أشعر بالفخر والاعتزاز كوني أوثق لثورة أدهشت العالم بالسلاح السلمي منذ بذوق فجرها في سماوات السودان الذي شهد حراكاً ثورياً ضخماً افني من خلاله شباباً أرواحهم فداءاً للوطن الذي امسكوا في ظله بشمعة تضئ طريق التغيير، هكذا نجحوا في إزاحة الرئيس المعزول (عمر البشير) في نهاية العام 2019م، ومن أسباب الثورة الأساسية انتشار (الفساد) والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، والتضييق السياسي والأمني وعدم النزاهة في الانتخابات والتشبث بكرسي السلطة، والذي استبد من خلاله ثلاثة عقود، وهذه السنوات الطويلة ملك خلالها سجلاً سيئاً في حقوق الإنسان بالاعتداء على الحريات الشخصية باعتقال المعارضين السياسيين، النشطاء والمنتقدين لسياساته، ودائماً ما يكون انتهاكه بادعاء الحفاظ على الأمن القومي، والذي لم يقدم في إطاره أياً منهم إلى ساحات العدالة وفقاً للقانون الذي شرعه لحماية نظامه، إلا أن الثورة تميزت بهتاف (تسقط بس.. تسقط بس)، وهو الشعار الجاذب والبراق الذي وضع به الشهداء بصمة خالدة، وإرثاً فكرياً خالداً لمستقبل مشرق أخططوا في ظله ميثاق عهد جديد، وبما أنهم ضحوا بأنفسهم سأحيطكم بأبعاد شخصياتهم من خلال سبر أغوارها كما يجب بعد أن تركوا خلفهم الدنيا بكل ما فيها، وحزن عميق يخيم في دواخل الأمهات ممزوجاً بماضي تليد، وذكرى تعيد نفس الشريط.
منذ بداية الثورة السودانية، وتتعدد وقائع قصص الشهداء في أماكن شتى من بقاع البلاد، إذ أن هضاب أرضها تنجب الثوار، وكل ثائر تدور قصته حول التحرر والإنعتاق من نظام كشف عنه الغطاء الزائف الذي لم يقف عائقاً أمام تقدم الثوار الذين قادوا معركة العزة والكرامة، هكذا ظلوا يفعلون بجسارة إلى أن أزالوا عبث انفراده بسلطة كنز في إطارها أموالاً بـ(الفساد) الذي استشري في مفاصل المؤسسات، الشركات ومصارف الدولة، ما حدا بالشعب أن يثور ثورته الداعية لإسقاطه من خلال ملاحم وطنية وتاريخية.
ها أنا أترك الأبواب مشرعة لإكمال قصص الشهداء المتجددة، فلا يسع هذا السفر للإحاطة بها جميعاً، خاصة وأن لكل قصة من القصص الإنسانية دروساً وعبراً يستحق بطلها أن يكون لوحده (إيقونة) لثورة رسمت لوحات نضالية زاهية تمثلت في أنهم مهروها بدمائهم، لذا يجب تقليدهم أوسمة الشرف والوفاء على بذرهم بذوراً أثمرت مبادئ في كل منزل، كما أنها أصبحت واقعاً يمشي بين الناس الذين استشفوا منها معالم طريق الخلاص، التضحية، النزاهة ونكران الذات من خلال مواقف، أحداث وأشياء مغروسة بمبادئ إنسانية لم يؤخرهم عنها عذر، ولا حال دونهم حائل إلى أن ترجموها بعقل مفتوح يري ويستشف حقائق تنير الطريق في الاتجاه الصحيح، نعم فعلوا رغماً عن أن تقديرات البشر تتكئ على دوافع ودواع.
عطبرة مدينة الصمود والثورة
إن انتفاضة الشعب السوداني أمراً طبيعياً لخلع نظام (القهر)، (القتل) والممارسات اللا أخلاقية واللا إنسانية على كافة الأصعدة والمستويات، مما ولد ثورة شبابية لا تعرف التثاؤب، وهذه الثورة المجيدة بدأت شرارتها الأولي من (عطبرة)، المدينة المشهود لها بالتمرد على الأنظمة (الديكتاتورية) استشعاراً لمآلات الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية في البلاد، فلم يكن بوسع سكانها الصبر على نظام (المخلوع) إيماناً منهم بأنه قمعي لا يتورع من فعل أي شيء، ورغماً عن خطورة التمرد عليه إلا أن التغيير كان دافعاً لاغتنام الفرصة المواتية للقضاء على النظام البائد الذي كانت كل الأجواء مهيأة لإسقاطه.
