الأحد، 25 أكتوبر 2020

*محامي كفيف يكشف تفاصيل مثيرة حول عصابة (نيقرز).. برأت المحكمة المتهمين من (قتل) و(تقطيع) الضحية إلى أجزاء.. (النيل) : أصعب قضية الشاكي والمشكو ضده (صم) وشخصي (أعمي)*
















........ 

*جلس إليه : سراج النعيم*

.......

كشف المحامي الكفيف (النيل) تفاصيل مثيرة حول قضايا ترافع فيها بالمحاكم، وروي قصته المثيرة مع تشكيل عصابي يسمي بـ(النقيرز) الذين كانوا يواجهون اتهاماً بـ(القتل)، و(تقطيع) المجني عليه إلى أجزاء بسبب انتقال الضحية من تشكيل عصابي (نيقرز) إلى آخر، بالإضافة إلى أنه وضع قصة شاكي ومشكو ضدها (صم)، وهو محامي (كفيف)، وتدور وقائع الدعوي الشرعية حول حضانة (طفلة). 

في البدء من أنت؟ 

النيل أحمد البريدو مواليد (امبدة)ـ ولاية الخرطوم في العام 1984م، تخرجت في جامعة (النيلين) - كلية القانون، ومن ثم عملت دراسات عليا في ذات الجامعة (ماجستير)، ومن ثم امتحنت تنظيم مهنة القانون.

كيف استطعت تحقيق النجاح رغماً عن (الإعاقة)؟

إعادقتي (إعاقة) بصرية،ولا تشكل لي هاجساً طالما أنني ليس لدي إشكالية ذهنية، وبما أنني كذلك كنت قادراً على تجاوز أي إعاقة آخري. 

كيف تنظر للبيئة من حيث الإعاقة؟ 

ربما تكون البيئة في حد ذاتها بها (إعاقة)، ولكن كنت من خلال عقلي الراجح أتجاوز إعاقتها، وأحقق ما تصبو إليه بالإصرار والعزيمة، خاصة وأن (إعاقتي في النظر)،لذلك تجاوز بها كل الصعوبات والتحديات الجسام التي تقابلني، إذ استطعت أن أتلقي التحصيل الأكاديمي، واعمل رغماً عن عدم تقبل المجتمع لـ(لكفيف)، فأنا لكي أخرج من المنزل إلى الجامعة يومياً تواجهني إشكاليات كثيرة متمثلة في الحركة، القراءة، الكتابة، وتسجل المحاضرات، وعندما أعود للمنزل أسمع المحاضرات، وأوجه في إطارها الأسئلة لمرافقي، وهو يكتب لي كل ما أذهب إليه،هكذا كنت أمضي إلى أن تخرجت من الجامعة في العام 2009م، ومن ثم امتحنت (المعادلة) في العام 2010م، ومن ثم حضرت (الماجستير) في العام 2012م، والآن أنا محامي ومستشار قانوني.

ماذا عن عملك داخل أروقة المحاكم؟

بما أن فيها يتطلب التركيز أثناء الجلسات، وسماع ماذا يقول القاضي،الأطراف المعنية بالقضية،الشهود والإطلاع على المستندات، فإن ذلك فيه صعوبة كبيرة، ولكن بإصراري وعزيمتي استطعت أن أمارس المهنة.

كيف تدون نقاط من أقوال المتحري، الشاكي، المشكو ضده والشهود، وكيف تطلع على المستندات؟

بالنسبة لأقوال المتحري، الشاكي، المشكو ضده والشهود أحفظها أثناء الجلسة، إما المستندات فأخذ إذن من المحكمة بالإطلاع عليها بعد انتهاء الجلسة، وذلك من خلال إحضار أحد الزملاء أو زوجتي لمساعدتي في القراءة والكتابة، فأنا مثلاً أسمع إلى ثلاثة شهود في جلسة واحدة، وأحفظ أقولهم وأناقشهم من خلالها، لأنني إذا أحضرت إنساناً غير (قانونياً)، فلن يدون النقاط كما أرغب فيها، وإذا أحضرت (محامياً)، فإن وجودي ليس له معني كمحام في القضية. 

ما هي أنواع القضايا التي تتولي الدفاع فيها عن موكليك؟

الدعاوي الجنائية، المرور، المدنية والشرعية، إلا أنني بدأت حياتي في مهنة القانون من خلال دعاوي مكتب العمل،ولكن بعد عامين انتقلت إلى القضايا الجنائية،المرور، المدينة والشرعية.

كيف يصلك الشاكي أو المشكو ضده، وماذا عندما يكشف أنك (كفيفاً)؟

هنالك أناس يتفهمون طبيعة (الإعاقة)، وأمثال هؤلاء يتمسكون بي، وبالمقابل هنالك أناس جهلاء لا يتفهمون طبيعة الإعاقة، وأمثال هؤلاء لم يمروا على إلى الآن، ولكن معظم الذين ترافعت عنهم أحضروا لي قضايا أخري.

هل الإعاقة خلقت بها، أم أصبت بها فيما بعد؟

عندما تم إنجابي كان نظري بنسبة (100%) إلا أنني بدأت افقده تدريجياً منذ انخراطي في الدراسة، وذلك بمدرسة (ابوسعد) الثانوية، والتي أصبت من خلاها بـ(العمي) الذي يطلق عليه (العشاء الليلي)، ويعرف علمياً بمصطلح (التصبغ في الشبكية)،وليس لديه علاج.

