وأنا بعده مباشرة، ومن ثم محمد الذي يدرس بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بالصف الثاني (هندسة كهرباء) ويليه مصعب آخر العنقود ويدرس في الصف الثالث أساس.










التفاصيل الكاملة لاستشهاد (مجتبي) في فض الاعتصام بالخرطوم.. حنان : هذا رأيه حول مقتل الأستاذ أحمد الخير بمنطقة (خشم القربة)











جلس إليها : سراج النعيم

أُضرمت النيران في الخيمة الموجود بها الشهيد (مجتبي)، ومن ثم تمت محاصرته في ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة بالخرطوم، إلا أنه صمد، كيف لا وهو صاحب العبارة الشهيرة (الثورة دي حقتنا.. والثورة دي ثورتنا نحن)، وبما أنه مؤمناً بقضيته لم يأبه بالمصير الذي سيؤول إليه متقدماً في تلك الأثناء نحو شابة من شابات الاعتصام (كنداكة) كانت قد سقطت على الأرض بعد تعرضها للإصابة فحملها على أكتافه وتوجه بها سريعاً إلى أحدى السيارات المرتكزة خارج ساحة الاعتصام، ثم عاد أدراجه مرة أخرى مواصلاً نضاله الثوري باحثاً عن الحرية، السلام والعدالة، فمن هذا المدخل وهذه البوابة ندلف مباشرة إلى قصته المؤثرة التي ترويها والدته المعلمة حنان أحمد الحاج، فهيإ نقلب صفحات وصفحات.
في البدء قالت والدته الأستاذة حنان : الشهيد هو مجتبى صلاح أحمد يبلغ من العمر (٢٠) عاماً، يقيم معنا بمنطقة (الصحافة شرق)، وهو منذ صغره يمتاز بذكاءٍ حاد، وما أن أنهى دراسته الثانوية إلا وبدأ مرحلة جديدة من حياته الأكاديمية حالماً بإكمالها خارج السودان، إلا أن حلمه هذا لم يتحقق في ظل نظام المخلوع عمر البشير، فما كان منه إلا أن يقرر الانتظام في الدراسة الجامعية في السودان فالتحق بجامعة السودان العالمية كلية (الهندسة).
وأردفت : بدأ كفاحه الثوري نهاية العام ٢٠١٨م مؤمناً بأن السودان يجب أن يكون كهوية لكل السودانيين على اختلاف سحناتهم وقبائلهم، وتطبيقاً إلى ما توصل له أصبح يضع علم السودان في المنزل من الخارج والداخل، ويدندن في ذات الوقت بالأغاني الوطنية بمصاحبة عزفه على آلة (الجيتار)، ورغماً عن تعلقه بالأغاني والموسيقي، إلا أن حبه لوطنه قاده إلى أن يودع كل شىء تاركاً وراءه ذكرياته ومؤلفاته الثقافية، بالإضافة إلى أنه كان متصوفاً، ومشاركاً في حلقات الذكر، وظل هكذا إنساناً مختلفاً إلى أن أنضم إلى ساحة الاعتصام.
وأشارت إلى أن جذوره تعود إلى منطقة (المسيكتاب) بمدينة شندي شمال السودان، وهو من مواليد يناير ١٩٩٧م، وترتيبه بين أشقائه الثالث.
ماذا عن كلية الطب؟
سافر إلى مصر، ومنها إلى ليبيا بغرض الهجرة إلى أوروبا للتحول من دراسة (الهندسة) إلى (الطب)، ورغبته هذه نابعة من أنه امتحن الشهادة السودانية علمي أحياء، وأحرز مجموعاً لم يحقق له طموح الالتحاق بكلية الطب، فأرجأ الفكرة إلى ما بعد والتحق بكلية الهندسة باحثاً من خلالها التخصص في مجال المعدات الطبية إلا أنه لم يتوفق أيضاً، فما كان منه إلا واتجه لدراسة الهندسة الإلكترونية، وكان كل مسعاه منحصراً في دراسة الطب لتحقيق رغبتي القائمة على إبعاده من دراسة الهندسة على أساس أن شقيقيه الأكبر منه درسا هندسة.
ومضت : الشهيد (مجتبى) تأخر عام في كليته بسبب سفره في العام ٢٠١٧م خارج البلاد، فلو كان منتظماً في دراسته فإنه سيكون في المستوى الثالث، فعندما ذهب إلى كليته وجد أن نتيجته (ربيت)، المهم أنه شارك مع الثوار منذ انطلاقة الشرارة الأولى في العام ٢٠١٨م، وفي هذه الفترة درس كورس موسيقي للعزف على آلة (الجيتار) بـ(سحر الكمنجة)، كما أنه كان يعمل في الفترة الصباحية في مجال الهواتف السيارة مع شقيقه، ويعمل في الفترة المسائية أيضاً مع صديقه في كافتيريا.
