الاثنين، 20 أبريل 2020

*سراج النعيم يكتب : مع انتهاء جائحة (كورونا) تنتهي صلاحية الحكومة الانتقالية*


......
إن فيروس (كورونا) المستجد سيطر سيطرة تامة على اهتمام العالم بأسره، وأصبح المشهد من خلاله يجسد معاناة الإنسان بصورة غير مسبوق، وذلك لعدم توفير أبسط مقومات الحياة لمواجهة (كوفيد-19)، والذي تتخذ في إطاره التدابير الاحترازية الوقائية المقيدة لحركة الإنسان، لذلك السؤال الذي يطرح نفسه هل قرار الحظر شبه الشامل قصد منه تغطية الأزمات الاقتصادية المتمثلة في (الوقود) ، (الدقيق) و(غاز الطهي)، والتي فشل في ظلها الساسة من ايجاد الحلول للظروف الاقتصادية، والتي تمضي دون جديد سوي قرار الحظر، والذي لم تراع فيه الحكومة للظروف الاقتصادية القاهرة التي يمر بها إنسان السودان، مضافا إليها التدابير الاحترازية الوقائية، والتي ضاعفت من معاناة المواطن، وبالمقابل نجد أن هنالك دولا تسعي لتخفيف التدابير الاحترازية الوقائية على مواطنيها، ولكن حكومتنا تشدد في تنفيذ قرار الحظر لمدة (٢١) يوماً دون أن تضع في الاعتبار كيفية قضاء المواطن لتلك الفترة، والتي يعتمد في ظلها على رزق اليوم باليوم.
إن الإستراتيجية الإحترازية الوقائية المتخذة من قبل السلطات السودانية بعيدة كل البعد عن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على الأسر السودانية الفقيرة، فهنالك أسرا تتناول وجبة واحدة طوال اليوم، وحتي هذه الوجبة لا تستطيع الحصول عليها إلا إذا ذهب العائل للعمل.
وفي هذا السياق حدثني صديقي بأنه يعرف رب أسرة ينهض من النوم في الصباح الباكر ليتوجه إلى مكان عمله لاقتراض مبلغ (١٠٠) جنيه من المستخدم، ومن ثم يحول المبلغ عبر خدمة تحويل الرصيد إلى زوجته، والتي يصل إليها (٩٠) جنيهاً، وذلك بعد أن يتم الخصم منه (١٠) جنيهات، مع العلم بأن طلب الفول الواحد سعره (٧٠) جنيهاً، وهو وجبة لشخص واحد، فما بالك لو كان لدي هذه الأسرة أو تلك أطفال، هكذا قيس كم.. وكم أسرة تمر بظروف اقتصادية بالغة التعقيد، ومثل هذه الأسر أن لم تموت بجائحة (كورونا)، فإنهم ستموت (جوعا)، وأن كانت الأوضاع الاقتصادية الضائغة ليست وليدة اللحظة، بل هي متوارثة من نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي جعل الشعب السوداني ينقسم إلى طبقتين طبقة ثرية، وطبقة فقيرة، وما بين هذا وذاك لا توجد طبقة ثالثة، لذلك قرار الحظر يفتقر لأدني مقومات صموده للفترة المحددة لأنه لم يتم النظر إليه من واقع الظروف الاقتصادية، والتي لم تتخذ في إطارها قرارات توقف (الجشع) الذي يمارس من بعض التجار باستغلال الأوضاع الإنسانية لجائحة (كورونا)، وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على فشل السلطات الرسمية في وضع تسعيرة للسلع الاستهلاكية الضرورية المنقذة للحياة، كما أنها لم تستطع توفير (الوقود)، والذي نجم عنه مظهر صفوف السيارات أمام الطلمبات، مما اضطر سلطات ولاية الخرطوم إغلاقها، ولكن ماذا ستفعل مع أزمة (الدقيق)، والذي نتج عنه مشهد صفوف الخبز أمام المخابز، وماذا ستفعل مع أزمة (غاز الطهي)، والذي جعل بعض الأسر تشتريه بالسوق السوداء أن وجد، هكذا إنسان السودان يعاني معاناة لا حدود لها، ولا يجد من يمد له يد العون، وإذا وجد من فعل اليوم، فإنه لن يجد من يعطيه غداً، وبالتالي هو لا يعول على العطاء والكرم، بقدرما أنه يعول على العمل، لذلك دعوه يعمل ولا تقيدوا حركته بالقوانين بسبب فيروس (كورونا).
إن الوضع الراهن في السودان ينبئ بوضع كارثي خاصة في النواحي الاقتصادية، فالسواد الاعظم يشتري السلع الأساسية بالنظر فقط، ناهيك عن السلع الغذائية نسبة إلى أن الغلاء فاحش، فالسلع الاستهلاكية تشهد يوماً تلو الآخر ارتفاعاً جنونيا، وعليه يجد المواطن نفسه محاصرا بقرار الحظر،  وساعات سماح للتحرك لا تكفي لإحضار مستلزمات أسرته إذا وجد أصلاً المال الذي يتسوق به، ومع هذا وذاك الحكومة لا ترخي له يد العطاء بتقديم الوجبة الوحيدة التي يتناولها (مجاناً)، كما لا تفعل مؤسساتها المعنية برفع المعاناة عن كاهل المواطن المغلوب على أمره، لذلك تجده يخرج من منزله بحثاً عن رزقه ورزق أطفاله الذين لا يعرفون له : (ما في أو ما عندي)، هكذا تتعمق المعاناة كلما مر يوم على قرار الحظر، والذي لم تقابله الحكومة بالغذاء الكافي للفترة المقررة، كما أنها لم توفر له الخدمات الصحية المتعلقة بالحظر، والذي يعني أن تقوم بتعقيم الأماكن وتوزيع (الكمامات)، (الجونتيات) و(المعقمات)، وذلك أثناء ساعات الحظر، والذي لم نشهد في إطاره أمراً من هذا القبيل، بل تطالعنا الحكومة بارتفاع الحالات المشتبه فيها  بفيروس (كورونا) الذي يشبه في أعراضه أعراض (الإنفلونزا) أو (الالتهابات) أو  (الأزمة)، وبهذا المفهوم يكون معظم الشعب السوداني مشتبه في إصابته بجائحة (كورونا)؟.
إن الإشكالية الأساسية ليست في جائحة (كورونا)، إنما الإشكالية في التدابير الاحترازية الوقائية والقرارات المتخذة في ظلها، وهذا يؤكد أن الحكومة الانتقالية لم تدير ملف فيروس (كورونا) بما يجنب المواطن الوقوع في ظروف اقتصادية مذرية، وهذا يعود إلى أن تجربتها وليدة من حيث إدارة الأزمات، وبالتالي ما أن تنتهي (كورونا) إلا وتنتهي معها صلاحية الحكومة الانتقالية.