ماذا عن إحساسك بفقدان البصر نهائياً؟

إحساسي كان إحساساً طبيعياً نسبة إلى إنني كنت مهيأ أصلا لانعدام الرؤية، فأنا مؤمن إيماناً قاطعاً بـ(الإبتلاء)،وبما إنني مؤمناً به لم يكن يشكل لي(هاجساً).

ماذا بعد أن فقدان النظر بصورة نهائية؟

واصلت حياتي بشكل طبيعي، وكنت أتلقي دروسي بالمدرسة إلى أن جلست لامتحان الشهادة السودانية، وكان أن أحرزت مجموعاً أهلني للالتحاق بالجامعية، والتي كنت استمع فيها للمحاضرات، ومن ثم أعود إلى المنزل، وخلال هذا المشوار اليومي كنت اصطدام تارة بـ(السيارات) وتارة أخري أسقط في (المجاري) أو (الحفر)،وكنت رغماً عن ذلك كله صابراً، على الابتلاء الذي لم أتأثر به نهائياً، هكذا إلى أن تخرجت في الجامعة، وفيما بعد تزوجت في العام 2016م من إنسانة متفهمة لـ(لنقص)،ولو كان هذا النقص إشكالية لكنت الآن إنساناً (متسولاً)، ولكنني تجاوزت كل الصعوبات، بدليل إنني أنجبت من زوجتي صغيرتي (وعد) البالغة من العمر (3) سنوات. 

ما هي أول القضية التي ترافعت فيها،ومازالت راسخة في ذهنك؟

أول قضية كانت في محكمة (كرري) في العام  2013م، وكانت تحت المادة (130) من القانون الجنائي وتفسيرها (القتل العمد)، وكنت أمثل من خلاها (الاتهام) في مواجهة خمسة متهمين،وهم تشكيل عصابي يطلق عليه (النيقرز)، وكانوا جميعاً حاضرين في المحكمة، لذا كانت القضية صعبة جداً، وذلك من واقع إنني (كفيفاً)، وبالتالي كنت متخوفاً من استهدافي لسهولة الوصول لشخصي، المهم إنني واصلت في القضية إلى أن صدر حكم قضائي ببراءة المتهمين الذين استطاعوا أحضروا (بينات) تثبت أن كل منهم لم يكن حاضراً لحظة ارتكاب الجريمة، وأن كل واحداً منهم كان موجداً في مكان آخر لا علاقة له بـ(مسرح الجريمة)البشعة بكل ما تحمل الكلمة من معني، فيما كان شاهد الاتهام شقيق (المرحوم)الذي ارتبك في أقواله، لذلك استبعدت المحكمة شهادته،وهذا يعود إلى رعبه من الجريمة، ما جعله مضطرباً ذهنياً، وتعود وقائع جريمة القتل إلى أن القتيل انتقل من تشكيل عصابي (نيقرز) إلى تشكيل عصابي آخر.

ما هي أغرب قصة (طلاق) مرت عليك؟

في الغالب الأعم دعاوي (الطلاق) تشبه بعضها البعض،ودائماً ما يندرج الكثير منها في إطار تعاطي الزوج لـ(لخمر)، أو حودث خلافات لعدم التوافق بين الزوجين، بالإضافة إلى أن هنالك بعض الأزواج(عاطلين)عن العمل،وعليه لا تكون لديهم المقدرة على الإيفاء بالالتزامات المنزلية اليومية، إلى جانب أن هنالك قضايا قائمة على غياب الأزواج،إما القضية الخالدة في ذاكرتي، فهي دعوي شرعية المدعي والمدعي عليها (صم)، وأنا كمحامي (كفيف)،أي ثلاثتنا الشاكي والمشكو ضده والمحامي (معاقين)، لذا كان التواصل في غاية الصعوبة، وتدور إجراءات القضية حول ي نزاع في حضانة (طفلة، وهي لدي الزوجة،ويريد الزوج إسقاط الحضانة،وبعد عدة جلسات أمرت المحكمة الموقرة أن تكون حضانة الطفلة للمشكو ضدها.

ما هي رسالتك للمجتمع من خلال تجربتك مع (الإعاقة)؟

يجب على الناس تقبل الإنسان (الكفيف)، فهو شخص طبيعي جداً، فإذا أغمض أي إنسان عينيه، فإن ذلك لا يعني أنه فاقد لـ(لأهلية)،لذلك على الناس التعامل مع المكفوفين بـ(ثقة)، علماً بأن كل واحداً منهم يمر بمراحل في  الحياة، فـ(الكفيف) يتجاوزها ويعيشها كسائر الناس الذين يجب أن يتجهوا لدمج المعاق في المجتمع، وهذا الدمج من ضمن قانون المعاقين القومي والاتفاقيات الدولية الخاصة برعاية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فهنالك إشكاليات تواجههم في الجامعات من حيث عدم تقبلهم بها بسبب (الإعاقة)، وإذا درست وتخرجت منها، فإن هنالك مؤسسات حكومية أو خاصة لا تقبل توظيفك بطرفها.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

سراج النعيم يكتب : هذه هي الديمقراطية التى نريدها يا برهان*

  ......  من المعروف أن الديمقراطية تمثل القيم العليا في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن أنها معترف بها دولياً، لأنها تحمل بين طياتها قيم مشتركة...