الأربعاء، 8 أبريل 2020

حسن فضل المولى يغادر الشاشة الزرقاء بأمر التمكين

.......
الجنرال : مهما توارى الحزن في عيني وارقني الأجل
مازالت ألمح في رماد العمر شيئاً من أمل
.......
جلس إليه : سراج النعيم
.......
في ظل انشغال المتلقي بفيروس (كورونا) المستجد خرجت علينا لجنة إزالة التمكين بقرارات من ضمنها إعفاء الجنرال حسن فضل المولي من منصبه مديراً عاماً لقناة النيل الأزرق، وعلى خلفية ذلك قال الجنرال : فغداً ستنبتُ في جبين الأفق نجمات جديدة.. وغداً ستورق في ليالي الحُزن أيامٌ سعيدة.. وغدا أرى على المدى.. شمساً تُضيء سماء أيامي.. وإن كانت بعيدة.. هذا وواصل قائلاً : هذا فاروق جويده.. أراه يناجيني، ويشد من أزري، وأجد عنده ما يريحني بعد عناء طويل ورهقٍ أليم، بعد سنين عدداً كانت بطعم (عصير الليمون)، وليست بحلاوة (عصير القصب).
كيف تنظر إلى السنوات التي أمضيتها مديراً عاماً للشاشة الزرقاء؟
سنين أيامها يوم لي ويوم عليّ، ويوم أساء ويوم أُسر، ولكن بفضل المحمود تعالى أجدني راضياً ومسروراً وممتناً ومؤملاً، وراضياً بما قدمت، ومسروراً بما اكتسبت، وممتناً لمن عاشرتُ، ومؤملاً فيمن تركتُ، وهذه عافية كل مسيرة قاصدة، فإن البدايات المحرقة تقود إلى النهايات المشرقة، وإنني وكل من سبقني وكل من لازمني صحّ منا العزم جميعاً، ونحن نبني عش (النيل الأزرق) قشة.. قشة، ونشيّد صرحها لبنة لبنة حتى رسخت وشمخت، واستوت على جودي المهنية والإتقان وغدت مثابة للناس، وأنموذجاً يترسمون خطاها.
وماذا بعد الإعفاء؟
لقد أسلم لها القياد سوادٌ من بني وطني، ونحن السودانيين إذا أقبلنا وهبنا المُقل، وإذا كرهنا فلا توسط عندنا ولا اعتدال، تجدنا (مع الطيور المابتعرف ليها خرطة ولا في أيدا جواز سفر، نمشي في كل المدائن نبني عشنا بالغناوي وننثر الأفراح درر).
هل بعد العناد يأتي التسامح؟
وبرضو نحن الواحد لما يركب راسو عنيد وقاسي لكننا متسامحين وبنقدر بعض (الله يسامحك يا حبيبي، مهما قسيت على، قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية).
كيف للإنسان امتلاك الشخصية السودانية؟
والقول الفصل الذي ليس هو بالهزل أن السوداني أختصه الله بقلب كبير وعاطفة جياشة ومروءة متقدة فقط تبين كيف تخاطبه وبأي طريقة تتوسل إليه عندها فقط تملكه وما ملكت يداه.
هل الشخصية السودانية تقبل المزايدة فيما تعتقد؟
والسودانيون أحذر أن تنازعهم أو تزايد عليهم في معتقدهم متدينون بالفطرة حتى الذين يعصون الله ما أمرهم لا يفارقهم الشعور بالذنب فيستغفرون وعلى النبي الأكرم يصلون.. تدين عفوي لطيف وظريف.
ما هي وجهة نظرك في من يدافعون عن المعتقد وهم بعيدين عنه؟
كنا نجد حتى مرتادي (الأنادي) يتغاضون عن أي فعل أو قول، لكن بس أغلط وسب الدّين يتخطفونك ولن يحبسهم عنك سوى الاستغفار وإشهار التوبة، ولو قدر للإمام أحمد بن حنبل أن يعيش في السودان لجاء مذهبه رفيقاً رقيقاً مسترخصاً يسع النفوس وإن تمادى بها الهوى والتقصير.
ما كيفية النجاح في عالم الإعلام المفتقر لأقل مقومات العمل؟
إن أي مسعى وجهد لا يستلهم هذه القناعة هو صرخة في وادٍ ونفخة في رماد، وما كان هذا الفهم وحده ليفي بالمبتغى لولا الاهتداء لقناعات، قناعات عاصمات ذاكيات ذروة سنامها التوظيف الأمثل، توظيف الأشخاص والأفكار والأشياء، وتوظيف الأحاسيس النبيلة وأن نحتاط لكل فعل ومقصد بما يلائمه من الأسباب، وأهلنا في دار دارفور قالوا : (الراجل برجالو، والمفنقل بسروالو، والكريم بأم عيالو).
هل أنت متصالح مع نفسك؟
نعم متصالح وأدعو للتصالح ثم التصالح ثم التصالح، ذلك أن المتصالح مع نفسه تجده متصالحاً مع من حوله، يمنحهم أفضل ما عنده، ويأخذ منهم أفضل ما عندهم بنقاء وصفاء، ومن عمر قلبه بالمحبة كانت عاقبته رفعة في أعين الخلق، ورسوخاً في قلوبهم.
ما الذي تريد إيصاله من مكارم الأخلاق؟
خليِ عندك أخلاق، ولا تحسب أن هذا زجراً، بل هي دعوة للسمو والنبل، لذا أقبِل على الناس بسماحة وطيبة، وقلب مفعم بالوداد، ونفس أمارة بالخير وحسن الظن
من جاءك يسعى فأقبله و من أدار لك ظهره فأعذره.
كيف تنظر إلى الظلم؟
من ظلمك (خلي الأيام بتوريهو) (وأغفر له يا حنين، وجاوز من ظلم، ما أصلها الأيام مظالم والعمر غمضة ثواني،وأصبر على جرحك وإن طال الألم) ياسلااااام كم أحسن بازرعة، وأجاد عثمان حسين وإني لهما لمن المعجبين والمتيمين.
من خلال عملك الإعلامي ما الذي خرجت به بعد كل هذه السنوات؟
ضع بصمتك وقل كلمتك وأمضِ بلا ضوضاء،
وأقبل على الطيبين الذين تعرفهم بسيماهم وهم كُثر يسدون عين الشمس فمن أقترب وجد وفاز ذلك أنك حين تخالط الناس وتسعى بينهم تحوز كنوزاً من المعارف والمناقب والفنون والجمال وضروباً من أوجه الإبداع التي يبرأها أولئك المطهرون الذين نصادفهم هنا وهناك، فيمتلئ وفاضك بما يحبب منك ويقرب إليك، ويجعل كل ما يصدر عنك حُلواً مستطاباً، وهذا بالطبع لا يتأتى لقاعد أوصد قلبه وبابه وأغمض عينيه.
بماذا تنصح من يأتي بعدك؟
كن دائما أنت، أنت وليس غيرك، أنت الذي، والذي، والذي يُكسب الحياة والأحياء طعماً، ومعنى تأمل ألتقط، تخيّر، وأنظم، وأحسن النظم يجد الناس في واديك عقوداً من لؤلؤ ومهرجان، وأغنيات تُسعد القلب المعنى، ولوحات مبهرة وأشكالاً بديعة، وأعواداً من الصندل فواحة ورياضاً عذبة النبع وريقة ومسارحاً تضج بالغيد الحسان، وطرائق للحياة تنفع وتسعد.
كيف تنظر إلى الأفكار بصورة عامة ؟
إياك وإياك أن تستصغر فكرة أو تزدري صغيراً يافعاً
فمن الأشياء الصغيرة عندما تجيد نظمها تنشأ الأعمال العظيمة وبصغارنا نكبر ونحيا ونتمدد.
ماذا عن ديارك؟
كذلك أن تكون منتمياً ليس في الأمر عجب أو غرابة،
لكن العيب وكل المنقصة أن تخلع انتماءك على المكان الذي ائتمنت عليه، والذي هو حق مشاع للجميع، وقد استوصيت بهذا عن قناعة، فديارنا ظلت متاحة ومباحة غير مقطوعة ولا ممنوعة إلا لمن أبى أو أبطأ به عمله.
وأنا قد لا أكون معك، ولكني لست ضدك هذه قاعدة لو أعلمناها في حياتنا لنأت بنا عن الاحتراب والخصومة التي تستعر على محك (من ليس معي فهو ضدي)،
وما ينبئك مثل الشافعي : (لا تحاول الانتصار في ظل الاختلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها فربما تحتاجها للعودة يوماً ما) .
كيف ترى المخطئ؟
دائما أكره الخطأ لكن لا تكره المخطئ، أبغض بكل قلبك المعصيّة لكن سامح وأرحم العاصي، أنتقد القول لكن أحترم القائل مهمتنا هي أن نقضي على المرض لا على المرضى أن الاصطفاف المقيت الذي يرى معه أن كل فريق أنه على حق وما عداه هو الباطل بعينه يورث الضغينة ويقود إلى التهلكة وإفساد ذات البين ومن ثم ذهاب ريح الأمة.
كيف نقيم حياة فاضلة؟
أجد أنه فرضٌ علينا، أن نتنادى أنا وأنت وأنتِ ونحن جميعا قاصدين إقامة حياة فاضلة ملؤها الاحترام والتقدير فيها (لا يقولوا قالوا ولا يقولوا قلنا) تحت شعار المجد لله في الأعلى، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة، راجين أن نبلغ ما يحب الله لنا أن نكونه، (وهُدوا إلى الطيب من القول وهُدوا إلى صراط الحميد)، (صدق الله العظيم)، وبهذا نعلو ونتسامى ونتحرر من أثقال الدنيا والخطايا والشرور.
هل أنت حزين كون أنك غادرت الشاشة الزرقاء؟
أقول قولي هذا وأنا المفارق، وما كل مفارق عينو قوية، إذ أنه يعز على النفس أن ترحل عن ديار ألفت وأناس أحببت، وأنا بطبعي ولوووف، وقالوا (الولِف كتال)، لكن في النهاية تبقى الوظيفة عارية مستردة بالإقالة أو الاستقالة وقد يُقعدك المرض العضال أو توافيك المنية وأنت قائم، والذي يستحضر الموت تجده لا ينفك حَذراً مترقباً يقظاً وغير هيّاب، لا يبالي إذا أُعطى، لا يبالي إذا أخذ، لا يبالي إذا حُرِم ولا يبالي كيف تكون بكره النهاية، وأنا دوماً منذ أن تصديت للعمل العام لم أكن أبالي أين يكون مقعدي، وعلى أي جنب مرقدي، وعلى أي نحو يأتي مصرعي.
ألا تعتقد أنك بقيت في منصبك سنوات طويلة؟
الحق يقال لقد مكثت طويلاً، وكنت في كل مرة يحزنني فيها أمر وأهمُ بالذهاب يحبسني حابس أن المرء يجب أن لا يستعجل النهاية، فهي محتومة وموقوتة بأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ولا تترك بإرادتك قوماً بينهم من يرى فيك العشم، ولا تذهب إلا وأنت فارغ، أي بعد أن تستفرغ وسعك فيما ينفع، ويدفع إلى إشاعة كل ما هو جميل مستحب.
وماذا؟
ها قد أتاني الأجل محمولاً على أجنحة (التمكين) لينزل عليّ برداً وسلاماً، وهو ما صادف ارتياحاً لدى بعض المقربين والأحباب الذين ظلوا يداومون على نصحي بأن أرضاً سلاح، وكفاية، كفاية، وفعلاً كفاية.
ماذا أنت قائل في الختام؟
شكراً لمن أولوني ثقتهم يوماً، وشكراً لمن كانوا سبباً في نجاحي إن كان هناك نجاح يذكر، وشكراً لمن سرهم ذهابي إذ أنه بضدها تتميز الأشياء، شكراً لمن تحملوني وكتموا الغيظ وهم يرون أنني قصّرت في حقهم، ذلك أن للإدارة تصاريفها ومقتضياتها، شكراً بلا انتهاء لكل من أحزنهم ذهابي، لمن قالوا في حقي كلاماً جعلني أحس بأني أسعد من يمشي على قدمين، ولمن سكبوا بين يدي من عصارات الرحيق ما لو ذاق طعمها ألو القوة والباس لقاتلوني عليها بحد السيف، ولمن بنوا لي عرائش ظليلة ومزهرة بحسن صنيعهم نحوي (أنا العبد الفقير) حسن فضل المولى، شكراً للجنة التمكين والتي كانت سبباً في أن أتحرر من هذا القيد الذي أدمى معصمي، وليأذن لي الجميع أن ألتمس الأماني العذبة عند أبو قطاطي وخليل إسماعيل في عليائهما :-
(الأماني العذبة تتراقص حيالي
والأمل بسام يداعب في خيالي
بكره يا قلبي الحزين تلقى السعادة
وعيني تشبع نوم بعد ما طال سهادا
وأنسى غلبي والرياحين تملا دربي
وأمسح الدمع البسيل يملا الوسادة)
وما كل نهاية إلا إيذاناً ببداية
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون
والله من وراء القصد

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...