الأحد، 19 أبريل 2020

*سراج النعيم يكتب : حكومتنا الانتقالية سنة حالات الاشتباة بمرض (كورونا)*


...........
ليست هذه أول مرة يظهر فيها فيروس (كورونا) المستجد، إذ أنه سبق وظهر في أواخر شهر ديسمبر ٢٠١٩م في الصين، والتي تم اكتشاف أول حالة مصابة بجائحة (كورونا-١٩) في مدينة (ووهان)، وصادف ذلك الإحتفال السنوي الذي تقيمه الدولة الموبوءة تحت عنوان (رأس السنة الصينية)، وهذا الاحتفال كان سبباً رئيسيا وراء إنتشار (الوباء) القاتل للإنسانية وسط المجتمعات من جميع أنحاء العالم بصورة سريعة جدا نسبة إلى أن الصين من البلدان التي تكتظ  بالسكان، لذلك وجد طريقه للانتشار سريعاً جدا، مما جعله يفوق كل التصورات الممكنة، وبالتالي كان انتشاره في فترة وجيزة جدا، مما أدخل الهلع والخوف الشديدين في نفوس العامة.
فيما نجد أن إسم (التاج) الذي أطلق على فيروس (كورونا) نابع من أن شكله يأخذ شكل (التاج)، بالإضافة إلى أنه مصنف من فصيلة الفيروسات التاجية التي تصيب البشرية، وهي في الغالب الاعم تصيب الإنسان والذي بدوره تنتقل منه العدوي من إنسان لآخر، أي أنه كغيره من الفيروسات ينقل العدوي عن طريق الاتصال المباشر، وذلك من خلال الرذاذ، والمصافحة، مما جعل الفيروس سريعاً في الانتشار.
بينما نجد أن تاريخ فيروس (كورونا) المستجد ظهر في العالم في بداية ستينات القرن الماضي، ويمتاز بأنه يستقر في الجهاز التنفسي للإنسان المصاب به، والذي منه يبدأ في إنشاء مملكته الخاصة، والتي من خلالها ينطلق نحو أعضاء مؤثرة في الجسم، وهو يعتبر المسؤول المباشر عن الالتهابات الرئوية التي أصيب بها عدد كبير من الأطفال.
وفي العام ٢٠٠٣م ظهرت ما لا يقل عن خمس فيروسات تاجية جديدة لفيروس (كورونا)، وهي جميعا ترتبط ارتباطا وثيقا بأمراض الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، مما نتج عنها تعرض الكثير من الأشخاص بإصابات ووفيات!.
وتشير المعلومات إلى ان البروتين الموجود في جائحة (كورونا) ينسخ الجينوم الفيروسي الخاص به منتجاً جديداً، ومن ثم يبدأ في التكاثر في جسم الإنسان، من ثم ينتج عن ذلك حدوث مضاعفات خطيرة جدا تتطلب أخذ الحيطة والحذر من خلال اتباع التدابير الاحترازية الوقائية.
وما لا تتم الإشارة إليه في التوعية بالوباء هو أن أعراض الإصابة بفيروس (كورونا) تختلف من مريض  إلى آخر، وهذا الإختلاف يحدث من خلال المناعة من شخص إلى آخر، وهي اللاعب الأساسي في إنتاج خلايا دفاعية تتصدي للفيروس، والأعراض المتعلقة بالجائحة تتمثل في الصداع، ضيق في التنفس، إرهاق وإرتفاع في درجة الحرارة، وليس بالضرورة أن يشعر بها الإنسان المريض مجتمعه في لحظة واحدة، إنما قد لا يشعر المصاب بفيروس (كورونا) سوى بصداع، وبالتالي على الإنسان اتباع الإجراءات الاحترازية الوقائية كتناول المشروبات التي تقوي مناعة الجسم وعدم الاختلاط بالآخرين، وتجنب الاحتكاك المباشر بالتجمعات، ولو كانت بأعداد قليلة قدر الإمكان، فالوقاية خير من علاج، خاصة وأن الإنسان مسؤول عن نفسه ولا ينتظر من الحكومات أن تقدم له ما يلزم سوي أنها تصدر القوانين المفيدة لحركته، بالإضافة إلى أنها تشدد على تنفيذها.
إن معظم الحالات المعلن عن إصابتها أو الاشتباه فيها لم نشهد لها فحصا واحداً يؤكد صحة إصابتها بفيروس (كورونا)، إنما تطالعنا السلطات بالإعلان عنها ما بين الفينة والآخري، إما بالنسبة للحالات المشتبه فيها فهي سنة جديدة سنتها الحكومة الانتقالية، فدول العالم تعلن الحالات المصابة أولا ثم تعلن فيما بعد عن الشفاء أو الوفاة، وهذا يحدث في دول لديها إمكانيات طبية عالية جدا، فما بالك ونحن نفتقر لادني المقومات الصحية، لذا ينبغي على إنسان السودان أن يتبع التدابير الاحترازية الوقائية  من المرض، وأن لا يتهاون فيه، ومع هذا وذاك لا ينتظر من السلطات السودانية سوي الإعلان عن الحالات المشتبه فيها والقرارات القاضية بالحد من حركته دون إظهار نتائج الفحص.

الأربعاء، 15 أبريل 2020

ابوراس : لم ندفن أي حالة من الحالات المصابة بالفيروس المستجد













أي إنسان على وجه البسيطة يداعب خياله حلم أن يكون وضعه الاقتصادي في أفضل أحواله بحيث يستطيع أن يعيش حياته بكرامة بعيداً عن عالم الأموات، وأن يكون مقيماً وسط السكان الأحياء، هكذا يمني البعض من سكان حياة اللاعودة أنفسهم ، ولكن ليس بالأحلام وحدها يتحقق لهم ما يصبون إليه، ومن أبطال ذلك العالم الغريب والعجيب (ابوراس) الذي يكشف قصته مع سكنه وسط الأموات، مؤكداً أنه راض تمام الرضا بما قسمه له الله، إلا أنه رغماً عن ذلك يأمل في كرمه سبحانه وتعالي بأن يكون له منزلاً بعيداً عن هذا العالم حتى يستطيع تربية أبنائه بصورة طبيعية دون أن يكون هنالك هاجس أنهم من سكان حياة اللاعودة، ومع هذا وذاك تجده لا يمتلك المال الذي يغطى به ثمن شراء مستلزمات حياته اليومية، فراتبه الذي يتقاضاه من عمله بجامعة الأحفاد بالكاد يكفى للصرف على مواصلاته ووجبة إفطاره (فالعين بصيرة واليد قصيرة)، وهذا الواقع الذي يركن له ضيفنا ينطبق على أغلب سكان المقابر الأحياء، فهم ينامون في الليل، ومن ثم يستيقظون في الصباح على مشاهد قبور الموتي مصفوصة على امتداد البصر، وهي جميعاً يطوقها صمت رهيب، ولا يقطع ذلك الصمت سوى تشييع جثمان من هنا أو هناك أو من يزورون الموتى ما بين الفينة والأخرى.
من أنت وكم تبلغ من العمر؟
أنا عبدالرحمن ابوراس عبدالله مراد أبلغ من العمر (٤٩) عاماً، وتعود جذوري إلى محلية (الردوم) بولاية جنوب دارفور.
ماذا تفعل في هذا المكان الذي يهابه كل إنسان؟
أعتبر نفسي واحداً من سكان حياة اللاعودة، فأنا أقيم في مقابر مدينة الشاطئ مع أسرتي الصغيرة، فأنا متزوج ولدي عدد من الأطفال، وزوجتي أنجبت لي طفله في غضون الأيام الماضية، إذ أن مولودتي حديثة الولادة فتحت عينها على القبور، الحفر ومواراة الجثامين الثري.
متى جئت من غرب السودان إلى الخرطوم؟
حضرت في العام ١٩٩٧م، ومنذ ذلك التاريخ أعمل عاملاً بسيطاً في إدارة جامعة (الأحفاد).
ما هي قصتك مع القبور والمقابر؟
بدأت قصتي مع المقابر منذ اللحظة التي توفيت فيها سيدة كنت مقيماً معها في منزلها بمدينة الشاطئ، فعندما أسلمت الروح لبارئها لم يكن أبنائها موجودين في السودان، فما كان مني إلا أن أقوم بهذا الدور بالإنابة عنهم حيث قمت بدفنها في المقابر، وعندما حضروا من خارج البلاد شكروني على القيام بالدور الإنساني، ومن ثم رحلت من منزلهم إلى منزلي المتواضع وسط قبور الموتى.
ما الذي لاحظته في من يحضرون الموتى للدفن؟
هنالك الكثير منهم يحضرون موتاهم ولا يعرفون كيفية دفنهم، وبالتالي أقوم أنا بهذا الدور بالإنابة عنهم، ومن ثم أشرح لهم تلك الخطوات حتى يتبعوها في المستقبل، أي إنني كنت أضعهم في الطريق الصحيح في مراسم الدفن، وكيفية وضع الجثمان داخل القبر (ود اللحد)، وأين تكون وجهة الرأس، وأن دفن جثمان الكبير يختلف عن الصغير؟.
كم لك من الزمان مقيماً بأسرتك داخل المقابر؟
حوالي العام.
بحكم أنك من سكان عالم اللاعودة، هل القصص التي تتم روايتها حول ما يدور في المقابر صحيحة؟
لا غير صحيحة نهائياً، فأنا منذ أن سكنت وأسرتي في مقابر مدينة الشاطئ ولم الحظ أو شاهد شيئاً غريباً يدعني أصدق القصص المنسوجة من نسج الخيال لا أكثر من ذلك، وها أنت تشاهد بنفسك أبنائي يقضون كل وقتهم في هذه المقابر.
ألا تخاف أنت أو أي فرد من أفراد أسرتك من المقابر؟
هذا السؤال دائماً ما يوجه لي إلا تخاف كون أنك تسكن مع الموتى، فكنت أرد بالنفي قائلاً : لم يحدث أن ساورني ولو لكسر من الثانية الخوف من مجاورة قبور الموتى، فالإقامة في المقابر من أأمن الأماكن التي يمكن أن تنام فيها دون هواجس تعتريك، وخلال وجودي بها أخرج في أوقات متفرقة نهاراً وليلاً وحتى في الساعات الأولي من الصباح، وطوال ذلك لم أشاهد ما يذهب إليه الناس حول عالم القبور الذي أصبحت لصيقاً بسكانها الأموات، لذلك أرجو من العامة عدم سرد قصص لا أساس لها من الصحة.
ماذا عن فيروس كورونا؟
مما لا شك فيه تنتهي هنا جائحة (كورونا)، فهذه هي المحطة النهائية، لذا لا نتخوف منها لأننا نثق أنها لن تفكر المجئ لهذا المكان لأنه سيتم دفنها، ولم يسبق لنا في هذا الجانب أن دفنا موتي توفوا بالوباء.
من أين يتم إحضار الطوب الخاص بود اللحد؟
كنا في وقت سابق نحضره من مقابر (أحمد شرفي)، إما في الحاضر فإننا نجهزه داخل مقابر مدينة الشاطئ، وقد وصل إلى (٥٠٠٠) طوبة، والمسئول عن المقابر هو عبدالمنعم، بالإضافة إلى صلاح الذي يدفع أيضاً فاتورة الكهرباء، وكلما قطع التيار الكهربائي أتصل عليه هاتفياً في أي وقت، وما أن يتلقي مكالمتي إلا ويجري اللازم.
هل هنالك شخص يسكن في هذه المقابر غيرك؟
نعم يوجد جاري (مرتضي) الذي يقوم بإحضار المياه لتحضير الطوب، وهو يعتبر جاري داخل المقابر، وتقيم معه أيضاً أسرته، وهكذا تجد السكان الأحياء كثر في عدد من المقابر المنتشرة بولاية الخرطوم، وهنالك من سبقوني للإقامة فيها بسنوات.
ما السؤال الذي تطرحه على أهل المتوفي قبل السماح لهم بدفنه؟
أطلب منهم إبراز شهادة الوفاة، وأين حدثت الوفاة وأسبابها، وبعد التأكد من صحة المعلومات أوثق لها بالتسجيل في الدفتر الخاص بالوفيات، ومن ثم أسمح لهم بمواراة الجثمان الثري بالمقابر.
هل هنالك مسيحيين يتم دفنهم في هذه المقابر؟
لا لا يوجد دفن للمسيحيين في هذه المقابر باستثناء الأطفال فقط حتى سن السادسة.
هل تم نبش أي جثمان بعد دفنه؟
لم يحدث أن تم نبش جثمان بعد دفنه لأي سبب من الأسباب.
لماذا لا تكون هنالك قبور محفورة؟
طلب منا عدم تجهيز القبور قبل الوفيات، وأي متوفي يأتي أهله للمقابر قبل زمن كاف لتحضير القبر وتجهيز الطوب لود اللحد، وأنا بدوري أحدد لهم المكان الذي يجب أن تتم فيه مواراة الجثمان الثري.
ماذا عن زوجتك؟
زوجتي وضعت لي مولودة في اليومين الماضيين، وهي الآن موجودة في منزلها داخل مقابر مدينة الشاطئ، وأطلقت عليها (يسرى)، وهذا يؤكد أن هنالك قوة إيمان.
فيما تجولت داخل المقابر ومقابر آخري مع سكانها الأحياء الذين لا تحس بأن خوفاً يتملكهم من هذا المكان غير المألوف للحياة، والتي كنا نسمع في إطارها قصصاً مثيرة جداً، فضلاً عن إحساس الإنسان بالفزع من مهابة الموت.
وفي هذه الأماكن أدرت حوارات مع عدد من سكان المقابر الأحياء الذين ظلوا يعيشون وسط الأموات لسنوات وسنوات لدرجة أنهم أنجبوا فيها الأبناء والبنات، فمنهم من أنتقل للعيش في عالم الأحياء.
وفي هذا السياق تقول (أم أحمد) : عشت في هذا المكان منذ طفولتي، والذي شهد كل مراحل حياتي إلى أن تزوجت فيه قبل سنوات، هكذا كنت أنام واستيقظ وسط قبور الموتى، وللأمانة والتاريخ تعتبر المقابر من أأمن الأماكن في الدنيا.
من جهتها، قالت (أم علي) : الحمدلله ظللت اقطن في هذا المكان، ومن ثم تزوجت فيه، وأنجبت من الأبناء ذكوراً وإناثاً، ورغماً عن اتساع رقعة الأسرة إلا أن المولي عز وجل مبسط لنا الحياة والحمدلله، ولكن كل ما أتمناه هو أن أمتلك منزلاً خاصاً، وهذا المنزل ليس من أجلي بل من أجل أبنائي.
ألا تخافين من الإقامة في هذا المكان؟
بالعكس لم أشعر بالخوف نهائياً، فالموت سبيل الأولين والآخرين، والتواجد هنا يترك لدى الإنسان إحساساً عميقاً بالحياة، لذلك ما أن تتأقلم عليه إلا وتصبح إنساناً قنوعاً بما قسمه الله سبحانه وتعالى لك.

سراج النعيم يكتب : على الحكومة الانتقالية التراجع سريعاً عن قرار الحظر الشامل


في الوقت الذي تدرس فيه بعض الدول تخفيف القيود المفروضة على مواطنيها بسبب فيروس (كورونا) المستجد، ها هي الحكومة السودانية المنصبة بأمر الشعب تشدد في التدابير الاحترازية الوقائية بالقرار القاضي بالاغلاق شبه الكامل لمدة (٢١) يوماً، وما أن يدخل هذا القرار الكارثي حيز التنفيذ، إلا ويجد إنسان السودان نفسه أمام خيارات غاية في الصعوبة، ولا حلول أمامه سوي أن يرفض قرار السلطات الانتقالية، والتي لم تعد قادرة على إدارة ملف الأزمة (الاقتصادية) و(الإنسانية) بعيداً عن القرارات غير المدروسة، وهو قرار تتضرر منه الأسر الفقيرة، والتي لا تدري من أين تأتي بالمال للتسوق؟، وهو الأمر الذي لم تضع في إطاره الحكومة الانتقالية الحلول الناجزة، ومثل هذا القرار يتجاوز الطاقة الاحتمالية للإنسان، والذي يجب أن لا تظن الحكومة الانتقالية أنه راض عنه، خاصة وأن بعض القرارات التي لم يستطع الرئيس المعزول عمر البشير تنفيذها، ها هي الحكومة الانتقالية تنفذها مع ظهور وانتشار جائحة (كورونا)، ومنها قرار رفع سعر قطعة الخبز من جنيه إلى جنيهين، بالإضافة إلى الزيادات اليومية في السلع الاستهلاكية، هكذا تتضاف الفواتير تلو الاخري على المواطن الذي أصبحت حساباته معقدة رغماً عن أنه هو السبب في تقلد الباشمهندس مدني عباس مدني والدكتور أكرم التوم وغيرهما المناصب الوزارية، ومثلما كان سبباً في ذلك، فإنه بلا شك قادر على ابعادهم منها، وتنصيب من يحقق له ما يصبو إليه، لذلك لا يجدي التحجج بفيروس (كورونا) المستجد، والذي جعله يلوذ بالصمت ويصبر على أي قرار سابق يتعلق بالوباء، إلا أن قرار الحظر شبه الكامل يتطلب عدم الصمت عليه خاصة وأنه قرار لا يراعي الظروف الاقتصادية والإنسانية، والتي قادت المواطن إلى أن يركن إلى واقع مرير بكل ما تحمل الكلمة من معني، وربما يقود ذلك القرار أغلب السودانيين إلى أوضاع أكثر تأزما، فمن لم يموت بجائحة (كورونا)، فإنه سيموت أن طال الزمن أو قصر، فالأغلبية العظمي تعتمد على رزق اليوم باليوم، بالإضافة إلى ذوي الدخل المحدود، الموظفين، العمال وغيرهم، لذا يجب على الحكومة الانتقالية العدول عن قرار الحظر شبه الكامل، ولا تحسب الحكومة أن في صمت المواطن رضا عليه، ولكن ربما أنه لا يريد الإفصاح عما يعتمل في دواخله حتي لا يصاب بالمزيد من الألم والمرارات.. و.. و... و....و.... الخ.
إن قرار الحظر شبه الكامل يعتبر ظالما للشعب السوداني، فهو لا يستحق أن تكبله الحكومة الانتقالية بقيود دون أن تجد حلول للنواحي المعيشية، لذا السؤال الذي يفرض نفسه على السلطات الانتقالية لماذا تصر على إصدار قرارات لا تصب في مصلحة الإنسان البسيط؟، والذي دائماً ما يتفاجأ بزيادات في سعر السلع المنقذة للحياة، إلا أنه يمررها على أمل أن يكون فيها العلاج الانجع للازمات المتوارثة من النظام البائد، ولكن قرار الحظر شبه الكامل أدخله في حسابات لا حصر لها ولا عد، ومع هذا وذاك تزداد الأوضاع الاقتصادية والإنسانية تعقيدا لأن القرار يضغط على المواطن، والذي إذا شاهدته الحكومة الانتقالية يضحك فلا تعتقد أنه مبسوطا من سياساتها، بل صبر عليها بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير، ولكن بذلك القرار يتمزق من الألم، والذي يعيش في ظله لحظات اشدة قسوة وإيلاما، فالتجربة خلال الفترة الماضية أثبتت فشل الساسة، وكشفت قصورهم في إدارة ملف الأزمات، وذلك من واقع أن الحكومة الانتقالية ليس لديها خطط إستراتيجية للحاضر والمستقبل.

الأربعاء، 8 أبريل 2020

حسن فضل المولى يغادر الشاشة الزرقاء بأمر التمكين

.......
الجنرال : مهما توارى الحزن في عيني وارقني الأجل
مازالت ألمح في رماد العمر شيئاً من أمل
.......
جلس إليه : سراج النعيم
.......
في ظل انشغال المتلقي بفيروس (كورونا) المستجد خرجت علينا لجنة إزالة التمكين بقرارات من ضمنها إعفاء الجنرال حسن فضل المولي من منصبه مديراً عاماً لقناة النيل الأزرق، وعلى خلفية ذلك قال الجنرال : فغداً ستنبتُ في جبين الأفق نجمات جديدة.. وغداً ستورق في ليالي الحُزن أيامٌ سعيدة.. وغدا أرى على المدى.. شمساً تُضيء سماء أيامي.. وإن كانت بعيدة.. هذا وواصل قائلاً : هذا فاروق جويده.. أراه يناجيني، ويشد من أزري، وأجد عنده ما يريحني بعد عناء طويل ورهقٍ أليم، بعد سنين عدداً كانت بطعم (عصير الليمون)، وليست بحلاوة (عصير القصب).
كيف تنظر إلى السنوات التي أمضيتها مديراً عاماً للشاشة الزرقاء؟
سنين أيامها يوم لي ويوم عليّ، ويوم أساء ويوم أُسر، ولكن بفضل المحمود تعالى أجدني راضياً ومسروراً وممتناً ومؤملاً، وراضياً بما قدمت، ومسروراً بما اكتسبت، وممتناً لمن عاشرتُ، ومؤملاً فيمن تركتُ، وهذه عافية كل مسيرة قاصدة، فإن البدايات المحرقة تقود إلى النهايات المشرقة، وإنني وكل من سبقني وكل من لازمني صحّ منا العزم جميعاً، ونحن نبني عش (النيل الأزرق) قشة.. قشة، ونشيّد صرحها لبنة لبنة حتى رسخت وشمخت، واستوت على جودي المهنية والإتقان وغدت مثابة للناس، وأنموذجاً يترسمون خطاها.
وماذا بعد الإعفاء؟
لقد أسلم لها القياد سوادٌ من بني وطني، ونحن السودانيين إذا أقبلنا وهبنا المُقل، وإذا كرهنا فلا توسط عندنا ولا اعتدال، تجدنا (مع الطيور المابتعرف ليها خرطة ولا في أيدا جواز سفر، نمشي في كل المدائن نبني عشنا بالغناوي وننثر الأفراح درر).
هل بعد العناد يأتي التسامح؟
وبرضو نحن الواحد لما يركب راسو عنيد وقاسي لكننا متسامحين وبنقدر بعض (الله يسامحك يا حبيبي، مهما قسيت على، قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية).
كيف للإنسان امتلاك الشخصية السودانية؟
والقول الفصل الذي ليس هو بالهزل أن السوداني أختصه الله بقلب كبير وعاطفة جياشة ومروءة متقدة فقط تبين كيف تخاطبه وبأي طريقة تتوسل إليه عندها فقط تملكه وما ملكت يداه.
هل الشخصية السودانية تقبل المزايدة فيما تعتقد؟
والسودانيون أحذر أن تنازعهم أو تزايد عليهم في معتقدهم متدينون بالفطرة حتى الذين يعصون الله ما أمرهم لا يفارقهم الشعور بالذنب فيستغفرون وعلى النبي الأكرم يصلون.. تدين عفوي لطيف وظريف.
ما هي وجهة نظرك في من يدافعون عن المعتقد وهم بعيدين عنه؟
كنا نجد حتى مرتادي (الأنادي) يتغاضون عن أي فعل أو قول، لكن بس أغلط وسب الدّين يتخطفونك ولن يحبسهم عنك سوى الاستغفار وإشهار التوبة، ولو قدر للإمام أحمد بن حنبل أن يعيش في السودان لجاء مذهبه رفيقاً رقيقاً مسترخصاً يسع النفوس وإن تمادى بها الهوى والتقصير.
ما كيفية النجاح في عالم الإعلام المفتقر لأقل مقومات العمل؟
إن أي مسعى وجهد لا يستلهم هذه القناعة هو صرخة في وادٍ ونفخة في رماد، وما كان هذا الفهم وحده ليفي بالمبتغى لولا الاهتداء لقناعات، قناعات عاصمات ذاكيات ذروة سنامها التوظيف الأمثل، توظيف الأشخاص والأفكار والأشياء، وتوظيف الأحاسيس النبيلة وأن نحتاط لكل فعل ومقصد بما يلائمه من الأسباب، وأهلنا في دار دارفور قالوا : (الراجل برجالو، والمفنقل بسروالو، والكريم بأم عيالو).
هل أنت متصالح مع نفسك؟
نعم متصالح وأدعو للتصالح ثم التصالح ثم التصالح، ذلك أن المتصالح مع نفسه تجده متصالحاً مع من حوله، يمنحهم أفضل ما عنده، ويأخذ منهم أفضل ما عندهم بنقاء وصفاء، ومن عمر قلبه بالمحبة كانت عاقبته رفعة في أعين الخلق، ورسوخاً في قلوبهم.
ما الذي تريد إيصاله من مكارم الأخلاق؟
خليِ عندك أخلاق، ولا تحسب أن هذا زجراً، بل هي دعوة للسمو والنبل، لذا أقبِل على الناس بسماحة وطيبة، وقلب مفعم بالوداد، ونفس أمارة بالخير وحسن الظن
من جاءك يسعى فأقبله و من أدار لك ظهره فأعذره.
كيف تنظر إلى الظلم؟
من ظلمك (خلي الأيام بتوريهو) (وأغفر له يا حنين، وجاوز من ظلم، ما أصلها الأيام مظالم والعمر غمضة ثواني،وأصبر على جرحك وإن طال الألم) ياسلااااام كم أحسن بازرعة، وأجاد عثمان حسين وإني لهما لمن المعجبين والمتيمين.
من خلال عملك الإعلامي ما الذي خرجت به بعد كل هذه السنوات؟
ضع بصمتك وقل كلمتك وأمضِ بلا ضوضاء،
وأقبل على الطيبين الذين تعرفهم بسيماهم وهم كُثر يسدون عين الشمس فمن أقترب وجد وفاز ذلك أنك حين تخالط الناس وتسعى بينهم تحوز كنوزاً من المعارف والمناقب والفنون والجمال وضروباً من أوجه الإبداع التي يبرأها أولئك المطهرون الذين نصادفهم هنا وهناك، فيمتلئ وفاضك بما يحبب منك ويقرب إليك، ويجعل كل ما يصدر عنك حُلواً مستطاباً، وهذا بالطبع لا يتأتى لقاعد أوصد قلبه وبابه وأغمض عينيه.
