مفاهيم مجالات الامن الأقتصادي
ماهو تعريف الامن القومي الإستراتيجي؟
في البدء أننا نأخذ بتعريف الامن القومي الاستراتيجي الذي يقوم علي إمتلاك الدولة لعناصر القوة الاستراتيجية التي تقوم وتستند علي تحقيق الامن الانساني، والتي تتيح للدولة إمتلاك إرادتها الوطنية، وتوفر السند المطلوب لتحقيق وتأمين المصالح الوطنية الأستراتيجية، بما يشمله ذلك من المحافظة علي البئية وتنمية الموارد الطبيعية وحفظ حقوق ومصالح الاجيال القادمة والاسهام في تحقيق الأمن العالمي ،
أي بأنه تأمين كيان جمهورية السودان كدولة ذات سيادة ضد الأخطار القائمة والمحتملة التي تهددها داخليا أو خارجيا وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة لاستخدام القوى الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتقنية والعسكرية، لتحقيق غايتها وأهدافها القومية مع الأخذ في الاعتبار كل الأوضاع والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
القوة الاقتصادية السودانية والتي يقصد بها وضوح الرؤية حول المصالح الإستراتيجية الاقتصادية، امتلاك الموارد الطبيعية والمزايا الجغرافية والقدرة على الاستغلال المثالي لها وتنميتها، وتأمين امتلاك الطاقة، القضاء على الفقر، قوة العملة الوطنية، وامتلاك القدرات التنافسية والمزايا النسبية العالمية والحصول على حصص إستراتيجية في الأسواق العالمية، وتحقيق الأوضاع التي تتيح زيادة الدخل القومي مع عدالة توزيعه وتحقق فرص العمل للمواطنين وتحقق الرفاهية. ولكننا نجد أن المعارضة المسلحة في دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق كلها عوامل أمنية أدت إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ورفع معدلات الإنفاق العسكري إلى مستويات عالية خصما على التنمية ورفاهية الشعب. وكل ذلك في ظل وجود مهددات إقتصادية مثل الصراع الدولي تجاه السودان وخاصة من إسرائيل، و تدخلات بعض دول الجوار في الشأن السوداني وإطماعها، و النعرات العرقية ومشاكل الأقليات، و العطالة والفقر، و الجفاف والتصحر والاوضاع البيئية، و التصارع حول موارد المياه، و الصراع على النفط السوداني، و عدم الاكتفاء الذاتي في الغذاء، و الهجرة الوافدة ( لاجئين – هجرة غير شرعية)، و الهجرة الداخلية، والأمراض المستوطنة الوافدة، ورفع يد الدولة عن الخدمات ( تعليم- صحة)، والخصخصة، و التهريب، و ضعف احترام قيمة العمل والوقت وقيم الصرف والأمانة والمسئولية والشفافية، و تفشي الفساد في بعض القطاعات الحيوية (يعرف الفساد بأنه سوء إستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وفقا لتعريف منظمة الشفافية الدولية ومؤسسها بيتر إيجن)، و الأطماع علي منابع النيل والبحر الأحمر، و الديون الخارجية، و ضعف القدرة علي إدارة التنوع ( اقتصادي - اجتماعي- سياسي)، و ضعف التخطيط الاستراتيجي في مقابلة خطط العولمة، و الأنشطة التنموية غير المتوازنة، و ضعف الإنتاج وتدني حجم الصادرات، و ضعف القدرات التنافسية للإنتاج الوطني.
وبالرغم من اتخاذ الحكومة لسياسة التحرير الاقتصادية ( السوق الحر) وهي احدى آليات التوافق مع النظام العالمي الجديد، أثبت هذه السياسة الجديدة أن لها إفرازات سالبة تمثلت في خصخصة مؤسسات القطاع العام مما أدى لإرتفاع معدلات البطالة، كما زادت من مستوى الفقر خاصة في وسط الشرائح الضعيفة كالعمال والموظفين وأصبحت المنافسة ومعايير الجودة الشاملة هي أساس نجاح العمل الاقتصادي. كل ذلك أدي الي ضعف مناخ الاستثمار في السودان. وعليه سعت الحكومة الي إبرام إتفاقيات أمنية وغيرها من اتفاقيات التعاون المشترك سواء الثنائية او الجماعية والتي تعتبر إحدى الآليات لحماية اقتصاديات الدول الموقعة والتي تساعد على السيطرة والتحكم في القنوات السلبية التي قد تنخر في اقتصاديات الدول. كما أن استقرار السياسات الداخلية والخارجية للدول شرط أساسي لا يمكن بدونه تنمية الاقتصاد. كذلك أهمية أن تمتع الدول بعلاقات ودية وحسن جوار وتعاون مشترك يزيد من جاذبية إقتصادها امام المستثمر العالمي.
مفهوم الامن الاقتصادي
أرتبط مفهوم الامن الاقتصادي بتلك العوامل المرتبطة بمدلول الامن المتعارف عليه اي الحماية من الاساليب والافعال التي تصيب النظام الاقتصادي كالسرقة والغش والتزوير والاختلاس إلخ وهو مفهوم بسيط في هذا الزمن المعقد بصفة خاصة، لان الأمن الاقتصادي يقوم على مفردتين متلازمتين هما الامن والاقتصاد وهو بهذا يتعدى ما تفرضه المفاهيم البسيطة حول طبيعة الموضوع، لذا فأن النهضة الاقتصادية في الدول الصناعية لم تقم فقط نتيجة للتقدم العلمي والتقني فقط ولكن على ارضية وجود دولة مدنية ديمقراطية موحدة أي وجود نظم مؤسساتية متعددة الاتجاهات تمثل في مجلمها القاعدة التي سمحت للجهود العملية والمادية والمالية والسياسية مجتمعة بتحقيق التقدم الاقتصادي. و هذه الاسس التنظيمية شكلت الاطار الوقائي والتحفيزي للنشاطات الاقتصادية لكي تعمل بأمان في ظل انظمة سياسية اقتصادية اجتماعية متفقة في وجوب احترام اعتبارات الامن الاقتصادي باعتباره عنوان حياة الشعوب. هذا هو البعد الاول، اما البعد الاخر فهو يقوم على استعراض اهمية وجود استراتيجية اقتصادية وطنية تأخذ بعين الاعتبار البعد الامني الشامل عند صياغة كلياتها وجزئياتها، إذ إن البعد الامني لأي بلد لا يعتمد علي تلك الاجراءات التي تحول دون وقوع السلوكيات الخاطئة في بنية النظام كالسرقة والغش والتدليس والتزوير والاحتيال والرشوة وكل اوجه الفساد الوظيفي والسلوكي او تعاملاته بل يتعداه الى مفهوم البنية ذاتها لان الاقتصاد يتكون من مجموعة من العناصر المتكاملة كالثروات والموارد الطبيعية ورأس المال والادارة والانظمة والسياسات والانسان نفسه لهذا فإن تحقيق الامن الاقتصادي لا يتحقق الا بوجود استراتيجيات وخطط وسياسات تستند على الالتزام بعوامل الامن الوطني العام. وتقوم الفكرة على افتراض توفر الامن السياسي والاجتماعي بصفة عامة اي وجود حالة من الاستقرار السياسي والامن الاجتماعي ومدى فعالية المؤسسات الامنية ومتانة وشمولية الانظمة وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات التطورات والتغيير في البنية السلوكية للمجتمع. ولعل كثيرا من الدول العربية وامثالها من الدول النامية التي تملك مقومات التنمية كالثروات الطبيعية والبشرية بدرجة كبيرة ظلت متخلفة اقتصاديا واجتماعياً بسبب القلاقل والتقلبات السياسية المتلاحقة التي أقل ما تؤدي إليه هو اهدار طاقات وامكانيات مجتمعاتها وتفتيت قدراتها على استخدام ما لديها. حيث يري البعض أهمية وجود شراكة إستراتيجية مع الاستثمارات الاجنبية بأسس تقوم علي إسناد سياسي دولي، حل مشكلة التمويل، إيجاد فرص عمالة للشباب السوداني، استيراد تكنولوجية حديثة، و ربط المصالح الدولية مع المصالح السودانية الاستراتيجية لتحقيق الامن القومي السوداني، لان الاقتصاد عصب الحياة وتحقيق الاستثمار يصب في مصلحة متخذي القرار السياسي، بتحقيق الرفاهية لشعوبهم.
