الأحد، 14 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب مواصفات الشخصية القيادية .

.................
دائماً ما يتبادر إلى ذهني سؤالاً ملحاً، وهذا السؤال يتمثل في كيفية صناعة الشخصية القيادية المتصفة بـ(الهيبة) و(القوة) في الحياة عامة ، وفي المجال الذي اختارته له موهبته خاصة؟ الإجابة تكمن في الصفات المتجذرة في الإنسان بـ(الفطرة)، ولا يمكن اكتسابها بأي وسيلة من الوسائل، وإذا حاول فإنه بلا شك سيفشل، وبالتالي يمكن للمرء أن يكتشف ما تخبئه النفس في دواخله من إبداع، ومن ثم العمل باجتهاد من أجل تنميته، وهو قطعاً يجعله ذو (قيمة)، (هيبة)، و(قوة) في محيط (الأسرة)، (العمل)، و(المجتمع).
وبالمقابل من لا يتحقق له ذلك، فإنه يكون إنساناً (هزلياً)، (ضعيفاً) و(منهزماً)، ومثله يحتاج إلى عزيمة وإصرار للابتعاد عما يركن إليه، فالإنسان يختلف عن الآخر من حيث المقاييس والمعايير، فهنالك من يكتسبها بالتقدير والاحترام للغير (إيجابياً)، وهنالك من يخذلهم بأفكاره (سالباً)، مما يجعل منه إنساناً مهزوزاً في حياته، وقابلاً لأن يكون محل (سخرية)، (استهزاء) و(تندر)، وربما يدفع ذلك البعض للتطاول عليه كلما طرح موضوعاً للنقاش، والأدهى والأمر في الشخصيات المتسمه بهذه الصفات أنها مستسلمة، وتتحكم فيها الظروف المحيطة بها، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية، وأمثال هؤلاء يعلمون أن ما يفعلونه يقلل من قيمتهم وهيبتهم وسط الناس إلا أنهم مضطرين أن يمارسوا هذا الفعل المنافي لطبيعة الإنسان وبالتالي يهضمون حقوقهم المكفولة شرعاً بالديانة الإسلامية، والتي أوضحتها لهم بجلاء، خاصة وأن الإنسان عزيز، وكرمه الله سبحانه وتعالي، وعليه السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يخضع الإنسان ذاته لـ(لإذلال) و(الإهانة) من أناس ربما لا يسوون شيئاً مقابل ما يمتلكه هو من (موهبة)، (إمكانيات) و(طاقة) غير مكتشفه، وذلك يعود إلى ركونه لحيز ضيق جداً، ربما هو الذي جعله يفكر بشكل سالب.
فيما يكمن مفهوم كيفية صناعة الذات القوية على اكتشاف الموهبة أولاً، ومن ثم العمل على تنميتها، وذلك من خلال الاكتساب المعلوماتي بالإطلاع والثقافة والتطور والمواكبة خاصة وأن العالم أصبح منفتحاً على الآخر، والذي بدوره تسيطر عليه ثورة التقنية الحديثة والمعلومات المتدفقة عبر (العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي أصبحت مع مرور الزمن تصنع للبعض (كاريزما)، (هيبة) و(قوة)، إلا أن البعض لا يوظفها توظيفاً صحيحاً للمحافظة على (خصال)، (قيم)، و(أخلاق) يحتاج إليها المجتمع، لذا على الشخصية القيادية أن تكون صاحبة مواقف قوية، ولا تجامل على حساب الديانة الإسلامية والوطن والمجتمع، وأن لا تتنازل عن حقوقها الدستورية والقانونية، لكي تستطيع أن تضع بصمتها الإيجابية في الحياة.
من أقوي وأيقظ الشخصيات تلك التي تمتلك (كاريزما) تعبر بها عن قدرتها على جذب من حولها، خاصة إذا كانت هذه الشخصية (متفائلة)، (حيوية)، (مبتسمة)، و(واثقة) في النفس، وفي (أقوالها، (أفعالها)، (مواقفها) و(مبادئها)، والتي يجب أن لا تتغير أو تتزحزح أو تتنازل عنها، خاصة وأن كلمة (كاريزما) في الأصل مشتقة من الكلمة اليونانية (charizesthai)، وتعني إبراز الشخصية المعنية للصفات الإنسانية المميزة.
وحينما نعود لمصطلح (كاريزما) نجد أن أول من أستخدمه هو عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر)، وذلك من خلال مؤلفه الشهير (القانون في الاقتصاد والمجتمع)، لذا نجد أن أعداد بسيطة لها القدرة على القيادة وفقاً للمعني الحقيقي للمصطلح، وبالتالي تكون لديهم القدرة على التأثير في من هم في محيطهم بـ(الكاريزما) المتطلبة في الإنسان أن يكون اجتماعياً لإيصال الدعم الإنساني تأكيداً على أهمية الآخر في حياته، والذي يحتاج منه أن يظهر له الثقة بتحريك المشاعر الايجابية خاصة وأن الشخصية ذات المواصفات القيادية غير قابلة للانتقاص من قدر الآخرين، والذين ربما تكون لديهم ذات (الكاريزما) إلا أن الظروف المحيطة بهم وحدها التي وضعتهم في درجة أقل لعدم قدرتهم على زيادة قوة شخصياتهم، وامتلاك القناعة الكافية، والاتّصاف بالجد والالتزام بخط صارم وجاذب في ذات الوقت، ومقنع للناس الذين ينتظرون منك إيجاد الحلول الناجزة للإشكاليات التي تعترض طريقهم ما بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على التشجيع والتحفيز وكسر الجمود من خلال الاستماع وترتيب الأحداث حسب الأسلوب المناسب لها مع الأمانة والصدق في التواصل مع من حولك، بالإضافة إلى اشعارهم بالاهتمام والتميز.
بينما يجب على الشخصية القيادية استخدام المهارات العاطفية والاجتماعية في فن الإدارة، فهي تؤثر في من حوله وتجذبهم إليه، وبالتالي تنشأ بينه وبينهم علاقات متينة في الإطار العام والخاص ، مما يتيح له التحكم فيهم عند الحاجة إليهم، سواء كان ذلك بـ(اللفظ) أو (النظَر)، فهي أقوى الطرق للاتصال والتواصل.

بلاغ جديد ضد الرئيس المخلوع من مؤسس شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية .


من وحي جرائمه ضد الإنسانية والحريات الشخصية
...........
عمر البشير ارتكب مجزرة بمصادرة أكثر من (١٤) صحيفة
..........
يكتبها : سراج النعيم
.........
السؤال الذي يتبادر لأذهان السودانيين بصورة شبه عامة، ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي دار في إطاره جدلاً واسعاً حول تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية من عدمه أو محاكمته في الداخل، وهو التحدي الذي ينتظر الحكومة المدنية بعد توقيع الاتفاق بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي بموجبه يتم تشكيلها، فمن المعرف أن الطرفين دخلا في مفاوضات قبل فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة إلا أنها توقفت بسبب فضه ثم عادت مرة آخري من خلال وساطة أفريقية، وهو الاتفاق الذي يأمل السودانيين في أن يلبي مطالب الثورة الشعبية كاملة لا منقوصة، خاصة وأنه ضحي تضحية غالية من أجل الوصول لهذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان الحديث، فهو صبر وثابر وناضل للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي ظل يتقلد مقاليد الحكم ثلاثة عقود من التسلط ، الجبروت والقتل للإنسانية بلا رحمة أو رأفة؟، عموماً يظل السؤال قائماً إلى أن يقدم (البشير) ورموز نظامه الفاسد إلى محاكمات عادلة ترد للشعب السوداني كرامته، إنسانيته وحقوقه المسلوبة خاصة وأن نيابة مكافحة جرائم الفساد وجهت للرئيس السابق البشير تهماً تتعلق بجرائم غسيل الأموال وجيازة العملات الأجنبية، بلغت نحو (351) ألف دولار، و(6.697.050) يورو عثر عليها في مقر إقامته ببيت الضيافة، وتم على إثرها التحقيق معه بعد إيداعه خلف قضبان السجن الإتحادي (كوبر).