بماذا تنصح من يأتي بعدك؟
كن دائما أنت، أنت وليس غيرك، أنت الذي، والذي، والذي يُكسب الحياة والأحياء طعماً، ومعنى تأمل ألتقط، تخيّر، وأنظم، وأحسن النظم يجد الناس في واديك عقوداً من لؤلؤ ومهرجان، وأغنيات تُسعد القلب المعنى، ولوحات مبهرة وأشكالاً بديعة، وأعواداً من الصندل فواحة ورياضاً عذبة النبع وريقة ومسارحاً تضج بالغيد الحسان، وطرائق للحياة تنفع وتسعد.
كيف تنظر إلى الأفكار بصورة عامة ؟
إياك وإياك أن تستصغر فكرة أو تزدري صغيراً يافعاً
فمن الأشياء الصغيرة عندما تجيد نظمها تنشأ الأعمال العظيمة وبصغارنا نكبر ونحيا ونتمدد.
ماذا عن ديارك؟
كذلك أن تكون منتمياً ليس في الأمر عجب أو غرابة،
لكن العيب وكل المنقصة أن تخلع انتماءك على المكان الذي ائتمنت عليه، والذي هو حق مشاع للجميع، وقد استوصيت بهذا عن قناعة، فديارنا ظلت متاحة ومباحة غير مقطوعة ولا ممنوعة إلا لمن أبى أو أبطأ به عمله.
وأنا قد لا أكون معك، ولكني لست ضدك هذه قاعدة لو أعلمناها في حياتنا لنأت بنا عن الاحتراب والخصومة التي تستعر على محك (من ليس معي فهو ضدي)،
وما ينبئك مثل الشافعي : (لا تحاول الانتصار في ظل الاختلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها فربما تحتاجها للعودة يوماً ما) .
كيف ترى المخطئ؟
دائما أكره الخطأ لكن لا تكره المخطئ، أبغض بكل قلبك المعصيّة لكن سامح وأرحم العاصي، أنتقد القول لكن أحترم القائل مهمتنا هي أن نقضي على المرض لا على المرضى أن الاصطفاف المقيت الذي يرى معه أن كل فريق أنه على حق وما عداه هو الباطل بعينه يورث الضغينة ويقود إلى التهلكة وإفساد ذات البين ومن ثم ذهاب ريح الأمة.
كيف نقيم حياة فاضلة؟
أجد أنه فرضٌ علينا، أن نتنادى أنا وأنت وأنتِ ونحن جميعا قاصدين إقامة حياة فاضلة ملؤها الاحترام والتقدير فيها (لا يقولوا قالوا ولا يقولوا قلنا) تحت شعار المجد لله في الأعلى، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة، راجين أن نبلغ ما يحب الله لنا أن نكونه، (وهُدوا إلى الطيب من القول وهُدوا إلى صراط الحميد)، (صدق الله العظيم)، وبهذا نعلو ونتسامى ونتحرر من أثقال الدنيا والخطايا والشرور.
هل أنت حزين كون أنك غادرت الشاشة الزرقاء؟
أقول قولي هذا وأنا المفارق، وما كل مفارق عينو قوية، إذ أنه يعز على النفس أن ترحل عن ديار ألفت وأناس أحببت، وأنا بطبعي ولوووف، وقالوا (الولِف كتال)، لكن في النهاية تبقى الوظيفة عارية مستردة بالإقالة أو الاستقالة وقد يُقعدك المرض العضال أو توافيك المنية وأنت قائم، والذي يستحضر الموت تجده لا ينفك حَذراً مترقباً يقظاً وغير هيّاب، لا يبالي إذا أُعطى، لا يبالي إذا أخذ، لا يبالي إذا حُرِم ولا يبالي كيف تكون بكره النهاية، وأنا دوماً منذ أن تصديت للعمل العام لم أكن أبالي أين يكون مقعدي، وعلى أي جنب مرقدي، وعلى أي نحو يأتي مصرعي.
ألا تعتقد أنك بقيت في منصبك سنوات طويلة؟
الحق يقال لقد مكثت طويلاً، وكنت في كل مرة يحزنني فيها أمر وأهمُ بالذهاب يحبسني حابس أن المرء يجب أن لا يستعجل النهاية، فهي محتومة وموقوتة بأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ولا تترك بإرادتك قوماً بينهم من يرى فيك العشم، ولا تذهب إلا وأنت فارغ، أي بعد أن تستفرغ وسعك فيما ينفع، ويدفع إلى إشاعة كل ما هو جميل مستحب.
وماذا؟
ها قد أتاني الأجل محمولاً على أجنحة (التمكين) لينزل عليّ برداً وسلاماً، وهو ما صادف ارتياحاً لدى بعض المقربين والأحباب الذين ظلوا يداومون على نصحي بأن أرضاً سلاح، وكفاية، كفاية، وفعلاً كفاية.
ماذا أنت قائل في الختام؟
شكراً لمن أولوني ثقتهم يوماً، وشكراً لمن كانوا سبباً في نجاحي إن كان هناك نجاح يذكر، وشكراً لمن سرهم ذهابي إذ أنه بضدها تتميز الأشياء، شكراً لمن تحملوني وكتموا الغيظ وهم يرون أنني قصّرت في حقهم، ذلك أن للإدارة تصاريفها ومقتضياتها، شكراً بلا انتهاء لكل من أحزنهم ذهابي، لمن قالوا في حقي كلاماً جعلني أحس بأني أسعد من يمشي على قدمين، ولمن سكبوا بين يدي من عصارات الرحيق ما لو ذاق طعمها ألو القوة والباس لقاتلوني عليها بحد السيف، ولمن بنوا لي عرائش ظليلة ومزهرة بحسن صنيعهم نحوي (أنا العبد الفقير) حسن فضل المولى، شكراً للجنة التمكين والتي كانت سبباً في أن أتحرر من هذا القيد الذي أدمى معصمي، وليأذن لي الجميع أن ألتمس الأماني العذبة عند أبو قطاطي وخليل إسماعيل في عليائهما :-
(الأماني العذبة تتراقص حيالي
والأمل بسام يداعب في خيالي
بكره يا قلبي الحزين تلقى السعادة
وعيني تشبع نوم بعد ما طال سهادا
وأنسى غلبي والرياحين تملا دربي
وأمسح الدمع البسيل يملا الوسادة)
وما كل نهاية إلا إيذاناً ببداية
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون
والله من وراء القصد