إن من حق أي سوداني التعبير عما يجيش في دواخله، والبحث عن الأفضل بالتغيير، والمساهمة في إنشاء دولة تحترم حقوق الإنسان، ويتساوي فيها الناس وفقاً للدستور، وإعلاء كلمة القانون.
ترجم الشهداء معاني الصمود، البسالة، الجسارة والتضحية في صورها ومشاهدها الراسخة في مخيلة الشعب الذي تابع بحزن عميق ما تداوله الإعلام التقليدي والبديل لاسترداد أبسط حقوق الإنسان الذي يبحث عن العيش بكرامة إلا أن مسعاهم قوبل بوابل من الرصاص، فارتقي على إثره أول شهيد في الثورة الشبابية طارق أحمد علي عبدالجليل بمدينة (عطبرة).
وتشير قصته إلى أن استشهاده حدث بعد تعرضه لإطلاق عيار ناري في رأسه، مما أدي إلى وفاته في الحال متأثراً به في 21 ديسمبر 2019م، التاريخ الذي توجه فيه إلى جامعة (وادي النيل)، ومن ثم خرج منها للشارع ثائراً على خلفية أزمات بالغة التعقيد، هكذا خرج وهو يهتف مع رفقاء دربه (تسقط بس.. تسقط بس)، وعلى ذلك تم حرق مقر حزب (المؤتمر الوطني)، مما جعل الأجهزة الأمنية تهاجم المواكب الثورية بـ(التاتشرات) المدججة بالأسلحة، وأطلق أفرادها الغاز المسيل للدموع، ووابلاً من الرصاص الحي، والذي أصيب على إثره الشهيد (طارق) بعيار ناري في رأسه.
فيما درس الشهيد في مدرسة (التأصيل) الأساسية بنين، ثم مدرسة (البر والإحسان) بالخرطوم بحري، ثم شد الرحال إلى مدينة (عطبرة)، وواصل تحصيله الأكاديمي إلى أن جلس لامتحان الشهادة السودانية التي أحرز من خلالها نسبة (81%) أهلته للالتحاق بجامعة وادي النيل كلية (هندسة إنتاج وتصنيع)، وتخرج فيها (مهندساً).
كان الشهيد (طارق) لاعب كرة القدم ممتازاً في نادي (الوفاق)، والذي أنتقل منه إلى دوري الدرجة الأولى، وحقق الشهيد تقدماً نحو الصعود للدوري الممتاز.
بينما كان للشهيد نشاطاً اجتماعياً كشفت عنه ثلاثة سيدات جئن لأسرته بعد وفاته، ودخلن في نوبة بكاء، مما أدهش والدته لعدم معرفتها بهن، وقبل أن تستمر علامات الدهشة على وجه عائلته، إذ أنهن أكدن أنهن (فراشات) بجامعة (وادي النيل)، وأن علاقتهن بالشهيد هي أنه كان يقدم لهن (الشاي) و(القهوة) كل صباح، ولم يتوقف نشاطه الإنساني عند هذا الحد، بل امتد إلى مساعدة سيدة مصابة بـ(سرطان الثدي)، ومن خلال ذلك وضح أين كان ينفق الشهيد المبالغ التي يتحصل عليها نظير ممارسته كرة القدم، فقد سبق ووجهت له والدته سؤالاً مفاده أين تصرف المبالغ الحائز عليها من النادي الذي تلعب له؟، فكان يتهرب من الإجابة، وكان أكثر الأشياء التي لا يحبذها الكذب، ومن ثم أطلقت مدينة (عطبرة) أسمه على شارع من شوارعها التي تعيش وتستعيد ثورة ديسمبر.
تواصل التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام
تواصلت التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام البائد كل نهاية أسبوع بالخرطوم إلى أن استقر بها المقام في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، ومن ثم تم فضه بالقوة المفرطة في الثالث من يونيو 2019م، ومثلت مجزرته صدمة كبيرة وخيبة أمل في نفوس السودانيين كون أنها حدثت عقب الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وبينت الإحصائيات أن عدد الضحايا وصل إلى نحو (180) شهيداً.
حرص الثوار على توثيق لحظة فض الاعتصام من خلال عدسات كاميرات الهواتف الذكية، وجسدوا من خلالها لحظات اقتحام قوات عسكرية لساحة الاعتصام، ومن ثم تم نشرها وبثها عبر الفضائيات والإعلام البديل الذي كان له القدح المعلي في كشف الحقائق للعالم، مما فرض على الحكومة الانتقالية تكوين لجنة للتحقيق أوكلت رئاستها للأستاذ نبيل أديب المحامي، إلا أن أسر الشهداء رفضتها وسيرت مواكباً تطالب من خلالها بالعدالة والقصاص للجناة باعتبار أن القضية من الجرائم المرتكبة ضد حقوق الإنسان، ولم يوجه في إطارها أي اتهام للمتورطين فيها.
فيما نجحت أسرة الشهيد أحمد الخير من رفع الحصانة عن عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني ومحاكمتهم بمدينة (امدرمان)، والذين أدانهم قاضيها بالضلوع في اعتقال، تعذيب وقتل المعلم أحمد الخير بـ(خشم القربة).
شهداء فض ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة
صور الشهيد (مجتبى) مكان نومه في ساحة الاعتصام، مشيراً إلى أنه ورفقاء دربه استقر بهم المقام في قاعة داخل جامعة الخرطوم، وركزوا أثناء تواجدهم فيها على إسعاف المصابين الذين كثر عددهم في 14 مايو 2019م.
ويروي شقيق (مجتبى) أن اسمه ورد ضمن أسماء من تعرضوا للإصابة، فأتصل به هاتفياً للاطمئنان عليه فجاءه الرد : (أنا بخير وباقٍ في الاعتصام)، وصار دائم الابتسامة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.
كانت هنالك شائعات سرت حول إمكانية وقوع فض عسكري للاعتصام، وذلك من خلال حشوداً لقوات مسلحة تتهيأ لاقتحام الساحة، فما كان من أسرته إلا الاتصال به قائلة له : (احتط)، ومع مرور الأيام أصبحت الشائعة حقيقة، وبدأ فض الاعتصام بمناوشات بالرصاص الحي، والذي أصيب على إثره الكثير من الثوار بتاريخ 3 يونيو 2019م.
بينما نجد أن وقائع فض الاعتصام بدأت قبل صلاة الصبح حيث دخلت عربات أمن مدججة بالأسلحة إلى ساحة الاعتصام من خلال اجتياح الساحة، ومن ثم تم أطلاق الأعيرة النارية من الناحية الغربية لجامعة الخرطوم، وهناك أصيب الشهيد (مجتبى) برصاصة فور عودته من إسعاف فتاة سقطت على الأرض، ولم يعرف نوع العيار الناري الذي استقر في كليته اليسري، ولم يمت الشهيد لحظة الإصابة، بل تم إسعافه إلى المستشفى عبر رفقاء دربه، وفي تلك الأثناء نادي عليه صديقه (ألن تغني معي أغاني الحرية؟)، ولم يكن مع (مجتبي) وقتئذ أحداً من أهله، وكان (يلتفت يمينا ويسارا، وينظر إلى من هم حوله) إلى أن فارق الحياة. لم يصل خبر وفاته إلى أسرته إلا بعد اطلاعها على (بوست) نشرته طبيبة على حسابها الخاص عبر (تويتر)، وهي ترجو إيصال رسالتها إلى أهله من أجل التعرف عليه، وذلك قبيل قطع الإنترنت على نطاق واسع، والذي على إثره خرج الكثير من جموع الشعب السوداني من منازلهم لمعرفة ما جري في ساحة فض الاعتصام، وكان هنالك إحساس يتخالج أسر الثوار المعتصمين في ساحة الاعتصام أنهم استشهدوا.
ومن القصص الإنسانية المؤثرة للشهيد (مجتبى) قصته مع سيدة تبيع الأطعمة في سوق قريب من الصحافة، وهذه السيدة دخلت على أسرته، وهي تسأل أين (مجتبى؟)، فجاءها الرد بأنه توفي إلى رحمة مولاه، وبعد تأكدها من استشهاده أوضحت لهم بأنه كان يتردد عليها كثيراً، ويترك بطرفها باقي حساب، ويتعلل بأنه سيأتي إليها فيما بعد لأخذه، وأضافت : سألته قبل رحيله لماذا تقضي كل وقتك في ساحة الاعتصام، فرد عليها قائلاً : (عشان الزيك يا أمي ما يشتغل في السوق).
الشهيد عبدالسلام كشة
عندما ننتقل إلى قصة الشهيد عبدالسلام كشة نجد أنه استشهد في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم متأثراً بما تعرض إليه من إطلاق رصاص حي، وتشير سيرته أنه ولد في منطقة (الحلاويين) بولاية الجزيرة في يونيو من العام 1993م، ويقيم حتى وفاته في الخرطوم، درس بجامعة (الدلنج) ثم فصل منها، والتحق بكلية القانون بجامعة النيلين، أشتهر بنشاطه السياسي المناهض لنظام الرئيس المخلوع البشير الذي اعتقله عدة مرات، ودائماً ما يتعرض إلى مضايقات من جهاز الأمن، مما نتج عن ذلك عدم تمكنه من إكمال تحصيله الأكاديمي. إلا أنه كان صلباً في فكره، ولم يهرب يوماً واحداً من مطاردات أمن المعزول رغم تحذير أصدقائه له، والذين كانوا يتابعون سيارات الأمن تحاصر منزله بالخرطوم، والذي كان يخرج منه بكل تماسك رغم أنه كان يدرك ما ينتظره من مصير.
رفض والد الشهيد عبدالسلام كشة لجنة تحقيق فض الاعتصام لشكوك فيها تساوره، وذلك من واقع أن رئاستها أوكلت للمحامي نبيل أديب الذي كان ضمن هيئة الدفاع عن الفريق أول مهندس صلاح قوش.
وأضاف كشة : لو عادت بنا الأيام إلى بداية ثورة ديسمبر سوف أسمح لابني (عبد السلام) بالمضي في ذات الاتجاه الثوري، فاستشهاده هيأ لنا عيش لحظات مفصلية من تاريخ السودان الذي عاني من التشريد، الإذلال، التعذيب والزج في المعتقلات والسجون كأنهم ارتكبوا جرائم لا أخلاقية ولا إنسانية، لذلك أرى أن في استشهاد (عبد السلام) طوق لنجاة الشعب السوداني.
الشهيد عباس فرح عباس
من المشاهد المؤثرة التي هزت الشعب السوداني مشهد اغتيال عباس فرح عباس لحظة فض الاعتصام في الساعات الأولى من الصباح، فالمشهد صور صمود الشهيد الذي كان ينزف دماً جراء الإصابة، ورفض أن لا يموت إلا واقفاً، إذ أنه ظل يقاوم بكل ما يملك من طاقة ثورية.
ربما لم يكن الشهيد (عباس) مدركاً بأن انحناءته الأخيرة على (الترس) للصمود ضد الديكتاتورية، والذود عن ساحة الاعتصام التي ترجم من خلالها أفكاره الأيدلوجية إلى رمزية خالدة بالإصرار والعزيمة لمواجهة الموت، فمشهده كان لافتاً في حركته الهادئة، إذ أنه لم يكن يمضي نحو من يسعفه، إنما كان يتهاوي حول المتاريس، هكذا التقطت عدسة المصور المشهد الذي يؤسس للتوثيق للتاريخ من حيث حركته، و(التي شيرت) الأصفر الذي امتزجت به دمائه، وعليه فإن المشهد بأكمله كان مشهداً ملحمياً ثورياً إلى أن أرتمى (عباس) على الأرض، وما أن فعل إلا وجاء شاباً آخراً وحل محله، فيما فزع بعض الثور إلى إسعاف الشهيد الذي امتدت له يد مجهولة بحنو لتسند جسده، وتبحث عن مكان استقرار الرصاصة، وخلف ذلك المشهد صوراً تحمل رسائل إنسانية عميقة تجسد لحظة سقوطه على (الترس) بعد أن أدى واجبه النضالي كسائر رفقائه الشهداء الذين ألهموا الشعب السوداني كيفية الإنعتاق من القيود الديكتاتورية.
ثورة الاستقلال من نظام المخلوع البشير
يجب أن لا ندخر مجهوداً نبذله للتنمية، التطور والمواكبة لما يشهده العالم من حولنا، ولا سيما فإنه يحتاج مزيداً من الصبر خاصة وأننا صبرنا قبلاً لدرجة إفقار العباد والبلاد إفقاراً لم نشهد له مثيلاً، وذلك منذ استقلال السودان الذي ظل يركن إلى الظلام منذ أن حل عليه بالانقلاب العسكري في العام 1989م، ومنذ ذلك التاريخ تأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام تحد كبير يتطلب الذود عن الوطن، والذي شهدنا خلاله أصنافاً من إرهاب جعل الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية تعاني الأمرين بالقوانين المشرعة تفصيلاً لحماية النظام، مما نتج عن ذلك الإيقاف، المصادرة، الاستدعاءات، البلاغات، القبض والاعتقال، ورغماً عن ذلك ظلت الأجهزة الإعلامية والصحافة يعملان في ظروف صعبة جداً.
فيما ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير يصنع الأزمات المتوالية بغرض إيجاد حجة تهيئ له وأد الوسائل الإعلامية مسموعة، مرئية، ومقروءة كلما تناولت الراهن السوداني بشفافية، هكذا ظل يفعل تكراراً ومراراً على مدى ثلاثين عام، فيما عمد النظام البائد على ترغيبها وترهيبها حتى لا ترسم صورة مغايرة لواقع سوداني ملئ بـ(الفساد) لا يمكن أن ينخدع به الشعب الواعي- المدرك لحقائق لم تدع له مجالاً للظن الحسن في إدارته للبلاد، ورغماً عن ذلك صبر عليه الشعب على أمل أن يعود إلى رشده إلا أنه كان يتمادي في غيه، مما قاده إلى طريق اللاعودة، وبالتالي اختار الطريق المضني، وحاول تسديد طعنات نجلاء بالثورة المضادة، إلا أنها لم تصمد طويلاً أمام إرادة الشعب السوداني، وظل نظام المعزول البشير يبتدع أفكاراً لا تمت للقيم والأخلاق شيئاً، وسهل للخيانة والتسلق على أكتاف الضحايا، ولم تكن إدارته للمعركة مع الخصوم الألداء تصب لصالحه لأنها مستندة على السقوط في براثن السلطة وتطويعها كيفما يريد وكيفما يشاء استناداً على السلطة الممنوحة للأجهزة الأمنية، ولعمري ارتكبت جرائراً في حق إنسان السودان ظلماً وسفكاً للدماء، لذا وجب المضي قدماً في الطريق الوفاقي للخروج بالبلاد إلى بر السلام، وتنسم دعاش الحرية، السلام والعدالة في ظل شعب يذود عنها بما يحفظ للإنسان حقوقه المهضومة ثلاثة عقود، والتي مارس في ظلها نظام المخلوع صنوفاً من الظلم، والذي يتم إصباغه بالقوانين المتوافقة مع أفكاره المدمرة لكل من يخالفه الرأي والتوجه المهدد للفكر والأيدلوجيات، والتي استعان بها لخطط سوداء منجرفة به نحو تيارها الآسن، وعليه فنحن على قناعة راسخة بأن الأحزاب والتنظيمات السياسية ستظل في خلافاتها الأيديولوجية القائمة على مناخ غير ديمقراطي، وهذا يستوجب قوانين تزيل سوالب ماضية عن أذهان أجهضت كل آمال وأشواق الشعب نسبة إلى أن الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاشلة تسعي إلى سرقة ثورة شعبية خرجت عفوية للشارع من أجل تبيان الرؤية الصحيحة، لذا سيثبت التاريخ من خلال المستندات الوثائقية من خان الوطن، ومن سجل اسمه في دفاتر برلمانات النظام السابق، ومن اجتمع مع مدير أمن البلاد للانقضاض على الثورة الشعبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق