الخرطوم : سراج النعيم
كشف الأستاذ الصحفي الكبير موسي السراج تفاصيل جديدة حول اختفاء شقيقه
الأكبر ( سعد ) الذي مر علي خروجه من منزلهم بحي ابوروف بمدينة ام درمان ( 45
)عاما غاضبا من احد أقربائه الذي جمعه العمل به في جهاز إعلامي عريق.
وقال : بدأت القصة منذ اللحظة التي بدأ فيها الانخراط في مجال هندسة
الإلكترونيات التي عمل في إطارها بمحطة إرسال الإذاعة السودانية وكان فنيا جديدا
بعد تخرجه من الجامعة بمصر فالتحق ببند العطاء ( بند الهندي ) أي أنه لم يثبت في
الوظيفة الهندسية إلا أنه كان ذكيا لحد بعيد وهو أول سوداني ينشئ محطة إذاعية من
بنات أفكاره دون أن يتلقي مساعدات مالية والفكرة بدأت تتكون في رأسه أيام دراسته
بالقاهرة حتى أن الأمن المصري اكتشفها سريعاً فالقي القبض عليه من داخل الشقة التي
يبث منها إذاعته وكان أن اقنع زملائه السودانيين الأجهزة الأمنية بأن ما توصل له
شقيقي ( سعد ) يعود فيه الفضل للدولة المصرية بعد الله سبحانه وتعالي باعتبار أنه
تعلم الهندسة بطرفكم فتم إطلاق سراحه شرطاً أن لا يعود إليها مرة آخري.
وذكر : عندما عاد من مصر إلي السودان عمل بمحطة إرسال الإذاعة السودانية
وكان رئيسها احدي أقربائنا ومع هذا كان يهتم بورشته ألمنشئها بالمنزل خاصة بتصليح أعطال
الراديوهات كما أنه عاد إلي عمل إذاعته التي تحدثت إليه في خصوصها إلي جانب أنه
يستقل دراجته الهوائية كل يوم جمعة لشراء إسبيرات للراديوهات أما في وقت العمل
فيذهب إلي محطة الإرسال وعندما يعود منه يبدأ في البث الإذاعي لإذاعته بأغاني
الحقيبة وحوارات يديرها أصدقائه فيما بينهم وهكذا إلي أن اشتهرت علي مستوي إحياء
ابوروف وودنباوي والقمائر ومدينة الشاطئ ( السرحة سابقا ) وكانت معروفة بإذاعة سعد
حيث تبدأ الساعة الرابعة عصرا وكان قريبنا الذي يرأس آنذاك محطة الإرسال يعرف أن
شقيقي سعد لديه إذاعة في المنزل لذلك كان يتعامل معه بسخرية.
عرج إلي عمله بمحطة إرسال الإذاعة قائلا : في يوم من الأيام توجه إلي عمله
فوجد أن محطة الإرسال متعطلة ما أدي بإرسال الإذاعة السودانية أن يقطع من البث
حوالي أربعة ساعات تجمهر علي أثرها المهندسين والعمال بالمحطة لاكتشاف أين يكمن
العطب إلا أنهم جميعا لم يستطيعوا الوصول إلي نتيجة إيجابية وبما أن أصدقاء ( سعد
) يعرفون أنه يتمتع بمقدرات ذكائية في مجاله الهندسي فقالوا له يا ابوالسعود رأيك
شنو في أن تتاح لك فرصة معرفة أسباب العطل؟ فرد عليهم هل تظنون أن قريبي رئيس
المحطة يسمح لي بذلك فقالوا له لا دخل لك بهذا الأمر ودعنا نتحدث نحن معه وكان أن
ذهبوا إليه وعرضوا عليه الفكرة فقال لهم كبار المهندسين لم ينجحوا في المهمة
دايرين حتة عامل ذي دا يعمل شئ وهو كان يسمع في ذلك الحوار الدائر فقال لأصدقائه
الم أقل لكم ثم عادوا إلي قريبنا المهندس مرة آخري بعد أن وسطوا احد المهندسين
المهم أنه بعد نقاش مستفيض قبل بالفكرة علي مضض مواصلا استفزازه قائلا : ( خلونا
نشوف أبو العريف دا ماشي يعمل شنو ) فرفض سعد إلا أن أصدقائه أصروا عليه إصرارا
شديدا فاستجاب لهم طالبا منهم أن يحضروا له ( لمبة بيان ) فاستغرب المهندسين من
طلبه الغريب وقالوا : ( دي محطة كاملة داير تمشي تبحث عن العطل بلمبة بيان ) ولم
يكترث لما قالوه إلي أن احضروا له لمبة البيان التي دخل بها إلي داخل المحطة التي
تابع أسلاكها سلكا سلكاً متفحصا إياها بلمبة البيان إلي أن وصل إلي مكان العطب
الذي أكتشف في إطاره أنه عبارة عن سلك أتفكه من اللحام فإعاد السلك في مكانه ثم
خرج من هناك بعد عشرة دقائق فسألوه ما الذي توصلت إليه؟ قال : العطل في سلك
مفكوك.. ومن ساعتها أصبح قريبنا المهندس يشن هجوما كاسحا علي شقيقي ورغما عن ذلك
تم توصل السلك في مكانه فاشتغلت المحطة.
وماذا بعد ذلك؟ قال : احتفظ بمستندات تخص سعد من بينها خطاب كتبه إلي رئيس
محطة إرسال الإذاعة السودانية يطلب فيه أن يسمح له بعمل موجة إذاعية لا تؤثر علي
الإذاعة القومية في العام 1969م كما وجدته خطابا آخرا عبارة عن استيضاح من رئيس
المحطة له يشير فيه إلي أنه يستوضحه حول استخدامه لعربة المحطة في غرض خاص وضح الأسباب
ورد هو مؤكداً أنه لم يستخدم العربة لغرض شخصي وكل ما فعلته هو أنها كانت تمضي في
مسارها فأوقفت سائقها لشراء سجائر من محل تجاري.
وواصل قائلا : تراكمت الاستفزازات علي سعد من قريبنا رئيس محطة الإرسال
الإذاعي إذ أن سعد وصلته منحه مجانية لمدة ثلاثة سنوات للدراسة من الحكومة
الألمانية بعد أن نقلت السفارة الألمانية بالخرطوم إصلاح شقيقي محطة إرسال الإذاعة
السودانية وبما أن قريبنا هو رئيس المحطة لم يخطره بها الأمر الذي جعله يغضب ويترك
العمل وفتح محلا لإصلاح الراديو هات وبعد مرور شهر جاء إليه خاله.
وقال له أنت لك شهر غياب عن العمل فرد عليه : لا أرغب في العمل معكم فقال
له ما علي كيفك أنت قائل نفسك شنو؟ ثم أمهله إلا أنه واصل الغياب إلي شهرين من
تاريخه فعاد إليه قريبنا رئيس محطة إرسال الإذاعة فقال نحن اعتبرنا الشهرين اللذين
كنت تشكل فيهما غياب إجازة كما أننا قمنا بترقيتك وزدنا لك الراتب من ( 14 ) جنية
إلي ( 28 ) جنية ورغما عن الإغراءات إلا أنه رفضها وعندما مرت أيام علي ذلك اللقاء
جاء إليه مرة ثانية واسمعه ( كلام فارغ كثير ) فتضايق شقيقي ( سعد ) منه ولا يريد
أن يرد عليه باعتبار أنه أكبر منه سنا وبما أنه أصبح يضايقه مضايقه شديدة ترك
المنزل دون أن يعود إليه مرة آخري وبعد ثلاثة أيام ظللنا نبحث عنه إلي أن قال لنا
شخص يقيم في ودنباوي أنه قابل ( سعد ) في الخرطوم يوم ( الجمعة ) وطلب منه أن يأتي
إلينا في المنزل وتقابل شقيقي ( موسي ) ودعه يحضر الي ملابسي في جامع فاروق يوم ( الأحد
) الساعة الرابعة عصرا إلا أنه جاء إلينا يوم ( الاثنين ) أي أنه حضر بعد المواعيد
التي حددها شقيقي وعندما كان يحدث في الوالد كنت أقف بجوارهما وكان والدي عليه الرحمة
لم يتمالك نفسه للدرجة التي عجز فيها عن الرد عليه الأمر الذي استدعاه إلي أن يطلب
حضور خالي ميسرة السراج وحينما آتي قال له : تعال شوف دا بقول في شنو؟) وكان روي
لخالي ما دار بينه ( سعد ) فما كان من خالي إلا وضرب الشخص المرسل بيده ( كف ) ثم
قال له : ( جاي بعد إيه ) لأنه لو كان جاء في موعده كان وجدنا حلا للإشكالية ولكن
بما أن شقيقي ( سعد ) بطبعه ( عنيد ) تخيل أننا لا نرغب فيه نسبة إلي عدم مجيئنا
إليه ومنذ ذلك اليوم اختفي في ظروف غامضة يوم بعد يوم وشهر بعد شهر وسنة بعد سنة
إلي يومنا هذا.
وعن الروايات حول الاختفاء؟ قال : أصبحت تصلنا الكثير من القصص التي يؤكد
أصحابها تارة أنهم شاهدوه في السعودية وتارة آخري شاهدوه في بعض المدن السودانية
المختلفة ولكن معظم الروايات تشير إلي أنه بالسعودية وقبل ( 20 ) عاماً جاءنا
احدهم من السعودية مؤكداً أنه متزوج وبأبنائه هناك ويعمل القوات المسلحة السعودية
في الحدود المتاخمة لليمن وصادف في تلك الأيام أن سافر شقيقي سعيد إلي السعودية
وتأكد من أنه دائما ما يأتي إلي النادي السوداني بالسعودية وذهب إلي هناك إلا أنه
لم يأت.
وبين أنه قام بكتابة خطاب إلي الرئيس الراحل جعفر محمد نميري وكان أن رد
علي مكتبه بخطاب موجه إلي وزير الداخلية آنذاك فاروق حمدالله حوي علي أن المواطن
موسي السراج أرسل لنا خطاب يفيد فيه أن شقيقه اختفي في ظروف غامضة لذلك نرجو
مساعدته في البحث عنه وإفادتنا بما تصلون إليه وعندما علمنا أنه ظهر في السعودية
حملت الخطاب وذهبت به إلي وزارة الداخلية التي كان وزيرها وقتئذ عبدالوهاب إبراهيم
إلا أن مدير مكتبه أضاع الخطاب.
وأضاف : المهم أنني لم أيأس رغما عن كل ما حدث قمت بكتابة خطاب إلي جلالة
الملك فهد بن عبدالعزيز ملك مملكة السعودية في ذلك الوقت وشرحت في الخطاب كل
التفاصيل المتعلقة بشقيقي سعد وكان أن جاءني رد عبر السفارة السعودية بالخرطوم
يقولون فيه : ( تسلمنا خطاب من سلطات المملكة العربية السعودية يفيدنا بأنها فشلت
في الوصول إلي شقيقك نسبة إلي أن العنوان الذي دونته في خطابك عنوان خطأ ).
وحول آخر التطورات قال : حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليك أكمل الـ( 45
) عاما فيما نجد أنه عندما خرج كان عمره ( 22 ) عاما وآخر إفادة وصلتنا عن طريق
احدي القنوات الفضائية التي أطلت من خلاله أسرة تبحث عن عائلها وقال الأب الذي
يشبه سعد شقيقي شبها شديدا : أنا متزوج ولدي أبناء صغار ثلاثة أولاد وبنتين وأبي
عندما تزوج والدتي وأنجبتني منه قالت لي إن عماتي حضروا إلينا من جده لسمايتي ثم
عادوا أي أنه عندما اختفي عنا كنت صغيرا وبالتالي لم لا استوعب ملامحه إلا أن
أبنائي يسألونني أين جدنا يا بابا وأنا أبحث عن أبي).
وعندما سئلت حبوبه الأطفال عن صورة لزوجها المختفي قالت إنه عندما خرج من
المنزل لم يترك أي شئ وراءه بما في ذلك صوره وجوازه ولم يترك حتى قسيمة الزواج.