سراج النعيم يكتب : كورونا".. ومخاض نظام عالمي جديد!


كورونا".. ومخاض نظام عالمي جديد!
أحدثت جائحة (كورونا) وضعاً اقتصادياً كارثياً، وسيظل تأثيره على المدى القريب والبعيد معاً، ورغماً عن ذلك لم تستوعب دول العالم خطورته، وأنه لا عاصم منه إلا بإذن الله سبحانه وتعالي، ولهذا السبب أدخل الخوف والهلع الشديدين في نفوس العامة، وذلك بعد أن وضح بجلاء عجز الدول العظمي عن إيقاف أو الحد من انتشاره رغماً عن الإمكانيات الاقتصادية، العلمية والفكرية الهائلة.
إن الأوضاع الاقتصادية تواجهها أزمات طاحنة منذ العام 2008م، لذلك لم تستطع كبح جماح فيروس (كورونا) الذي تفشي بصورة مخيفة ومرعبة جداً، وأحدث إضراراً، وتوقفت على إثره عجلة الحياة تماماً، لذا تنبئ تلك الظروف القاسية بأن (الوباء) سيترك تأثيره البالغ على الاقتصاد لفترة طويلة، كما سيواجه العالم تحديات جسام من حيث النمو الاقتصادي الذي ظلت تتصارع في إطاره دولاً عظمي من أجل تحقيق مصالحها، وفي ظل انشغالها بذلك الصراع تفاجأت بظهور وانتشار سريع لجائحة (كورونا) في مدينة (ووهان) الصينية، ولم تولي الأمر اهتماماً بالصورة المطلوبة رغماً عن التحذيرات من خطورته، هكذا تمت الاستهانة به، ولم تستشعر دول العالم ما يمكن أن يحدثه الفيروس، لذلك لم تتقبل الحقيقة الماثلة أمامها، لذا لم تتخذ تدابير احترازية وقائية تحد من انتشاره إلا بعد أن وقع (الفأس) على (الرأس)، وعندما أحست بالخطر بدأت تتحرك إلا أنها أخفقت في إدارة الملف بالصورة المثلى، وذلك من واقع اعتقاد البعض أنهم معصمين من الإصابة به.
إن نجاح الصين في إدارة ملف جائحة (كورونا) يؤكد أنها كانت جادة في التعامل معه والقضاء عليه بأي صورة من الصور، والبحث عن الحلول الإسعافية، لذلك ستصبح في المستقبل دولة رائدة في العالم لقدرتها على إيقاف انتشار فيروس (كورونا) المستجد، والذي سعت في إطاره إلى حشد إمكانياتها لحل الأزمة الكبرى.
يعتبر فيروس (كورونا) امتحاناً عسيراً لدول العالم بلا استثناء، والتي لم تنجح فيه من حيث سياساتها الاحترازية الوقائية التي يبدو أنها متعثرة جداً، كما أنه لا يوجد تضامن لمجابهة الفيروس الذي اتخذت في ظله القرارات متأخرة، خاصة فيما يتصل بإغلاق المطارات، المواني والمعابر، مما وضع بلداناً في أوضاع إنسانية متأزمة جداً، وجعل في ذات الوقت دولاً عظمي عبارة عن بؤرة (للوباء) الذي قاد الكثير من المهاجرين للهروب منها نحو بلدانهم تجنباً لانتقال عدوي (كورونا) القاتل للإنسان والحياة والاقتصاد التي انهارت على إثرها الأسواق، وتوقفت عجلة الإنتاج ليس على مستوى السودان فقط، بل على مستوى العالم الذي ما أن طاله الوباء إلا وترك أثره على كل شيء سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، مما ينذر عند إعلان الانتهاء منه بأنه لن تسلم من أضراره أي دولة، والأكثر تضرراً بالفيروس إيطاليا.
فيما استفادت الصين من خبرتها، ومعرفتها بجائحة (كورونا) في الحد من انتشاره، ومن ثم اتجهت إلى الوقوف مع الدول المتضررة، وفتحت أبوابها كقوة عظمي، هكذا لم تبخل على الدول التي وصلها الفيروس بالمساعدة من خلال توفيرها مستلزمات طبية ضرورية للحد منه.
الحقيقة التي يجب أن نستسلم لها هي أن حالات الاشتباه بالإصابة بفيروس (كورونا) لا تعني بأي حال من الأحوال بأن المريض مصاب بالوباء ربما تكون لديه (انفلونزا)، أو (التهاب حاد)، أو (أزمة)، فهي جميعاً تتشابه في أعراضها مع أعراض فيروس (كورونا)، والذي إذا ثبت انتشاره في السودان، فإن الإمكانيات الصحية أضعف مما يمكن تصورها، لذا على الجميع أخذ الحيطة والحذر، والالتزام بالتدابير الاحترازية الوقائية، والتي ليست في حجم التصريحات المتعلقة بالفيروس منذ الإعلان عنه، والذي يتطلب إجراءات أكثر صرامة لمنع انتشاره في البلاد.