ومما ذهبت إليه، فإن الإجراءات المتخذة ضد الرئيس المعزول عمر البشير تزامنت مع اعتصام الثوار الشباب أمام القيادة العامة بالخرطوم، والذي على إثره بدأت قوى إعلان الحرية والتغيير مفاوضات مع المجلس العسكري، إلا أنها توقفت بسبب فض الاعتصام، والذي استشهد على إثره عدداً من الشباب الثائر، وأبرزهم المناضل الشاب عبدالسلام كشة، والذي بدأ النضال طالباً بالمرحلة الثانوية، بالتالي لم يعش حياته كسائر الشباب، إذ أنه كان مهموماً بالوطن وقضاياه، مما حدا بالأجهزة الأمنية اعتقاله صغيراً إلا أنه لم يثنيه عن مواصلة نضاله الثوري، ولم يتراجع عن مبادئه المطالبة بحكومة مدنية تلبي طموحات الشعب السوداني، فيما أصيب عدد آخر من الشباب الثائر الذي كان في ساحة الاعتصام، ومن ثم تم استئناف المفاوضات بوساطة من آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي والإتحاد الأفريقي، وقد افضت إلى استئناف المفاوضات مرة أخري، والتي أسفرت عن الاتفاق والترتيب لإدارة حكم البلاد في المرحلة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات.
(البشير) جاء لسدة الحكم في الثلاثين من يونيو من العام ١٩٨٩م بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي المنتخب، وعليه فإن ما قام به ورفاقه يعد تقويضاً للنظام الدستوري في البلاد، مما يعني أنه في إمكان الإمام الصادق المهدي المطاح بحكومته الشرعية اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ومن سانده على ارتكاب الجرم نسبة إلى أنه ورفاقه عرضوا البلاد إلى عدم استقلالها، وعلى خلفية ذلك ظل النظام السابق يشرع في القوانين لحماية نفسه، وهي قوانيناً تعتبر من يعارضه سياسياً مقوضاً للدستور بشكل مباشر أو غيره، ويعتبر نظام (البشير) ذلك النهج جرماً جنائياً تصل عقوبته حد الإعدام أو السجن مدي الحياة.
من المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية دائماً ما تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وذلك بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، مما يجعلها تخطط تخطيطاً أمنياً تلصق من خلاله التهم للخصوم السياسيين الألداء، وهي قطعاً ترمي من وراء ذلك إلى إبعادهم عن المشهد السياسي، إلى جانب أنها تكمم افواه المعارضين، الإعلاميين والصحفيين حتى لا يبدون آرائهم في سياسيات النظام الفاشلة، وبالتالي ظل يمارس اصنافاً من القمع مستقلاً سلطات القبض أو الاعتقال منتهكاً بذلك لحقوق الإنسان.
وعندما أتطرق لهذه الملف، فإنني أتناوله من واقع أن هنالك ضحايا كثر، وهؤلاء الضحايا كنت واحداً منهم، وبالتالي تعرضت كما تعرض غيري للتهديد والإرهاب الفكري بالسياسات القمعية المنتهجة، والتي على إثرها قامت أجهزة أمن المعزول (البشير) بمصادرة أكثر من (١٤) صحيفة سيارة بتهمة نشرها خبراً حول واقعة اختفائي، مع التأكيد بأن النشر لم يكن من نسج الخيال، بل كان بموجب بلاغ فتح لدي قسم شرطة مدينة النيل، وهو الأمر الذي جعل الرئيس المخلوع عمر البشير أن يأمر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بارتكاب المجزرة التاريخية في حق الصحف، والتي على ضوء تكبدت خسائراً مالية كبيرة، ولم يأبه بما حدث بل توجه مباشرة إلى الإمارات يرافقه بعض رؤساء تحرير الصحف، والذين وجهوا له سؤالاً حول ما جري معي، خاصة وأنه كان حدثاً كبيراً افردت له وكالات الأنباء والفضائيات العالمية مساحات من بثها؟، وعليه رد الديكتاتور (البشير) مؤكداً أنني اخفيت نفسي، وهذا لعمري محض افتراء منه، ما يشير بوضوح إلى أنه كان يدير البلاد بصورة عشوائية جداً، وقد طلبت مني شخصية بارزة عدم الرد على حديث الرئيس المخلوع، المهم أنه كان هنالك ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني يتصل على بشكل شبه يومي، ويطلب من خلال مكالماته الهاتفية أن اتخذ الإجراءات القانونية في مواجهة الصحف التي نشرت خبر اختفائي في ظروف غامضة، فقلت له هذه الصحف وقفت معي موقفاً مشرفاً، ولم أتضرر منها نهائياً، فلماذا أفتح ضدها بلاغات، هكذا كان النظام البائد يستخدم الأساليب الترهيبية لتكميم الافواه، وحجر الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وبالتالي قررت أن اتخذ إجراءات قانونية ضد الرئيس المخلوع عمر البشير على الضرر النفسي والمعنوي الذي سببه لى خلال سنوات حكمه البائد، وقد طلبت من الدكتور القانوني الضليع عادل عبدالغني تولي هذه القضية، خاصة وأن نظام البشير درج على توجيه التهم للسياسيين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء ومن ثم القبض أو الاعتقال والإيداع في الحراسات أو المعتقلات، وبعد التحريات معهم تحول البلاغات إلى المحاكم المتخصصة، وبما أنها تندرج في الإطار السياسي يتم شطبها، وإخلاء سبيل المتهمين، هذا يعد ضرباً من ضروب استغلال السلطات، وذلك وفقاً للقانون المفصل لحماية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فمن المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها بقاءها بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وبالتالي تعمل على لصق التهم وفقاً لما هو مشرع، وذلك لترهيب الخصوم السياسيين الألداء، وترمي لإبعادهم عن المشهد السياسي، وعدم إبداء آرائهم في سياسيات النظام البائد، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للخطر بالطرق المشروعة أو غيرها، وهي أساليب تدعو إلى انتهاك حقوق الإنسان، في حين أنني كنت محاصراً في نطاق ضيق جداً، وبالتالي هي تستحق مني الشكر على موقفها معي، وتشجيعي على مواصلة أفكاري عبر الميديا الحديثة، والتي كانت ترعب وتخيف نظام الرئيس المعزول عمر البشير، مما دفعه إلى سن تشريعات تمثلت في قانون جرائم المعلوماتية، ومن ثم خصص لها نيابة ومحكمة، وهي كانت قوانيناً للتخويف من كشف (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة، والتي فتح في ظلها عدداً من البلاغات، إما البلاغات المفتوحة في مواجهتي استطعت شطبها بما فيها تلك التي فتحت بعد عودتي من مدينة (عطبرة)، والتي حقق معي فيها اللواء نافع حسين نافع، ومن ثم واصلوا معي التحقيقات في الخرطوم، عموماً تضررت ضرراً بليغاً من تصريحات الرئيس المخلوع عمر البشير عبر عدد من الصحف السياسية، إذ أنها كانت بمثابة صك للسلطات الرسمية لممارسة القمع، القهر، والظلم وفقاً للقوانين المشرعة لحماية النظام السابق، وقد ظللت في هذا الإطار اعاني منها لسنوات، فلا يمضي شهر إلا وأكون حاضراً لدي الأجهزة الأمنية، وهي بلا شك تمارس ضغوطاً على من يقف ضد نظام البشير، مما يؤكد أنه كان يرتكب جرماً فادحاً في حق إنسان السودان، وقد بدأت معي هذه المضايقات منذ فتحي لملف الفساد الذي يشهده الحقل الصحي، والذي أخذت في إطاره نموذجاً مستشفي الخرطوم بحري، والذي أتذكر في ظله أن شخصية مرموقة سألتني، هل تدري ماهية خطورة فتح ملف من هذا القبيل، وهل تعلم من يقف وراء شركات الأدوية، والشركات الأمنية المتعاقدة مع بعض المستشفيات وغيرها من الأسئلة؟