واسترسلت : عندما بدأت ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٩م كان مشاركاً فيها أيضاً منذ انطلاقة شرارتها الأولى، إذ أنه كان ناشطاً في المواكب خاصة في الصحافة غرب، الصحافة (١٦)، الصحافة (٢٤) وجبرات،
واستطردت : بعد فترة مواكب الثورة انتقل إلى ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، وكان مواظباً على التواجد فيها بشكل دائم، ويأتي إلى المنزل ما بين الفينة والأخرى، وكان موجوداً مع رفقائه النشطاء داخل جامعة الخرطوم في قاعة تابعة لكلية (الجغرافية)، وظل على ذلك النحو إلى أن هلّ شهر رمضان المعظم الذي أمضاه في ساحة الاعتصام ، ويأتي للمنزل نهاية الأسبوع ليأخذ بعضاً من ملابسه ومصاريفه ثم يعود إليها مرة ثانية، هكذا كان يفعل حتى الأسبوع الأخير من رمضان، والذي قابلته فيه حوالي ثلاثة أيام كان يتابع من خلالها منحته الدراسية في اليابان، وأجرى في إطارها الكشف الطبي وملأ الاستمارة الخاصة بذلك، ومن ثم قدم للمنحة الدراسية من أجل أن يحوز على النتيجة النهائية، وهي المرة الأخيرة التي أقابله فيها، إلا أنه كان متواصلاً معي عبر الهاتف السيار، مؤكداً أن النتيجة ٢٠/٦/٢٠١٩م، وطلب مني أن أدعو له بالتوفيق.
وماذا؟
بعد أسبوع حدث لي ظرفاً فسافرت إلى مدينة (شندي) لأداء واجب العزاء في وفاة، لذا أصبحت أتواصل معه عبر الهاتف السيار إلى اليوم الذي سبق فض الاعتصام، وكان أن طلبت منه القدوم إلى شندي لقضاء إجازة العيد معنا إلا أنه قال لي : (صلاة العيد في ساحة الاعتصام)، ولكن بإذن الله تعالى سوف أشد الرحال إليكم بعد صلاة العيد مباشرة، إلا أن الأقدار شاءت أن يتم فض الاعتصام.
كيف تلقيتي خبر استشهاد (مجتبي)؟
هو أول شهداء فض الاعتصام الذين نشرت لهم صوراً مؤثرة عبر السوشال ميديا، لذا عرف الجيران بما جري، فما كان من أحدهم إلا وجاء إلى ابني شقيق الشهيد في المنزل مؤكداً له أن الاعتصام تم فضه، فخرج ابني للشارع العام فوجد تجمهراً كبيراً من الناس، فقال له البعض منهم : (إن شقيقك مجتبي أصيب في فض الاعتصام)، فما كان منه إلا أن يتحرك مع عمه إلى مستشفى (الزيتونة)، وهناك وجدا أنه استشهد، فتم نقل جثمانه إلى مشرحة الأكاديمية، وبعد الانتهاء من الإجراءات عادوا إلى المنزل حوالي الساعة الواحدة ظهراً، وبما إنني كنت في مدينة شندي ظللت على اتصال دائم بمن هم في الخرطوم إلا أن الرد يأتي إلىّ من الطرف الآخر بأن هذا المشترك لا يمكن الوصول إليها حالياً، فاتصلت على هاتف الشهيد (مجتبي)، فوجدت أنه يرن، وعندما لم يرد علىّ عاودت الاتصال به مرة ثانية إلا أن الرد يؤكد أنه مغلقاً، فما كان إلا أن اتصل بشقيقيه أبي وقصي إلا أنهما لا يردان، وبعد لحظات من الاتصالات هاتف أوبي خاله المقيم في شندي مؤكداً له أن شقيقه (مجتبي) أصيب إصابة خطيرة، وهو الآن طريح الفراش بالمستشفى هذا ما يجب عكسه لوالدتي، ولكن الحقيقة أنه استشهد في فض الاعتصام، فما كان من شقيقي إلا واتصل علىّ هاتفياً موجهاً لى سؤالاً مفاده هل أنتي متواصله مع أبنائك؟ فقلت : نعم، ولكن لا أجد منهم رداً، فقال : حدث ضرب في ساحة الاعتصام بالخرطوم، فقلت : أعلم بذلك، فقال هل عرفتي أن أبنك مجتبي أصيب في فض الاعتصام؟ فقلت : لا لم يخبرني أحداً بذلك، لذلك لا يجب أن تقول لي أنه مصاب، بل قل إنه استشهد، فقال أدعو الله أن يلهمك الصبر يا حنان، فهو توفي متأثراً بإصابة تعرض لها، وعليه سافرت من شندي إلى الخرطوم، ووصلتها في زمن قياسي، لكن من الخرطوم بحري إلى منزلي بـ(الصحافة) كان الأمر في غاية الصعوبة نسبة إلى تتريس الشوارع فمن الساعة التاسعة صباحاً وصلت إلى منزلي مع صلاة العصر، وكنت مصرة على عدم دفن ابني إلا بعد أن أشاهده لأنني إذا لم أفعل فسأكون غير مقتنعة أنه مات، وكان أن انتظروني، فدلفت إلى الغرفة المسجي فيها جثمانه، فسلمت عليه وعفوت عنه.
وعرجت إلى إصابته قائلة : إصابة كانت قاضية فما بين إسعافه ووفاته لم تتجاوز حياته الـ(٤٠) دقيقة، ثم أسلم الروح لبارئها، أما أثناء وجوده داخل مستشفى (الزيتونة) فكانت الأوضاع متوترة جداً، لذا بقي الشهيد حياً بالمستشفى حوالي الربع ساعة من إسعافه.
ما هي الإجراءات المتخذة بعد استشهاد مجتبي؟
فتحنا بلاغاً في قسم شرطة الخرطوم شمال، وأرفقنا معه تقرير الطبيب، والطب الشرعي، وهنالك مجموعة من الإخوة المحامين تبنوا قضية فض الاعتصام، فلو كانت قضية الشهيد مجتبي فردية لا أدري ماذا كنا سنفعل؟ لأنه لا نعرف ضد من نرفع الدعوي الجنائية، عموماً المسئولية تقع على عاتق السلطات ، فهي المسئولة عما جرى حتى ولو لم يعترفوا بفضهم للاعتصام، فهم في المقام الأول والأخير معنيين بتوفير الحماية الأمنية للثوار الذين كانوا متواجدين أمام ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة.
ماذا عن لجنة فض الاعتصام؟
ليس لدى إحساس بأن الأمر يمضي في الاتجاه الصحيح، فحتى قوي إعلان الحرية والتغيير مسئولة عما حدث لأنها لم تبصر الشباب بأن الاعتصام سيتم فضه في ذلك اليوم، فأنا على قناعة بأنهم كانوا على علم به، لذا كان يفترض فيهم أن يوضحوا ذلك لمن قاموا بتعبئتهم للمضي قدماً في هذا الاتجاه، وما جاء من الله سبحانه وتعالي راضين به، إلا إننا نرفض ما حدث من البشر، لذا نسعى سعياً حثيثاً للوصول إلى نتائج حول اغتيال أبنائنا، فضلاً عن أنه أحدث هزة في كل العالم، لذلك سوف نظل على العهد معهم إلى أن يقدم الجناة إلى العدالة.
متى أحسستي أن مجتبي لديه ميولات سياسية؟
منذ أن دخل الجامعة، وأصبح شاباً ناضجاً سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وكنت كثيراً ما أدير حوارات معه خاصة مع بداية انطلاقة الشرارة الأولى لثورة ديسمبر المجيدة المطالبة بحكومة مدنية، ودائماً ما يرد على أسئلتي الموضوعة على منضدته قائلاً أنتم كمعلمين كنتم أكثر فئات المجتمع دعماً للنظام البائد، إذ أنكم كنتم تحضرون البصات الخضراء للطلاب وتأمرونهم باستغلالها للذهاب للحشود الوهمية للرئيس المخلوع عمر البشير من أجل أن يهتفوا له (سير.. سير.. سير يا البشير، ونحن جنودك للتعمير)، وهكذا لا كنتم تعمرون ولا كنتم ستعمرون.
واستطردت : عندما قتل الأستاذ أحمد الخير، كان مقتله قاصمة ظهر نسبة إلى أن المعلم له عظمته، وأدلل على ذلك بما ذهب إليه الشاعر الذي قال : (كاد المعلم أن يكون رسولا)، وهذا يعود إلى أن رسالته سامية في المجتمع، رسالة توعويه، تثقيفيه وإنسانيه، رسالة يستحق أن يمنح في إطارها (حصانة)، خاصة وأنه يخدم مجتمعه دون مقابل مجز، وبالتالي من حقه التحدث عن الظلم الذي تعرض له من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثة عقود، ورغماً عن ذلك الظلم يقدم المعلم رسالته بشفافية دون أن يشكو من أنه أدنى فئة في السودان، لذلك في يوم مقتل المعلم أحمد الخير رفضت أن أدرس الحصص المقررة على، وعند انتهاء الدوام عدت إلى المنزل، فدار حوار بيني وأبني الشهيد (مجتبى) حول رفضي للتدريس تضامناً مع أسرة الأستاذ أحمد الخير، فقال لي : (المفروض ما ترفضوا تدرسوا فقط، بل كان يفترض فيكم الإضراب  نهائياً من واقع أن المعلم أحمد الخير قتل بصورة بشعة، عموماً أدعو الله أن يتقبل شهداء ثورة ديسمبر المجيدة قبولاً حسناً، وأن يدخلهم فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.