على الحكومة الانتقالية الاستفادة من تجربة فيروس (كورونا)، وذلك من واقع الأوضاع الصحية والاقتصادية المذرية، وأن تتم الاستفادة من خلال إنشاء صندوق خاص بـ(الأوبئة) لحماية ومكافحة أثار أي وباء يظهر في المستقبل، وأن نستخلص من الأزمة الدروس والعبر في كيفية التعاضد والتضامن للتصدي لهذا الوباء أو أي وباء يظهر لاحقاً، لذا يجب تعزيز ميزانيات الصحية خاصة وأن جائحة (كورونا) قادت دول العالم إلى مرحلة أكثر صعوبة، وكشفت مدى التدني الذي يشهده الاقتصاد، بينما أثبتت الصين من خلال (الوباء) أنه سيكون لها دوراً ريادياً في الاقتصاد العالمي، إذ أنها ستكون القوى العظمى الجديدة في العالم.
ومن القصص المثيرة في هذا الجانب أن المرضى بالأمراض ذات الأعراض المتشابة مع أعراض فيروس (كورونا) يرفضون الذهاب إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة، وذلك خوفاً من الإشتباه بإصابتهم بالوباء، وفي هذا السياق حدثني صديقي أنه شعر قبل أيام بضيق في التنفس في وقت متأخر من الليل، ولم يكن بطرفه بخاخ الأزمة، فأشارت عليه أسرته أن تسعفه إلى المستشفى، أو أي طبيب خاص، فرفض الفكرة باعتبار أن ضيق التنفس الذي يشعر به قد يكون سبباً في حجره صحياً، وهكذا تحمل ذلك المريض الألم إلى أن أشرقت شمس اليوم التالي، ومن ثم ذهب نجله سريعاً إلى أقرب صيدلية وجلب له الدواء.
ومن القصص أيضاً أن هنالك شابا لديه إلتهاب حاد جدا لدرجة أنه لزم السرير الأبيض، مما دفع عاطفة الأمومة تتحرك نحوه، فاقترحت عليه والدته أن تذهب به إلى المستشفي أو أي طبيب خاص فرض الفكرة رفضاً باتاً، فاندهشت والدته من ذلك الرفض، ناسيه أن أعراض مرض ابنها مشابه لأغراض فيروس (كورونا)، فما كان منها إلا ووجهت له سؤالاً مباشرا لماذا لا تريد الذهاب إلى المستشفى أو تقابل أي طبيب في عيادته الخاصة لتلقي العلاج؟ فرد عليها قائلاً : تعرفي يا والدتي كل الأعراض التي لدي مطابقة تماما لأعراض الإصابة بجائحة (كورونا)، وهكذا هنالك عدد من المرضى بالانفلونزا أو الالتهابات أو الأزمة أو أي مرض تشابه أعراضه أعراض فيروس (كورونا) يلجأ المصابين بها إلى الصيادلة مباشرة دون مقابلة الأطباء لتشخيص حالاتهم الصحية بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، رغماً عن أن الحالات المصابة بفيروس (كورونا) جاءت للسودان به من الدول الموبوءة وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، من يحس بأنه مصابا، فليذهب للحجر الصحي من تلقاء نفسه، فكل الحالات المصابة بفيروس (كورونا) قادمة من خارج البلاد، وفي حال تكتمت على جائحة (كورونا) فإنك بلا شك ستنقل العدوة إلى أسرتك، أبنك، بنتك، خالك وعمك، ومن ثم ينتشر في كل بقاع وطنك.
السؤال لماذا يبحث البعض عن الأخبار غير السارة حول جائحة (كورونا) المستجد، فهنالك الكثير من الأخبار الإيجابية إذ تؤكد الأخبار أن إيطاليا سجلت (4200) حالة إصابة بالوباء القاتل تم شفاؤها خلال (24) ساعة، كما أن اليابان صنعت جهازاً قياسياً للاختبار السريع (test rapide) للكشف عن فيروس كورونا مدته (15) دقيقة، وهو قادر على اكتشاف الإصابات وقت وجيز جداً ، فيما أكدت فرنسا أن الدواء الذي تستخدمه أثبت نجاحه ضد (covid-19)، وهذا يبرهن بالدليل القاطع أن هنالك الكثير من المرضى تعافوا تماماً من فيروس (كورونا)، وعادوا إلى أسرهم وحياتهم الطبيعية، بالإضافة إلى أن الكثير من شعوب العالم أصبحت تحمل خبرة طيبة في الوقاية وحماية أنفسهم من الفيروس.
ومما ذهبت إليه يجب أن لا نلتفت إلى الأخبار غير السارة، فهي بلا شك ترمي إلى إدخال الخوف والهلع في نفوس الناس، وغالباً ما يكون هذا الاتجاه لدواعي سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية، ورغماً عن ذلك سيخرج العالم من جائحة (كورونا) أكثر قوة، تماسكاً، تعاضداً وتضامناً، فلينظر الجميع إلى السماء، فإن فيها عظمة الله القادر على أن يقضي على فيروس (كورونا)، لذا تضرعوا له بالدعاء اللهم إننا عبادك فاكشف عنا كل سوء وبلاء، وأحفظنا من فيروس (كورونا).

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...