لا شك أن الثروات الطبيعية كالبترول ومشتقاته والماء والانسان مثلاً تمثل قاعدة الاقتصاد الاساسية وبهذا فان توظيفها الكلي والنوعي لابد أن يأخذ في صلب بنائية العامل الامني أي ضمان استمرار توفره ليس فقط لضمان استمرارية الاقتصاد ونموه في اطار زمني محدد ولكن بصفة دائمة، لان الموارد والثروات الطبيعية ليست ملكاً لجيل دون جيل بل هي ملك للوطن ولمستقبل اجياله.. هذه حقيقة جوهرية تعتبر قاعدة لكل مفاهيم الامن الاقتصادي ومن ثم فان من الخطأ من وجهة النظر الامنية استنزاف هذه الموارد انطلاقا من حاجة الاقتصاد المرحلية او ظروف العرض والطلب السوقي، واذا كانت هذه الثروات البترولية والمعدنية الاخرى تبدو لنا اكثر وضوحا في اهمية اعتماد استخدامها على سياسات بعيدة النظر تمنع استهلاكها على حساب الاجيال القادمة.
الأمن الاقتصادي يحتاج إلى مؤسسة قومية غير حزبية أو عرقية أو جهوية، مؤسسة حديثة قوية تقوم علي الفكر الاستراتجي للدولة والعمل الاستراتيجي وليس العمل الفني ومثال لوجود الجهازين في التجربة الامريكية بين وكالة الامن القوميNSA و وكالة المخابرات المركزية CIA، تأخذ في أولوياتها مقتضيات الأمن الاقتصادي الوطني في اطار التحولات الدولية الاقتصادية والتقنية الجارفة التي لابد من مواجهتها بتشريعات ومؤسسات مؤهلة للتعامل مع معطياتها وما قد يحدثه من خلل في الأمن الاقتصادي، أنظمة قضائية وجزائية ورقابية متطورة تقوم علي حماية النظام الاقتصادي الاجتماعي من كل أوجه الانحرافات او الضعف او الاستخدام السلبي للتقنيات والعلاقات الاقتصادية الحديثة، انظمة تحقق الحماية الوقائية والحماية التنفيذية. كما يبقى ضمن المنظور العام للأمن الاقتصادي البعد الانساني اذ ان درجة وعي المواطن في موقع العمل في مجال الامن يتوقف علي تحقيق الغاية. ومن جهة أخرى فإن الأمن الاقتصادي لأي مجتمع يرتبط بمدى المستوى التعليمي والمهني للمجتمع ذاته إذ ان الملاحظ ان الدول المتقدمة لا تتمتع بكل الثروات والموارد الطبيعية التي تؤهلها للتقدم والمحافظة على امنها الاقتصادي وانما اعتمادها على الانسان المؤهل للانتاج في كل الظروف، وفي المقابل هناك شعوب غنية بمصادرها الاقتصادية ولكنها تعيش حالة تخلف اقتصادي بسبب ضعف دور الانسان فيها وتخلفه وعدم قدرته على الاستغلال الامثل للموارد المادية والبشرية المتاحة لهذا فإن من أهم الضمانات لحماية البنية الاقتصادية من الانتكاسات وتحقيق الانتعاش اعداد الانسان المنتج القادر على العطاء والتعامل مع كل الظروف والتطورات الحياتية المتشعبة. وهناك البعد الاجتماعي الذي يفترض وجود حالة من الرضا عن الواقع الاقتصادي والمعيشي لكل فئات المجتمع ليس الرضا الذي ينتج الخمول والوقوف حيث وصلت قافلة النمو وانما الرضا بعدالة الواقع، أي حالة توازن اجتماعية داخل النظام، لان عدم توفر القناعة العامة او عدم استفادة البعض من معطيات النظام الاقتصادي كوجود البطالة او الفقر لدى فئات او شرائح اجتماعية يؤسس لظهور حالات لا تخدم الامن والاستقرار الاقتصادي بل وحتى السياسي في المجتمع ولعل ابسط ما تنتج عنها الانحرافات والجنح والجرائم الاقتصادية والجنائية وهي مؤشرات لظواهر قد تكون اوسع اذا ما اتسعت دائرة الحرمان لدى تلك الفئات الاجتماعية، فالترابط بين الامن الاقتصادي والامن العام ترابط اساسي لا يجوز التهاون في تقدير مداه ومن المعروف ما ينتج عن الخلل الاقتصادي والاجتماعي من سلبيات لعل من مظاهرها ظاهرة المخدرات التي تنخر في الجسم والعقل والمدخرات وتستنزف الاموال وتهدرها وهو بعد امني اجتماعي اقتصادي فتعاطي المخدرات انسان غير منتج اي انه يمثل اهداراً لطاقة انتاجية اساسية وهو عبء اقتصادي على المجتمع وهو مؤهل لارتكاب الجريمة بكل تكاليفها الانسانية والمالية، فتعاطي المخدرات يمثل ثغرة اقتصادية اضافة الى مساوئها الاخرى المعروفة .. والمجتمع المتوازن اقتصادياً يكون اكثر تأهيلاً لتقدير قيمة الحياة والعمل ومن ثم اقل خطراً علي المجتمع بصفة عامة والاقتصاد بصفة خاصة .. لذا لابد من العمل على تلافي الظروف المعاشية التي تسمح بنشوء الظاهرة وتفاقمها.
متطلبات الامن الإقتصادي
وعليه يمكن القول أن متطلبات الامن الإقتصادي لاداء دوره المنوط به تتمثل فيما يلي:
أولاً : وجود انظمة ومؤسسات امنية متطورة قادرة على مواكبة المتغيرات في الممارسات السلبية المؤثرة على الامن الاقتصادي وتعتمد على خطط حديثة تمكنها من التعامل مع كل التطورات في شكل واسلوب الجريمة الاقتصادية.
ثانياً : وجود مؤسسات قضائية متخصصة ومتناغمة قادرة على التعامل مع المتغيرات السلوكية والتقنية المؤثرة على الأمن الاقتصادي ووضوحها وإعلانها ليتمكن الناس من خلال معرفتهم من التعامل المالي والاقتصادي انطلاقاً من وضوح الحدود التي تحكم التعامل لابد من نظام قضائي ورقابي خال من الازدواجية التي تسمح للقوى المنحرفة والانتهازية من استغلاله علي حساب مصالح الافراد والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع.حيث يعتبر البعض أن وجود نيابة متخصصة في منازعات الاستثمار وكذلك محكمة للاستثمار تعتبر ضمانة وحماية للمستثمر الاجنبي. رغم أن الاتجاه العالمي لتسوية المنازعات التجارية أو الاستثمارية هو التحكيم.