الأربعاء، 11 مارس 2020

سراج النعيم يروي قصة سيدة مصابة بـ(الإيدز) من زوجها


روت لي سيدة تبلغ من العمر (26) ربيعاً قصتها المؤثرة مع الإصابة بفيروس الإيدز الذي انتقل لها عبر زوجها، قائلة : (ليتني سألت عنه قبل الارتباط به شرعاً، فلا يمكن أن تتصور الإحساس بالرعب والخوف الشديدين الذين تخالجا دواخلي منذ أن عرفت أنه مصاباً بـ(الإيدز)، ومع مرور الأيام، الشهور والسنوات أصبح ذلك الإحساس قاتلاً مع سبق الإصرار والترصد ، وأكثر ما حز في نفسياتي أن الفيروس الفتاك أنتقل إلى نجله الوحيد الذي أنجبه مني، لذا أنصح الفتيات بأن لا يقبلن بمن يتقدم لهن للزواج قبل التأكد من أنه لا يحمل فيروس (الإيدز)، لأنني عندما تقدم زوجي لخطبتي لم أضع في حساباتي أنه يخفي إصابته بمرض (الإيدز)، هكذا روت مأساتها المؤثرة جداً، إذ بدأت اكتشاف هذه الحقيقة بعد سنوات من زواجها قائلة : كنت آنذاك أنجبت من زوجي (المخادع)، والذي جاء إلى أسرتي بعد أن خدعني بأنه إنساناً ملتزماً في حياته، عموماً جلس مع والدي، والذي أصلاً كان مهيئاً لهذا اللقاء، والذي تم من خلاله الاتفاق على الزواج الذي جهزنا في إطاره الشقة مثل أي عروسين، المهم أنه تم إكمال مراسم الزفاف وسط فرحة الأهل، الأصدقاء والزملاء الذين كانوا في غبطه وسرور للمستقبل الذي كان ينتظرني إلا أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يكون مستقبلاً ممزوجاً بالإصابة بـ(الإيدز)، ولم أكن أعلم أن زوجي مريضاً لأنه لم يصارحني به، وظللت مخدوعة إلى أن رزقني الله سبحانه وتعالي بمولودي الذي أدخل في الفرحة الكبيرة، فيما عبر زوجي عن فرحته الغامرة بالطفل، وبدأ يرسم له في مستقبلاً مشرقاً، هكذا مرت الأيام، الشهور والسنين، وأنا مازلت مغيبة عن الحقيقة، وفي مرة من المرات أصبت بحالة مرضية غريبة الأطوار، فما كان مني إلا وسارعت إلى مقابلة الطبيب المختص، والذي بدوره طلب مني إجراء فحوصات محددة، وبعد الانتهاء منها أخبرني بأنه لا يوجد لدي شيئاً، سوي أن هنالك إرهاق، وكان أن عدت إلى المنزل وظلت تلك الحالة مستمرة معي، مما استدعاني إلى إجراء تحاليل كاملة بالمعمل الذي أخبرني طبيبه بأني مصابة بمرض (الإيدز)، فلم أستوعب ما أشار به، فاتصلت بزوجي وأخبرته بما أسفرت عنه نتائج التحليلات، فما كان منه إلا كذبها ثم طلب مني إجراء تحاليل آخري، وكان أن استجبت لرغبته، وجاءت النتائج أيضاً مؤكدة أني مصابة بفيروس المناعة المكتسبة، وعندما شرحوا لي ما هو مرض (الإيذر) تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني، عموماً كان ذلك اليوم يوماً غريباً وصعيباً بكل تفاصيله، ولكنني لم أخف الإصابة بالفيروس عن أسرتي، والتي عندما تواصلت مع زوجي اكتشفت أنه مصاباً بـ(الإيدز)، وأكد لهم أنه كان على علم به قبل الزواج، وأنه كان يتلقي علاجاً، ويظن أنه سوف يتماثل للشفاء لذلك لم يخبرني، وليته فعل قبل أن يدمر حياتي، وعليه تم إخطار أسرة زوجي فتم الاتفاق على الانفصال ولكن حالتي الصحية .

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...