، والتي لم أجد لها آنذاك إجابة، بل أتضحت لي الرؤية بشكل واضح بعد واقعة اختفائي، والتي بعدها بدأت المضايقات من خلال البلاغات، هكذا كان النظام المعزول يصفي حساباته مع من يقف ضد مصالحه الشخصية، والتي درج على انتهاجها على مدي ثلاثين عام، مما يجعلك تداوم ذهاباً وإياباً ما بين الأجهزة الأمنية، النيابة والمحكمة، وذلك بدليل أن البلاغات يتم شطبها، مما يعني أن نظام الرئيس البشير يستغل السلطات مطوعاً لها لصالحه، لذلك وجهت له تهماً تتعلق بجرائم حرب، وإبادة جماعية في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، والتي صدر بموجبها مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والتي طالبت بعد خلعه تسليمه إليها للنظر في التهم الموجهة إليه، خاصة وأنها تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، والذي ظل صابراً على الظلم الذي تعرض له، لذا على السلطات الإسراع في وضع حد للجدل الدائر حول تقديم البشير إلى محكمة يتم نقلها عبر الأجهزة الإعلامية حتى يخفف ذلك على أسر الضحايا شمالاً وجنوباًـ شرقاً وغرباً، وبالتالي يجب محاكمة (البشير) ليس على جرائم غسيل الأموال وحيازة النقد الأجنبي فقط، إنما محاكمته في الجرائم المتهم في إطارها من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في ظل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، جرائم الإبادة الجماعية، جرائم الحرب التي شهدها إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى أنه وقف حجر عثرة أمام الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وعليه فإن محاكمته تصب في صالح التغيير، والذي ينشده الشعب السوداني عموماً، كما أنها تحفظ لأسر الضحايا حقهم الذي كفلته لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدستور والقانون السوداني، وبالتالي فإن الجدية في تقديم البشير ورموز نظامه للمحكمة مكسباً كبيراً للسودان الذي ظل خارج منظومة المجتمع الدولي، والذي يحتاج إلى رفع اسمه من قوائم سجل حقوق الإنسان، الإرهاب وغيرها بعد أن تم الزج بالبشير ورموزه في السجن الاتحادي (كوبر)، والذي يجب محاكمته محاكمة عادلة على كل جرائمه، فمحاكمته علناً ستكون فتحاً جديداً للسودان، خاصة وأنني لا أومن بمقولة (عفا الله عما سلف) وذلك من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأمريكان، الأوروبيين، الآسيوين، العرب والإفارقة.
إن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في القضايا المرتكبة في حق الإنسانية، وبالتالي محاكمة البشير ورموز نظامه الفاسد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باستمرار الاتفاق بين المجلس العسكري، وقوي إعلان الحرية والتغيير، وعليه يجب مثول البشير ورموز نظامه المعزول أمام المحاكم حتى يتمكن كل سوداني متضرر من أخذ حقه كاملاً لا منقوصاً وبالقانون، ويجب أن تبدأ محاكمته أولاً بتقويض النظام الدستوري في البلاد في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بالانقلاب على الشرعية، ومن ثم جرائمه في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى جرائم قتله لشهداء رمضان، والمتظاهرين العزل، وغيرها من الجرائم المستمرة منذ تقلده نظام الحكم في البلاد قبل ثلاثة عقود.

الخميس، 11 يوليو 2019

سعادة عبدالرحمن : منعت من المشاركة في الاعتصام بالقيادة العامة







بعد اختيارها ضمن مائة شاعرة عربية
................
أرفض ترديد ترباس لنصوصي الغنائية وهذا رأي في الشاعرات الجدد
..............
شاركت في لجان ثقافية ومعظم هذه اللجان (زي لمة جبنة الحريم)
.............
جلس إليها : سراج النعيم
............
على خلفية استصحابها ضمن مائة شاعرة عربية في كتاب ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﺍلأﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻮﻫﺮﺍﻛﺔ، الشاعرة سعادة عبدالرحمن من الشاعرات المعاصرات المسجلات ﻓﻲ مؤلف عربي شهير حمل عنوان ‏(ﻣﺎﺋﺔ ﺷﺎﻋﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻌﺮبي‏)، وهو يعتبر الكتاب ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ الذي يوثق ﻟﻤﺎﺋﺔ ﺷﺎﻋﺮﺓ ﻋﺮﺑﻴﺔ معاصرة، وهن جميعاً ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، وهو يوثق ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻀﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 1950ﻡ، وحتى ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ويهدف المؤلف إلى رفد المكتبات العربية باﻟﻤﺒﺪﻋﺎﺕ الشاعرات ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺎﺕ اللواتي يكتبن الأشعار ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ، خاصة وأن العالم بصورة عامة يشهد دماراً بالأحداث المتسارعة، والاضطرابات ما بين الفينة والآخري، والحروب الدائرة هنا وهناك، مما جعله يتحول مع مرور الزمن إلى جحيم، ومع هذا وذاك كل طرف يسعي إلى الإقصاء، ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻭﺍلإﺭﻫﺎﺏ، وبما أن سعادة عبدالرحمن ليست بعيدة عما يجري من حولها رأيت أن أدير معها حواراً مختلفاً حول راهن الأحداث في البلاد، فهيا نقلب معها صفحات وصفحات فإلى مضابط الحوار. 
في البدء أين أنتي من الأحداث الدائرة في البلاد؟
أولاً لابد من التأكيد على أنني كنت مشغولة في الفترة الماضية بعملي في مجال التدريس، والذي عندما أجزت منه شددت الرحال مع أسرتي إلى (القاهرة) مستشفية، وحينما عدت إلى أرض الوطن توجهت مباشرة إلى ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة باعتبار أنني سودانية، ولابد أن أكون حاضرة مع (كنداكات) بلادي، نعم فعلت رغماً عن رأي الواضح في القيادات الثقافية هناك، المهم أنني ذهبت إلى هناك للمشاركة، فما كان من أحد الشعراء المغمورين إلا أن يقول : (لا توجد مساحة لسعادة عبدالرحمن)، ولم يوضح الأسباب، ولم يشير إلى أنني لدي أيدلوجيات سياسية، ومن ثم جاءني من يطلب مني المشاركة ظناً منه بأنه منحني شرفاً، عموماً أقول له ولغيره لا تسألني ماذا كتبت لهذه المناسبة، أو التي تأتي بعدها، فأنا ألفت شعراً وطنياً يتوافق مع أي مرحلة أو حدث تشهده البلاد سلماً أو حرباً، فأنا الشاعرة الوحيدة التي أكون حاضرة لإلقاء الشعر الذي تهتز له الجبال، وهذا يعود إلى أنني أألف الأشعار بإحساس وطني، وعندما أفعل يكون ذلك بعيداً عن الأيدلوجيات السياسية لقناعاتي التامة بأن الأيدلوجيات والحكومات يذهبان، وتبقي القصيدة الأصيلة غير المأدلجة سياسياً، وبالتالي لا أقول لهما مرحباً أو مع السلامة، وحينما تسألني لماذا؟ أقول تكمن الإجابة في بحثي عما يحفظه لي التاريخ، فأنا في مقدوري الكتابة عن الأحزان، الجراح، الصراعات، الحرية، السلام، العدالة، وكل ما يؤول إليه السودان في الحاضر والمستقبل، هكذا هي أشعاري حاضرة في أي زمان ومكان، وموثق لها عبر المنابر الإعلامية، لذا ليس من الضروري أن أأتي في الزمان والمكان بالأشعار الهتافية حتى يكون حري بي المشاركة في المشهد الوطني فأنا لا أصطنع له القصائد، بل أكتبها بإحساس الانتماء للسودان الوطن الكبير، والذي أقول له لبيك في أي زمان ومكان، فأنا أألف الشعر الذي استطيع أن أنافس به أي شاعر أو شاعرة، فمن يأطرون أنفسهم في أيدلوجيات محددة يذهبون مع ذهاب الأيدلوجيات السياسية إلى مذبلة التاريخ، فالكثير من الشعراء ذهبوا مع الحكومات بسبب الأيدلوجيات، والكثير من الشعراء أيضاً لا يعرفون الكتابة إلا في ظل الأزمات، هكذا ظهرت بعض الأسماء في المشهد إلا أنها لم تصمد طويلاً، فيما صمدت الأسماء التي ألفت شعراً وطنياً للسودان، وعليه فإنني لا أريد أن أكون أسماً كأسماء الشعراء الذين كتبوا نصوصاً اهتزت لها الأبدان، ومن ثم ذهبت قصائدهم بذهاب الحدث والنظام، وذهبوا هم أيضاً معها، لذا أنا لست مع الأدلجة أو التأطير في نطاق ضيق، فالشعر قضيته لا الأدلجة، بل المجتمع، الإنسان، القيم والأخلاق.
