فشلت السلطات المختصة في السيطرة على سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني بالسوق الموازي، والذي قفزفي الأيام الماضية إلى (٤٠٠) جنيهاً، ثم هبط إلى أقل منه، ما جعل أسعار السلع الإستراتيجية المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً ترتفع ارتفاعاً خيالياً، وتشكل تهديداً خطيراً لاستقرار البلاد التي ظلت تعاني من تحرير السوق بصورة غير مباشر، فالسياسات الاقتصادية لا تعالج أوضاع المواطن المعيشية الطاحنة، مما أفقد المستهلك الثقة في ايجاد حلول ناجزة، خاصة وأن ارتفاع الأسعار يحدث مع إشراقة كل صباح أو قل على رأس كل ساعة دون وضع تسعيرة محددة للسلع الاستهلاكية، التموينية، الغذائية، وتعريفة للمواصلات، هكذا تركت السلطات المختصة المواطن أمام استغلال الشركات، المصانع والتجار الذين ضاعفوا من معاناة المستهلك اليومية، والذي يصرف في هذا الإطار ما يفوق دخله المحدود، هكذا يدفع فواتير باهظة الثمن، وهذه الفواتير تتمثل في الكهرباء، المياه، الخبز وغيرها من الفواتير الضرورية اليومية المستمرة معه إلى أن يخلد للنوم، وكلما مزق فاتورة تطل عليه أخرى اشد قسوة وإيلاماً مع التأكيد بأن عدم الإنتاج في القطاعات (الزراعة والصناعة) ألقى بظلاله السالبة على الاقتصاد الوطني، والذي تأثر غاية التأثر بالأزمات الاقتصادية قبل، وبعد الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، مما أدخل المواطن السوداني في حالة من الخوف والهلع الشديدين من المصير الذي سيؤول له في المستقبل، وهو مستقبل يكتنفه الكثير من الغموض.
إن السلطات المختصة تحتاج إلى أن تضع حداً للمضاربة بالدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني في السوق السوداء، وأن ترفع من معدلات النمو في القطاعات الزراعية والصناعية، وذلك بزيادة الإنتاج لمجابهة الطلب الداخلي للسلع الضرورية التي يتم إنتاجها في السودان، ومن ثم الاتجاه إلى زيادة حجم صادرات الذهب والثروة الحيوانية حتى يتراجع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، والذي أصبح متأرجحاً في السوق الموازي، وأن تتجه الحكومة إلى تمويل الموارد الزراعية والصناعية للمساهمة في خفض أسعار خدمات التيار الكهربائي والإمداد المائي، وخفض الإنفاق الحكومي حتى لا يحدث تضخم أكثر مما هو عليه، وذلك نظرناً للنمو الكبير في (الكتلة النقدية)، لذلك لابد من أن تكون للسلطات آلية للتخطيط الاقتصادي، وذلك من اجل إصلاحات ملموسة يستشعرها المستهلك في المعالجات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وأن تتم المعالجات بصورة لا تشوبها أية شائبة حتى تحتوي ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية، وأسعار السلع الاستراتيجية، والضرورية المنقذة للحياة.
بما أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد تشهد تشوّهات وغير مستقرة في إطار كل المعاملات المالية، التجارية والاستثمارية، وهو ما حدا بها أن تكون القياس العام للأسعار في الأسواق، والتي يستغلها (تجار الأزمات) لرفع الأسعار بالصورة المناسبة مع الشركات، المصانع والتجار، مما جعل الجنيه السوداني يفقد قيمته في التداول بالأسواق، والذي اختفت على إثره الفئة النقدية الأصغر من فئة الـ(٥٠) جنيهاً، وهذا الاختفاء يتضح بجلاء في الزيادات التي تتم يومياً في عملية بيع وشراء سلعة السكر، والذي رفعت في ظله بائعات المشروبات الساخنة (الشاي) من (٣٠) جنيهاً إلى (٥٠) جنيهاً، والقهوة من (٥٠) جنيهاً إلى (٧٠) جنيهاً، وفي بعض الأماكن بـ(١٠٠) جنيهاً، هكذا تسيطر الفئات النقدية الكبيرة على عمليات التداول في الأسواق، فلم يعد المستهلك يتداول الفئات الصغيرة لرفض البعض التعامل معها في عملية الشراء والبيع رغماً عن تأكيدات البنك المركزي السوداني صلاحية استخدامها بما فيها فئة الـ(٥) جنيهات، كما اختفت عن المشهد تماماً العملات المعدنية، وهذا التعامل النقدي بالفئات الكبيرة أثر تأثيراً بالغاً في معدلات التضخم الذي بلغ ذروته، ويلقي بظلاله السالبة على المواطن المحاصر بالأسعار المرتفعة جداً يومياً في الأسواق، فالسياسات الاقتصادية الراهنة سياسات لا يمكنها بأي حال من الأحوال ايجاد المعالجات لحماية المستهلك من من الشركات، المصانع والتجار الذين تنشط تجارتهم في ظل الأزمات الضاغطة للمواطن المغلوب على أمره، وافرزت تلك السياسات الاقتصادية تفشي البطالة، والتي ظهر في إطارها ما يسمى بالسماسرة والطرحين أو الكموسنجية وغيرها من المهن الداعية إلى المزيد من (العطالة)، السؤال الذي يطرح نفسه في انهيار الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، هل يتم اللجوء لتغطية العجز بطباعة العملة النقدية دون أي مقابل يعادلها، ودون حساب من حيث معدل النمو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق