من الملاحظ أن هنالك استغلالاً للظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، ويسعي كل واحد لتطويعها حسب ما يتوافق مع أهوائه الشخصية، وليس مهماً من أين يأتي محمد أحمد الغليان بالمال لكي يصرفه على المواصلات ذهاباً وإياباً بدون التفكير في وجبة الإفطار، فإنه يحتاج على الأقل إلى (٢٠٠) جنيه، إما أسعار السلع الاستهلاكية المنفذة للحياة فهي تزيد بصورة جنونية مع إشراقة كل صباح جديد، وقطعاً التفكير بهذه الصورة يندرج في إطار الكسب الرخيص، هكذا يفعل بعض التجار وسائقي المركبات العامة، وفي الأخيرة حدثني سائق حافلة بأنه استغل الظروف الاقتصادية الراهنة لمدة شهرين كان يجني من خلالهما مبالغاً مالية كبيرة إلا أنه يدفعها في الأعطال المتكررة لعربته، مما جعله يعيد حساباته، ويقرر أن ينقل الركاب بالتعريفة المتعارف عليها، فما كان إلا وتوقفت الإعطاب بصورتها السابقة.
على كل تاجر أو سائق مركبة عامة أن يراجع سياسته الاستغلالية للمواطن، لأن هذا الاتجاه يندرج في إطار ﻓﺴﺎﺩ الضمائر، وبالتالي ﺃﻋﻤﺎهم (الجشع)، (الطمع) و(الهلع) دون مراعاة للظروف الطارئة التي يمر بها إنسان السودان الذي لم يعد يدري ماذا يفعل ولمن يلجأ في ظل ارتفاع الأسعار وزيادة تعريفة المواصلات بما لا يتوافق مع دخله المحدود أن كان موظفاً أو عاملاً بسيطاً، فهم يتفاجأون يومياً بأن ﻛﻞ ﺷﻲﺀ قابل للزيادة حسب الأهواء والأمزجة الشخصية، لذلك يجد المواطن نفسه محاصراً بأسعار مختلفة للسلع الاستهلاكية من تاجر لآخر، وينطبق الأمر أيضاً على تذكرة المواصلات من سائق مركبة لأخرى ، وفي كل الأحوال يكون المشتري للسلعة أو المستقل للمركبة مضطراً للدفع في حال أنه يملك المال أو يتركهما للبحث عن بديل يلبي رغباته، ولكن هل يجده؟ الإجابة في غاية البساطة لا، مع التأكيد أنه ليس أمامه ما ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻤﻠﻪ لمجابهة الظروف القاسية التي جعلت الكثيرين يطوعونها بالكيفية التي تتناسب مع الكسب غير المشروع، وعليه فقد الإنسان ﺍﻟﺜﻘﺔ في أخيه الإنسان، والذي ينهش في لحمه بصورة بشعة جداً دون رأفة أو رحمة ناسياً أو متناسياً الموت والحساب من رب العباد، فالدين الإسلامي يدعو ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ، وعدم أكل أموال الناس بـ(الباطل)، وأن تتم فيه ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ الأخلاق والقيم : (ﻣَﻦ ﻏﺸﻨﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻨﺎ) ﻭ(ﺃﺣﺐ ﻷﺧﻴﻚ كما تحب ﻟﻨﻔﺴﻚ).
ها نحن نمر بإشكالية ﻛﺒﻴﺮﺓ جداً تتمثل في موت ضمائر البعض الذين ﻻ ﻫﻢ ﻟﻬﻢ سوي ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ بأي صورة من الصور، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أنهم ﺗﻨﺼﻠﻮﺍ عن ﺃﺧﻼﻗﻬﻢ وقيمهم، ومما أمرنا به الدين الإسلامي ﺍﻟﺬﻱ أوجد للناس الخير وحذرهم من الشر الذي يجنون به على الآخرين، لذا يجب ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ كل من يستغل ظروف المواطن البسيط ﺟﺰﺍﺀه بما ﺍﻗﺘﺮﻓﺖ ﻳﺪﺍﻩ.
لم يعد (جشع)، (طمع) و(هلع) بعض التجار وسائقي المركبات أمراً مخفياً، ففي كل يوم جديد ﻧﺴﻤﻊ ﻭﻧﻘﺮﺃ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ مثيرة للدهشة في زمن فقدت فيه الإنسان الدهشة خاصة وأن ارتفاع الأسعار وزيادة تعريفة المواصلات ليس لها ما يبررها سوي أنهم بدون ﻭﺍﺯﻉ ﻣﻦ ضمير، وكأنهم نسوا أن هناك ﺭﻗﻴﺒﺎً ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺳﻴﻘﺘﺺ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺎﺟﻼً ﺃﻡ ﺁﺟﻼً.
إن ارتفاع أسعار السلع وزيادة تعريفة المواصلات أصبحت من الأمور التي فاقت طاقة الإنسان البسيط الذي يجأر بالشكوى، ولكن لا حياة لمن تنادي في ظل ظروف اقتصادية طاحنة ﺍﺳﺘﻄﺎع من يستغلونها ﺗﺤﻘﻴﻖ ما يصبون إليه من أﻣﻮﺍﻝ يندرج تصنيفها في بند (ﺍﻟﻐﺶ)، وذلك يعود لعدم وجود رقابة تحفظ للمواطن حقه.
ﺇﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ إنسان يستغل أخيه دون وجه حق، خاصةً أولئك الذين يأذون المستهلك والراكب للمواصلات بالزيادات غير المبررة، لذا يجب ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻬﺎﻭﻥ معهم ، وأن لا تأخذكم بهم رأفة أو ﺮﺣﻤﺔ طالما أنهم لا يتعاملون بأخلاق وقيم الدين الإسلامي، عموماً من ﻻ ﻳﺮﺣﻢ الناس يجب أن ﻻ يرحم، ﻭﻣﻦ أوجب الواجبات ﻋﺪﻡ ﺍلإﻛﺘﻔﺎﺀ بالرقابة وإنزال العقوبة، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ عكس ذلك عبر وسائل الإعلام حتى يكونون عظة وعبرة لآخرين ربما ينتهجون نهجهم غير القويم.
آخر الدلتا
ظل بعض التجار يرفعون الأسعار دون مسوغ قانوني يكفل لهم هذا الحق، بالإضافة إلى سائقي المركبات العامة الذين يستغلون المواطنين استغلالاً بشعاً برفع سعر تعريفة المواصلات بحسب المزاج، ويعود ذلك لأزمة المواصلات، فهل تصدق أن هنالك سائقين لـ(الحافلات) يأخذون الركاب من الخرطوم لام درمان بـ( 10) و(15) جنيهاً، وهكذا كل لديه تعريفه خاصة به، ولا يعرف المواطن لمن يلجأ ليحفظ له حقوقه المنتهكة.
وأرجع الأزمة إلى الرؤية غير الواضحة من الجهات المعنية بضبط حركة المركبات العامة وترك سائقيها يقررون متى يخلقون الأزمة لرفع التعريفة المقررة، ومتى يفرجونها، والضحية في النهاية المواطن، إذ يجد نفسه مضطراً إلى الرضوخ، لعدم وجود رقابة من السلطات المختصة، فهنالك مركبات عامة غير مرخص لها بالعمل تكتفي بقطع إيصال مخالفة مرورية من الصباح، ويظل يعمل به حتى المساء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق