.............
تعتبر الثورة الشبابية السودانية ناجحة بكل المقاييس والمعايير كون أنها حققت ما تصبو إليه، وساعدها على تحقيق ذلك الفريق أول مهندس صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق، والذي قاد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير برؤيته الأمنية نحو الهاوية مستفيداً من الثورة الشعبية للقضاء عليه، وعلى خلفية الراهن السوداني وقتئذ تم استدعائي من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك قبل انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبية من مدينتي (عطبرة) باعتبار أنني ناشطاً عبر الإعلام الحديث، ومؤسساً لشبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، الشبكة المنتشرة عبر المواقع الإلكترونية، عموماً تلقيت مساء (الأربعاء) السابق للشرارة الأولي للثورة الشعبية اتصالاً هاتفياً من ضابط أمن برتبة (مقدم)، اخطرني بدوره بالمثول أمامه في مكاتب جهاز الأمن الساعة السادسة مساء، إذ أنه كان لحظة الإتصال في اجتماع برئاسة الجهاز، وعلىّ الاتيان إليه عقب ذلك، وعندما أزفت الساعة كنت حاضراً في الزمان والمكان المحددين، وبما إنني لا أعرفه ولا علم لي بسبب الاستدعاء أصلاً، اتصلت على على رقم هاتفه، فرد على مؤكداً أنه انتهي من اجتماعه الأمني لتوه، وكان أن اصطحبني إلى مكتبه، واستخرج من درج مكتبه أوراقاً، ثم بدأ التحقيق الأمني معي حول شخصيتي، وانتمائي السياسي ومن يمول شبكتي الإخبارية، وما أن رديت على تلك الأسئلة، إلا ووجه لي عدداً آخراً منها، وكان أن اجبت عليها مؤكداً أنني أسستها في العام ٢٠١٠م، عبر الإعلام الحديث (قوقل)، (تويتر)، (الفيس بوك) و(الواتساب)، ومنذ ذلك التاريخ وإلى هذه اللحظة التي يتم فيها التحقق معي وصل عدد أعضائها أكثر من (٣٠٠٠٠٠) ألف عضو، وهم جميعأ أمنوا بالفكرة، وأهدافها الرامية لإيصال رسالة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية تحفظ إنسان السودان من الشائعات، والتي تضج بها الاسافير، وما أن انتهي من التحقيق، إلا واتضح لي بما يدع مجالاً للشك أن النظام البائد فقد السيطرة على مقاليد حكم البلاد، وقلت في قرارة نفسي أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ذاهب.. ذاهب، المهم أن (المقدم أمن) سمح لي بمغادرة مكاتب جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وما أن غادرت مكتبه مروراً بالاستقبال الإ وتفاجأت بأن هنالك استمارة مطبوعة من عدد من الصفحات تنتظرني للإجابة على الأسئلة المضمنة فيها، والتي ربما رديت على معظمها في التحقيق الذي اجراه معي ضابط الأمن على الورق، فلم يكن أمامي بداً سوي أن أجلس في الاستقبال للإجابة عليها، وفي آخر صفحة طلب مني أن أرسم رسماً (كركيا) لمنزلي
فيما تركز التحقيق على نشري لمادة كتبها الدكتور الداعية الإسلامي محمد الحكيم، والذي كتب (بوستاً) عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) عن سيدة تلقي منها اتصالاً هاتفياً، مشيراً إلى أنها تطلب فتوى حول التواصل بينها وزوجها، موضحاً أنها قالت إن زوجها لا يلتقي بها في الأسبوع إلا مرة واحدة، فما كان منه إلا ووجه لها بعضاً من الأسئلة المتمثلة في ماذا يعمل زوجها، فردت عليه أنه يعمل موظفاً في احدي المؤسسات، وعند انتهائه من الدوام اليومي يواصل العمل في دوام ثاني بسيارته الخاصة (ترحال)، ثم سألها من الذي يقف لكم في صفوف (الخبز)، (البنزين) و(الصراف آلي)، ومن الذي يذاكر الدروس للأبناء؟، فردت عليه مؤكدة هو، فقال لها يجب أن تعذريه أو أن تشتكي (معتز موسى) لله، وكان وقتئذ معتز موسي رئيس وزراء، ووزير مالية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي تمت إقالته من منصبه، وتعيين الدكتور محمد طاهر ايلا خلفاً له، ومما أشرت له تأكدت أن الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش يبحث عن النشطاء المؤثرين عبر الإعلام الحديث، وذلك من أجل معرفة توجهاتهم السياسية، ومدي تأثيرهم في الرأي العام خاصة وأن (العولمة) ووسائطها سيطرت على المجتمع السوداني في الداخل والخارج، والتي تم توظيفها في دعم الثورة الشعبية التي فرضت على قوات الشعب المسلحة التدخل للإطاحة بالنظام السابق، والذي لم يسلم من جبروته حتى الموالين له، وبانحياز الجيش وقوش للثورة الشعبية تحقق لها النجاح الذي تصبو إليه، والذي ضحي في إطاره عدداً من خيرة الشباب، وأذكر منهم الشهيد عبدالسلام كشة، والذي استشهد ضمن من استشهدوا أمام مقر القيادة العامة حيث أنه ظل يكافح وينافح ويناضل ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وذلك منذ أن كان طالباً.
فيما يحفظ للفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش سماحه للمتظاهرين بالتوجه إلى ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في السادس من أبريل من العام ٢٠١٩م، مستفيداً من الحراك الشعبي لإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي سبق واتهمه بمحاولة الانقلاب عليه، فتم إيداعه خلف قضبان السجن، ولكن مهما كان اختلافنا معه في كيفية إدارته للملفات الأمنية داخلياً وخارجياً إلا أنه يظل واحداً من عوامل النجاح الأساسية للثورة الشعبية في السودان رغماً عن أن دوافعه كانت دوافع شخصية، وما سهل له مهمته هو أن (البشير) كان يبحث في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المتوالية عن مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد أن فشل الفريق أول مهندس محمد عطا من إخراج النظام البائد من ذلك النفق المظلم، والذي قاده إليه (الفساد) والإصرار على الاستمرار في حكم البلاد، والتي ظل يحكمها على مدي ثلاثين عام، وكان يريد المزيد من السنوات، وذلك من خلال التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات للعام 2020م، وهو الأمر الذي استفز الشعب السوداني، بالإضافة إلى التصريحات غير المسئولة من بعض قيادات الحزب الحاكم، مما دفع أهالى مدينة (عطبرة) بولاية نهر النيل للخروج في تظاهرات عنيفة في ديسمبر من العام ٢٠١٩، وهي كانت الشرارة الأولي للثورة الشعبية العفوية، والتي شجعت بقية مناطق ومدن السودان المختلفة للمضي قدماً في ذات الاتجاه التصعيدي، والذي أفضي في النهاية إلى التخلص من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مارس اصنافاً من التعذيب الجسدي والمعنوي، كما أنه مارس أيضاً القمع، القهر، الإزلال، الإهانة، الظلم، التهميش، التشهير، الاعتقال، القبض، وسفك دماء الأبرياء، ومع هذا وذاك انتهج سياسة خارجية سيئة الذكر، فتارة يتحالف مع المحور الإيراني، وتارة أخرى مع الحركات الراديكالية الممتدة في الوطن العربي، مما جعل علاقته الدبلوماسية مع أمريكا والغرب وبعض دول الخليج ومصر، وليبيا يشوبها الكثير من الشوائب، وهو الأمر الذي يجب تداركه في المستقبل، وتصحيح مساره بما يعود على البلاد بالمنفعة، فلا أري سبباً واحداً يدعنا نغامر في ملف السياسات الخارجية من أجل تحقيق أجندات شخصية، فدائماً الأجندات الذاتية تقود البلاد عموماً إلى عدم الاستقرار السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، وعليه فإن الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية ينهي دولة الرئيس المخلوع عمر البشير العميقة.
إن الشعب السوداني يرغب بشدة في أن تكون السلطة الحاكمة في البلاد (مدنية)، وذلك من أجل تحقيق طموحاته، آماله وأشواقه خاصة بعد الإطاحة بالنظام السابق، والذي خلف العديد من الآثار السالبة، والتي يجب على المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير الاعتماد على الدستور وسن القوانين المنظمة لحركة المجتمع خلال الثلاث سنوات الانتقالية، بالإضافة للتوصل إلى تفاهمات مع الحركات المسلحة حتى لا نشهد في هذه الفترة صراعات، فهي الصراعات التي خلقها نظام المنزوع عمر البشير الذي عمل على الفتنة التي صنعها بين مكونات المجتمع السوداني بالقبلية والطائفية والجهوية، مما أدي إلى ظهور حركات مسلحة في المشهد السوداني، والذي يستوجب في الحكومة الانتقالية أخذ الحيطة والحذر في إطاره، وذلك من خلال وضع الخطط برؤية نافذة للأوضاع الراهنة المتطلبة انتقالاً سلساً للسلطة في السودان.
ومما ذهبت إليه، فإن الشعب السوداني خرج للشارع في ثورته الأولي في بداية العام 2018م، وذلك على خلفية الزيادة التي أقرها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أسعار (الخبز)، مما دل على أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد وفق رؤية اقتصادية تدع المواطن يعيش حياته بكرامة، وهو الأمر الذي فرض على رأس الدولة السابق أن يبحث بين الموالين له عن رجل أمن قوي يدير له المرحلة (الحرجة) التي يمر بها في تلك الأثناء، فلم يكن أمامه خياراً سوي الفريق أول مهندس صلاح عبدالله (قوش)، والذي عينه مضطراً مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي سبق أن عزله منه في العام 2009م، المهم أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بدأ يتخبط في اتخاذ القرارات منذ العام ٢٠١٣م، وذلك من أجل البقاء في السلطة أطول فترة، وعليه يعتبر المهندس قوش صاحب طموح سياسي وأمني لا محدود، وذلك من واقع أنه يمتاز بالنبوغ، والذي ظل ملازماً له منذ أن كان طالباً في كلية الهندسة ـ جامعة الخُرطوم، والتي أطلق عليه فيها لقب (قوش) الذي انتمى للجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي، وكان آنذاك مسئولاً عن المعلومات الخاصة بالتنظيم، وظل على ذلك النحو إلى أن تخرج من الجامعة في العام 1982م .
بينما نجد أن السودان شهد انتفاضة (إبريل) في العام ١٩٨٥م، والتي استطاعت أن تخلع نظام الرئيس المشير الراحل جعفر محمد نميري، ومن ثم تولي المشير الراحل سوار الدهب رئاسة الفترة الانتقالية لمدة عام، ثم احتكام الأحزاب إلى صناديق الاقتراع، والتي فاز بها الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، والذي انقلبت على شرعيته ثورة الإنقاذ الوطني، والتي آتي بها الإسلاميين في العام 1989م، وبالتالي ظل المهندس صلاح عبدالله قوش يدير جهاز الأمن الداخلي للحزب الحاكم، ومن ثم عين ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي تدرج فيه إلى أن أصبح مدير إدارة العمليات.