من وحي جرائمه ضد الإنسانية والحريات الشخصية
...........
عمر البشير ارتكب مجزرة بمصادرة أكثر من (١٤) صحيفة
..........
يكتبها : سراج النعيم
.........
السؤال الذي يتبادر لأذهان السودانيين بصورة شبه عامة، ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي دار في إطاره جدلاً واسعاً حول تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية من عدمه أو محاكمته في الداخل، وهو التحدي الذي ينتظر الحكومة المدنية بعد توقيع الاتفاق بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي بموجبه يتم تشكيلها، فمن المعرف أن الطرفين دخلا في مفاوضات قبل فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة إلا أنها توقفت بسبب فضه ثم عادت مرة آخري من خلال وساطة أفريقية، وهو الاتفاق الذي يأمل السودانيين في أن يلبي مطالب الثورة الشعبية كاملة لا منقوصة، خاصة وأنه ضحي تضحية غالية من أجل الوصول لهذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان الحديث، فهو صبر وثابر وناضل للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي ظل يتقلد مقاليد الحكم ثلاثة عقود من التسلط ، الجبروت والقتل للإنسانية بلا رحمة أو رأفة؟، عموماً يظل السؤال قائماً إلى أن يقدم (البشير) ورموز نظامه الفاسد إلى محاكمات عادلة ترد للشعب السوداني كرامته، إنسانيته وحقوقه المسلوبة خاصة وأن نيابة مكافحة جرائم الفساد وجهت للرئيس السابق البشير تهماً تتعلق بجرائم غسيل الأموال وجيازة العملات الأجنبية، بلغت نحو (351) ألف دولار، و(6.697.050) يورو عثر عليها في مقر إقامته ببيت الضيافة، وتم على إثرها التحقيق معه بعد إيداعه خلف قضبان السجن الإتحادي (كوبر).
ومما ذهبت إليه، فإن الإجراءات المتخذة ضد الرئيس المعزول عمر البشير تزامنت مع اعتصام الثوار الشباب أمام القيادة العامة بالخرطوم، والذي على إثره بدأت قوى إعلان الحرية والتغيير مفاوضات مع المجلس العسكري، إلا أنها توقفت بسبب فض الاعتصام، والذي استشهد على إثره عدداً من الشباب الثائر، وأبرزهم المناضل الشاب عبدالسلام كشة، والذي بدأ النضال طالباً بالمرحلة الثانوية، بالتالي لم يعش حياته كسائر الشباب، إذ أنه كان مهموماً بالوطن وقضاياه، مما حدا بالأجهزة الأمنية اعتقاله صغيراً إلا أنه لم يثنيه عن مواصلة نضاله الثوري، ولم يتراجع عن مبادئه المطالبة بحكومة مدنية تلبي طموحات الشعب السوداني، فيما أصيب عدد آخر من الشباب الثائر الذي كان في ساحة الاعتصام، ومن ثم تم استئناف المفاوضات بوساطة من آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي والإتحاد الأفريقي، وقد افضت إلى استئناف المفاوضات مرة أخري، والتي أسفرت عن الاتفاق والترتيب لإدارة حكم البلاد في المرحلة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات.
(البشير) جاء لسدة الحكم في الثلاثين من يونيو من العام ١٩٨٩م بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي المنتخب، وعليه فإن ما قام به ورفاقه يعد تقويضاً للنظام الدستوري في البلاد، مما يعني أنه في إمكان الإمام الصادق المهدي المطاح بحكومته الشرعية اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ومن سانده على ارتكاب الجرم نسبة إلى أنه ورفاقه عرضوا البلاد إلى عدم استقلالها، وعلى خلفية ذلك ظل النظام السابق يشرع في القوانين لحماية نفسه، وهي قوانيناً تعتبر من يعارضه سياسياً مقوضاً للدستور بشكل مباشر أو غيره، ويعتبر نظام (البشير) ذلك النهج جرماً جنائياً تصل عقوبته حد الإعدام أو السجن مدي الحياة.
من المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية دائماً ما تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وذلك بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، مما يجعلها تخطط تخطيطاً أمنياً تلصق من خلاله التهم للخصوم السياسيين الألداء، وهي قطعاً ترمي من وراء ذلك إلى إبعادهم عن المشهد السياسي، إلى جانب أنها تكمم افواه المعارضين، الإعلاميين والصحفيين حتى لا يبدون آرائهم في سياسيات النظام الفاشلة، وبالتالي ظل يمارس اصنافاً من القمع مستقلاً سلطات القبض أو الاعتقال منتهكاً بذلك لحقوق الإنسان.