ثالثاً: وجود مؤسسة قومية رفيعة لمكافحة الفساد تتمتع بسلطة رئاسية وبعضوية نزيهة وشخصيتها نافذة، لأن الفساد المالي والاداري سرطان ينخر في جسم البنية الاقتصادية للدولة، ولأنه واقع في كل المجتمعات والانظمة بدرجات متفاوتة فإن تأثيره على الوظائف الاقتصادية المختلفة تأثير كبير فهو يهدر الاموال والموارد في غير مجالها ويفسد النفوس والاخلاق والقيم، حيث وردت كلمة الفساد في القران الكريم (6 ) مرات في سور البقرة، هود، القصص، الروم، غافلر، والفجر. و وردت كلمة فساد مرة واحدة في سورة المائدة. أما كلمة المفسدين فتكررت (10) مرات في سور المائدة، الاعراف، يونس، النمل، القصص، العنكبوت. أما كلمة مفسدين فتكررت( 5 ) مرات في سور البقرة، الاعراف، الشعراء، العنكبوت، هود. وهذا يؤكد بتحريم الفساد بشتي أشكاله وألوانه وأنه دمار للارض لقوله تعالي : (و إذا إستسقي موسي لقومه فقلنا أضرب بعصاك الحجر فأنفجرت منه أثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم، كلوا و أشربوا من رزق الله، و لاتعثوا في الأرض مفسدين)، ولقوله تعالي : (وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).والفساد يسبب يضعف النظام الاقتصادي والمالي والتنموي بصفة عامة ويخل بتوازن عدالة الخدمات ويتسبب في حدوث الغش التجاري والغش في المنشآت والخدمات، ولان الفساد الاقتصادي والسلوكي يأخذ اشكالا وألواناً متعددة فإنه يظل في سباق مع كل وسائل واجراءات الوقاية والحماية بل يتفوق عليها في كثير من الاحيان. كما أن إنتشار الفساد يساهم في إنتشار الجريمة المنظمة، وإختراق القوات المسلحة والشرطة والامن، وكافة الاجهزة العدلية، وإفسادهم للمعاونة في أنشطة الجريمة المنظمة، وكان لمخاوف الصين بشأن تورط نخبها العسكرية في عالم الجريمة، أحد الاسباب الرئيسية وراء جهودها لوقف تدخلها في الانشطة التجارية.
تفشي الفساد في السودان أصبح ظاهرة ملموسة وشكل من أشكال الجريمة المنظمة، وإستغلال السلطة لتحقيق مكاسب مادية شخصية، وسبب من أسباب الصراعات المسلحة ويهدد الحياة السياسية والاقتصادية، وإنشأ آلية تتبع لرئاسة الجمهورية كانت خطوة كبيرة لحماية الدولة من الانهيار والدخول في نفق مظلم، حيث أصبح الفساد منتشرا في كل القطاعات العامة و في داخل هيكل الحكومة بصورة شبة منتظمة وكاد أن يكون شيئا مألوفا وعادي بين المسئولين بما يمثل العرف الاعتيادي وربما تطور ليصبح قانونا يتعامل الناس به، الا أن الآلية وتقارير المراجع والتقارير الدورية الجنائية التي ظلت تؤكد دوما بارتفاع قضايا الفساد والاعتداء والاستحوازعلي الاموال العامة ونطمع أن تجد الآلية بما تواجه به من قوة وحزم الشئ الذي يساهم في نهضة ونمو البلاد.
فالوقاية من الفساد تبدأ ببناء مؤسسات الدولة القائمة علي الشفافية والنظام الاداري الجيد، واللوائح المنظمة في توزيع السلطات والاختصاصات مع الاشراف والرقابة اليومية والدورية والمراجعة المالية الصارمة والمستمرة، بالاضافة الي تشريع قانوني يضع عقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الفساد من موظفي الدولة أو القطاع الخاص والذي يلتزم بما تعارف عليه بحوكمة الشركات. وعليه يمكن القول أن الوقاية من الفساد الاقتصادي لا يمكن ان تتم بواسطة اجهزة الدولة وحدها لان كثيرا من انماطه ينشأ ويترعرع في كنف المؤسسات الاقتصادية الخاصة في تعاملاتها مع بعضها او في تعاملاتها مع الدولة.
رابعاً: وجود مؤسسة قومية رفيعة لمكافحة الجريمة المنظمة، لأن من الأخطار الداهمة لاقتصاديات الدول الجريمة المنظمة التي تجمع بين التنظيم والعنف، وتعمل على استغلال الاقتصاد وافساده، حيث تجاوزمفهوم الجريمة المنظمة المفهوم القديم للمافيا الدولية العريقة في ايطاليا وامريكا وروسيا وغيرها التي تعمل من خلال التنظيمات السرية المعقدة على استغلال اقتصاديات الشعوب وتحقيق الارباح الطائلة من وراء ممارسة السيطرة والغش التجاري في الاسواق العادية وتتاجر بالمخدرات والدعارة وكل مصادر الدخل المرتبطة بالغرائز البشرية المنحرفة، وتتحكم بالقرارات السياسية والقضائية والادارية في بعض الدول، فقد ظهرت انماط كثيرة للجريمة المنظمة الحديثة التي وجدت في تطور تقنية المعلومات والتقنية بصفة عامة ضالتها، مثل ما يتعارف عليه دولياً باسم المافيا الصينية ذات النشاط المرتبط بتقنية الانظمة المالية والمصرفية كبطاقات الائتمان وغيرها. كذك تعدد المنظمات الصغيرة المتخصصة بتزوير العملة النقدية للدول بشكل يفوق قدرة المراقب العادي على اكتشافها.
كما ان العلاقات الاقتصادية الدولية بين الشعوب والانظمة الاقتصادية الوطنية في ظل الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية تضعف سيادة التنظيمات والقوانين المحلية وبالتالي تؤدي الى انتقال كفاءات دولية منظمة ذات مهارات كبيرة وتقنية عالية مقابل اوضاع محلية اقل قدرة على استيعاب مقتضيات الواقع الجديد، وهذا سوف يفتح المجال لتسرب اشكال مختلفة من السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية ونشوء اشكال جديدة مهجنة تساعد على اتساع دائرة الجريمة المنظمة بأي نوع فيها حسب الظروف الموضوعية لكل دولة او حالة احتمالية، وهذا لن يأتي إلاّ بوجود انظمة وتنظيمات محلية قادرة على التخاطب بلغة العصر الجديد وعلى التعاطي مع مخرجات الواقع الدولي بديناميكية الاداء ووعي الواقع من مؤهلاته الذاتية. وعلي الرغم ما سبق ذكره عن الجريمة المنظمة نجد السيد مدير جنايات ولاية الخرطوم اللواء محمد أحمد علي ينفي وجود جريمة منظمة بالسودان، وذلك ردا علي سؤال في مقابلة صحفية عن تناول الاجهزة الاعلامية أخبار عن ضبط جماعات لتزوير العملة وخلافة، والسؤال هل فعلا لهذه المجموعات عمل منظم ويرتبط بشبكات خارجية لتدمير الاقتصاد؟، وبالتالي كان رد اللواء شرطة محمد أحمد بنفي وجود الجريمة المنظمة، بينما نؤكد علي وجود الجريمة المنظمة من خلال قضايا حدثت في السودان ومن أمثلتها: قضية مقتل الدبلوماسي غرانفيل، و قضية المنظمة الفرنسية التي إختطفت بعض أطفال دارفور وتهريبهم الي أوربا. ونضيف بأنه وعلي هامش إجتماعات الجمعية العامة للانتربول 5-8 نوفمبر 2012م بروما، إيطاليا، إلتقي وزير الداخلية السوداني إبراهيم حامد محمود بوزيرة الداخلية الايطالية أنا ماري وأتفقا علي التعاون في محاربة الجريمة المنظمة، والهجرة غير المشروعة، والجريمة العابرة للحدود. كما نوضح بأن مفهوم الجريمة المنظمة أرتبط بالفساد، ولذا تم إنشاء دائرة تختص بمكافحة في الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، حيث نجد أن التقارير الجنائية الدورية السنوية الصادرة من المباحث قد أشارت لجرائم الاموال العامة المختلسة والمدونة لدي نيابة المال العام فقط كانت علي النحو التالي:
عام 2007م، عدد البلاغات 173 بلاغ، المال المختلس 8.595.512 جنيه.
عام 2008م، عدد البلاغات 319 بلاغ، المال المختلس 60.495.000 جنيه.
عام 2009م، عدد البلاغات 392 بلاغ، المال المختلس 25.495.126 جنيه.
عام 2010م، عدد البلاغات 372 بلاغ، المال المختلس 50.280.586 جنيه. و 195.000 دولار أمريكي.
هذه البلاغات لا تمثل حقيقة حجم جرائم الفساد في البلاد، حيث نري بأنها أكثر من ذلك.
خامساً : وجود آلية كمحاربة غسل الاموال، وهو مصطلح مرتبط من جهة بالجريمة الدولية المنظمة ولكنه من جهة اخرى يعمل من خلاله افراد ومؤسسات تجارية ومالية خاصة وحكومية و من خلالها يتم جعل الاموال الناتجة عنها اموالاً نظيفة أي مشروعة مثل:(تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية ، والدعارة والميسر والرق، والرشوة أوخيانة الأمانة أو السرقة أو الاحتيال أوالاضرار بالمال العام أوالمصلحة العامة، التزوير أو التزييف أو الدجل والشعوذة، الاتجار غير المشروع في الاسلحة والذخيرة، الاضرار بالبيئة، الخطف والقرصنة والارهاب، التهرب الضريبي أو الجمركي، سرقة أو تهريب الآثار، أموال الشعوب التي يستولي عليها الأشخاص بطريقة غير مشروعة). وقضية غسل الاموال قضية شائكة ومعقدة وتنفق الدول الصناعية الكبرى امولاً طائلة وجهوداً مضنية لمحاصرتها والحد منها ان لم يكن للقضاء عليها. ومن أمثلة مؤشرات الاشتباه لغسيل الاموال بالبنوك كثرت طلب الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان، والتي تحتاج الي التأكد من معلومات المستندات المصاحبة للاعتماد وعمليات حقيقية مقابل خطاب الاعتماد. و عليه صدر أول قانون سوداني لمكافحة غسل الاموال لسنة 2004م ، والذي عرف غسل الاموال بأنه أي عمل أو الشروع في عمل يقصد به إخفاء المصدر الحقيقي للأموال المتحصلة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 3(2) وجعلها تبدو كأنها مشروعة. وتأخذ غسل الاموال مظهر الخصخصة عندما يأتي مستثمر لشراء مصنع ثم يتوقف المصنع عن العمل والانتاج ويتشرد العمال مما يضر بالأمن الاقتصادي. وقد تم تأسيس دائرة مكافحة غسل الاموال و دعم الارهاب، تتبع للادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية ، رئاسة قوات الشرطة السودانية. كما تم تشكيل وحدة للتحريات المالية مستقلة بإشراف بنك السودان المركزي وتتكون من ممثلين من بنك السودان، المباحث، الأمن الاقتصادي، الجمارك، مستشار قانوني من وزارة العدل، و قد أنشئت بقانون في العام 2010م. وتقوم هذه الجهات بالتعاون مع البنوك الي الابلاغ عن أي أموال مشبوه لا تتناسب مع نشاط الشركة أو العميل المعين. كذلك وجود لجنة عليا لمكافحة غسل الاموال برئاسة المدعي العام وعضوية ذات الجهات المباحث، الأمن الاقتصادي، الجمارك، بنك السودان. كل المعلومات التي ترد لادارة غسل الاموال تعتبر بلاغات لحالات إشتباه، ومن ثم التعامل معها بالرأي وتحويلها للمدعي العام والذي يأمر بفتح بلاغ جنائي. ولصعوبة الاثبات لم يقدموا مستثمرين أجانب للمحاكمات بالرغم من وجود شبهات، وتأتي الصعوبة من أهمية التعرف علي الجريمة الأصلية (إحتيال، تجارة مخدرات، تجارة سلاح)، ومن جانب آخر حدوث التداخل بين غسل الاموال والثراء الحرام (من أين لك هذا؟). وبالرغم من أهمية وجود مجهود مقدر من الاجهزة المختصة الا أن الملاحظ تداخل في الاختصاصات من الاجهزة المتعددة الشرطة، الامن الاقتصادي، النيابة وهي ناتجة عن الفهم المختلف لغسل الاموال ، ومن جانب آخر مشكلة عدم التنسيق وغياب أجهزة الرقابة الاشرافية عن القيام بواجباتها في إنفاذ القانون مثل بنك السودان، الهئية العامة للرقابة علي التأمين، سوق الخرطوم للاوراق المالية، جهات إنفاذ القانون، لكل ذلك مازالت الجهات المختصة تسعي لتطوير عملها لمكافحة جرائم غسل الاموال.
سادساً: وجود مؤسسة متطورة في أمن المعلومات، حيث يعتبر موضوع امن المعلومات من العناصر الحيوية للامن الاقتصادي بعد ان اصبح التعامل بكل فئاته ودرجاته يتم في اغلب الاحوال بواسطة انظمة آلية تزدحم بها الاسواق وتتطور بشكل سريع ومذهل، وهذه الانظمة اذا ما كانت على درجة عالية من العلمية والدقة واذا ما صاحبها وعي معرفي من قبل جميع المتعاملين بها فانها سوف تحد من قضايا التزوير والتدليس والاخطار المدمرة للمنشآت المالية بصفة خاصة والاقتصادية بصفة عامة، وسوف تمكن المؤسسات من اداء عملها بشكل سليم لا يسمح باستغلاله او اختراقه من قبل بعض العناصر بالنسبة للمنافسين في بعض الاحوال. و عليه صدر أول قانون سوداني للمعاملات الإلكترونية 2007م ، والذي عرف المعاملات الإلكترونية بأنها العلاقات والتصرفات المالية والاحوال الشخصية وسائر المسائل القانونية غير الجنائية بما في ذلك التصرفات الفردية او العقود التي يتم ابرامها او تنفيذها كليا او جزئيا عن طريق رسالة البيانات الالكترونية. كذلك صدر اول قانون لمكافحة للجرائم المعلوماتية لسنة 2007م، لم يعرف المشروع السوداني الجريمة المعلوماتية علي وجه الدقة ولكنه عرفها من خلال المواد (4-22) والتي تشمل جرائم نظم و وسائط وشبكات المعلومات، الجرائم الواقعة علي الأموال والبيانات والاتصالات، جرائم النظام العام والآداب، جرائم الإرهاب والملكية الفكرية، جرائم الإتجار في الجنس البشري والمخدرات وغسل الأموال. وشكلت محكمة مختصة لحقوق الملكية الفكرية وتشمل الجرائم المعلوماتية وفقا لهذا القانون ولقانون الهيئة القضائية لسنة 1986م، الاضافة لنيابة متخصصة للجرائم المعلوماتية وفقا ايضا لهذا القانون وقانون وزارة العدل لسنة 1983م، وشرطة متخصصة للجرائم المعلوماتية لهذا القانون وقانون شرطة السودان لسنة 2008م.
سابعاً: وجود انظمة الامن والسلامة ، لان الأمن الاقتصادي يقتضي قيام جميع المنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية والمالية باعتماد انظمة الامن والسلامة وعدم ترك المسألة على عاتق اجهزة الامن اذ ان المفترض ان تقام المنشآت على أسس متينة تمنع الاختراق والاحتراق. حيث نتج عن اهمال الجوانب الامنية في المنشآت من خسائر جسيمه تتعدى آثارها الحالة الخاصة إلى الاقتصاد الوطني.
كما أود الاشارة هنا إلى أن التحولات الحديثة في اتجاه بروز دور أكبر للقطاعات الخاصة الاقتصادية وسياسات الخصخصة على حساب الدور التقليدي للحكومات مصحوبة بتبعات ومخرجات النظام العالمي الجديد وثورة المعلومات والتقنية التي ستلقي باعباء نوعية جديدة في مجال الامن الاقتصادي جميعها تستوجب التنبه بشكل غير تقليدي لكل جوانب الموضوع وصولاً إلى خلق حالة من التحصين ضد الفيروسات الأمنية الحديثة والمتجددة وهي مسؤولية مشتركة للأجهزة الحكومية وللقطاعات الخاصة على حد سواء.
