الخميس، 4 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب : الأوضاع الاقتصادية (هيهات لك)

كلما تأملت الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الإجتماعية، الثقافية والفكرية في البلاد يتبادر إلى مخيلتك بشكل مباشر سورة (سيدنا يوسف) عليه السلام، فهي السورة التي تجسد الواقع الراهن الذي يجد فيه الشعب السوداني نفسه محاصراً في نطاق ضيق جداً، فليس هنالك حلاً يحقق له ما يصبو إليه، وذلك يعود إلى أن الطرفين اللذين يفترض فيهما الخروج به والبلاد إلى بر الأمان يختلفان في بعض النقاط، ولسان حالهما يقول : (هيهات لك)، فيما يردد الشعب المغلوب على أمره بصوت عال (معاذ الله)، فالشعب السوداني عاني ما عاني خلال ثلاثة عقود من عمر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مارس كل أنواع الظلم، القهر، القمع، التهميش، الإذلال، الإهانة وسفك دماء الأبرياء، لذا على من يتصارعون للظفر بالسلطة الإسراع للتوصل إلى إتفاق يحفظ للشعب حقوقه كاملة لا منقوصة، فهو عندما ثار ثورته ضد النظام البائد، والتي تهدف للإطاحة به خاصة وأنه ظل جاثماً على صدور الناس البسطاء ثلاثين عام لم يحتمل أن يزيد عليها يوماً واحداً، لذلك كان حاضراً في الشارع والشوارع لا تخون من يبحث عن حريته الشخصية، الإعلامية والصحفية المسلوبة عمداً لإخفاء (الفساد) الذي فاحت رائحته النتنة، كما أنه كان يفصل القوانين على مقاسه لحماية أجندته الخفية والظاهرة، ورغماً عن ذلك صبر الشعب السوداني صبراً منقطع النظير، نعم صبر على الإبتلاء، نعم صبر صبراً يحسد عليه إلا أن الإنسان لديه طاقة احتمالية محدودة، ما أن يتجاوزها إلا وانتفض في وجه الظلم، وبالتالي كانت الانتفاضة التي حققت ما يرمي إليه الشعب السوداني الذي أنتج طفرة نوعية في الثورات التحررية التي شهدها العالم على مر تاريخه الحافل بها، وذلك في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية المثيلة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي يتهم بإرتكاب جرائم في حق الإنسانية شمالاً، جنوباً_شرقاً، غرباً، وظل يمارس هذا النهج الذي راح ضحيته عدداً كبيراً من الشباب الاعزل، وكما تعلمون فإن الشباب هم وقود المستقبل، لذا ظلوا يكافحون في سوح النضال دون أن يغمض لهم جفناً، وذلك من أجل حياة يسودها الأمن، الاستقرار، الحرية المحكومة بالعادات والتقاليد السودانية غير المنفصلة عن الديانة الإسلامية، بالإضافة إلى الإنصاف والعدل بين الجميع بغض النظر عن السلطات التي يتمتع بها الشخص المنتهك للقانون، وهذا لن يتحقق في صورته المثلي إلا في ظل حكومة مدنية، وعليه فإن كل تلك التضحية التي تمت في سماوات السودان تستوجب الإرتقاء بالمفاهيم السلطوية سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً ، كما أنها تستوجب أيضاً تنمية الأفكار الإيجابية التي يرتأ إليها الشرفاء من أبناء بلادي، والذين ظلوا يواجهون طغيان النظام السابق بكل جبروته ، وبالتالي لم يسلم من قهره إنسان السودان عموماً، وبالرغم عن ذلك كله فإنه عبّر صراحة عما يعتمل في داخله المرهفة، وذلك من خلال الشعارات الرنانة، الجاذبة وبالأغنيات، الأهازيج والقصائد المعبرة عن الفرحة العميقة والعفوية لسقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، النظام الذي ظل يفسد في الأرض فساداً لم يخطر على البال دون كلل أو ملل، إلا أن الثورة الشبابية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) تمكنت من أن تضع حداً لهذا الظلم الذي مارسه النظام السابق وأجهزته الأمنية الباطشة، ورغماً عن ذلك لم تستطع إيقاف المد الثوري الذي استطاع بإصراره الإطاحة به بالرغم من أن كل خيوط المشهد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري قد اجتمعت لديه، مما جعل مقاليد السلطة احادية لدى الحزب الظالم أقصد الحزب الحاكم على مدى ثلاثين عام برئاسة (المعزول)، والذي استخدمته آنذاك الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي في الانقلاب العسكري الذي نفذته على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي في العام ١٩٨٩م، وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه هل التنظيم الإسلامي في البلاد يقف خلف معظم الانقلابات العسكرية في البلاد إن كان بالمشاركة الفعلية أو التخطيط المباشر أو غير المباشر؟.
برغم عما أشرت له إلا أن النظام البائد لم يصمد طويلاً أمام ثورة الشعب السوداني، والتي فرضت عليه واقعاً مغايراً لما كان يتوقعه، مما قاد إلى الإطاحة به بالاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، وجاء ذلك بعد مقاومة ثورية فرضت على النظام البائد الاعتراف بفشله الذريع في إدارة البلاد خاصة وأن الفساد استشرى في كل مؤسسات الدولة، ومع هذا وذاك ظهر التواطؤ من البعض مع متهمين في قضايا (فساد)، كما أنه لم يكن جاداً في عملية الإصلاح السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، عموماً فتح ملف (الفساد) من خلال الفريق أول مهندس صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق لعب دوراً طليعياً في إلقاء القبض على بعض المتهمين إلا أنه اصطدم بواقع لم يكن في الحسبان، لذا لم تمض الإجراءات في مواجهتهم، وبالتالي لم يقدموا للمحكمة.
بينما أثبت الدكتور المفكر الإسلامي حسن عبدالله الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي السابق أنه إنساناً نظيفاً، ولم يرد اسمه ضمن الأسماء التي ظهرت في ملف (الفساد)، لذلك كان شجاعاً وجريئاً في طرحه وتناوله للشأن السياسي، خاصة عقب المفاصلة الشهيرة، والتي بدأ بعدها النظام في التخبط، وعدم تمكنه من إدارة البلاد بالصورة المثلي، والتي خطط لها عرابها الترابي الذي يعد الركيزة الأساسية للإسلاميين الذين لم يستفيدوا من فترة الحكم الطويلة نسبة للصراعات، النزاعات والانقسامات التي تتقلب عليها المصلحة الشخصية، وما أن أكتشف بعض من يتبعونهم ذلك إلا وتجاوزوا الفكرة تماماً، خاصة وأن الفكرة مبنية على الأيديولوجيات.
مما لا شك فيه فقد دفع الشعب السوداني ثمناً غالياً قدم بعده درساً، بليغاً في كيفية إدارة المعارك مع الأنظمة الديكتاتورية، الاستبدادية والقمعية التي حكمت البلاد دون أن تحقق له ما تصبو إليه، وبالتالي هي كانت بعيدة كل البعد عن شعاراتها الزائفة، وعليه فإنه لم يكن يلتزم بالمؤسسية، بالإضافة إلى أن هنالك مجموعات انتهازية تشكلت من مناحي حزبية وتنظيمية، وهي كانت إما مشاركة أو داعمه للنظام السابق، لذا كانت رؤيتهم لا تتجاوز ظلم، إذلال، إهانة، قمع، قهر، تهميش، وتشهير لكل من يخالف نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الرأي أو يعارض سياساته المتبعة لإدارة البلاد.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...