ما الذي أعددتيه للمرحلة الانتقالية خاصة وأنها مرحلة بناء، تنمية وسلام؟
لاحظت تكرار المشاهد يومياً، ما يعني أن الأفكار نفسها، والهتافات أيضاً نفسها، لذا كانت الفترة الماضية خصبة بالنسبة لكتاباتي الشعرية، وبالتالي أعددت الكثير من النصوص المدركة للمرحلة المقبلة، والتي تحمل بين طياتها رسائل اجتماعية متعلقة بالأسرة، قضايا الأطفال والمرأة، بالإضافة إلى أنني سعيت بين الناس الذين ليس لديهم إدراك بماهية تلك المرحلة، والتي يجب أن يسوقنا إليها ضمير جماعي نخطط من خلاله بإستراتيجية ترمي لتحقيق السلم الاجتماعي، وتجيب على أسئلة ممثلة في ماذا بعد هذا، وما الذي يجب أن نضعه في حساباتنا للمستقبل؟ خاصة وأننا طالبنا بحقوقنا كاملة، وبما أننا فعلنا فيجب أن نعرف أنه علينا واجبات، لذا التقيت في هذا الإطار بمنظمات، شعراء، مثقفين وفنانين للتوافق والتفاكر حول المرحلة القادمة، وأكدت لهم بأن المرحلة الانتقالية تتطلب التوعية والتثقيف الاجتماعي لإعادة الحياة لمسارها الصحيح والإنسان إلى قيمه وأخلاقياته، وأن نعتبر ما مضي بوقته وظروفه السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية، خاصة وأن هنالك شئ في غاية الخطورة، ويجب أن ننتبه إليه ألا وهو أن لا ينفلت منا القيد، ويجب أن نعمل على لّم شتات الإنسان، وهذا الدور لابد أن يضطلع به الكتاب، المثقفين، الشعراء والفنانين. 
هل كتبتي نصوصاً غنائية تتناسب مع فترة الحكم الانتقالي؟
نعم ألفت عدداً من النصوص الغنائية التي يمكن تأديتها بشكل جماعي، بالإضافة إلى رسائل تشمل الأطفال، وكيفية حماية أنفسهم في حال الوقوع في مخاطر بعيداً عن الأسرة، ورسائل للمرأة تبصرها بالاهتمام بتربية الأبناء، وكيف كانت وضعيتها في المجتمع قبل ثلاثة عقود، وما هو الدور المنوط بها في المستقبل، ورسائل للإنسان السوداني عموماً، وكيف كان وضعه في السابق، وكيف سيكون في الحاضر الذي يجب أن يشارك فيه بفعالية، ورسائل للنشء والشباب، ورسائل للتنمية المستدامة ومفهومها.
ماذا أنتي قائلة في أصوات نسائية ظهرت في الساحة مؤخراً؟
دائماً ما أتحفظ في الآدلاء برأي حول الشاعرات الأخريات، وذلك من واقع معرفتي الحقة من أين انطلقت كشاعرة، ومن أين انطلقت الأجيال من بعدي، فأنا من خلال الشعر المطروح تأكدت أن المنصة التي انطلقت منها كانت مبنية على أساس متين توفرت له عوامل النقد، التصويب، التوبيخ والطرد من المنتديات الثقافية، وهي عوامل جعلتني اجتهد في القراءة والإطلاع، مما ساعدني على اكتساب ثقافة واسعة في المجال الإبداعي الذي اختارتني له موهبتي، لذا قررت من اليوم وصاعداً أن لا أتحفظ خاصة وأن شاعرات غيري حصرن أنفسهن في نطاق ثقافة الاستماع لبعضهن البعض، واقتباس المفردات المستخدمة في النصوص، وأن كن لا يعرفن معاني تلك الكلمات، ولا أين موضعها في القصيدة، وكلما حضرت أمسية شاعرية لهن اختزنت بعضاً من مفردات قصائدهن، وعندما أأتي بعد أسبوع أو أسبوعين لذات المنتدي أجد أن المفردات المختزنة في رأسي كتب على نسقها أشعاراً جديدة، مما يعني أن جميع قصائدهن ما هي إلا قصيدة واحدة طويلة، أي كل الشاعرات المشار لهن ينسجن قصيدة واحدة طويلة بنفس المفردات، مما جعلهن يضيقن ماعون الشعر الذي وحدن في إطاره مفرداتهن المحصورة في قالب شعري معين، أي أنهن يبحثن عن الدهشة في مطلع القصيدة، ولكن لم يسألن أنفسهن ماذا بعد ذلك، فهل الإدهاش في نظرهن يكمن في المطلع فقط.
وماذا؟
حقيقة معظم الفتيات والسيدات الشاعرات شعرهن يتمثل في مقولة قالها شاعر عربي قديم : (الشعر مكرمة من لا مكرمة له)، وبالتالي أي فتاة أو سيدة ليست لها مكرمة في الحياة تود أن تصبح شاعرة، وكنت أتمني أن يقرأن قبل الولوج لهذا المجال الإبداعي، فأنا متأكدة تماماً لو أنهن فعلن ذلك فإنهن بلا شك سيتجهن اتجاهاً آخراً، بالإضافة إلى أنهن انغمسن بالإيغال في المحلية دون إفساح المجال لأنفسهن للتنوع، والذي قطعاً سيقودهن إلى العالمية، فأنا مثلاً بدأت كتابة الشعر ممزوجاً باللهجة الدارجية واللغة العربية، وظللت هكذا إلى أن نضجت تجربتي، ومن ثم استطعت أن أألف النصوص باللهجة المحلية واللغة العربية، وهكذا حققت ما أصبو إليه من خلال قراءتي لشعراء عرب وسودانيين، وهو ما لم يستطعن الوصول إليه، لذا أصبحن يدرن في حيز محدود، وبالمناسبة هنالك أسماء لشاعرات معروفات كتبن شعراً جميلاً إلا أنني صدمت فيهن فيما بعد كون أنهن عدن وكتبن نصوصاً على نسق نصوص كتبنها شاعرات ناشئات، وأمثالهن اعتمدن على الاستماع للأشعار فقط، فأنا عندما اكتشفت موهبتي، وعرضتها على من سبقوني في المجال نصحوني بالاستماع والقراءة بصوت عال.
أين سعادة عبدالرحمن من عالم الكتابة الآن؟
حقيقة غبت عن الكتابة بسبب الانشغال بالعمل في التدريس، وعندما كتبت نصين جديدين قلت بغرور أنا ذات الطعم المختلف، ومازلت في واد ثان، ومازلت مدرسة، ومازلت موجودة، ومازلت أكتب أجمل الشعر، لذا سوف أهجره على الأقل لمدة عشر سنوات لأسباب عديدة أبرزها الأجهزة الإعلامية التي أصبحت تستضيف من تعرفهم، فهم لا يبحثون عن الجيد، بل يبحثون عن القريب المدهش، ومع هذا أنا أحب واحترم بعض الذين أعمل معهم لأنني أكون على علم بأنهم حينما يستضيفوني تتم الاستضافة لأنني سعادة عبدالرحمن القيمة الشعرية، ولست دهشة أو فقرة.
أليس هنالك صوت من أصوات الشاعرات الشابات لفت نظرك؟
ليس كل فتاة أو سيدة حملت مايكروفون في منتدي ثقافي أو جهازاً إعلامياً شاعرة كبيرة، أو يمكنها أن تبدىء رأياً في من سبقها، فنحن لم نكن نستطيع أن نبدئ رأياً في الشعراء الذين سبقونا تأدباً، إما جيل الشاعرات الجدد لن أقول فيه رأي بشكل عشوائي، بل سيكون مبنياً على العلمية، فهنالك من صنعن لأنفسهن أسماء، إلا أنهن سريعاً ما تلاشن لأسباب معلومة، لذلك إذا قلت لي ادهشتني قصيدة (الجرح المنوسر)، والتي صنعت سعادة عبدالرحمن، سأقول لك هذه القصيدة نابعة من موهبة، وبالتالي الموهبة تحتاج إلى الاكتشاف، ومن ثم التنمية وإصقال التجربة، فهنالك شاعرات كثر لديهن الموهبة إلا أن موهبتهن لم يتم تقويمها، تنقيحها وتصويبها بشكل صحيح
كيف تنظرين لظاهرة سمكرة النصوص؟ 
سمكرة الشعر تتم بالمقابل المادي، وابطال الظاهرة شعراء أنت تعرفهم، وأنا اعرفهم أيضاً، وهو ما أسفر عنه ظهور فتيات وسيدات شاعرات، وهن الأكثر من غيرهن، إذ أنهن يخدعن بعض الشعراء بأن لديهن مطلع قصيدة، فما يكون من الشاعر المتمكن إلا أن يستبعد فكرتها الفطيرة نهائياً، ويكتب لها قصيدة كاملة، ومن ثم يرسلها لها في رسالة، وعندما تحفظها تبدأ في قرأتها عبر المنابر الثقافية والإعلامية، فأنا في مرة من المرات أتت اليّ من تدعي أنها شاعرة، ويغني لها عدد من الفنانين، وهي لا تعرف أن تكتب أسمها ناهيك أن تكتب قصيدة، وعلى خلفية ذلك عرضت علىّ نصاً غنائياً، فقلت لها هذا النص ليس خاصاً بك، فأنا أعرف الإنسانة المبدعة من الوهلة الأولي، فالقصيدة التي أمامي ليست في مستوي ثقافتك لأن من كتبها لك أعرف مستوي ثقافته جيداً، فالنفترض أن هنالك تلميذاً في مرحلة الأساس امتحناه في مسألة متعلقة بدروسه، وذهب من أمامنا وجاء بعد دقائق والمسألة محلولة بشكل صحيح، فما الذي نعتقده غير أنه لجأ لمن يحلها له، وهذا ما حدث معك أنتي ببساطة.
ما هي وجهت نظرك في ظاهرة الشاعرات اللواتي انتشرن في المشهد الثقافي؟ 
القنوات الثقافية الشعرية المعنية باعتماد الشعراء غير ملتزمة بالضوابط، اللوائح والقوانين، وهي دائماً ما تختار شخصاً ليس شاعراً، وهكذا تتم المجاملات بين أعضاء لجان الشعر، مما يضيع حقوق الشعراء الحقيقيين، فأنا سبق وكنت ضمن لجنة مهرجان الشعر العربي بالخرطوم، والتي صدمت في إطارها في بعض الشعراء الكبار، فمعظم اللجان (زي لمة جبنة الحريم)، لذا قررت أن لا أكون عضواً في أي لجنة من لجان الشعر، فمثلاً في لجنة الخرطوم عاصمة للثقافة العربية طلب مني شاعراً كبيراً أن أخرج من مكتب حكومي تجري فيه الاختبارات للشعراء، فرفضت الفكرة لأنني كنت عضواً في اللجنة، وهكذا أصبح الشعر مدخلاً لشهرة رجال الأعمال، ربات البيوت، وعاطلي الموهبة.
هل حدث أن سمكرتي نصوصاً لشعراء أو شاعرات؟ 
من المشهود لي أنني لا أتجه على هذا النحو، لأنني شاعرة محترمة واحترم تجربتي، وأي شاعر يحترم نفسه وتجربته لا يسمكر الشعر، وحتي الذين يسمكرون الشعر فإنهم يفعلون بمقابل مادي، وهم مستواهم متدني جداً، فإذا كان الشعر في حاجة إلى السمكرة، فإنه بلا شك شعر بلا إحساس بلا شاعر في الأساس، أي أن الظاهرة تساهم بشكل سافر في زيادة (الكذبات) الموجودة أصلاً في الحراك الثقافي، فهنالك عدد كبير من القصائد الغنائية تحمل أسماء لشعراء لم يكتبوا فيها حرفاً واحداً، والشاعر الحقيقي الوحيد من وجهة نظري الشخصية هو محمد سليمان الذي لا يشق له غباراً، واندهشت عندما شارك في احدي المهرجانات، ولم يتم اختياره، واندهشت أكثر لان من فازوا بالمنافسة ليس في مستواه، وهذا يعود إلى أن لجان الشعر لا تخضع للعلمية ، وبالتالي إذا صلحت لجان الشعر صلح شأن الثقافة في البلاد.
لماذا يعتقد الناس أنك مغرورة؟
إذا كان معرفة قدر نفسي غروراً، فأنا مغرورة، فخورة جداً بذاتي قبل أن أكون شاعرة.
ما الذي اخذتيه من عمك الفنان الفخيم كمال ترباس
أخذت منه قول كلمة الحق، ولو كان السيف موضوعاً على رقبتي، فأنا مثله (حقانيه) ولا أجامل نهائياً
لماذا لم يغن ترباس من كلماتك؟
هو متابع جداً لتجربتي، ويحرص على مشاهدة استضافاتي التلفزيونية، ويتدخل كلما حدثت لي إشكالية في الوسط الفني، فأنا على اتصال دائم به، إما بالنسبة للتعامل بيني وبينه فنياً أنني في الوقت الذي يغني فيه كنت أألف شعراً عاطفياً، فلا يمكن أن أدع عمي وهو فناناً كبيراً يغني لابنة اخيه شعراً ، لذا أرفض أن يغني لي عمي شعراً عاطفياً.
هل نتوقع أن تكتبي له شعراً خلاف الشعر العاطفي؟ 
أنا الآن كتبت شعراً ناضجاً من خلال تدرجي في التأليف، وبالتالي احتمال كبير اتعامل مع عمي، وكنت قد أتفقت قبلاً مع أحد الأشخاص على أن أألف نصاً غنائياً لعمي كمال ترباس يتناسب مع هذه المرحلة، وأن يقوم هو بتلحينه، ومن ثم عرضه عليه دون الكشف عن اسمي كشاعرة، وإذا أعجب به يتم اخطاره بذلك.
أين وصلت الإجراءات القانونية التي اتخذتيها في مواجهة الفنان إبراهيم خوجلي والفنانة فاطمة عمر في أغنية (العمر الودر)؟
عندما كتبت قصيدة (العمر الودر)، كتبتها في الأول من العام ٢٠٠٠م، وصادف ذلك مرور (50) عام على تأسيس إتحاد الفنانين، والذي سلمت فيه الفنان إبراهيم خوجلى نصين من بينهما الأغنية سالفة الذكر في العام ٢٠٠٣م، وأنت شاهداً على ذلك، عموماً ما حدث بالضبط هو أنني قرأت له نص (العمر الودر)، وقصيدة آخري فطلب مني أن أكتبهما له، وكان أن فعلت، المسافة بين العام ٢٠٠٠م والعام٢٠٠٣م ثلاث سنوات، وشاهدي بالإضافة إليك الفنان مرزوق محمود عليه الرحمة، والذي أتمني أن أجد الشريط الذي أرسله لي من السعودية، فهو شاهد عصر على ميلادها، وهو عاتبني من خلال ذلك الشريط بأنه تفاجأ بالفنان إبراهيم خوجلي يلحن نص (العمر الودر)، وذات النص سبق وأعطيته للفنان معاوية فردة (ثنائي الحتانة)، كما أنه مرعلى عدد من الفنانين، المهم أن الفنان إبراهيم خوجلي حذف من النص بالتشاور معي حذف مقطعاً من الخمسة مقاطع، مؤكداً أن القصيدة طويلة، فقلت له ما شاء الله يا أستاذ، هل أنت شاعر، فأجاب : نعم، وعندما طلب مني ذلك لأن هنالك حرفاً زائد في القافية، وعليه وافقت على حذف المقطع من النص الذي قلت فيه (احي على العمر الودر) في الأول من العام ١٩٩٩م، وهو مسجل في منتدي (حسن عمر) بالخرطوم، إلا أنني أتفاجأ بإبراهيم خوجلى في برنامج (٩٠ دقيقة) عبر قناة النيل الأزرق يقول إنني أعطيته مطلع النص فقط، وهو بدوره كتب بقية النص، واتضح لي أنه باع الأغنية للفنانة فاطمة عمر، والتي سجلتها في الإمارات قبل فترة من اكتشافي لهذه الحقيقة، وهي لم تستأذن مني كصاحبة حق أصيل، مما حدا بي اتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة إبراهيم خوجلي وفاطمة عمر، وللأسف أصدقائي من الفنانين وقفوا موقفاً سالباً في البلاغ على أساس أنهم يودون حل الإشكالية في الإطار الودي، وبعدها سافرت إلى القاهرة، فلم استطيع المضي بها إلى الأمام، وعندما قلت (احي على عمري الودر) دخلت في حالة إغماء.

سراج النعيم يكتب : مبروك الاتفاق

.............
لم أكن مندهشاً لتوقيع الاتفاق التاريخي بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وذلك بعد وساطة قادها أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، والاتحاد الأفريقي، وقد نجحا في تذويب نقاط الخلاف، وعدم اندهاشي نابع مما يجري من أحداث متسارعة في البلاد كانت تحتاج إلى إرادة سودانية لإيجاد الحلول الناجزة التي تحققت وفق مفاوضات وضعت النقاط فوق الحروف، وقطعاً سوف تعيد للسودان توازنه المفقود منذ ثلاثة عقود رغماً عن التحديات التي تنتظر الحكومة في المرحلة الانتقالية، خاصة في الجوانب الاقتصادية، لذا صبر إنسان السودان على الطرفين للاتفاق السياسي المفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تنتظرها ملفات كثيرة أبرزها محاسبة الرئيس المعزول عمر البشير ورموز نظامه على الجرم الذي ارتكبوه في حق الشعب السوداني، وتقديم كل المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، واجتزاز (الفساد) المستشري في مؤسسات الدولة العميقة، وتقديم المتهمين إلى محاكمات تعيد للشعب السوداني حقوقه المسلوبة خاصة وأنه خلع النظام البائد بعزيمة وإصرار نابعان عن قناعته بأن السودان لا يحتاج إلى الأفكار الانتهازية، وبالتالي أي نظام حكم لا يضع المواطن من ضمن أولوياته، فإن مصيره سيكون مثل سابقه الذي استقل الديانة الإسلامية وتطبيق الشريعة لتحقيق مكاسب شخصية، وهي المكاسب التي كشف عنها الفريق أول صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق من خلال فتحه ملف (الفساد) في البلاد، والذي فاحت رائحته لدرجة أنه أزكم الأنوف، ويعتبر (قوش) لاعباً أساسياً في انهيار سلطة الطغيان، إذ أنه قدم دعماً للمد الثوري الشعبي الهادر. 
مضي على الثورة الشعبية سبعة أشهر منذ انطلاقة شرارتها الأولي من مدينتي (عطبرة)، والتي نجحت بصمودها وجسارتها في أن تشجع المدن والمناطق السودانية للتظاهر ضد نظام الديكتاتور (البشير)، والذي جري اعتقاله فيما بعد، وإيداعه خلف قضبان السجن الاتحادي (كوبر) مع عدد من رموز نظامه الذي كان يدرك أنه يمضي نحو الهاوية، ومع هذا وذاك لم يعد الشعب السوداني يطيقه خاصة وأنه غير صادق في سياساته، مما حدا به أن يلغنه درساً بليغاً في القيم والأخلاق التي هزمته بها باستخدام سلاح الثورة الشعبية السلمية. 
من المعروف أن النظام السابق كان مدخله للسلطة الديانة الإسلامية وتطبيق الشريعة ولولا هذا المدخل لما استطاع الاستحواذ على الحكم ثلاثين عام مارس من خلالها الانتهاكات اللإنسانية، وعاش فساداً في الأرض، ورغماً عن ذلك صبر عليه عسي ولعله يعود إلى رشده، ويرد الحقوق إلى أهلها، إلا أنه لم يفعل بل تمادي في غيه، لذا لم يكن هنالك حلاً سوي أن ينتفض الشعب السوداني في وجه السلطان الجائر الذي تم اقتلاعه من خلال الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، والذي بعده تم توقيع الاتفاق بين المجلس العسكري الإنتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسَه، أين اختفي أنصار نظام عمر البشير الذين كانوا يملئون الدنيا بالتسلط والفساد، وما هو مصيرهم بعد تشكيل الحكومة المدنية، وهل أقروا بالفشل الذي ظل يلازمهم على مدي ثلاثين عام أم أنهم سيواصلون الصمت، أم أنهم سيستغلون منابرهم الإعلامية والصحفية للتشكيك وتثبيط الهمم في الفترة المقبلة، وهل يأملون في أن يجدوا أذناً صاغيه بعد الفشل الذريع سياسياً واقتصادياً، فما جري قبلاً يحتاج منا للتفكير جدياً في مستقبل البلاد وفقاً لما يلبي آمال وأشواق الشعب السوداني الذي عبر عن فرحته بالاتفاق بين المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير التي أكدت أنها لديها رغبه أكيدة في إحداث التغيير الحقيقي، وإعلاء قيم الحرية، السلام والعدالة، وهو الأمر الذي جعل الشعب السوداني يساندها بثورته المدهشة، لذا السؤال الذي يفرض نفسه في الراهن السوداني، ما الذي نتوقعه من الحكومة المدنية في الفترة الانتقالية خاصة وأن الدولة العميقة مازالت متغلغة في كل مفاصلها، وذلك منذ الإطلالة الأولي لثورة الانقاذ الوطني بالانقلاب الذي وظفت في إطاره كوادرها بالولاء، وبالتالي كان الاعتقاد السائد هو أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لا يمكن الإطاحة به إلا من خلال انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية، وهي الثورة التي تنبأ بها زعيم الإسلاميين الدكتور الراحل عبدالله حسن الترابي.

الأحد، 7 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب : لماذا ساند الفريق صلاح قوش الثورة الشعبية ضد نظام البشير؟



.............
تعتبر الثورة الشبابية السودانية ناجحة بكل المقاييس والمعايير كون أنها حققت ما تصبو إليه، وساعدها على تحقيق ذلك الفريق أول مهندس صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق، والذي قاد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير برؤيته الأمنية نحو الهاوية مستفيداً من الثورة الشعبية للقضاء عليه، وعلى خلفية الراهن السوداني وقتئذ تم استدعائي من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك قبل انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبية من مدينتي (عطبرة) باعتبار أنني ناشطاً عبر الإعلام الحديث، ومؤسساً لشبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، الشبكة المنتشرة عبر المواقع الإلكترونية، عموماً تلقيت مساء (الأربعاء) السابق للشرارة الأولي للثورة الشعبية اتصالاً هاتفياً من ضابط أمن برتبة (مقدم)، اخطرني بدوره بالمثول أمامه في مكاتب جهاز الأمن الساعة السادسة مساء، إذ أنه كان لحظة الإتصال في اجتماع برئاسة الجهاز، وعلىّ الاتيان إليه عقب ذلك، وعندما أزفت الساعة كنت حاضراً في الزمان والمكان المحددين، وبما إنني لا أعرفه ولا علم لي بسبب الاستدعاء أصلاً، اتصلت على على رقم هاتفه، فرد على مؤكداً أنه انتهي من اجتماعه الأمني لتوه، وكان أن اصطحبني إلى مكتبه، واستخرج من درج مكتبه أوراقاً، ثم بدأ التحقيق الأمني معي حول شخصيتي، وانتمائي السياسي ومن يمول شبكتي الإخبارية، وما أن رديت على تلك الأسئلة، إلا ووجه لي عدداً آخراً منها، وكان أن اجبت عليها مؤكداً أنني أسستها في العام ٢٠١٠م، عبر الإعلام الحديث (قوقل)، (تويتر)، (الفيس بوك) و(الواتساب)، ومنذ ذلك التاريخ وإلى هذه اللحظة التي يتم فيها التحقق معي وصل عدد أعضائها أكثر من (٣٠٠٠٠٠) ألف عضو، وهم جميعأ أمنوا بالفكرة، وأهدافها الرامية لإيصال رسالة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية تحفظ إنسان السودان من الشائعات، والتي تضج بها الاسافير، وما أن انتهي من التحقيق، إلا واتضح لي بما يدع مجالاً للشك أن النظام البائد فقد السيطرة على مقاليد حكم البلاد، وقلت في قرارة نفسي أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ذاهب.. ذاهب، المهم أن (المقدم أمن) سمح لي بمغادرة مكاتب جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وما أن غادرت مكتبه مروراً بالاستقبال الإ وتفاجأت بأن هنالك استمارة مطبوعة من عدد من الصفحات تنتظرني للإجابة على الأسئلة المضمنة فيها، والتي ربما رديت على معظمها في التحقيق الذي اجراه معي ضابط الأمن على الورق، فلم يكن أمامي بداً سوي أن أجلس في الاستقبال للإجابة عليها، وفي آخر صفحة طلب مني أن أرسم رسماً (كركيا) لمنزلي
فيما تركز التحقيق على نشري لمادة كتبها الدكتور الداعية الإسلامي محمد الحكيم، والذي كتب (بوستاً) عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) عن سيدة تلقي منها اتصالاً هاتفياً، مشيراً إلى أنها تطلب فتوى حول التواصل بينها وزوجها، موضحاً أنها قالت إن زوجها لا يلتقي بها في الأسبوع إلا مرة واحدة، فما كان منه إلا ووجه لها بعضاً من الأسئلة المتمثلة في ماذا يعمل زوجها، فردت عليه أنه يعمل موظفاً في احدي المؤسسات، وعند انتهائه من الدوام اليومي يواصل العمل في دوام ثاني بسيارته الخاصة (ترحال)، ثم سألها من الذي يقف لكم في صفوف (الخبز)، (البنزين) و(الصراف آلي)، ومن الذي يذاكر الدروس للأبناء؟، فردت عليه مؤكدة هو، فقال لها يجب أن تعذريه أو أن تشتكي (معتز موسى) لله، وكان وقتئذ معتز موسي رئيس وزراء، ووزير مالية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي تمت إقالته من منصبه، وتعيين الدكتور محمد طاهر ايلا خلفاً له، ومما أشرت له تأكدت أن الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش يبحث عن النشطاء المؤثرين عبر الإعلام الحديث، وذلك من أجل معرفة توجهاتهم السياسية، ومدي تأثيرهم في الرأي العام خاصة وأن (العولمة) ووسائطها سيطرت على المجتمع السوداني في الداخل والخارج، والتي تم توظيفها في دعم الثورة الشعبية التي فرضت على قوات الشعب المسلحة التدخل للإطاحة بالنظام السابق، والذي لم يسلم من جبروته حتى الموالين له، وبانحياز الجيش وقوش للثورة الشعبية تحقق لها النجاح الذي تصبو إليه، والذي ضحي في إطاره عدداً من خيرة الشباب، وأذكر منهم الشهيد عبدالسلام كشة، والذي استشهد ضمن من استشهدوا أمام مقر القيادة العامة حيث أنه ظل يكافح وينافح ويناضل ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وذلك منذ أن كان طالباً.
فيما يحفظ للفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش سماحه للمتظاهرين بالتوجه إلى ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في السادس من أبريل من العام ٢٠١٩م، مستفيداً من الحراك الشعبي لإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي سبق واتهمه بمحاولة الانقلاب عليه، فتم إيداعه خلف قضبان السجن، ولكن مهما كان اختلافنا معه في كيفية إدارته للملفات الأمنية داخلياً وخارجياً إلا أنه يظل واحداً من عوامل النجاح الأساسية للثورة الشعبية في السودان رغماً عن أن دوافعه كانت دوافع شخصية، وما سهل له مهمته هو أن (البشير) كان يبحث في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المتوالية عن مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد أن فشل الفريق أول مهندس محمد عطا من إخراج النظام البائد من ذلك النفق المظلم، والذي قاده إليه (الفساد) والإصرار على الاستمرار في حكم البلاد، والتي ظل يحكمها على مدي ثلاثين عام، وكان يريد المزيد من السنوات، وذلك من خلال التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات للعام 2020م، وهو الأمر الذي استفز الشعب السوداني، بالإضافة إلى التصريحات غير المسئولة من بعض قيادات الحزب الحاكم، مما دفع أهالى مدينة (عطبرة) بولاية نهر النيل للخروج في تظاهرات عنيفة في ديسمبر من العام ٢٠١٩، وهي كانت الشرارة الأولي للثورة الشعبية العفوية، والتي شجعت بقية مناطق ومدن السودان المختلفة للمضي قدماً في ذات الاتجاه التصعيدي، والذي أفضي في النهاية إلى التخلص من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مارس اصنافاً من التعذيب الجسدي والمعنوي، كما أنه مارس أيضاً القمع، القهر، الإزلال، الإهانة، الظلم، التهميش، التشهير، الاعتقال، القبض، وسفك دماء الأبرياء، ومع هذا وذاك انتهج سياسة خارجية سيئة الذكر، فتارة يتحالف مع المحور الإيراني، وتارة أخرى مع الحركات الراديكالية الممتدة في الوطن العربي، مما جعل علاقته الدبلوماسية مع أمريكا والغرب وبعض دول الخليج ومصر، وليبيا يشوبها الكثير من الشوائب، وهو الأمر الذي يجب تداركه في المستقبل، وتصحيح مساره بما يعود على البلاد بالمنفعة، فلا أري سبباً واحداً يدعنا نغامر في ملف السياسات الخارجية من أجل تحقيق أجندات شخصية، فدائماً الأجندات الذاتية تقود البلاد عموماً إلى عدم الاستقرار السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، وعليه فإن الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية ينهي دولة الرئيس المخلوع عمر البشير العميقة.
إن الشعب السوداني يرغب بشدة في أن تكون السلطة الحاكمة في البلاد (مدنية)، وذلك من أجل تحقيق طموحاته، آماله وأشواقه خاصة بعد الإطاحة بالنظام السابق، والذي خلف العديد من الآثار السالبة، والتي يجب على المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير الاعتماد على الدستور وسن القوانين المنظمة لحركة المجتمع خلال الثلاث سنوات الانتقالية، بالإضافة للتوصل إلى تفاهمات مع الحركات المسلحة حتى لا نشهد في هذه الفترة صراعات، فهي الصراعات التي خلقها نظام المنزوع عمر البشير الذي عمل على الفتنة التي صنعها بين مكونات المجتمع السوداني بالقبلية والطائفية والجهوية، مما أدي إلى ظهور حركات مسلحة في المشهد السوداني، والذي يستوجب في الحكومة الانتقالية أخذ الحيطة والحذر في إطاره، وذلك من خلال وضع الخطط برؤية نافذة للأوضاع الراهنة المتطلبة انتقالاً سلساً للسلطة في السودان.
ومما ذهبت إليه، فإن الشعب السوداني خرج للشارع في ثورته الأولي في بداية العام 2018م، وذلك على خلفية الزيادة التي أقرها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أسعار (الخبز)، مما دل على أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد وفق رؤية اقتصادية تدع المواطن يعيش حياته بكرامة، وهو الأمر الذي فرض على رأس الدولة السابق أن يبحث بين الموالين له عن رجل أمن قوي يدير له المرحلة (الحرجة) التي يمر بها في تلك الأثناء، فلم يكن أمامه خياراً سوي الفريق أول مهندس صلاح عبدالله (قوش)، والذي عينه مضطراً مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي سبق أن عزله منه في العام 2009م، المهم أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بدأ يتخبط في اتخاذ القرارات منذ العام ٢٠١٣م، وذلك من أجل البقاء في السلطة أطول فترة، وعليه يعتبر المهندس قوش صاحب طموح سياسي وأمني لا محدود، وذلك من واقع أنه يمتاز بالنبوغ، والذي ظل ملازماً له منذ أن كان طالباً في كلية الهندسة ـ جامعة الخُرطوم، والتي أطلق عليه فيها لقب (قوش) الذي انتمى للجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي، وكان آنذاك مسئولاً عن المعلومات الخاصة بالتنظيم، وظل على ذلك النحو إلى أن تخرج من الجامعة في العام 1982م .
بينما نجد أن السودان شهد انتفاضة (إبريل) في العام ١٩٨٥م، والتي استطاعت أن تخلع نظام الرئيس المشير الراحل جعفر محمد نميري، ومن ثم تولي المشير الراحل سوار الدهب رئاسة الفترة الانتقالية لمدة عام، ثم احتكام الأحزاب إلى صناديق الاقتراع، والتي فاز بها الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، والذي انقلبت على شرعيته ثورة الإنقاذ الوطني، والتي آتي بها الإسلاميين في العام 1989م، وبالتالي ظل المهندس صلاح عبدالله قوش يدير جهاز الأمن الداخلي للحزب الحاكم، ومن ثم عين ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي تدرج فيه إلى أن أصبح مدير إدارة العمليات.

سراج النعيم يكتب : إدهاش العالم بالسلاح السلمي

..............
أثبتت الثورة الشعبية قدرتها على إدهاش العالم بالسلاح السلمي الذي استخدمته منذ بذوق فجرها المجيد في سماوات السودان، وعلى خلفية ذلك استطاعت كشف الغطاء الزائف عن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ومنظومته الأمنية المعتمد عليها كلياً للبقاء في السلطة أكثر من الثلاثين عام لدرجة أن اعتقاداً بدأ يسود الأوساط السودانية بأن السودان ما عاد لنا، خاصة وأن النظام البائد اختزله في طائفة حزبية محددة، مما جعلنا نبحث عن مرحلة مفصلية جديدة لتاريخ السودان الحديث، وهي قطعاً تحتاج منا إلى إعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، والذين يتوقون للحرية، السلام، العدالة والتنمية المستدامة، وهي لا تحتمل أي عبث أو محاولة الانفراد بالسلطة كما فعل نظام المعزول عمر البشير في وقت سابق، والذي لم تكن من أولوياته نهضة البلاد بقدر ما كان يحصر تفكيره الضيق في إطار كنز الأموال بـ(الفساد) الذي استشري في البلاد، وذلك من خلال اعلاء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، لذا لم يكن أمام الشعب السوداني خياراً سوى أن يخرج إلى الشارع، والذي لم يخذله بأن سطر ملاحماً ثوريةـ وطنية ـ تاريخية رائعة قادت البلاد إلى الاستقلال من الحكم الديكتاتوري.
يجب أن ننأي بأنفسنا عن المهاترات والإسفاف، ويجب أن ندخر المجهود الذي نبذله في ذلك إلى التفكير في التنمية، ومواكبة التطور الذي يشهده العالم من حولنا، وهو الأمر الذي يحتاج منا الصبر لسنوات آخرى خاصة وأننا صبرنا على النظام السابق لدرجة أنه أفقر العباد والبلاد إفقاراً لم تشهد له مثيلاً، وذلك منذ استقلال السودان، والذي ظل يركن إلى الظلام الذي حل على البلاد من خلال الانقلاب العسكري في العام ١٩٨٩م، فمنذ ذلك التاريخ تأكد لنا تماماً أننا أمام تحد كبير، لذا ظللنا نذود عن الوطن، والذي شهدنا في إطاره اصنافاً من الإرهاب الفكري، والذي جعل الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية تعاني الأمرين في سبيل إيصال رسالتها المقيدة بالقوانين المشرعة تفصيلاً لحماية النظام، مما نتج عن ذلك الإيقاف، المصادرة، الاستدعاءات، البلاغات، القبض والاعتقال، ورغماً عن ذلك ظلت الأجهزة الإعلامية والصحافة يعملان في ظروف صعبة جداً .
فيما ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير يصنع الأزمات المتوالية لإيجاد الحجة التي تهيئ له وأد الوسائل الإعلامية مسموعة، مرئية، ومقروءة كلما تناولت الراهن السياسي، الاقتصادي، الإجتماعي، الثقافي، والفكري بشفافية مطلقة، هكذا ظلت تفعل تكراراً ومراراً على مدي ثلاثين عام ، فيما عمد النظام البائد على ترغيبها وترهيبها حتي لا ترسم صورة مغايرة للواقع السوداني الملئ بـ(الفساد)، والذى لا يمكن أن ينخدع في إطاره الشعب السوداني الواعي- المدرك تماماً لهذه الحقائق، والتي لم تدع له مجالاً للظن الحسن في إدارة النظام السابق للبلاد، والذي صبرعليه صبراً منقطع النظير، وذلك على أمل أن يعود إلى رشده، ويقدر ذلك الصبر إلا أنه كان يتمادي في غيه، والذي قاده إلى طريق اللاعودة، وبالتالي اختار الطريق المضني، ومع هذا وذاك حاول تسديد طعنات نجلاء بالثورة المضادة، والتي لم تصمد طويلاً أمام إرادة الشعب السوداني ، المهم أن نظام الرئيس المعزول عمر البشير ابتدع أفكاراً لا تمت للقيم والأخلاق الإنسانية شيئاً، و سهل للخيانة والتسلق على أكتاف الضحايا ، لذا لم تكن إدارتهم للمعركة مع الخصوم الألداء تصب لصالحه لأنها مستندة على السقوط في براثن السلطة وتطويعها كيفماء يشاءون استناداً على السلطة الممنوحة للأجهزة الأمنية، ولعمرى هي ارتكبت جرائراً في حق إنسان السودان ظلماً وسفكاً للدماء، لذا وجب المضي قدماً في الطريق الوفاقي للخروج بالبلاد إلى بر السلام، وتنسم دعاش الحرية، والسلام والعدالة التي ظل الشعب السوداني يذود عنها بما يحفظ للإنسان حقوقه المهضومة ثلاثة عقود، والتي مارس في ظلها نظام المخلوع صنوفاً من الظلم، والذي يتم وإصباغه بالقوانين المتوافقه مع أفكارهم المدمرة لكل من يخالفهم الرأي والتوجه المهدد للفكر والأيدلوجيات ، و التي استعان بها للخطط السوداء المنجرف بها نحو تيارها الاثن، وعليه فنحن على قناعة راسخة بأن الأحزاب والتنظيمات السياسية ستظل في خلافاتها الأيدولوجية القائمة على مناخ غير ديمقراطي، وهذا يستوجب قوانين تزيل عن الأذهان السوالب الماضية التي اجهضت كل آمال وأشواق الشعب السوداني، وكان ذلك يحدث نسبة إلى أن الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاشلة تسعي إلى سرقة الثورة الشعبية، والتي خرجت عفوية للشارع، وذلك من أجل تبيان الرؤىة الصحيحة، لذا سيثبت التاريخ من خلال المستندات الوثائقية من خان الوطن، ومن سجل اسمه في دفاتر برلمانات النظام السابق، ومن اجتمع مع مدير أمن البلاد للانقضاض على الثورة الشعبية.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...