ماهو تعريف الامن القومي الإستراتيجي؟
في البدء أننا نأخذ بتعريف الامن القومي الاستراتيجي الذي يقوم علي إمتلاك الدولة لعناصر القوة الاستراتيجية التي تقوم وتستند علي تحقيق الامن الانساني، والتي تتيح للدولة إمتلاك إرادتها الوطنية، وتوفر السند المطلوب لتحقيق وتأمين المصالح الوطنية الأستراتيجية، بما يشمله ذلك من المحافظة علي البئية وتنمية الموارد الطبيعية وحفظ حقوق ومصالح الاجيال القادمة والاسهام في تحقيق الأمن العالمي ،
أي بأنه تأمين كيان جمهورية السودان كدولة ذات سيادة ضد الأخطار القائمة والمحتملة التي تهددها داخليا أو خارجيا وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة لاستخدام القوى الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتقنية والعسكرية، لتحقيق غايتها وأهدافها القومية مع الأخذ في الاعتبار كل الأوضاع والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
القوة الاقتصادية السودانية والتي يقصد بها وضوح الرؤية حول المصالح الإستراتيجية الاقتصادية، امتلاك الموارد الطبيعية والمزايا الجغرافية والقدرة على الاستغلال المثالي لها وتنميتها، وتأمين امتلاك الطاقة، القضاء على الفقر، قوة العملة الوطنية، وامتلاك القدرات التنافسية والمزايا النسبية العالمية والحصول على حصص إستراتيجية في الأسواق العالمية، وتحقيق الأوضاع التي تتيح زيادة الدخل القومي مع عدالة توزيعه وتحقق فرص العمل للمواطنين وتحقق الرفاهية. ولكننا نجد أن المعارضة المسلحة في دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق كلها عوامل أمنية أدت إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ورفع معدلات الإنفاق العسكري إلى مستويات عالية خصما على التنمية ورفاهية الشعب. وكل ذلك في ظل وجود مهددات إقتصادية مثل الصراع الدولي تجاه السودان وخاصة من إسرائيل، و تدخلات بعض دول الجوار في الشأن السوداني وإطماعها، و النعرات العرقية ومشاكل الأقليات، و العطالة والفقر، و الجفاف والتصحر والاوضاع البيئية، و التصارع حول موارد المياه، و الصراع على النفط السوداني، و عدم الاكتفاء الذاتي في الغذاء، و الهجرة الوافدة ( لاجئين – هجرة غير شرعية)، و الهجرة الداخلية، والأمراض المستوطنة الوافدة، ورفع يد الدولة عن الخدمات ( تعليم- صحة)، والخصخصة، و التهريب، و ضعف احترام قيمة العمل والوقت وقيم الصرف والأمانة والمسئولية والشفافية، و تفشي الفساد في بعض القطاعات الحيوية (يعرف الفساد بأنه سوء إستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وفقا لتعريف منظمة الشفافية الدولية ومؤسسها بيتر إيجن)، و الأطماع علي منابع النيل والبحر الأحمر، و الديون الخارجية، و ضعف القدرة علي إدارة التنوع ( اقتصادي - اجتماعي- سياسي)، و ضعف التخطيط الاستراتيجي في مقابلة خطط العولمة، و الأنشطة التنموية غير المتوازنة، و ضعف الإنتاج وتدني حجم الصادرات، و ضعف القدرات التنافسية للإنتاج الوطني.
وبالرغم من اتخاذ الحكومة لسياسة التحرير الاقتصادية ( السوق الحر) وهي احدى آليات التوافق مع النظام العالمي الجديد، أثبت هذه السياسة الجديدة أن لها إفرازات سالبة تمثلت في خصخصة مؤسسات القطاع العام مما أدى لإرتفاع معدلات البطالة، كما زادت من مستوى الفقر خاصة في وسط الشرائح الضعيفة كالعمال والموظفين وأصبحت المنافسة ومعايير الجودة الشاملة هي أساس نجاح العمل الاقتصادي. كل ذلك أدي الي ضعف مناخ الاستثمار في السودان. وعليه سعت الحكومة الي إبرام إتفاقيات أمنية وغيرها من اتفاقيات التعاون المشترك سواء الثنائية او الجماعية والتي تعتبر إحدى الآليات لحماية اقتصاديات الدول الموقعة والتي تساعد على السيطرة والتحكم في القنوات السلبية التي قد تنخر في اقتصاديات الدول. كما أن استقرار السياسات الداخلية والخارجية للدول شرط أساسي لا يمكن بدونه تنمية الاقتصاد. كذلك أهمية أن تمتع الدول بعلاقات ودية وحسن جوار وتعاون مشترك يزيد من جاذبية إقتصادها امام المستثمر العالمي.
مفهوم الامن الاقتصادي
أرتبط مفهوم الامن الاقتصادي بتلك العوامل المرتبطة بمدلول الامن المتعارف عليه اي الحماية من الاساليب والافعال التي تصيب النظام الاقتصادي كالسرقة والغش والتزوير والاختلاس إلخ وهو مفهوم بسيط في هذا الزمن المعقد بصفة خاصة، لان الأمن الاقتصادي يقوم على مفردتين متلازمتين هما الامن والاقتصاد وهو بهذا يتعدى ما تفرضه المفاهيم البسيطة حول طبيعة الموضوع، لذا فأن النهضة الاقتصادية في الدول الصناعية لم تقم فقط نتيجة للتقدم العلمي والتقني فقط ولكن على ارضية وجود دولة مدنية ديمقراطية موحدة أي وجود نظم مؤسساتية متعددة الاتجاهات تمثل في مجلمها القاعدة التي سمحت للجهود العملية والمادية والمالية والسياسية مجتمعة بتحقيق التقدم الاقتصادي. و هذه الاسس التنظيمية شكلت الاطار الوقائي والتحفيزي للنشاطات الاقتصادية لكي تعمل بأمان في ظل انظمة سياسية اقتصادية اجتماعية متفقة في وجوب احترام اعتبارات الامن الاقتصادي باعتباره عنوان حياة الشعوب. هذا هو البعد الاول، اما البعد الاخر فهو يقوم على استعراض اهمية وجود استراتيجية اقتصادية وطنية تأخذ بعين الاعتبار البعد الامني الشامل عند صياغة كلياتها وجزئياتها، إذ إن البعد الامني لأي بلد لا يعتمد علي تلك الاجراءات التي تحول دون وقوع السلوكيات الخاطئة في بنية النظام كالسرقة والغش والتدليس والتزوير والاحتيال والرشوة وكل اوجه الفساد الوظيفي والسلوكي او تعاملاته بل يتعداه الى مفهوم البنية ذاتها لان الاقتصاد يتكون من مجموعة من العناصر المتكاملة كالثروات والموارد الطبيعية ورأس المال والادارة والانظمة والسياسات والانسان نفسه لهذا فإن تحقيق الامن الاقتصادي لا يتحقق الا بوجود استراتيجيات وخطط وسياسات تستند على الالتزام بعوامل الامن الوطني العام. وتقوم الفكرة على افتراض توفر الامن السياسي والاجتماعي بصفة عامة اي وجود حالة من الاستقرار السياسي والامن الاجتماعي ومدى فعالية المؤسسات الامنية ومتانة وشمولية الانظمة وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات التطورات والتغيير في البنية السلوكية للمجتمع. ولعل كثيرا من الدول العربية وامثالها من الدول النامية التي تملك مقومات التنمية كالثروات الطبيعية والبشرية بدرجة كبيرة ظلت متخلفة اقتصاديا واجتماعياً بسبب القلاقل والتقلبات السياسية المتلاحقة التي أقل ما تؤدي إليه هو اهدار طاقات وامكانيات مجتمعاتها وتفتيت قدراتها على استخدام ما لديها. حيث يري البعض أهمية وجود شراكة إستراتيجية مع الاستثمارات الاجنبية بأسس تقوم علي إسناد سياسي دولي، حل مشكلة التمويل، إيجاد فرص عمالة للشباب السوداني، استيراد تكنولوجية حديثة، و ربط المصالح الدولية مع المصالح السودانية الاستراتيجية لتحقيق الامن القومي السوداني، لان الاقتصاد عصب الحياة وتحقيق الاستثمار يصب في مصلحة متخذي القرار السياسي، بتحقيق الرفاهية لشعوبهم.
لا شك أن الثروات الطبيعية كالبترول ومشتقاته والماء والانسان مثلاً تمثل قاعدة الاقتصاد الاساسية وبهذا فان توظيفها الكلي والنوعي لابد أن يأخذ في صلب بنائية العامل الامني أي ضمان استمرار توفره ليس فقط لضمان استمرارية الاقتصاد ونموه في اطار زمني محدد ولكن بصفة دائمة، لان الموارد والثروات الطبيعية ليست ملكاً لجيل دون جيل بل هي ملك للوطن ولمستقبل اجياله.. هذه حقيقة جوهرية تعتبر قاعدة لكل مفاهيم الامن الاقتصادي ومن ثم فان من الخطأ من وجهة النظر الامنية استنزاف هذه الموارد انطلاقا من حاجة الاقتصاد المرحلية او ظروف العرض والطلب السوقي، واذا كانت هذه الثروات البترولية والمعدنية الاخرى تبدو لنا اكثر وضوحا في اهمية اعتماد استخدامها على سياسات بعيدة النظر تمنع استهلاكها على حساب الاجيال القادمة.
الأمن الاقتصادي يحتاج إلى مؤسسة قومية غير حزبية أو عرقية أو جهوية، مؤسسة حديثة قوية تقوم علي الفكر الاستراتجي للدولة والعمل الاستراتيجي وليس العمل الفني ومثال لوجود الجهازين في التجربة الامريكية بين وكالة الامن القوميNSA و وكالة المخابرات المركزية CIA، تأخذ في أولوياتها مقتضيات الأمن الاقتصادي الوطني في اطار التحولات الدولية الاقتصادية والتقنية الجارفة التي لابد من مواجهتها بتشريعات ومؤسسات مؤهلة للتعامل مع معطياتها وما قد يحدثه من خلل في الأمن الاقتصادي، أنظمة قضائية وجزائية ورقابية متطورة تقوم علي حماية النظام الاقتصادي الاجتماعي من كل أوجه الانحرافات او الضعف او الاستخدام السلبي للتقنيات والعلاقات الاقتصادية الحديثة، انظمة تحقق الحماية الوقائية والحماية التنفيذية. كما يبقى ضمن المنظور العام للأمن الاقتصادي البعد الانساني اذ ان درجة وعي المواطن في موقع العمل في مجال الامن يتوقف علي تحقيق الغاية. ومن جهة أخرى فإن الأمن الاقتصادي لأي مجتمع يرتبط بمدى المستوى التعليمي والمهني للمجتمع ذاته إذ ان الملاحظ ان الدول المتقدمة لا تتمتع بكل الثروات والموارد الطبيعية التي تؤهلها للتقدم والمحافظة على امنها الاقتصادي وانما اعتمادها على الانسان المؤهل للانتاج في كل الظروف، وفي المقابل هناك شعوب غنية بمصادرها الاقتصادية ولكنها تعيش حالة تخلف اقتصادي بسبب ضعف دور الانسان فيها وتخلفه وعدم قدرته على الاستغلال الامثل للموارد المادية والبشرية المتاحة لهذا فإن من أهم الضمانات لحماية البنية الاقتصادية من الانتكاسات وتحقيق الانتعاش اعداد الانسان المنتج القادر على العطاء والتعامل مع كل الظروف والتطورات الحياتية المتشعبة. وهناك البعد الاجتماعي الذي يفترض وجود حالة من الرضا عن الواقع الاقتصادي والمعيشي لكل فئات المجتمع ليس الرضا الذي ينتج الخمول والوقوف حيث وصلت قافلة النمو وانما الرضا بعدالة الواقع، أي حالة توازن اجتماعية داخل النظام، لان عدم توفر القناعة العامة او عدم استفادة البعض من معطيات النظام الاقتصادي كوجود البطالة او الفقر لدى فئات او شرائح اجتماعية يؤسس لظهور حالات لا تخدم الامن والاستقرار الاقتصادي بل وحتى السياسي في المجتمع ولعل ابسط ما تنتج عنها الانحرافات والجنح والجرائم الاقتصادية والجنائية وهي مؤشرات لظواهر قد تكون اوسع اذا ما اتسعت دائرة الحرمان لدى تلك الفئات الاجتماعية، فالترابط بين الامن الاقتصادي والامن العام ترابط اساسي لا يجوز التهاون في تقدير مداه ومن المعروف ما ينتج عن الخلل الاقتصادي والاجتماعي من سلبيات لعل من مظاهرها ظاهرة المخدرات التي تنخر في الجسم والعقل والمدخرات وتستنزف الاموال وتهدرها وهو بعد امني اجتماعي اقتصادي فتعاطي المخدرات انسان غير منتج اي انه يمثل اهداراً لطاقة انتاجية اساسية وهو عبء اقتصادي على المجتمع وهو مؤهل لارتكاب الجريمة بكل تكاليفها الانسانية والمالية، فتعاطي المخدرات يمثل ثغرة اقتصادية اضافة الى مساوئها الاخرى المعروفة .. والمجتمع المتوازن اقتصادياً يكون اكثر تأهيلاً لتقدير قيمة الحياة والعمل ومن ثم اقل خطراً علي المجتمع بصفة عامة والاقتصاد بصفة خاصة .. لذا لابد من العمل على تلافي الظروف المعاشية التي تسمح بنشوء الظاهرة وتفاقمها.
متطلبات الامن الإقتصادي
وعليه يمكن القول أن متطلبات الامن الإقتصادي لاداء دوره المنوط به تتمثل فيما يلي:
أولاً : وجود انظمة ومؤسسات امنية متطورة قادرة على مواكبة المتغيرات في الممارسات السلبية المؤثرة على الامن الاقتصادي وتعتمد على خطط حديثة تمكنها من التعامل مع كل التطورات في شكل واسلوب الجريمة الاقتصادية.
ثانياً : وجود مؤسسات قضائية متخصصة ومتناغمة قادرة على التعامل مع المتغيرات السلوكية والتقنية المؤثرة على الأمن الاقتصادي ووضوحها وإعلانها ليتمكن الناس من خلال معرفتهم من التعامل المالي والاقتصادي انطلاقاً من وضوح الحدود التي تحكم التعامل لابد من نظام قضائي ورقابي خال من الازدواجية التي تسمح للقوى المنحرفة والانتهازية من استغلاله علي حساب مصالح الافراد والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع.حيث يعتبر البعض أن وجود نيابة متخصصة في منازعات الاستثمار وكذلك محكمة للاستثمار تعتبر ضمانة وحماية للمستثمر الاجنبي. رغم أن الاتجاه العالمي لتسوية المنازعات التجارية أو الاستثمارية هو التحكيم.
ثالثاً: وجود مؤسسة قومية رفيعة لمكافحة الفساد تتمتع بسلطة رئاسية وبعضوية نزيهة وشخصيتها نافذة، لأن الفساد المالي والاداري سرطان ينخر في جسم البنية الاقتصادية للدولة، ولأنه واقع في كل المجتمعات والانظمة بدرجات متفاوتة فإن تأثيره على الوظائف الاقتصادية المختلفة تأثير كبير فهو يهدر الاموال والموارد في غير مجالها ويفسد النفوس والاخلاق والقيم، حيث وردت كلمة الفساد في القران الكريم (6 ) مرات في سور البقرة، هود، القصص، الروم، غافلر، والفجر. و وردت كلمة فساد مرة واحدة في سورة المائدة. أما كلمة المفسدين فتكررت (10) مرات في سور المائدة، الاعراف، يونس، النمل، القصص، العنكبوت. أما كلمة مفسدين فتكررت( 5 ) مرات في سور البقرة، الاعراف، الشعراء، العنكبوت، هود. وهذا يؤكد بتحريم الفساد بشتي أشكاله وألوانه وأنه دمار للارض لقوله تعالي : (و إذا إستسقي موسي لقومه فقلنا أضرب بعصاك الحجر فأنفجرت منه أثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم، كلوا و أشربوا من رزق الله، و لاتعثوا في الأرض مفسدين)، ولقوله تعالي : (وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).والفساد يسبب يضعف النظام الاقتصادي والمالي والتنموي بصفة عامة ويخل بتوازن عدالة الخدمات ويتسبب في حدوث الغش التجاري والغش في المنشآت والخدمات، ولان الفساد الاقتصادي والسلوكي يأخذ اشكالا وألواناً متعددة فإنه يظل في سباق مع كل وسائل واجراءات الوقاية والحماية بل يتفوق عليها في كثير من الاحيان. كما أن إنتشار الفساد يساهم في إنتشار الجريمة المنظمة، وإختراق القوات المسلحة والشرطة والامن، وكافة الاجهزة العدلية، وإفسادهم للمعاونة في أنشطة الجريمة المنظمة، وكان لمخاوف الصين بشأن تورط نخبها العسكرية في عالم الجريمة، أحد الاسباب الرئيسية وراء جهودها لوقف تدخلها في الانشطة التجارية.
تفشي الفساد في السودان أصبح ظاهرة ملموسة وشكل من أشكال الجريمة المنظمة، وإستغلال السلطة لتحقيق مكاسب مادية شخصية، وسبب من أسباب الصراعات المسلحة ويهدد الحياة السياسية والاقتصادية، وإنشأ آلية تتبع لرئاسة الجمهورية كانت خطوة كبيرة لحماية الدولة من الانهيار والدخول في نفق مظلم، حيث أصبح الفساد منتشرا في كل القطاعات العامة و في داخل هيكل الحكومة بصورة شبة منتظمة وكاد أن يكون شيئا مألوفا وعادي بين المسئولين بما يمثل العرف الاعتيادي وربما تطور ليصبح قانونا يتعامل الناس به، الا أن الآلية وتقارير المراجع والتقارير الدورية الجنائية التي ظلت تؤكد دوما بارتفاع قضايا الفساد والاعتداء والاستحوازعلي الاموال العامة ونطمع أن تجد الآلية بما تواجه به من قوة وحزم الشئ الذي يساهم في نهضة ونمو البلاد.
فالوقاية من الفساد تبدأ ببناء مؤسسات الدولة القائمة علي الشفافية والنظام الاداري الجيد، واللوائح المنظمة في توزيع السلطات والاختصاصات مع الاشراف والرقابة اليومية والدورية والمراجعة المالية الصارمة والمستمرة، بالاضافة الي تشريع قانوني يضع عقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الفساد من موظفي الدولة أو القطاع الخاص والذي يلتزم بما تعارف عليه بحوكمة الشركات. وعليه يمكن القول أن الوقاية من الفساد الاقتصادي لا يمكن ان تتم بواسطة اجهزة الدولة وحدها لان كثيرا من انماطه ينشأ ويترعرع في كنف المؤسسات الاقتصادية الخاصة في تعاملاتها مع بعضها او في تعاملاتها مع الدولة.
رابعاً: وجود مؤسسة قومية رفيعة لمكافحة الجريمة المنظمة، لأن من الأخطار الداهمة لاقتصاديات الدول الجريمة المنظمة التي تجمع بين التنظيم والعنف، وتعمل على استغلال الاقتصاد وافساده، حيث تجاوزمفهوم الجريمة المنظمة المفهوم القديم للمافيا الدولية العريقة في ايطاليا وامريكا وروسيا وغيرها التي تعمل من خلال التنظيمات السرية المعقدة على استغلال اقتصاديات الشعوب وتحقيق الارباح الطائلة من وراء ممارسة السيطرة والغش التجاري في الاسواق العادية وتتاجر بالمخدرات والدعارة وكل مصادر الدخل المرتبطة بالغرائز البشرية المنحرفة، وتتحكم بالقرارات السياسية والقضائية والادارية في بعض الدول، فقد ظهرت انماط كثيرة للجريمة المنظمة الحديثة التي وجدت في تطور تقنية المعلومات والتقنية بصفة عامة ضالتها، مثل ما يتعارف عليه دولياً باسم المافيا الصينية ذات النشاط المرتبط بتقنية الانظمة المالية والمصرفية كبطاقات الائتمان وغيرها. كذك تعدد المنظمات الصغيرة المتخصصة بتزوير العملة النقدية للدول بشكل يفوق قدرة المراقب العادي على اكتشافها.
كما ان العلاقات الاقتصادية الدولية بين الشعوب والانظمة الاقتصادية الوطنية في ظل الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية تضعف سيادة التنظيمات والقوانين المحلية وبالتالي تؤدي الى انتقال كفاءات دولية منظمة ذات مهارات كبيرة وتقنية عالية مقابل اوضاع محلية اقل قدرة على استيعاب مقتضيات الواقع الجديد، وهذا سوف يفتح المجال لتسرب اشكال مختلفة من السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية ونشوء اشكال جديدة مهجنة تساعد على اتساع دائرة الجريمة المنظمة بأي نوع فيها حسب الظروف الموضوعية لكل دولة او حالة احتمالية، وهذا لن يأتي إلاّ بوجود انظمة وتنظيمات محلية قادرة على التخاطب بلغة العصر الجديد وعلى التعاطي مع مخرجات الواقع الدولي بديناميكية الاداء ووعي الواقع من مؤهلاته الذاتية. وعلي الرغم ما سبق ذكره عن الجريمة المنظمة نجد السيد مدير جنايات ولاية الخرطوم اللواء محمد أحمد علي ينفي وجود جريمة منظمة بالسودان، وذلك ردا علي سؤال في مقابلة صحفية عن تناول الاجهزة الاعلامية أخبار عن ضبط جماعات لتزوير العملة وخلافة، والسؤال هل فعلا لهذه المجموعات عمل منظم ويرتبط بشبكات خارجية لتدمير الاقتصاد؟، وبالتالي كان رد اللواء شرطة محمد أحمد بنفي وجود الجريمة المنظمة، بينما نؤكد علي وجود الجريمة المنظمة من خلال قضايا حدثت في السودان ومن أمثلتها: قضية مقتل الدبلوماسي غرانفيل، و قضية المنظمة الفرنسية التي إختطفت بعض أطفال دارفور وتهريبهم الي أوربا. ونضيف بأنه وعلي هامش إجتماعات الجمعية العامة للانتربول 5-8 نوفمبر 2012م بروما، إيطاليا، إلتقي وزير الداخلية السوداني إبراهيم حامد محمود بوزيرة الداخلية الايطالية أنا ماري وأتفقا علي التعاون في محاربة الجريمة المنظمة، والهجرة غير المشروعة، والجريمة العابرة للحدود. كما نوضح بأن مفهوم الجريمة المنظمة أرتبط بالفساد، ولذا تم إنشاء دائرة تختص بمكافحة في الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، حيث نجد أن التقارير الجنائية الدورية السنوية الصادرة من المباحث قد أشارت لجرائم الاموال العامة المختلسة والمدونة لدي نيابة المال العام فقط كانت علي النحو التالي:
عام 2007م، عدد البلاغات 173 بلاغ، المال المختلس 8.595.512 جنيه.
عام 2008م، عدد البلاغات 319 بلاغ، المال المختلس 60.495.000 جنيه.
عام 2009م، عدد البلاغات 392 بلاغ، المال المختلس 25.495.126 جنيه.
عام 2010م، عدد البلاغات 372 بلاغ، المال المختلس 50.280.586 جنيه. و 195.000 دولار أمريكي.
هذه البلاغات لا تمثل حقيقة حجم جرائم الفساد في البلاد، حيث نري بأنها أكثر من ذلك.
خامساً : وجود آلية كمحاربة غسل الاموال، وهو مصطلح مرتبط من جهة بالجريمة الدولية المنظمة ولكنه من جهة اخرى يعمل من خلاله افراد ومؤسسات تجارية ومالية خاصة وحكومية و من خلالها يتم جعل الاموال الناتجة عنها اموالاً نظيفة أي مشروعة مثل:(تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية ، والدعارة والميسر والرق، والرشوة أوخيانة الأمانة أو السرقة أو الاحتيال أوالاضرار بالمال العام أوالمصلحة العامة، التزوير أو التزييف أو الدجل والشعوذة، الاتجار غير المشروع في الاسلحة والذخيرة، الاضرار بالبيئة، الخطف والقرصنة والارهاب، التهرب الضريبي أو الجمركي، سرقة أو تهريب الآثار، أموال الشعوب التي يستولي عليها الأشخاص بطريقة غير مشروعة). وقضية غسل الاموال قضية شائكة ومعقدة وتنفق الدول الصناعية الكبرى امولاً طائلة وجهوداً مضنية لمحاصرتها والحد منها ان لم يكن للقضاء عليها. ومن أمثلة مؤشرات الاشتباه لغسيل الاموال بالبنوك كثرت طلب الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان، والتي تحتاج الي التأكد من معلومات المستندات المصاحبة للاعتماد وعمليات حقيقية مقابل خطاب الاعتماد. و عليه صدر أول قانون سوداني لمكافحة غسل الاموال لسنة 2004م ، والذي عرف غسل الاموال بأنه أي عمل أو الشروع في عمل يقصد به إخفاء المصدر الحقيقي للأموال المتحصلة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 3(2) وجعلها تبدو كأنها مشروعة. وتأخذ غسل الاموال مظهر الخصخصة عندما يأتي مستثمر لشراء مصنع ثم يتوقف المصنع عن العمل والانتاج ويتشرد العمال مما يضر بالأمن الاقتصادي. وقد تم تأسيس دائرة مكافحة غسل الاموال و دعم الارهاب، تتبع للادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية ، رئاسة قوات الشرطة السودانية. كما تم تشكيل وحدة للتحريات المالية مستقلة بإشراف بنك السودان المركزي وتتكون من ممثلين من بنك السودان، المباحث، الأمن الاقتصادي، الجمارك، مستشار قانوني من وزارة العدل، و قد أنشئت بقانون في العام 2010م. وتقوم هذه الجهات بالتعاون مع البنوك الي الابلاغ عن أي أموال مشبوه لا تتناسب مع نشاط الشركة أو العميل المعين. كذلك وجود لجنة عليا لمكافحة غسل الاموال برئاسة المدعي العام وعضوية ذات الجهات المباحث، الأمن الاقتصادي، الجمارك، بنك السودان. كل المعلومات التي ترد لادارة غسل الاموال تعتبر بلاغات لحالات إشتباه، ومن ثم التعامل معها بالرأي وتحويلها للمدعي العام والذي يأمر بفتح بلاغ جنائي. ولصعوبة الاثبات لم يقدموا مستثمرين أجانب للمحاكمات بالرغم من وجود شبهات، وتأتي الصعوبة من أهمية التعرف علي الجريمة الأصلية (إحتيال، تجارة مخدرات، تجارة سلاح)، ومن جانب آخر حدوث التداخل بين غسل الاموال والثراء الحرام (من أين لك هذا؟). وبالرغم من أهمية وجود مجهود مقدر من الاجهزة المختصة الا أن الملاحظ تداخل في الاختصاصات من الاجهزة المتعددة الشرطة، الامن الاقتصادي، النيابة وهي ناتجة عن الفهم المختلف لغسل الاموال ، ومن جانب آخر مشكلة عدم التنسيق وغياب أجهزة الرقابة الاشرافية عن القيام بواجباتها في إنفاذ القانون مثل بنك السودان، الهئية العامة للرقابة علي التأمين، سوق الخرطوم للاوراق المالية، جهات إنفاذ القانون، لكل ذلك مازالت الجهات المختصة تسعي لتطوير عملها لمكافحة جرائم غسل الاموال.
سادساً: وجود مؤسسة متطورة في أمن المعلومات، حيث يعتبر موضوع امن المعلومات من العناصر الحيوية للامن الاقتصادي بعد ان اصبح التعامل بكل فئاته ودرجاته يتم في اغلب الاحوال بواسطة انظمة آلية تزدحم بها الاسواق وتتطور بشكل سريع ومذهل، وهذه الانظمة اذا ما كانت على درجة عالية من العلمية والدقة واذا ما صاحبها وعي معرفي من قبل جميع المتعاملين بها فانها سوف تحد من قضايا التزوير والتدليس والاخطار المدمرة للمنشآت المالية بصفة خاصة والاقتصادية بصفة عامة، وسوف تمكن المؤسسات من اداء عملها بشكل سليم لا يسمح باستغلاله او اختراقه من قبل بعض العناصر بالنسبة للمنافسين في بعض الاحوال. و عليه صدر أول قانون سوداني للمعاملات الإلكترونية 2007م ، والذي عرف المعاملات الإلكترونية بأنها العلاقات والتصرفات المالية والاحوال الشخصية وسائر المسائل القانونية غير الجنائية بما في ذلك التصرفات الفردية او العقود التي يتم ابرامها او تنفيذها كليا او جزئيا عن طريق رسالة البيانات الالكترونية. كذلك صدر اول قانون لمكافحة للجرائم المعلوماتية لسنة 2007م، لم يعرف المشروع السوداني الجريمة المعلوماتية علي وجه الدقة ولكنه عرفها من خلال المواد (4-22) والتي تشمل جرائم نظم و وسائط وشبكات المعلومات، الجرائم الواقعة علي الأموال والبيانات والاتصالات، جرائم النظام العام والآداب، جرائم الإرهاب والملكية الفكرية، جرائم الإتجار في الجنس البشري والمخدرات وغسل الأموال. وشكلت محكمة مختصة لحقوق الملكية الفكرية وتشمل الجرائم المعلوماتية وفقا لهذا القانون ولقانون الهيئة القضائية لسنة 1986م، الاضافة لنيابة متخصصة للجرائم المعلوماتية وفقا ايضا لهذا القانون وقانون وزارة العدل لسنة 1983م، وشرطة متخصصة للجرائم المعلوماتية لهذا القانون وقانون شرطة السودان لسنة 2008م.
سابعاً: وجود انظمة الامن والسلامة ، لان الأمن الاقتصادي يقتضي قيام جميع المنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية والمالية باعتماد انظمة الامن والسلامة وعدم ترك المسألة على عاتق اجهزة الامن اذ ان المفترض ان تقام المنشآت على أسس متينة تمنع الاختراق والاحتراق. حيث نتج عن اهمال الجوانب الامنية في المنشآت من خسائر جسيمه تتعدى آثارها الحالة الخاصة إلى الاقتصاد الوطني.
كما أود الاشارة هنا إلى أن التحولات الحديثة في اتجاه بروز دور أكبر للقطاعات الخاصة الاقتصادية وسياسات الخصخصة على حساب الدور التقليدي للحكومات مصحوبة بتبعات ومخرجات النظام العالمي الجديد وثورة المعلومات والتقنية التي ستلقي باعباء نوعية جديدة في مجال الامن الاقتصادي جميعها تستوجب التنبه بشكل غير تقليدي لكل جوانب الموضوع وصولاً إلى خلق حالة من التحصين ضد الفيروسات الأمنية الحديثة والمتجددة وهي مسؤولية مشتركة للأجهزة الحكومية وللقطاعات الخاصة على حد سواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق