مما لا شك فيه، فإن رفع الدعم عن (الوقود) و(الخبز) سيفاقم من الأزمات الاقتصادية المتوارثة أصلاً من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وبالتالي على الحكومة الانتقالية عدم الاقدام على هذه الخطوة غير الموفقة خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية (منهارة) بما يكفي، وسيكون (الرفع) بمثابة (القشة) التي تقصم ظهر الحكومة الإنتقالية، والتي عجزت في الخروج بالملف الاقتصادي بأقل الخسائر، وذلك من خلال إيجاد حلول جذرية لأزمات (الوقود)، (غاز الطهي)، (الخبز)، (المواصلات)، (الكهرباء) و(المياه)، وعليه يجد إنسان السودان نفسه أمام تحديات جسام، وهذه التحديات تتطلب تحذيرات شديدة اللهجة من مغبة رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية، والذي تم الإعلان عنه خلال اليومين الماضيين. فيما برزت مخاوف من الانعكاسات السالبة التي يحدثها الإصرار على رفع الدعم رغماً عن أن الاقتصاد (هش)، إلا أن المواطن لم يعد يحتمل أي ضغوطات، لذا ومنذ الإعلان عن رفع الدعم إلا وسيطر عليه القلق، وخاصة وأن الأوضاع الاقتصادية بالغة التعقيد ورفع الدعم عن (الوقود) و(الخبز) من الأسباب التي قادته للخرج ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي ظل ينتهج سياسات اقتصادية الفاشلة، وهاهي الحكومة الانتقالية تمضي في ذات الاتجاه. بينما يجد المواطن نفسه في بحث دوؤب عن حياة كريمة، حياة خالية من المعاناة والازلال، إلا أنه يتفاجأ بالحكومة الانتقالية تضغط عليه برفع الدعم عن (المحروقات) و(الخبز)، وبالتالي تتضاعف الفواتير، والتي تسرق منه الفرحة،
فمن الملاحظ أن مظاهرها اختفت، ولم تعد تجد لها أثرا في الوجوه التي تلتقيها ذهابا وإيابا، لذا السؤال ل(لقحاتة) من الذي سرق تلك الفرحة؟، وجعل الحزن، والألم الاشد قسوة وإيلاما يحل بديلا لدرجة أن المواطن لم يستطع قهر الأزمات المستمرة، وهذه الأزمات تتعمق يوما تلو الآخر، فالحلول عبارة عن (مسكنات) لا أكثر من ذلك، الأمر الذي جعل المواطن يقضي جل أو كل يومه في صفوف (الوقود) و(الخبز)، والبحث عن غاز الطهي، وما ينتهي من هذه المرحلة إلا ويعود إلى المنزل فيتفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي أو الإمداد المائي، وحتي في عودته يعاني من أزمة المواصلات رغماً عن رفع تعريفتها بما لا يتوافق مع دخله المحدود، هكذا يبحث عن معاشه ومعاش الأبناء في ظل الظروف الإقتصادية بالغة التعقيد، ولا سيما فإن رفع الدعم عن (المحروقات) و(الخبز) سيضاعف من معاناة المواطن،لذا تبقي الزيادات المستمرة ورفع الدعم هاجسا للمواطن الذي حينما يسأل عن الأسباب يأتيه الرد بأن سعر الدولار الأمريكي ارتفع مقابل الجنيه السوداني، وهذا الارتفاع يحدثك عنه حتي صبي (الأورنيش) في حال وجهت له سؤالاً لماذا رفعتم سعر تلميع الأحذية إلى (30)؟، وتحدثك عنه بائعة المشروبات الساخنة أيضاً في حال سألتها عن ارتفاع كوب القهوة إلى (50) جنيها أو الشاي إلى (30) جنيها، وينطبق ذات الفهم فيما يتعلق حتي بالسلع المنتج (محلياً)، فالتدهور الإقتصادي المريع الذي تشهده البلاد نتج عنه غياب الضمير والوازع الديني، لذلك ظهرت مهن واختفت أخري في ظروف غامضة نسبة إلى أن ضعاف النفس يمتهنون في الأزمات مهن لا أساس لها في الحياة، إلا أنها أضحت مصدرا للرزق غير مشروع. تشير كل المؤشرات الإقتصادية إلى استمرارية التدهور ما لم تجد الحكومة الانتقالية حلولا ناجزة لارتفاع السلع الإستراتيجية، مما تركت أثرها السلب على الناس والمجتمع، والسالب يحكم سيطرته، ولا يقوي الموجب على التحرك، مما أدي إلى أن تطغي السلبية على الراهن الإقتصادي، والذي أخذ حيزاً كبيراً في المؤشر الإجتماعي، والذي أصبح يتسم افراده بالفقر المقدع.
من هنا يجد الإنسان نفسه حائراً أمام فواتير كثيرة مفروضة لدرجة أنه لا ينام في الليالي إلا قليلاً، وعندما يصحو منها يبدأ مرحلة جديدة من المعاناة بالتفكير في (قفة الخضار)، ومصاريف الأبناء، وضروريات الحياة اليومية التي تبدأ من كباية (شاي) الصباح، وهي من الفواتير التي تشهد إزديادا مضطردا إلي جانب فواتير آخري لا يمكن تمزقها إلا حينما يخلد الإنسان إلي النوم، وعندما يصحو منه يتبادر إلى ذهنه السؤال الدائم : (من سرق فرحة الشعب السوداني.. من سرقها يا الله)؟، ولا ينتهي الحديث بينه ونفسه ليستمر فيه طوال يومه خاصة وأن الاغلبية العظمي من السكان دخلهم محدود أمثال الموظف والمتقاعد للمعاش وغيرهم، فهم جميعاً ولا يقون على مقاومة زيادات تشهدها الأسواق بشكل شبه يومي بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة، فبأي ذنب يصبح كل هؤلاء أسيرين للظروف الاقتصادية الطاحنة خاصة على ذوي الدخل المحدود الذين يتفأجاون بها يومياً دون أمل في إصلاحات إقتصادية، مما يضيف أعباء جديدة على كاهل المواطن المغلوب علي أمره، ما أضطره إلى مد يده أعطوه أو منعوه وأن أعطوه مره لن يكونوا له بنكاً
وبالمقابل هنالك أناس عفيفين، ويقضون يومهم دون أن يمدوا أيديهم إلى إلى الناس، بل يعتمدون علي أنفسهم رغماً عن الظروف الإقتصادية القاهرة التي يعيشونها بشكل يومي، فهم يذهبون لاصحاب المحلات التجارية للاقتراض منهم، ولا يمدون ايدهم.