..................
الرئيس (المخلوع) خدع الشعب : (مرتبي لا يكفيني وأأكل من مزرعتي)
..................
مبالغ ضخمة ضبطت بحوزة (البشير) ببيت الضيافة وأحد (المصارف)
....................
ﻇﻠﻠﺖ على مدى سنوات وسنوات متصلة ﺃﺑﺤﺚ عما يخرجنا ﻣﻦ (الظلم) ﺍﻹﺟﺒﺎﺭﻱ، والذي رسمه نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير) الذي ضبطت بحوزته (7) ملايين يورو، و(350 ) ألف دولار أمريكي يحتفظ بها في قصر (الضيافة)، بالإضافة إلي مبلغ (315) مليون ريال سعودي تخصه بأحد (المصارف)، وهو ما كشفته التحقيقات المؤكدة أن لديه (315) مليون ريال سعودي، أي ما يوازي (85) مليون دولار، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تمر بضائقة اقتصادية بالغة التعقيد، وأزمة حادة جداً في (السيولة)، مما نتج عن ذلك إشكاليات اقتصادية عميقة في البنوك، الشركات، المؤسسات والأسواق، وﺍﻓﺮﺯ ذلك الواقع المذري ظاهرة (الشراء) و(البيع) السالب، مثلاً الشراء بـ(الكسر) و(قدر ظروفك) وغيرها من الطرائق المفروضة على (محمد أحمد الغلبان)، والذي ظل يسدد في الفواتير باهظة الثمن، واﻟﻐﻼﺀ الفاحش يتجذر مع إشراقة كل صباح، وهو ﺍلأﺷﺪ والاقسي ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ على مر تاريخ السودان الأمر الذي قاد بعضاً من التجار لأن يلجأوا للبيع ﺑـ(اﻷﻗﺴﺎﻁ) لمجابهة الأوضاع الاقتصادية (القاهرة) جداً، والتي نتج عنها شراء المنتجات المنقذة للحياة بـ(التجزئة)، وذلك لعدم امتلاكه (الكاش) الذي يدعه يوفي بمستلزماته المنزلية اليومية، فالسياسات الاقتصادية المنتهجة ساعدت في (فساد) الرئيس (المخلوع) وحاشيته، لدرجة أنه استشري بصورة مقلقة جداً، لم يكن (البشير) يعمل للمصلحة العامة، بقدر ما أنه كان يخدم أجندات أدت إلي إثراء الأثرياء وإفقار الفقراء حيث أنه رﻓﻊ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﻋﻦ (ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺎﺕ)، ﻭعدل ﺳﻌﺮ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ (ﺍﻟﺠﻤﺮﻛﻲ)، واوقف استيراد الإسبيرات (المستعملة)، وأفقد الثقة بين (البنوك) و(العملاء) ﻭﺇﻟﻲ ﺁﺧﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ الاقتصادية القاسية على الشعب السوداني، مما أسفر عنها ﺯﻳﺎﺩات جنونية في أسعار ﺍﻟﺴﻠﻊ الاستهلاكية، وأن دل هذا الشيء، فإنما يدل على أن الرئيس المخلوع (عمر البشير) لم يكن من أولوياته تخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المواطن المغلوب على أمره، ولا كان جاداً في اﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ الخاطئة، وبالتالي لم يكن في مقدوره تفعيل ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ، ﻭﺇﻟﺰﺍﻡ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ بـ(التسعيرة)، والمركبات العامة بـ(التعريفة) المقررة من السلطات.
فيما نجد أن السياسات الاقتصادية للنظام (المخلوع) تسببت في توالي ﺍﻷﺯﻣﺎت تباعاً ومع هذا وذاك يعتزم الاستمرار في حكم البلاد، ولم (يرق) أو (يحن) قلبه لمن يقفون صفوفاً لشراء (ﺍﻟﺨﺒﺰ) ليكفي وﺟﺒﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ على ﺍﻷﻗﻞ، ناهيك عن ثلاث وجبات لم يعد إنسان السودان قادراً على الالتزام بها، لم (يحن) أو (يرق) قلبه للأشخاص الذين يقفون صفوفاً لسحب أموالهم المودعة بـ(البنوك) أو (الصرافات) الآلية (أمانة)، لم (يحن) أو (يرق) قلبه للذين يموتون بالسرطان أو أي مرض مزمن لعدم امتلاكهم حق العلاج، لم (يحن) أو (يرق) قلبه لمن يقفون لـ(لمواصلات) بالساعات الطوال، ويضطرون للمشي ﺭﺍجلين، ﻭﻫﻢ ﻳﺘﺴﺄﻟﻮﻥ ﺃﻳﻦ الراعي الذي كان مدخله لحكم البلاد الإسلام، أليس هو ذاته الذي يحتفظ بـ(مال) الشعب السوداني في منزله الحكومي؟، ويكذب بقوله (إن مرتبي لا يكفي وأأكل من مزرعتي)، أظنه يقصد بمزرعته التي يأكل منها (السودان) الذي جعله مملكة خاصة به.
ألم يكفي المخلوع (البشير) أخذه الأموال الطائلة على مدي ثلاثين عام باسم السودان الذي شهد انتعاشاً اقتصادياً بعد زيادة ﺇﻧﺘﺎﺝ (ﺍﻟﻨﻔﻂ) في العام 2008م، والذي لعب دوراً أساسياً في جذب رؤوس الاستثمارات الأجنبية، إلا أنه تلاشي مع فصل جنوب السودان، ومن ثم تفشي (الفساد) الذي جعل من يديرون البلاد لا يعملون للمصلحة العامة بقدر ما أنهم كانوا يعملون لمصلحتهم الشخصية.
من المعروف أن النظام (المعزول) لم يستفد من مساحة اﻟﺴﻮﺩﺍﻥ الشاسعة والغنية بـ(الموارد) ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ (الزﺭﺍﻋﻴﺔ)، الثروة (الحيوانية)، (المعدﻧﻴﺔ)، (النباﺗﻴﺔ)، ﻭ(الماﺋﻴﺔ)، وهذا يعود إلي أنه كان مشغولاً بتأسيس نفسه من خلال (الفساد) الممارس بشتي ضروبه، فلم يعد أمامهم إمكان للإﻋﺘﻤﺎﺩ على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الزراعية، والتي كانت تمثل (80 ٪) ﻣﻦ ﻧﺸﺎﻁ ﺴﻜﺎﻥ السودان، ولم يكن الرئيس (المخلوع) جاداً في القضاء على (الفساد) لسبب بسيط هو أنه كان على رأسه، مما أدي به أن يستشري في كل مفاصل الدولة، وبالتالي لم يولي ملف (الفساد) اهتماماً نسبة إلي أنه كان خائفاً من افتضاح أمره.
السؤال الذي يفرض نفسه في ظل الراهن السوداني هو ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺁﺗﻲ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ حكموا ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ على مدي ثلاثين عام شرعوا من خلالها القوانين التي تحمي نظامهم البائد، وهي قوانين ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻨﻈﺮ حتي ﺘﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ، وعليه كان الأديب ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ محقاً حينما طرح هذا السؤال (ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺁﺗﻲ ﻫﺆﻻﺀ؟؟؟؟ )، ﻧﻌﻢ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺁﺗﻲ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺟﻌﻠﻮا الشعب السوداني في بحث مضني ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ (ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ)، (ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻊ)، (ﺍﻵﻻﻡ)، (المرارات) ﻭ(ﺍﻷﺣﺰﺍﻥ)، إلا إننا ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮون ﺇﺟﺎﺑﺔ لهذا ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻭﻣﺘﺠﺪﺩﺍً، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ على ﻳﻘﻴﻦ تام ﺑﺄﻥ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﺪﻱ ﻭﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻻ ﻟـ(ﻠﻈﻠﻢ) ﻻ ﻟـ(ﻠﻘﻬﺮ) ﻻ لـ(سفك) دماء الأبرياء لا لـ(تكميم ﺍﻻﻓﻮﺍﻩ) ﻻ لـ(تنكيس ﺍﻷﻗﻼﻡ).
ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎسية والاقتصادية ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ (المخلوع) كانت عبارة عن ﺑﺤﺮﺍً ﻋﻤﻴﻘﺎً، ﺑﺤﺮﺍً ﺗﺤﻜﻤﻪ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﺟﺎﺭﻓﺔ، ﻭﺗﺤﺪﺩﻩ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺃﻣﻮﺍﺝ ﻣﻄﻼﻃﻤﺔ، ﻓﻼ ﻳﻬﺪﺃ ﺍﻟﻬﻴﺠﺎﻥ، إلا وﺗﺴﺘﻤﺮ ﺍﻟﻀﻐﻮﻃﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ (ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ) التي جعلت ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ مليئاً بـ(النفاق) و(الكذب)، وهي ﻀﻐﻮﻃﺎﺕ ﻤﻔﺮﻭﺿﺔ ومستمرة من أجل عدم إكتشاف (الفساد) ، والذي أدي إلي ﻮﺍﻗﻊ ﻤﺆﻟﻢ جداً لم ﻳﺠﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ في إطاره ﻣﻔﺮﺍً ﺳﻮﻱ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﺎﺭﺏ ﻟﻠﻨﺠﺎﺓ، إلا أن القارب اغرق الناس ﻓﻲ ﻟﺠﺔ الإشكاليات ﻭﺍﻟﻬﻤﻮﻡ لدرجة أن الشعب السوداني ردد مع ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻟﻌﺮﻭﺑﺔ ﻧﺰﺍﺭ ﻗﺒﺎﻧﻲ : (ﺇﻧﻲ ﺃﻏﺮﻕ، ﺇﻧﻲ ﺃﺗﻨﻔﺲ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﺍﻟﺒﺤﺮﻋﻤﻴﻖ، ﻋﻤﻴﻖ)، ﻧﻌﻢ ﺒﺤﺮ الظلم ﻋﻤﻴﻖ، ﻭﻗﻮﺍﺭﺏ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ كان ﻳﻄﻮﻗﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺮﻳﺮ ﻳﺘﺪﺍﻋﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪﺏ ﻭﺻﻮﺏ، خاصة وأن نظام الرئيس (المخلوع) قاد البلاد للهاوية، وهو الأمر الذي ادركناه منذ سنوات، لذا ظللنا نكافح، ننافح، ونناضل ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ كرماء، ﻭمع هذا وذاك كنا نفكر في ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺗﺨﻔﻒ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ في الراهن السوداني، وهي واحدة من الأسباب التي جعلتنا نلجأ إلى الإعلام الإلكتروني فكانت إﻧﻄﻼقتنا ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﺳﻊ، وﺍﻟﺬﻱ انحاز ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻐﻼﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﺍﻷﻋﻈﻢ، واستطاعوا إيصال ﺭﺳﺎﺋﻠﻬﻢ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻻ ﻳﻄﺎﻟﻬﺎ ﻣﻘﺺ ﺍﻟﺮﻗﻴﺐ، فأصبح ﻣﺘﻨﻔﺴﺎً وأداة فاعلة لفضح نظام الرئيس المخلوع، ﻭهكذا ﺍﺳﺘﻄﺎع استقطاب ﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ من خلال اﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ـ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، وﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﻞ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وإحقاق الحق، ﻭﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﻮﺍﺭﺍﺕ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ حول نظام الحكم في البلاد وما هي الرؤية المستقبلية؟، ﻭﻣﻦ ﺧﻼل ذلك كانوا ﻳﻘﺪﻣﻮﻥ ﺍﻟﻤﻘﺘﺮﺣﺎﺕ البناءة التي ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ عبرها ﺃﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﺇﻻ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺨﻮﻓﻮﻥ ﻣﻦ ﻧﺸﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﺠﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ سياسية واقتصادية من وجود نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير) للتشريعات ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ القائدة لهم لأقسام الشرطة والمحاكم وﺍﻟﺴﺠﻮﻥ.
ﻓﻲ الوقت الذي كان الرئيس المخلوع عمر البشير يحتفظ بـ(7) ملايين يورو و(350) ألف دولار في بيت الضيافة، بالإضافة إلي (315) مليون ريال سعودي تخصه بأحد (المصارف) ، فيما كان ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ يسعى ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺇﺻﻼﺣﺎﺕ في ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ السوداني المنهار، إلا أنه لم يجد بنية تحتية لوضع برنامج اسعافي يخرج بإنسان السودان من (ﺍﻟﻜﻔﺎﻑ) الذي يعيش في ظله، ويضمن له بذلك الابتعاد من ﺧﻂ (ﺍﻟﻔﻘﺮ)، إلا أن النظام البائد ظل يتخبط في السياسات الاقتصادية التي فشلت في الخروج بالسودان إلي بر الأمان، وذلك يعود إلي (الفساد)، وعدم استثمار الأراضي الصالحة للزراعة، وقد دمروا المشاريع الزراعية الحيوية، وأبرزها مشروع (الجزيرة)، بالإضافة إلي أنهم صدروا الإناث من ﺍﻟﻤﺎﺷﻴﺔ، علماً بأنها مورداً لما يقارب الـ(%61) ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ، إلا أنه ومن المؤسف حقاً أن نظام (المخلوع) عمر البشير جعل السودان بلداً فقيراً بـ(الفساد) بعد أن كان مصنفاً ﻣﻦ بين ﺃﻛﺒﺮ ﺛﻼﺙ ﺑﻠﺪﺍﻥ ﻓﻲ إفريقيا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺔ إلي جانب أنه تتوفر فيه الموارد الطبيعية، كاﻟﻤﻴﺎﻩ والأراضي الزراعية، والتي تلعب دوراً رئيسياً في التنمية، إذ أن ثلثي مساحة السودان صالحة للزراعة والرعي الأمر الذي حدا بأنظار العالم أن تلتفت له على أساس أنه (ﺳﻠﺔ ﻏﺬﺍﺀ العالم)، وعليه تقدر ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺰﺭﺍﻋﺔ ﻓﻲ العام 1998م، ﺑﺤﻮﺍﻟﻲ (16,900,000) ﻫﻜﺘﺎﺭ (41.8 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻓﺪﺍﻥ) ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻮالي ( 1.9) ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻫﻜﺘﺎﺭ (4.7 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻓﺪﺍﻥ) ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﻤﺮﻭﻳﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎﻑ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﻭﺍﻷﻧﻬﺎﺭ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﻼﺩ.
ما الأسباب التي جعلت الذهب السوداني الأبيض (القطن) و(عباد زيت الشمس) و(السمسم) و(الذرة) وغيرها من المنتجات الزراعية تتلاشي من المشهد الاستثماري رغماً عن أنها من السلع ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ التي يعتمد عليها ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ في إجمالي الصادر، فمثلاً السودان مصنف ثالث دولة في العالم في زراعة (السمسم)، ويحتل المركز الثاني في ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ (ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ)، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ أنه غني باﻟﺜﺮﻭﺓ (ﺍﻟﺴﻤﻜﻴﺔ) ، والتي يتم اصطيادها من (ﺍﻷﻧﻬﺎﺭ) و(اﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ)، كما أن لديه ثروة حيوانية ﺒﺮﻳﺔ (ﺃﺑﻘﺎﺭ - ﺃﻏﻨﺎﻡ - ﻣﺎﻋﺰ - إبل)، وتعتبر المنتجات ﺍﻟﺰﺭﺍعية ﻣﺜﻞ (ﺍﻟﻘﻄﻦ)، (ﺍﻟﺼﻤﻎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ)، (ﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺰﻳﺘﻴﺔ) ﻭ(ﺍﻟﻠﺤﻮﻡ) من أجود وأهم الصادرات، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﺨﻀﺮﻭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻔﺎﻛﻬﺔ، ومن المعروف أن الأراضي الزراعية السودانية تمتاز ﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺑﺔ، ولا تواجهها معوقات طبيعية، وتلعب ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ دوراً ريادياً في إجمالي الناتج المحلي، والذي يبلغ نحو (%34) ﻭﻓﻘﺎً ﻟﺘﻘﺪﻳﺮﺍﺕ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻹﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ، وﻳﺘﻤﺘﻊ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺑﺤﻮﺍﻟﻲ (%46) ﻣﻦ ﺇﺟﻤﺎﻟﻲ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺰﺭﺍﻋﺔ.
ﺇﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻛﺒﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﺭ، وﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﻌﻲ ﻟﻪ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻮﺍﻛﺐ، ﻭﻳﺘﻄﻮﺭ ﺗﻘﻨﻴﺎً إلا أن نظام البشير الفاسد لم يكن يرغب في ذلك، وكل ما تم في هذا الإطار اجتهادات ذاتية، وبالتالي ظل إحساس الظلم والتهميش وﻫﻀﻢ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ وﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ معشعشاً في الدواخل، ﻟﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﺟﺰﺀﺍً ﻣﻨﻪ، ﻭﺻﺎﺭ هو ﺟﺰﺀﺍً منهم ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺮﻳﺮ، ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺆﻟﻢ، فهو ﻳﻄﻞ على الجميع ﺑﻠﻮﻥ (ﺃﺳﻮﺩ)، ﻟﻮﻥ ﻻﻳﺪﻉ لهم ﻓﺮﺻﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻮﻥ ﺍﻷﺑﻴﺾ، ﻭﻻ ﻳﺠﺪون ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻟﻠﺒﻴﺎﺽ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺀ ﺭﻏﻤﺎً ﻋﻦ ﻣﺤﺎﻭلاتهم الإﻣﺴﺎﻙ ﺑﺨﻴﻮﻁ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺤﺪﺙ؟ ﻻ ﺟﺪﻭﻱ، ﺑﻌﺪ الضياع ﻫﻜﺬﺍ ﺗﻤﻀﻲ ﺍﻷﻳﺎﻡ، ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺭ والسنين في ذلك النظام البائد، (يا خي دا بلا وانجلي).
الأحد، 28 أبريل 2019
سراج النعيم يكتب أنصفوا الشرطة وحققوا مع الفريق أول هاشم عثمان الحسين
.........................
يجب على المجلس العسكري الانتقالي أن يلتفت للشرطة عموماً، وعلى وجه الخصوص من هم في رتبة (الرائد) فما دون، فهذه الرتب ظلت تعمل في ظروف صعبة جداً، مع التأكيد بأنها جزء من إنجازات الشرطة على مر تاريخها، ولا سيما فإنها تعتبر صمام أمان للأمن الداخلي للبلاد، وإذا نتج عنها بعض السوالب في ظل النظام السابق فإننا نجد لها العذر، وهو في نهاية الأمر لا ينسحب على هذه المؤسسة العريقة بشكل عام، ولكن الشرطة كسائر مكونات حكم النظام الديكتاتوري (المخلوع) عانت تهميشاً على مدي ثلاثين عام، لذا آن لها الأوان أن تنتفض في وجه الظلم، والذي لم يسلم منسوبيها منه بالإحالة للمعاش والفصل التعسفي، ورغماً عما ذهبت له ظلت تضحي، ومازالت تفعل وتقدم الشهيد تلو الآخر.
يجب على السلطات العسكرية الانتقالية الإلتفات إلي مؤسسة الشرطة نسبة إلي أنها لم تسلم من التجنيد وفق الولاء لنظام الرئيس المعزول (عمر البشير)، وذلك دون النظر للمؤهل والكفاءة، وهي من السياسات (المعيبة) التي قادت إلي إقصاء من هم أصلح، لذلك يتطلب الأمر فتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة من يثبت تورطته فيما آلت إليه الشرطة، فلا شك هنالك من انجرفوا وراء تيار النظام (الفاشل) بكل المقاييس والمعايير، خاصة وأن هنالك من جاهروا بالحق، فتم فصلهم من الخدمة أو نقلهم إلي مناطق الشدة، فهل استفاد بعض القيادات الشرطية من وجودهم مع الفريق أول شرطة هاشم عثمان الحسين مدير قوات الشرطة السابق، والذي كان مقرباً من الرئيس المخلوع، و مرروا أجندتهم وحققوا ما يصبون إليه في ظل (فساد) ممنهج ومتأصل في مفاصل مؤسسات الدولة عموماً ، والتي كانت تدار وفق الأهواء الشخصية بعيداً عن المؤسسية، مما جعل البعض أثرياء، والبعض الآخر فقراء.
كلما مرت الأيام والشهور والسنين على الشرطة في ظل نظام (البشير) المخلوع تظهر علامات الثراء الفاحش على بعض منسوبيه في اطار حكم (الغطرسة)، (الظلم) و(الإستبداد) مما وسع الشقة بين (القاعدة) و(القيادة)، وأصبح البعض منها (سياسياً) أكثر من أنه (شرطياً) يفترض فيه خدمة مؤسسة الشرطة العريقة، وربط أجيالها ببعضها البعض من أجل أن ينشأ ويترعرع فيها من يأتي لاحقاً في أجواء شرطية صحيحة ومعافاة.
إن نظام (البشير) رفع شأن من لا تستفيد منهم المؤسسة الشرطية والأجيال المتعاقبة، ولم يدع مجالاً لهم لكسب الخبرات، بل عمد على أبعاد الكوادر المؤهلة، وأفقدها مكانتها السامية في المجتمع، وافرط عقد الإنضباط، والذي يحتاج من المجلس العسكرى الانتقالي مجهوداً خارقاً لإعادته إلي وضعها الطبيعي في المنظومة الأمنية في البلاد، وأن يحسن بيئة العمل ويمدها بالآليات، وأن يرفع المرتبات ، وأن يعيد المفصولين تعسفياً، خاصة وأن نظام الرئيس (المخلوع) أسس لـ(لفساد)، وتصفية الحسابات الشخصية من خلال استغلال السلطة، وظل ينخر كـ(السوس) في مؤسسات الدولة، مما أدي إلي إضعافها والاعتماد بدلاً عنها على المليشيات لحماية النظام، مما نتج عن ذلك إضاعة حقوق من هم لا يجيدون (التملق) بالانتماء الزائف.
ومما أشرت له يجب على المجلس العسكرى الانتقالي إعادة هيبة الشرطة، ومن ثم الثقة بينها والمواطن حتى لا تكون في نظره مجرد أداة تسخدمها الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد لتحقيق مآرب سياسية، وهذا ما أتضح خلال هذه الثورة التي شاهدنا في إطارها البعض من يرتدون البزات الشرطية لقمع المتظاهرين، وعندما توجه سؤالاً لأي فرد من أفراد الشرطة يقول لك هؤلاء لا يتبعون للشرطة، فالشرطة لا تتعامل مع الأحداث بصورة همجية بقدر ما أنها تتعامل معها وفق القانون وليس العنف، والذي كان يتم بتأييد ومباركة من نظام الحكم (المعزول)، والذي كان منتسبيه يهددون ويتوعدون دون جدوي، فشباب الثورة كان مصراً على اقتلاع شجرة (البشير) من جذورها، وعليه وجدت الشرطة نفسها في موقف لا تحسد عليه، إلا أن بعض الثوار كانوا أكثر وعياً وإدركاً لمجريات الأحداث، فكانوا يبرئون الشرطة من إتهام قمع المتظاهرين أو قتلهم لعلمهم التام أن الشرطة لا يمكن أن تفعل طالما أنها لا تتأثر ببقاء أو ذهاب النظام، والذي لا يتورع من فعل أي شئ يصب في مصلحة أجندته، وبالتالي وجد منسوبي الشرطة أنفسهم أمام خيارات صعبة، إما أن يعملوا في ظل تلك الظروف أو أن تتم الإحالة للصالح العام والإقصاء والإبعاد، مما قاد إلي أن تسوء الأوضاع عموماً في ظل ظروف اقتصادية قاهرة لا يمكن مجابهتها بالمرتبات الضعيفة .
ومما ذهبت إليه فإن مؤسسة الشرطة عاشت سنوات وسنوات تعتبر الأشد قسوة و إيلاما، فالنظام المعزول لا يؤمن بالمؤسسية، ويختار القيادات بالولاء دون التدرج طبيعياً من خلال السلم الوظيفي، مما جعل النظام الديكتاتوري يبعد ضباط الشرطة الشرفاء من مواقع القيادة، ويهميش دورهم في تطوير العمل، مما يحتم على المجلس العسكري الانتقالي أن يعيد هيكلة الشرطة، وإعطاء منسوبيها حقوقهم كاملة لا منقوصة، وأن يهتم بمن تمت إحالتهم للمعاش، وذلك منذ أن تقلد هذا النظام البائد مقاليد الحكم، ومروراً بقيادة الفريق أول شرطة هاشم عثمان الحسين، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن الداخلي بكل تجرد وشرف وأمانة، وهذا لن يتحقق إلا بثورة تصحيحية تزيل عن الأذهان ما أصاب هذه المؤسسة على مدي ثلاثين عام، وهي فترة زمنية كبيرة، وتحتاج للتغيير الجذري، ومن ثم تجديد الثقة في أفراد الشرطة، وإنصاف المظلوم منهم، وهذا لن يتم إلا في حال عدل قانون الشرطة واللوائح، والإبتعاد بهذه المؤسسة عن السياسة، أي أن تكون قائمة على مبدأ القومية، فهي أصابها ما أصاب سائر مؤسسات الدولة، لذا يجب التحقيق مع الفريق أول هاشم عثمان الحسين مدير الشرطة السابق، ومن عاونه في فترة توليه القيادة، وأن تتاح للشرطة فرصة اختيار من يمثلها في المجلس العسكري الانتقالي.
يجب على المجلس العسكري الانتقالي أن يلتفت للشرطة عموماً، وعلى وجه الخصوص من هم في رتبة (الرائد) فما دون، فهذه الرتب ظلت تعمل في ظروف صعبة جداً، مع التأكيد بأنها جزء من إنجازات الشرطة على مر تاريخها، ولا سيما فإنها تعتبر صمام أمان للأمن الداخلي للبلاد، وإذا نتج عنها بعض السوالب في ظل النظام السابق فإننا نجد لها العذر، وهو في نهاية الأمر لا ينسحب على هذه المؤسسة العريقة بشكل عام، ولكن الشرطة كسائر مكونات حكم النظام الديكتاتوري (المخلوع) عانت تهميشاً على مدي ثلاثين عام، لذا آن لها الأوان أن تنتفض في وجه الظلم، والذي لم يسلم منسوبيها منه بالإحالة للمعاش والفصل التعسفي، ورغماً عما ذهبت له ظلت تضحي، ومازالت تفعل وتقدم الشهيد تلو الآخر.
يجب على السلطات العسكرية الانتقالية الإلتفات إلي مؤسسة الشرطة نسبة إلي أنها لم تسلم من التجنيد وفق الولاء لنظام الرئيس المعزول (عمر البشير)، وذلك دون النظر للمؤهل والكفاءة، وهي من السياسات (المعيبة) التي قادت إلي إقصاء من هم أصلح، لذلك يتطلب الأمر فتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة من يثبت تورطته فيما آلت إليه الشرطة، فلا شك هنالك من انجرفوا وراء تيار النظام (الفاشل) بكل المقاييس والمعايير، خاصة وأن هنالك من جاهروا بالحق، فتم فصلهم من الخدمة أو نقلهم إلي مناطق الشدة، فهل استفاد بعض القيادات الشرطية من وجودهم مع الفريق أول شرطة هاشم عثمان الحسين مدير قوات الشرطة السابق، والذي كان مقرباً من الرئيس المخلوع، و مرروا أجندتهم وحققوا ما يصبون إليه في ظل (فساد) ممنهج ومتأصل في مفاصل مؤسسات الدولة عموماً ، والتي كانت تدار وفق الأهواء الشخصية بعيداً عن المؤسسية، مما جعل البعض أثرياء، والبعض الآخر فقراء.
كلما مرت الأيام والشهور والسنين على الشرطة في ظل نظام (البشير) المخلوع تظهر علامات الثراء الفاحش على بعض منسوبيه في اطار حكم (الغطرسة)، (الظلم) و(الإستبداد) مما وسع الشقة بين (القاعدة) و(القيادة)، وأصبح البعض منها (سياسياً) أكثر من أنه (شرطياً) يفترض فيه خدمة مؤسسة الشرطة العريقة، وربط أجيالها ببعضها البعض من أجل أن ينشأ ويترعرع فيها من يأتي لاحقاً في أجواء شرطية صحيحة ومعافاة.
إن نظام (البشير) رفع شأن من لا تستفيد منهم المؤسسة الشرطية والأجيال المتعاقبة، ولم يدع مجالاً لهم لكسب الخبرات، بل عمد على أبعاد الكوادر المؤهلة، وأفقدها مكانتها السامية في المجتمع، وافرط عقد الإنضباط، والذي يحتاج من المجلس العسكرى الانتقالي مجهوداً خارقاً لإعادته إلي وضعها الطبيعي في المنظومة الأمنية في البلاد، وأن يحسن بيئة العمل ويمدها بالآليات، وأن يرفع المرتبات ، وأن يعيد المفصولين تعسفياً، خاصة وأن نظام الرئيس (المخلوع) أسس لـ(لفساد)، وتصفية الحسابات الشخصية من خلال استغلال السلطة، وظل ينخر كـ(السوس) في مؤسسات الدولة، مما أدي إلي إضعافها والاعتماد بدلاً عنها على المليشيات لحماية النظام، مما نتج عن ذلك إضاعة حقوق من هم لا يجيدون (التملق) بالانتماء الزائف.
ومما أشرت له يجب على المجلس العسكرى الانتقالي إعادة هيبة الشرطة، ومن ثم الثقة بينها والمواطن حتى لا تكون في نظره مجرد أداة تسخدمها الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد لتحقيق مآرب سياسية، وهذا ما أتضح خلال هذه الثورة التي شاهدنا في إطارها البعض من يرتدون البزات الشرطية لقمع المتظاهرين، وعندما توجه سؤالاً لأي فرد من أفراد الشرطة يقول لك هؤلاء لا يتبعون للشرطة، فالشرطة لا تتعامل مع الأحداث بصورة همجية بقدر ما أنها تتعامل معها وفق القانون وليس العنف، والذي كان يتم بتأييد ومباركة من نظام الحكم (المعزول)، والذي كان منتسبيه يهددون ويتوعدون دون جدوي، فشباب الثورة كان مصراً على اقتلاع شجرة (البشير) من جذورها، وعليه وجدت الشرطة نفسها في موقف لا تحسد عليه، إلا أن بعض الثوار كانوا أكثر وعياً وإدركاً لمجريات الأحداث، فكانوا يبرئون الشرطة من إتهام قمع المتظاهرين أو قتلهم لعلمهم التام أن الشرطة لا يمكن أن تفعل طالما أنها لا تتأثر ببقاء أو ذهاب النظام، والذي لا يتورع من فعل أي شئ يصب في مصلحة أجندته، وبالتالي وجد منسوبي الشرطة أنفسهم أمام خيارات صعبة، إما أن يعملوا في ظل تلك الظروف أو أن تتم الإحالة للصالح العام والإقصاء والإبعاد، مما قاد إلي أن تسوء الأوضاع عموماً في ظل ظروف اقتصادية قاهرة لا يمكن مجابهتها بالمرتبات الضعيفة .
ومما ذهبت إليه فإن مؤسسة الشرطة عاشت سنوات وسنوات تعتبر الأشد قسوة و إيلاما، فالنظام المعزول لا يؤمن بالمؤسسية، ويختار القيادات بالولاء دون التدرج طبيعياً من خلال السلم الوظيفي، مما جعل النظام الديكتاتوري يبعد ضباط الشرطة الشرفاء من مواقع القيادة، ويهميش دورهم في تطوير العمل، مما يحتم على المجلس العسكري الانتقالي أن يعيد هيكلة الشرطة، وإعطاء منسوبيها حقوقهم كاملة لا منقوصة، وأن يهتم بمن تمت إحالتهم للمعاش، وذلك منذ أن تقلد هذا النظام البائد مقاليد الحكم، ومروراً بقيادة الفريق أول شرطة هاشم عثمان الحسين، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن الداخلي بكل تجرد وشرف وأمانة، وهذا لن يتحقق إلا بثورة تصحيحية تزيل عن الأذهان ما أصاب هذه المؤسسة على مدي ثلاثين عام، وهي فترة زمنية كبيرة، وتحتاج للتغيير الجذري، ومن ثم تجديد الثقة في أفراد الشرطة، وإنصاف المظلوم منهم، وهذا لن يتم إلا في حال عدل قانون الشرطة واللوائح، والإبتعاد بهذه المؤسسة عن السياسة، أي أن تكون قائمة على مبدأ القومية، فهي أصابها ما أصاب سائر مؤسسات الدولة، لذا يجب التحقيق مع الفريق أول هاشم عثمان الحسين مدير الشرطة السابق، ومن عاونه في فترة توليه القيادة، وأن تتاح للشرطة فرصة اختيار من يمثلها في المجلس العسكري الانتقالي.
سراج النعيم يكتب : التسول في عهد البشير
...................
ﻭﻗﻔﺖ ﻣﺘﺄﻣﻼً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﻭﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﺗﺤﻠﻴﻼً ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎً ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً ﻭﺩﻳﻨﻴﺎً ﻭﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎً، ﺇﻻ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻋﻴﺐ ﺇﻏﻔﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ على ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺿﻴﻖ ﺟﺪﺍً، ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ (ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ) ﺃﺧﺬ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﺎﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﺮﻳﺾ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻧﻘﻨﻌﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼﺝ ﻓﺄﻧﻪ ﺑﻼ ﺷﻚ ﺳﻴﺼﺎﺏ ﺑﺎﻹﺩﻣﺎﻥ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺼﻌﺐ ﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻨﻨﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﺼﻮﺭ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻴﻦ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﺍﺑﺔ، ﻭﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺎﺩﻝ ﺇﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻤﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻤﻞ ﻋﻨﻮﺍﻥ (ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ).
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ على ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻣﺒﺘﻌﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻫﻢ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺧﻄﺮﺍً على ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﻠﺼﻴﻘﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ، ﻭﻃﺮﻕ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻻ ﺗﺨﻄﺮ على ﺍﻟﺒﺎﻝ .
ﻭﻟﻨﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻄﺮﻕ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻄﻒ ﻓﻴﻬﺎ (ﺍﻟﺸﺤﺎﺩ) ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻋﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻫﺎ ﻣﻮﺍﻗﻌﺎً ﺇﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻭﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ، ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﻣﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭﻱ ﻭﺍﻷﺳﺘﻮﺑﺎﺕ ﻟﻴﻤﺪﻭﺍ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﻤﺎﻝ، ﻭﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻣﺘﺪﺕ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻷﺻﺤﺎﺀ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻫﺎﺕ، ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﺮﺿﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ، ﻭﺁﺧﺮﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻥ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﺃﻓﻘﺪﺗﻨﺎ ﻣﺒﻠﻎ ﺗﺬﺍﻛﺮ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺇﻟﻲ ﻣﺪﻧﻨﺎ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ، ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﻃﻔﻼً ﺃﻭ ﻃﻔﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﻦ ﻟﻠﻤﺎﺭﺓ : ( ﻟﻮ ﺳﻤﺤﺖ، ﺛﻢ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ) ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻬﻨﺔ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻓﻘﺪﻭﺍ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺟﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺪﺍﻗﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺃﺩﻋﻮ ﻣﻦ ﻳﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺮﺽ ﻟﻬﻢ ﺃﻭ ﻷﻗﺮﺑﺎﺋﻬﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮﺍ .
ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻘﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﻟﻠﺘﺴﻮﻝ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻳﺸﺮﺣﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﻬﻢ ﺣﻴﺚ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺭﻭﺷﺘﺎﺕ ﻃﺒﻴﺔ ﻭﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺼﺮﻓﻬﺎ .
ﻭﺗﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺇﺫ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻮﻗﻌﺎً ﻟﻠﺘﺴﻮﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﺴﺢ ﺯﺟﺎﺝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺯﻣﻨﻬﺎ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ، ﺛﻢ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﺸﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﺍﺋﻖ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﺿﻒ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﺴﻜﻨﺎً ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ، ﻭﻳﺠﻮﺑﻮﻥ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ .
ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪﺓ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻠﺠﺌﻮﻥ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ( ﺍﻟﺸﺤﺪﺓ ) ﻓﻲ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻪ ﻋﺎﺋﺪﺍً ﻣﺎﻟﻴﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ﻛﻤﻬﻨﺔ ﺗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺭﺑﺎﺣﺎً ﻻ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ (ﺍﻟﺸﺤﺪﺓ) .
ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺄﺻﻞ ﺑﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﺍﺀ؟ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺭﺃﻱ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺇﺟﺘﺰﺍﺯ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ، ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺤﺴﻢ ﺷﺪﻳﺪ، ﺛﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺎﺩ ﻋﻠﻲ ﺗﺠﻔﻴﻒ ﻣﻨﺎﺑﻌﻬﺎ، ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﺘﺒﻴﺎﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﺩﻩ ﻋﻠﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺗﺄﻫﻴﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻣﺮﺓ ﺁﺧﺮﻱ .
ﻭﻟﻜﻲ ﻧﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺳﺎﻟﻔﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮ، ﻳﺠﺐ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻓﺮﺹ ﻟﻤﻦ ﻫﻢ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺇﻟﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻮﻋﻴﺔ ﻭﺗﺜﻘﻴﻒ ﺍﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﺑﺨﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮﺍﺣﻴﻬﺎ، ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺃﺗﻢ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ، ﺗﺤﺚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﻣﺎ ﺃﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻗﻂ ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻩ ﻭﺃﻥ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺩﺍﻭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻩ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎً : ( ﻷﻥ ﻳﺤﺘﻄﺐ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻲ ﻇﻬﺮﻩ ﺧﻴﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺃﺣﺪﺍً ﻓﻴﻌﻄﻴﻪ ﺃﻭ ﻳﻤﻨﻌﻪ ) .
ﻭﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻮﻓﺮ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﻠﻤﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻧﻴﺔ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻠﺠﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﻷﺩﺭﻱ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﺍﻷﺣﻖ ﺑﺄﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﻮﻟﻲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : ( ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﻗﺎﺏ ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﻣﻴﻦ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺑﻦ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ ) .
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﺗﻤﻨﻲ ﺻﺎﺩﻗﺎً ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻭﺃﻥ ﺗﺘﺤﺪ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺟﺘﺰﺍﺯ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻟﺐ ﻇﺎﻫﺮﻳﺎً ﻭﺑﺎﻃﻨﻴﺎً، ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﻬﺎ ﻣﺮﺽ ﻧﻔﺴﻲ ﺧﻄﻴﺮ، ﻳﻨﺘﺸﺮ ﻳﻮﻣﺎً ﺗﻠﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺨﻴﻔﺔ ومرعبة.
ﻭﻗﻔﺖ ﻣﺘﺄﻣﻼً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﻭﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﺗﺤﻠﻴﻼً ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎً ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً ﻭﺩﻳﻨﻴﺎً ﻭﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎً، ﺇﻻ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻋﻴﺐ ﺇﻏﻔﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ على ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺿﻴﻖ ﺟﺪﺍً، ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ (ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ) ﺃﺧﺬ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﺎﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﺮﻳﺾ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻧﻘﻨﻌﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼﺝ ﻓﺄﻧﻪ ﺑﻼ ﺷﻚ ﺳﻴﺼﺎﺏ ﺑﺎﻹﺩﻣﺎﻥ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺼﻌﺐ ﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻨﻨﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﺼﻮﺭ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻴﻦ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﺍﺑﺔ، ﻭﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺎﺩﻝ ﺇﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻤﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻤﻞ ﻋﻨﻮﺍﻥ (ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ).
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ على ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻣﺒﺘﻌﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻫﻢ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺧﻄﺮﺍً على ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﻠﺼﻴﻘﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ، ﻭﻃﺮﻕ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻻ ﺗﺨﻄﺮ على ﺍﻟﺒﺎﻝ .
ﻭﻟﻨﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻄﺮﻕ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻄﻒ ﻓﻴﻬﺎ (ﺍﻟﺸﺤﺎﺩ) ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻋﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻫﺎ ﻣﻮﺍﻗﻌﺎً ﺇﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻭﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ، ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﻣﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭﻱ ﻭﺍﻷﺳﺘﻮﺑﺎﺕ ﻟﻴﻤﺪﻭﺍ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﻤﺎﻝ، ﻭﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻣﺘﺪﺕ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻷﺻﺤﺎﺀ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻫﺎﺕ، ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﺮﺿﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ، ﻭﺁﺧﺮﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻥ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﺃﻓﻘﺪﺗﻨﺎ ﻣﺒﻠﻎ ﺗﺬﺍﻛﺮ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺇﻟﻲ ﻣﺪﻧﻨﺎ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ، ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﻃﻔﻼً ﺃﻭ ﻃﻔﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﻦ ﻟﻠﻤﺎﺭﺓ : ( ﻟﻮ ﺳﻤﺤﺖ، ﺛﻢ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ) ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻬﻨﺔ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻓﻘﺪﻭﺍ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺟﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺪﺍﻗﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺃﺩﻋﻮ ﻣﻦ ﻳﺘﺴﻮﻟﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺮﺽ ﻟﻬﻢ ﺃﻭ ﻷﻗﺮﺑﺎﺋﻬﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮﺍ .
ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻘﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﻟﻠﺘﺴﻮﻝ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻳﺸﺮﺣﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﻬﻢ ﺣﻴﺚ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺭﻭﺷﺘﺎﺕ ﻃﺒﻴﺔ ﻭﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺼﺮﻓﻬﺎ .
ﻭﺗﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺇﺫ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻮﻗﻌﺎً ﻟﻠﺘﺴﻮﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﺴﺢ ﺯﺟﺎﺝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺯﻣﻨﻬﺎ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ، ﺛﻢ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﺸﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﺍﺋﻖ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﺿﻒ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﺴﻜﻨﺎً ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ، ﻭﻳﺠﻮﺑﻮﻥ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ .
ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪﺓ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻠﺠﺌﻮﻥ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ( ﺍﻟﺸﺤﺪﺓ ) ﻓﻲ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻪ ﻋﺎﺋﺪﺍً ﻣﺎﻟﻴﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ﻛﻤﻬﻨﺔ ﺗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺭﺑﺎﺣﺎً ﻻ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ (ﺍﻟﺸﺤﺪﺓ) .
ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺄﺻﻞ ﺑﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﺍﺀ؟ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺭﺃﻱ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺇﺟﺘﺰﺍﺯ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ، ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺤﺴﻢ ﺷﺪﻳﺪ، ﺛﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺎﺩ ﻋﻠﻲ ﺗﺠﻔﻴﻒ ﻣﻨﺎﺑﻌﻬﺎ، ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﺘﺒﻴﺎﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﺩﻩ ﻋﻠﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺗﺄﻫﻴﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻣﺮﺓ ﺁﺧﺮﻱ .
ﻭﻟﻜﻲ ﻧﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺳﺎﻟﻔﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮ، ﻳﺠﺐ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻓﺮﺹ ﻟﻤﻦ ﻫﻢ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺇﻟﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻮﻋﻴﺔ ﻭﺗﺜﻘﻴﻒ ﺍﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﺑﺨﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮﺍﺣﻴﻬﺎ، ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺃﺗﻢ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ، ﺗﺤﺚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﻣﺎ ﺃﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻗﻂ ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻩ ﻭﺃﻥ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺩﺍﻭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻩ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎً : ( ﻷﻥ ﻳﺤﺘﻄﺐ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻲ ﻇﻬﺮﻩ ﺧﻴﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺃﺣﺪﺍً ﻓﻴﻌﻄﻴﻪ ﺃﻭ ﻳﻤﻨﻌﻪ ) .
ﻭﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻮﻓﺮ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﻠﻤﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻧﻴﺔ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻠﺠﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﻷﺩﺭﻱ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﺍﻷﺣﻖ ﺑﺄﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﻮﻟﻲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : ( ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﻗﺎﺏ ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﻣﻴﻦ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺑﻦ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ ) .
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﺗﻤﻨﻲ ﺻﺎﺩﻗﺎً ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻭﺃﻥ ﺗﺘﺤﺪ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺟﺘﺰﺍﺯ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻟﺐ ﻇﺎﻫﺮﻳﺎً ﻭﺑﺎﻃﻨﻴﺎً، ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﻬﺎ ﻣﺮﺽ ﻧﻔﺴﻲ ﺧﻄﻴﺮ، ﻳﻨﺘﺸﺮ ﻳﻮﻣﺎً ﺗﻠﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺨﻴﻔﺔ ومرعبة.
سراج النعيم يكتب : ثورة الشباب تنتصر ضد الديكتاتور المخلوع (عمر البشير)
.. ..........................
من المعروف أن الثورات تنتفض ضد (القهر)، (القمع) (التشريد)، (التهميش)، (القتل) و(الظلم) الممارس من الأنظمة الديكتاتورية- الاستبدادية المعتمدة كلياً على سياسة الحزب الواحد الذي يستند على مؤشرات عدم إحقاق حقوق الإنسان، حرية التعبير عبر وسائل الإعلام والصحافة، وعدم النزاهة في العملية الانتخابية، وعدم الإيمان بالتعددية، مما دفع الشعب للنضال في أشكال مختلفة (سياسياً) و(مسلحاً) و(سلمياً) وذلك في ظل نظام (معزول)، وهو النظام الذي غرس في دواخل الناس (الخوف) بـ(القهر) و(الوحشية)، وتشويه الحقائق، وهو الأمر الذي لم ينطلي على الثورات التحررية الحافلة بـ(الكفاح) و(النضال) بحثاً عن واقع جديد للتغيير يسنده ادراك ووعي الشعب السوداني المعلم الذي يتوق لـ(لحرية)، (العدالة) و(السلام)، وهي الشعارات ذات الأهداف السامية، والتي تحقق بها النجاح الذي يحاول البعض قطف ثماره، وهؤلاء لم يشاركوا في بذر بذوره بل كانوا ينتظرون ما يتمخض عنه بالركون إلي (السلبية)، أي أنهم يراغبون المشهد من على البعد وفي حال نجاح النضال الثوري ينحازون له، إما في حال فشله فإنهم أصلاً جزء من النظام (المخلوع) الذي هو أيضاً تسلقوه بالإنتهازية التي يودون الآن أن يتسلقوا بها الثورة الشبابية التي انتفضت ضد نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، وبالتالي يرتدون أثواب ذات ألوان متعددة لإخفاء اللون السابق، أي أنهم كـ(الحرباء)، وما لا يعلمونه أو يعلمونه ويغضون الطرف عنه هو أن الثورة قائمة على اجتزاز كل ما هو جزء من النظام السابق، فالثورة ثورة تصحيحية مما كان يمارس في عهد الديكتاتور وما بني على الباطل فهو (باطل)، وعليه لن يصمدوا طويلاً في وجه الحق الذي يحرسه شباب أوفياء لما يتطلعون له نحو مستقبل مشرق خال من (الكذب) و(النفاق)، ولا هدف لهم سوي أن يستقر السودان، ويمضي في الاتجاه السليم دون أي (فساد) أو (محسوبية) ظلت قائمة ومتأصلة في مفاصل الدولة العميقة على مدي ثلاثين عام، وقد شهد خلالها السودان أعواماً عجافاً مورس عبرها (الفساد)، والذي بدوره قضي على (اليابس) و(الأخضر)، وقضي على (القيم) و(الأخلاق) بالادعاء (الكاذب)، والذي أفقد البعض الثقة في الآخر، وحل (النفاق) مكان النقاء، والخيانة مكان الأمانة، هكذا دفعوا البعض للاستقلالية والانتهازية وغيرها من الصفات الذميمة، مما جعل طفيليات تطفو على السطح كظهور رأسمالية غير طبيعية وغيرها من الظواهر السالبة التي نمت وترعرعت وازدهرت في دولة (فاسدة) لا يمكن اجتزاز فسادها بين يوم وليلة، إنما تحتاج إلي مجهود كبير حتى يتم (كنسه) نهائياً، وذلك بـ(الصبر) و(المثابرة)، خاصة وأن المعرفة أصبحت متاحة لعكس الحقائق التي غيبها نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي كان يملي أو يفرض أو يأمر بكل قسوة ولا يسمح لأي نوع من المعارضة أن تجاهر بالحق في وجه الظلم، والذي تجزر في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وذلك وفق معايير لا تمت للقيم والأخلاق شيئاً من قريب أو بعيد، وبالتالي هم كانوا نسخة متطرفة من السلطوية التي كانت تدير شئون البلاد برؤية أيدولوجية سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية محددة، مما نجم عنها ذلك (الفساد) على أعلي مستوياته.
إن النظام (المعزول) من الأنظمة الدكتاتورية المدارة وفق نظام حكم الحزب الواحد، والذي كان يعبئ المتلقي بأيدولوجياته عبر وسائل الإعلام الحكومية والخاصة بالانتماء لتياره الجارف نحو الهاوية، بالإضافة إلي الاستخدام التعسفي لقوة الأجهزة الأمنية لإرهاب وترويع المواطنين العزل، وهذا النهج أضحي سمة من سماته الراسخة في المخيلة، خاصة وأنه يسيطر على مقاليد الحكم بالقوة العسكرية، وهو الأمر الذي ولد الثورة الشبابية التي ارتأت أن النظام فقد البوصلة ولم يعد مستقراً سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً وثقافياً، فضلاً عن ظهور مشكلات تتعلق بمسألة الخلافة على السلطة، وعدم ضبط الخطاب الإعلامي الموجه للمواطن.
فيما ظل الرئيس (المخلوع) عمر البشير يحكم السودان بسلطة فردية متسلطة قادته إلي أن يحيط نفسه بهالة (وهمية) من الحصانة والعصمة من السقوط ومن ثم المحاسبة على جرائمه ضد الشعب السوداني الصابر على الإبتلاء، وهذا النهج الذي صنعه طوال سنوات حكمه بالطغيان والاستبداد كان بمدخل تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو المدخل الذي خدع به من تبعوه، مستفيداً من هذا النهج لغياب الوعي لدي البعض الذين أصبحوا مع مرور الوقت مجرد آلة تتناسق وتتناقم مع إشباع رغباته للبقاء في السلطة منفرداً ، ولم يكن (البشير) يريد ترك كراسي الرئاسة، لولا أنه انتزع منه نزعاً، فهو وحتي آخر لحظة كان يغيب فكر الشعب السوداني بالكذب، هكذا ظل يستقل أيدلوجية بعينها، ويطبقها على أرض الواقع من خلال جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي كان يضيق الخناق على حرية الصحافة والإعلام.
*سراج النعيم يكتب : على الشيخ عبدالحي يوسف معرفة ماذا تعني (العلمانية) قبل الإقدام على هذه الخطوة؟*
................
لابد للشيخ عبد الحى يوسف الابتعاد عما يود الإقدام عليه خاصة بعد أن توحد أبناء الشعب السوداني ضد (الظلم) الذي مارسه نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، وعندما فعل ذلك لم نراك تقف في وجهه يوماً وأحداً، علما بأنه كان (يقمع)، (يقهر) و(يقتل) في المواطن الأعزل، السؤال أين أنت من تاريخه المفصلي؟ الإجابة بالرغم من موجودك إلا أنك لم تقدم النصح للسلطان الجائر، أو تدين انتهاك حقوق الإنسان، فلماذا ارتفع صوتك بعد الإطاحة بالنظام السابق؟، والذي لا أري له مبرراً حتي تعبر عن مخاوفك.
ومما ذهبت له فإن شباب الثورة السودانية لا يريدون وصايا للخروج بالبلاد إلي بر الأمان، فالمرحلة التي يمر بها حساسة جداً، ولا تحتمل أي زعزعة، لذلك أنصح الشيخ عبدالحي يوسف العدول عن فكرة المسيرة الملونية في هذا التوقيت، وأن يدع المجلس العسكري الانتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير للعمل والتوافق على حكومة مدنية خاصة وأن الشعب السوداني انحاز إلي هذه القوى التي وقفت معه في أحلك أوقات النظام البائد الذي مارس (القمع)، (القهر)، (التهميش)، (الظلم) و(القتل)، في حين كنت أنت يا عبدالحي وآخرين تمنحونه الشرعية من خلال مساندتكم له على مدي ثلاثين عام، مع علمكم التام أنه استلم السلطة بالقوة العسكرية، ومن ثم خلع البزات العسكرية وارتدي الأزياء المدنية واهماً من يتبعونه أنه يحكم بالديمقراطية، وبالتالي لم يكن النظام (المخلوع) ذو شرعية، وذلك من واقع أنه تقلد مقاليد الحكم بالبندقية وقوة السلاح.
فيما على الدكتور عبدالحي يوسف الابتعاد عن المشهد السوداني الذي رسم له وآخرين خارطة طريق ضياعه طوال السنوات الماضية، وبالتالي يجب أن تفسحوا المجال لشباب الثورة السودانية لكي يرسموا مستقبله بالصورة المتوافقة مع مقتضيات المرحلة، وتطورات الأحداث داخليا وخارجيا، عموما يجب أن لا تقفوا ضد إرادة الشعب السوداني، والذي إستطاع شبابه السائر اقتلاع شجرة نظام حكم (البشير) من جذورها، لذا من حقهم رسم مستقبل السودان في الحاضر القريب والبعيد، وبالكيفية التي يرونها تتوافق مع كل مكوناته شمالا، جنوبا، شرقا وغربا، وهم وحدهم الذين من حقهم تحديد فترة الحكم الانتقالي، خاصة وأن تجارب الحكم الماضيةً أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها (فاشلة) في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا، مما يستوجب في هذه الفترة زيادة سنوات الحكم الانتقالي حتى تستعيد مؤسسات الدولة المنهارة كليا بالفساد عافيتها ووضعها الطبيعي، وأن تسترد ثقتها في منسوبيها بعد أن تتم هيكلتها بصورة تعيد الحقوق المهضومة على مدي سنوات وسنوات، والتي تعرضت فيها للتشويه بالتوظيف والتجنيد بالولاء للمؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية، وليس المؤهل والكفأة، وبالتالي مرحلة الحكم الانتقالي تحتاج إلي أربع سنوات على الأقل من أجل تهيئة الأجواء المناسبة للخروج بالبلاد من ذلك النفق المظلم.
بينما يعلم الشيخ عبدالحي يوسف تمام العلم أن الديانة الإسلامية، هي المصدر الأساسي في الدستور وتشريع القوانين الضابطه لحركة الحياة العامة والمحددة لهوية الدولة والتي كانت تتخبط على مدي السنوات الماضية، إما محاولة بث الخوف في دواخل الناس من (العلمانية) فهو ليس بالأمر المخيف لإنسان السودن المحافظ على عاداته وتقاليده غير المنفصلة عن الديانة الإسلامية، فلماذا كل هذا التوجس والخوف من (العلمانية)، طالما أنها تراعى الدين والأعراف والعادات والتقاليد والقيم والأخلاق السودانية.
ومن يتخوف من هذه الحقيقة فإنه يركن للنفاق والتناقض الصارخ في المفاهيم، محاولا كسب عطف البسطاء بما يصوره لهم حسب الأهواء الشخصية بعيدا عن المبادئ التي يدعونها، وبالتالي حينما تكون (العلمانية) فى مصلحتهم، فليس هناك أجمل ولا أروع منها، إما عندما تتعارض معها فإنها تكون ضد الشريعة الإسلامية، ولكن هي في حقيقتها تعطي حقوقاً متساوية فى الجتمعات بما فيها المجتمع الإسلامي.
ومما ذهبت إليه فإن النظام (المعزول) كان يجبر إنسان السودان على مبادئه بإستخدام القوة والبتطش، ناسياً أو متناسياً أن الديانة الإسلامية ترفض رفضاً باتاً الإجبار والإكراه لقوله عز وجل في محكم تنزيلة : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِ)، (وما أنت عليهم بجبار)، (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، ومع هذا وذاك فإن علماء الدين على اختلاف توجهاتهم في الكثير مما هو مطروح لم يفرضوا مفهومهم الديني على الآخرين؟ لعملهم أنهم ليسوا مفوضينً لممارسة الوصايا على الإنسان الذي ولد حراً؟ ولعل سيدنا عمر الخطاب رضي الله عنه أوقف العمل بما يسميه البعض (حد السرقة) فى عام الرمادة، واعتبر القرآن مرجعاً يؤخذ منه ما يناسب العصر والظروف؟ (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)، وعليه فإن (العلمانية) تعني الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأديان واحترامها، ونلاحظ ذلك في دول أوروبا وأميركا، وهي جميعاً رغم علمانيتها تسمح ببناء مساجد للمسلمين، وهذا هو مفهوم العدل في الأرض لقوله سبحانه وتعالي : (إن الله يأْمر بالعدل).
الأحد، 21 أبريل 2019
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
azsuragalnim19@gmail.com
*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*
.......... *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...
-
بعد وفاة الدكتور (محمد عثمان) متأثراً بـ(الفشل الكلوي) .................. حاول هؤلاء خلق (فتنة) بين...
-
الخرطوم: سراج النعيم وضع الطالب السوداني مهند طه عبدالله إسماعيل البالغ من العمر 27 عاما المحكوم بالإعدام في قت...
-
مطار الخرطوم : سراج النعيم عاد أمس لل...