الأربعاء، 18 مارس 2020

التفاصيل الكاملة لاستشهاد (مجتبي) في فض الاعتصام بالخرطوم.. حنان : هذا رأيه حول مقتل الأستاذ أحمد الخير بمنطقة (خشم القربة)











جلس إليها : سراج النعيم

أُضرمت النيران في الخيمة الموجود بها الشهيد (مجتبي)، ومن ثم تمت محاصرته في ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة بالخرطوم، إلا أنه صمد، كيف لا وهو صاحب العبارة الشهيرة (الثورة دي حقتنا.. والثورة دي ثورتنا نحن)، وبما أنه مؤمناً بقضيته لم يأبه بالمصير الذي سيؤول إليه متقدماً في تلك الأثناء نحو شابة من شابات الاعتصام (كنداكة) كانت قد سقطت على الأرض بعد تعرضها للإصابة فحملها على أكتافه وتوجه بها سريعاً إلى أحدى السيارات المرتكزة خارج ساحة الاعتصام، ثم عاد أدراجه مرة أخرى مواصلاً نضاله الثوري باحثاً عن الحرية، السلام والعدالة، فمن هذا المدخل وهذه البوابة ندلف مباشرة إلى قصته المؤثرة التي ترويها والدته المعلمة حنان أحمد الحاج، فهيإ نقلب صفحات وصفحات.
في البدء قالت والدته الأستاذة حنان : الشهيد هو مجتبى صلاح أحمد يبلغ من العمر (٢٠) عاماً، يقيم معنا بمنطقة (الصحافة شرق)، وهو منذ صغره يمتاز بذكاءٍ حاد، وما أن أنهى دراسته الثانوية إلا وبدأ مرحلة جديدة من حياته الأكاديمية حالماً بإكمالها خارج السودان، إلا أن حلمه هذا لم يتحقق في ظل نظام المخلوع عمر البشير، فما كان منه إلا أن يقرر الانتظام في الدراسة الجامعية في السودان فالتحق بجامعة السودان العالمية كلية (الهندسة).
وأردفت : بدأ كفاحه الثوري نهاية العام ٢٠١٨م مؤمناً بأن السودان يجب أن يكون كهوية لكل السودانيين على اختلاف سحناتهم وقبائلهم، وتطبيقاً إلى ما توصل له أصبح يضع علم السودان في المنزل من الخارج والداخل، ويدندن في ذات الوقت بالأغاني الوطنية بمصاحبة عزفه على آلة (الجيتار)، ورغماً عن تعلقه بالأغاني والموسيقي، إلا أن حبه لوطنه قاده إلى أن يودع كل شىء تاركاً وراءه ذكرياته ومؤلفاته الثقافية، بالإضافة إلى أنه كان متصوفاً، ومشاركاً في حلقات الذكر، وظل هكذا إنساناً مختلفاً إلى أن أنضم إلى ساحة الاعتصام.
وأشارت إلى أن جذوره تعود إلى منطقة (المسيكتاب) بمدينة شندي شمال السودان، وهو من مواليد يناير ١٩٩٧م، وترتيبه بين أشقائه الثالث.
ماذا عن كلية الطب؟
سافر إلى مصر، ومنها إلى ليبيا بغرض الهجرة إلى أوروبا للتحول من دراسة (الهندسة) إلى (الطب)، ورغبته هذه نابعة من أنه امتحن الشهادة السودانية علمي أحياء، وأحرز مجموعاً لم يحقق له طموح الالتحاق بكلية الطب، فأرجأ الفكرة إلى ما بعد والتحق بكلية الهندسة باحثاً من خلالها التخصص في مجال المعدات الطبية إلا أنه لم يتوفق أيضاً، فما كان منه إلا واتجه لدراسة الهندسة الإلكترونية، وكان كل مسعاه منحصراً في دراسة الطب لتحقيق رغبتي القائمة على إبعاده من دراسة الهندسة على أساس أن شقيقيه الأكبر منه درسا هندسة.
ومضت : الشهيد (مجتبى) تأخر عام في كليته بسبب سفره في العام ٢٠١٧م خارج البلاد، فلو كان منتظماً في دراسته فإنه سيكون في المستوى الثالث، فعندما ذهب إلى كليته وجد أن نتيجته (ربيت)، المهم أنه شارك مع الثوار منذ انطلاقة الشرارة الأولى في العام ٢٠١٨م، وفي هذه الفترة درس كورس موسيقي للعزف على آلة (الجيتار) بـ(سحر الكمنجة)، كما أنه كان يعمل في الفترة الصباحية في مجال الهواتف السيارة مع شقيقه، ويعمل في الفترة المسائية أيضاً مع صديقه في كافتيريا.
واسترسلت : عندما بدأت ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٩م كان مشاركاً فيها أيضاً منذ انطلاقة شرارتها الأولى، إذ أنه كان ناشطاً في المواكب خاصة في الصحافة غرب، الصحافة (١٦)، الصحافة (٢٤) وجبرات،
واستطردت : بعد فترة مواكب الثورة انتقل إلى ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، وكان مواظباً على التواجد فيها بشكل دائم، ويأتي إلى المنزل ما بين الفينة والأخرى، وكان موجوداً مع رفقائه النشطاء داخل جامعة الخرطوم في قاعة تابعة لكلية (الجغرافية)، وظل على ذلك النحو إلى أن هلّ شهر رمضان المعظم الذي أمضاه في ساحة الاعتصام ، ويأتي للمنزل نهاية الأسبوع ليأخذ بعضاً من ملابسه ومصاريفه ثم يعود إليها مرة ثانية، هكذا كان يفعل حتى الأسبوع الأخير من رمضان، والذي قابلته فيه حوالي ثلاثة أيام كان يتابع من خلالها منحته الدراسية في اليابان، وأجرى في إطارها الكشف الطبي وملأ الاستمارة الخاصة بذلك، ومن ثم قدم للمنحة الدراسية من أجل أن يحوز على النتيجة النهائية، وهي المرة الأخيرة التي أقابله فيها، إلا أنه كان متواصلاً معي عبر الهاتف السيار، مؤكداً أن النتيجة ٢٠/٦/٢٠١٩م، وطلب مني أن أدعو له بالتوفيق.
وماذا؟
بعد أسبوع حدث لي ظرفاً فسافرت إلى مدينة (شندي) لأداء واجب العزاء في وفاة، لذا أصبحت أتواصل معه عبر الهاتف السيار إلى اليوم الذي سبق فض الاعتصام، وكان أن طلبت منه القدوم إلى شندي لقضاء إجازة العيد معنا إلا أنه قال لي : (صلاة العيد في ساحة الاعتصام)، ولكن بإذن الله تعالى سوف أشد الرحال إليكم بعد صلاة العيد مباشرة، إلا أن الأقدار شاءت أن يتم فض الاعتصام.
كيف تلقيتي خبر استشهاد (مجتبي)؟
هو أول شهداء فض الاعتصام الذين نشرت لهم صوراً مؤثرة عبر السوشال ميديا، لذا عرف الجيران بما جري، فما كان من أحدهم إلا وجاء إلى ابني شقيق الشهيد في المنزل مؤكداً له أن الاعتصام تم فضه، فخرج ابني للشارع العام فوجد تجمهراً كبيراً من الناس، فقال له البعض منهم : (إن شقيقك مجتبي أصيب في فض الاعتصام)، فما كان منه إلا أن يتحرك مع عمه إلى مستشفى (الزيتونة)، وهناك وجدا أنه استشهد، فتم نقل جثمانه إلى مشرحة الأكاديمية، وبعد الانتهاء من الإجراءات عادوا إلى المنزل حوالي الساعة الواحدة ظهراً، وبما إنني كنت في مدينة شندي ظللت على اتصال دائم بمن هم في الخرطوم إلا أن الرد يأتي إلىّ من الطرف الآخر بأن هذا المشترك لا يمكن الوصول إليها حالياً، فاتصلت على هاتف الشهيد (مجتبي)، فوجدت أنه يرن، وعندما لم يرد علىّ عاودت الاتصال به مرة ثانية إلا أن الرد يؤكد أنه مغلقاً، فما كان إلا أن اتصل بشقيقيه أبي وقصي إلا أنهما لا يردان، وبعد لحظات من الاتصالات هاتف أوبي خاله المقيم في شندي مؤكداً له أن شقيقه (مجتبي) أصيب إصابة خطيرة، وهو الآن طريح الفراش بالمستشفى هذا ما يجب عكسه لوالدتي، ولكن الحقيقة أنه استشهد في فض الاعتصام، فما كان من شقيقي إلا واتصل علىّ هاتفياً موجهاً لى سؤالاً مفاده هل أنتي متواصله مع أبنائك؟ فقلت : نعم، ولكن لا أجد منهم رداً، فقال : حدث ضرب في ساحة الاعتصام بالخرطوم، فقلت : أعلم بذلك، فقال هل عرفتي أن أبنك مجتبي أصيب في فض الاعتصام؟ فقلت : لا لم يخبرني أحداً بذلك، لذلك لا يجب أن تقول لي أنه مصاب، بل قل إنه استشهد، فقال أدعو الله أن يلهمك الصبر يا حنان، فهو توفي متأثراً بإصابة تعرض لها، وعليه سافرت من شندي إلى الخرطوم، ووصلتها في زمن قياسي، لكن من الخرطوم بحري إلى منزلي بـ(الصحافة) كان الأمر في غاية الصعوبة نسبة إلى تتريس الشوارع فمن الساعة التاسعة صباحاً وصلت إلى منزلي مع صلاة العصر، وكنت مصرة على عدم دفن ابني إلا بعد أن أشاهده لأنني إذا لم أفعل فسأكون غير مقتنعة أنه مات، وكان أن انتظروني، فدلفت إلى الغرفة المسجي فيها جثمانه، فسلمت عليه وعفوت عنه.
وعرجت إلى إصابته قائلة : إصابة كانت قاضية فما بين إسعافه ووفاته لم تتجاوز حياته الـ(٤٠) دقيقة، ثم أسلم الروح لبارئها، أما أثناء وجوده داخل مستشفى (الزيتونة) فكانت الأوضاع متوترة جداً، لذا بقي الشهيد حياً بالمستشفى حوالي الربع ساعة من إسعافه.
ما هي الإجراءات المتخذة بعد استشهاد مجتبي؟
فتحنا بلاغاً في قسم شرطة الخرطوم شمال، وأرفقنا معه تقرير الطبيب، والطب الشرعي، وهنالك مجموعة من الإخوة المحامين تبنوا قضية فض الاعتصام، فلو كانت قضية الشهيد مجتبي فردية لا أدري ماذا كنا سنفعل؟ لأنه لا نعرف ضد من نرفع الدعوي الجنائية، عموماً المسئولية تقع على عاتق السلطات ، فهي المسئولة عما جرى حتى ولو لم يعترفوا بفضهم للاعتصام، فهم في المقام الأول والأخير معنيين بتوفير الحماية الأمنية للثوار الذين كانوا متواجدين أمام ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة.
ماذا عن لجنة فض الاعتصام؟
ليس لدى إحساس بأن الأمر يمضي في الاتجاه الصحيح، فحتى قوي إعلان الحرية والتغيير مسئولة عما حدث لأنها لم تبصر الشباب بأن الاعتصام سيتم فضه في ذلك اليوم، فأنا على قناعة بأنهم كانوا على علم به، لذا كان يفترض فيهم أن يوضحوا ذلك لمن قاموا بتعبئتهم للمضي قدماً في هذا الاتجاه، وما جاء من الله سبحانه وتعالي راضين به، إلا إننا نرفض ما حدث من البشر، لذا نسعى سعياً حثيثاً للوصول إلى نتائج حول اغتيال أبنائنا، فضلاً عن أنه أحدث هزة في كل العالم، لذلك سوف نظل على العهد معهم إلى أن يقدم الجناة إلى العدالة.
متى أحسستي أن مجتبي لديه ميولات سياسية؟
منذ أن دخل الجامعة، وأصبح شاباً ناضجاً سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وكنت كثيراً ما أدير حوارات معه خاصة مع بداية انطلاقة الشرارة الأولى لثورة ديسمبر المجيدة المطالبة بحكومة مدنية، ودائماً ما يرد على أسئلتي الموضوعة على منضدته قائلاً أنتم كمعلمين كنتم أكثر فئات المجتمع دعماً للنظام البائد، إذ أنكم كنتم تحضرون البصات الخضراء للطلاب وتأمرونهم باستغلالها للذهاب للحشود الوهمية للرئيس المخلوع عمر البشير من أجل أن يهتفوا له (سير.. سير.. سير يا البشير، ونحن جنودك للتعمير)، وهكذا لا كنتم تعمرون ولا كنتم ستعمرون.
واستطردت : عندما قتل الأستاذ أحمد الخير، كان مقتله قاصمة ظهر نسبة إلى أن المعلم له عظمته، وأدلل على ذلك بما ذهب إليه الشاعر الذي قال : (كاد المعلم أن يكون رسولا)، وهذا يعود إلى أن رسالته سامية في المجتمع، رسالة توعويه، تثقيفيه وإنسانيه، رسالة يستحق أن يمنح في إطارها (حصانة)، خاصة وأنه يخدم مجتمعه دون مقابل مجز، وبالتالي من حقه التحدث عن الظلم الذي تعرض له من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثة عقود، ورغماً عن ذلك الظلم يقدم المعلم رسالته بشفافية دون أن يشكو من أنه أدنى فئة في السودان، لذلك في يوم مقتل المعلم أحمد الخير رفضت أن أدرس الحصص المقررة على، وعند انتهاء الدوام عدت إلى المنزل، فدار حوار بيني وأبني الشهيد (مجتبى) حول رفضي للتدريس تضامناً مع أسرة الأستاذ أحمد الخير، فقال لي : (المفروض ما ترفضوا تدرسوا فقط، بل كان يفترض فيكم الإضراب  نهائياً من واقع أن المعلم أحمد الخير قتل بصورة بشعة، عموماً أدعو الله أن يتقبل شهداء ثورة ديسمبر المجيدة قبولاً حسناً، وأن يدخلهم فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.


ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...