وعندما أتطرق لهذه الملف، فإنني أتناوله من واقع أن هنالك ضحايا كثر، وهؤلاء الضحايا كنت واحداً منهم، وبالتالي تعرضت كما تعرض غيري للتهديد والإرهاب الفكري بالسياسات القمعية المنتهجة، والتي على إثرها قامت أجهزة أمن المعزول (البشير) بمصادرة أكثر من (١٤) صحيفة سيارة بتهمة نشرها خبراً حول واقعة اختفائي، مع التأكيد بأن النشر لم يكن من نسج الخيال، بل كان بموجب بلاغ فتح لدي قسم شرطة مدينة النيل، وهو الأمر الذي جعل الرئيس المخلوع عمر البشير أن يأمر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بارتكاب المجزرة التاريخية في حق الصحف، والتي على ضوء تكبدت خسائراً مالية كبيرة، ولم يأبه بما حدث بل توجه مباشرة إلى الإمارات يرافقه بعض رؤساء تحرير الصحف، والذين وجهوا له سؤالاً حول ما جري معي، خاصة وأنه كان حدثاً كبيراً افردت له وكالات الأنباء والفضائيات العالمية مساحات من بثها؟، وعليه رد الديكتاتور (البشير) مؤكداً أنني اخفيت نفسي، وهذا لعمري محض افتراء منه، ما يشير بوضوح إلى أنه كان يدير البلاد بصورة عشوائية جداً، وقد طلبت مني شخصية بارزة عدم الرد على حديث الرئيس المخلوع، المهم أنه كان هنالك ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني يتصل على بشكل شبه يومي، ويطلب من خلال مكالماته الهاتفية أن اتخذ الإجراءات القانونية في مواجهة الصحف التي نشرت خبر اختفائي في ظروف غامضة، فقلت له هذه الصحف وقفت معي موقفاً مشرفاً، ولم أتضرر منها نهائياً، فلماذا أفتح ضدها بلاغات، هكذا كان النظام البائد يستخدم الأساليب الترهيبية لتكميم الافواه، وحجر الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وبالتالي قررت أن اتخذ إجراءات قانونية ضد الرئيس المخلوع عمر البشير على الضرر النفسي والمعنوي الذي سببه لى خلال سنوات حكمه البائد، وقد طلبت من الدكتور القانوني الضليع عادل عبدالغني تولي هذه القضية، خاصة وأن نظام البشير درج على توجيه التهم للسياسيين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء ومن ثم القبض أو الاعتقال والإيداع في الحراسات أو المعتقلات، وبعد التحريات معهم تحول البلاغات إلى المحاكم المتخصصة، وبما أنها تندرج في الإطار السياسي يتم شطبها، وإخلاء سبيل المتهمين، هذا يعد ضرباً من ضروب استغلال السلطات، وذلك وفقاً للقانون المفصل لحماية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فمن المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها بقاءها بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وبالتالي تعمل على لصق التهم وفقاً لما هو مشرع، وذلك لترهيب الخصوم السياسيين الألداء، وترمي لإبعادهم عن المشهد السياسي، وعدم إبداء آرائهم في سياسيات النظام البائد، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للخطر بالطرق المشروعة أو غيرها، وهي أساليب تدعو إلى انتهاك حقوق الإنسان، في حين أنني كنت محاصراً في نطاق ضيق جداً، وبالتالي هي تستحق مني الشكر على موقفها معي، وتشجيعي على مواصلة أفكاري عبر الميديا الحديثة، والتي كانت ترعب وتخيف نظام الرئيس المعزول عمر البشير، مما دفعه إلى سن تشريعات تمثلت في قانون جرائم المعلوماتية، ومن ثم خصص لها نيابة ومحكمة، وهي كانت قوانيناً للتخويف من كشف (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة، والتي فتح في ظلها عدداً من البلاغات، إما البلاغات المفتوحة في مواجهتي استطعت شطبها بما فيها تلك التي فتحت بعد عودتي من مدينة (عطبرة)، والتي حقق معي فيها اللواء نافع حسين نافع، ومن ثم واصلوا معي التحقيقات في الخرطوم، عموماً تضررت ضرراً بليغاً من تصريحات الرئيس المخلوع عمر البشير عبر عدد من الصحف السياسية، إذ أنها كانت بمثابة صك للسلطات الرسمية لممارسة القمع، القهر، والظلم وفقاً للقوانين المشرعة لحماية النظام السابق، وقد ظللت في هذا الإطار اعاني منها لسنوات، فلا يمضي شهر إلا وأكون حاضراً لدي الأجهزة الأمنية، وهي بلا شك تمارس ضغوطاً على من يقف ضد نظام البشير، مما يؤكد أنه كان يرتكب جرماً فادحاً في حق إنسان السودان، وقد بدأت معي هذه المضايقات منذ فتحي لملف الفساد الذي يشهده الحقل الصحي، والذي أخذت في إطاره نموذجاً مستشفي الخرطوم بحري، والذي أتذكر في ظله أن شخصية مرموقة سألتني، هل تدري ماهية خطورة فتح ملف من هذا القبيل، وهل تعلم من يقف وراء شركات الأدوية، والشركات الأمنية المتعاقدة مع بعض المستشفيات وغيرها من الأسئلة؟، والتي لم أجد لها آنذاك إجابة، بل أتضحت لي الرؤية بشكل واضح بعد واقعة اختفائي، والتي بعدها بدأت المضايقات من خلال البلاغات، هكذا كان النظام المعزول يصفي حساباته مع من يقف ضد مصالحه الشخصية، والتي درج على انتهاجها على مدي ثلاثين عام، مما يجعلك تداوم ذهاباً وإياباً ما بين الأجهزة الأمنية، النيابة والمحكمة، وذلك بدليل أن البلاغات يتم شطبها، مما يعني أن نظام الرئيس البشير يستغل السلطات مطوعاً لها لصالحه، لذلك وجهت له تهماً تتعلق بجرائم حرب، وإبادة جماعية في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، والتي صدر بموجبها مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والتي طالبت بعد خلعه تسليمه إليها للنظر في التهم الموجهة إليه، خاصة وأنها تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، والذي ظل صابراً على الظلم الذي تعرض له، لذا على السلطات الإسراع في وضع حد للجدل الدائر حول تقديم البشير إلى محكمة يتم نقلها عبر الأجهزة الإعلامية حتى يخفف ذلك على أسر الضحايا شمالاً وجنوباًـ شرقاً وغرباً، وبالتالي يجب محاكمة (البشير) ليس على جرائم غسيل الأموال وحيازة النقد الأجنبي فقط، إنما محاكمته في الجرائم المتهم في إطارها من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في ظل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، جرائم الإبادة الجماعية، جرائم الحرب التي شهدها إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى أنه وقف حجر عثرة أمام الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وعليه فإن محاكمته تصب في صالح التغيير، والذي ينشده الشعب السوداني عموماً، كما أنها تحفظ لأسر الضحايا حقهم الذي كفلته لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدستور والقانون السوداني، وبالتالي فإن الجدية في تقديم البشير ورموز نظامه للمحكمة مكسباً كبيراً للسودان الذي ظل خارج منظومة المجتمع الدولي، والذي يحتاج إلى رفع اسمه من قوائم سجل حقوق الإنسان، الإرهاب وغيرها بعد أن تم الزج بالبشير ورموزه في السجن الاتحادي (كوبر)، والذي يجب محاكمته محاكمة عادلة على كل جرائمه، فمحاكمته علناً ستكون فتحاً جديداً للسودان، خاصة وأنني لا أومن بمقولة (عفا الله عما سلف) وذلك من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأمريكان، الأوروبيين، الآسيوين، العرب والإفارقة.
إن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في القضايا المرتكبة في حق الإنسانية، وبالتالي محاكمة البشير ورموز نظامه الفاسد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باستمرار الاتفاق بين المجلس العسكري، وقوي إعلان الحرية والتغيير، وعليه يجب مثول البشير ورموز نظامه المعزول أمام المحاكم حتى يتمكن كل سوداني متضرر من أخذ حقه كاملاً لا منقوصاً وبالقانون، ويجب أن تبدأ محاكمته أولاً بتقويض النظام الدستوري في البلاد في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بالانقلاب على الشرعية، ومن ثم جرائمه في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى جرائم قتله لشهداء رمضان، والمتظاهرين العزل، وغيرها من الجرائم المستمرة منذ تقلده نظام الحكم في البلاد قبل ثلاثة عقود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق