.................
لهذا السبب رفض والدي امتهاني الغناء والباشكاتب زاد من شهرتي
...................
رعايتي لوالدي غيبتني عن الحركة الفنية في ثمانينات القرن الماضي
..................
جلس إليها سراج النعيم
.................
رحلت الفنانة الكبيرة (أم بلينة السنوسي حمدان) بعد صراع مرير مع المرض تاركة خلفها أغنيات خالدة في وجدان الشعب السوداني الذي ردد معها مقطع (كان القرشي شهيدنا الأول) في ملحمة اوبريت (قصة ثورة) التي صاغ كلماتها الشاعر هاشم صديق ووضع لها الألحان الموسيقار محمد الأمين، وبما أنها صوت نسائي مميز استطاعت أن تبرز بصور لافتة، بعد أن ثابرت وجاهدت وكافحت من أجل أن تجد مقعداً مع كبار الفنانين، إلي جانب أنها شكلت ثنائية مع المخرجة التلفزيونية (فاطمة عيسي) كأول ثنائية غنائية نسائية في العام 1962م باسم (ثنائي كردفان) إلا أن المخرجة الراحلة (فاطمة عيسي) اعتزلت الغناء وواصلت تحصيلها الأكاديمي إلي أن أصبحت مخرجة تلفزيونية شهيرة وقد صدحت مع الراحلة (أم بلينة) علي المسرح القومي ولكن للأسف لا يوجد تسجيل صوتي لها، إما الصوت الذي صاحب صوت (أم بلينة) في تسجيلات الإذاعة السودانية فهو صوت الفنانة الراحلة (مريم آدم).
وتعتبر من فنانات الزمن الجميل، الذين تحدين ظروف المجتمع السوداني المحافظ آنذاك من أجل إيصال إبداعهن حيث استطاعت تحقيق أمنيتها بالصبر الذي نقشت في إطاره اسمها ضمن قائمة كبار الفنانين والفنانات، واختارت في نهاية ثمانينات القرن الماضي أن تشد الرحال عائدة إلي مسقط رأسها رغماً عن تسليط الأضواء عليها، وظلت في مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان إلي أن تزوجت، ثم انجبت ابنيها (حمدان) و(سليمان)، بالإضافة إلي أنها انتجت العديد من الأغنيات الخاصة أبرزها أغنية (وداد) التي يقول مطلعها
نحن حافظين لودادك لودداك
وما بنطيق ابداً بعادك
رحلت كروانة الغناء (أم بلينه السنوسي) بعد أن أسست لنفسها مدرسة غنائية عاطفية، حماسية ووطنية، نعم انتقلت إلى الرفيق الأعلى مساء الخميس 13ديسمبر 2018م تاركة إرثاً خالداً وسيرة طيبة عطرة، رحمها الله بقدر عطاءها الثر وتقبلها القبول الحسن.
أين كان الميلاد والنشأة؟
ولدت في مدينة (النهود) التي اشتهر سكانها بالحكمة والغناء الشعبي، ثم درست الأولية بها ثم التحقت بفرقة (فنون كردفان)، ومازلت صغيرة السن، وكان تعهد برعايتي الأستاذين (أحمد محمد هارون) و(جمعة جابر) وأعضاء الفرقة الكردفانية، ومن خلالها أبرزت موهبتي ونميتها بمدينة الأبيض بـ(أغاني البنات)، وذلك بمصاحبة (الدلوكة) في المناسبات، وكانت فرقة (فنون كردفان) كبيرة حيث جبت معهم كل ربوع البلاد تقريباً، وذلك في عهد الرئيس الراحل (عبود)، بعدها تركت الدراسة وواصلت مسيرتي الغنائية بالخرطوم وقد ساعدني في ذلك محمد طلعت فريد الذي كان وقتئذ وزير الاستعلامات والعمل وكان أن قدمني الإعلامي عمر عثمان علي خشبة المسرح القومي مؤكداً انني معجزة القرن العشرين.
أين ذهبت الفنانة فاطمة عيسي بعد الثنائية بينكما؟
جاءت إلي الخرطوم واستقرت فيها، وتركت الغناء نسبة إلي أن والدها شيخاً، وواصلت دراستها إلي أن أصبحت مخرجة في التلفزيون، إما أنا فقد واصلت الغناء.
ماذا عن نشاطك مع فرقة (فنون كردفان)؟
التحاقي بها أتاح لي فرصة الالتقاء بالراحل (إبراهيم موسى أبا) و(فاطمة عيسى)، وفيها تم تدريبي بشكل مكثف إلي أن أصبحت من الأصوات النسائية التي يشار لها بالبنان، وخلال مشواري الفني غنيت العديد من الأغنيات التي وجدت حظها من الانتشار في (ستينيات) و(سبعينيات) القرن الماضي منها على سبيل المثال (أرحموني يا ناس) كلمات أحمد محمد هارون و(سعيد) كلمات عوض جبريل، وألحان الموسيقار الراحل علاء الدين حمزة.
متي كان ظهورك في الحركة الفنية؟
اطليت على المشهد الفني في البلاد في مهرجان المديريات بالمسرح القومي في العام 1961م ضمن مجموعة من المبدعين وقد حزت على المرتبة الأول، إلا إنني لم أكن أعي خطورة الانتماء للحركة الفنية، فأنا بدأت الغناء صغيرة، ولكن عندما تجاوزت تلك السن أصبحت أُقيم ما يجري من حولي، بعد أن أضحيت بين خيارين إما أن أتحمل ما يوضع أمامي من متاريس أو أن أترك الغناء نهائياً، والذي وضعني في هذا الموضع هو رفض أسرتي الاستمرارية في الغناء، وثانياً نظرة المجتمع للفتاة التي تمتهن الغناء، وبالرغم مما ذهبت إليه إلا إن عشقي للغناء ومساندة الزملاء لي بتقديم النصح تحملت وصمدت.
من مِن الفنانين تأثرت بهم وشكلت أغانيهم مسيرتك الفنية؟
تأثرت بأغاني الرواد أمثال صلاح بن البادية، إبراهيم عوض، محمد وردي وغنيت عدداً من أغانيهم.
ماذا عن البيئة التي نشأتي وترعرتي فيها؟
لعب مسقط رأسي دوراً ريادياً في أن أمزج بين أغنيات الوسط وأغاني الغرب أسوة بمن ينحدرون من غرب السودان كردفان ودارفور.
ما الأغنية التي شاركتي بها في مهرجان (فنون كردفان) في العام 1970م؟
أغنية (خطابك الجاني) كلمات الشاعر خليفة الصادق وألحان الموسيقار الراحل علاء الدين حمزة، وقد استفدت
كثيراً من معاصرتي للفنانة العملاقة (عائشة الفلاتية) في مسيرتها الغنائية وتبرز حالة احترامها لفنها وغنائها، وهو السبب الذي جعلها واحدة من أصوات الغناء النسائية التي يحترمها الجميع.
ماذا عن ظهورك في الحركة الفنية مع المطربة (فاطمة عيسي)؟
شكلت في العام 1961م ثنائية مع الزميلة (فاطمة عيسى) بعد إقناع أسرتها بالغناء (كثنائي) حيث كنا ضمن فرقة (فنون كردفان) وكنا أول ثنائي نسائي في الساحة الفنية باسم (ثنائي الكردفاني)، بعدها نصحني بعض الإخوة بأن أغني لوحدي وأنسى مسألة الثنائي تماماً إذا كنت أبحث عن الشهرة.
ماذا فعلتي بعد اعتزال الفنانة فاطمة عيسى للغناء في العام 1969م؟
واصلت مسيرتي الغنائية وأجزت صوتي بالإذاعة السودانية في العام 1970م كفنانة منفردة بواسطة أساتذة لهم باع كبير في عالم الفن، وذلك بعد أن أمضيت ستة أشهر من المعاناة في الذهاب والإياب.
هل سجلتي للإذاعة أغنية من أغانيك الخاصة بصورة رسمية؟
نعم فقد سجلت أغنية تحمل عنوان (وداد) كلمات الشاعر السر محمد عوض وألحان الموسيقار الراحل علاء الدين حمزة، وكانت الامتحانات للأصوات الجديدة تتم عبر عدد من الأساتذة، و صوتي تمت إجازته مع الدكتور الفنان عثمان مصطفى.
من أشتهر من أعضاء فرقة (فنون كردفان )؟
كثيرون هم من أشتهروا وعلي رأسهم إبراهيم موسى أبا، وصديق عباس لهما الرحمة، وبعدي أشتهر كل من الدكتور الفنان عبد القادر سالم والفنان عبد الرحمن عبد الله الشهير بـ(بلوم الغرب).
من هم الشعراء الذين تعاملتي معهم في تلك الفترة؟
تعاملت مع عدد كبير من الشعراء في أغنيات (طيبتو محبباه) من تأليف الشاعر الكبير اسحق الحلنقي، و(مع الأشواق) كلمات الشاعر تاج السر عباس والحان محمد سليمان المزارع، هي الأغنية التي رددتها من بعدي بعض الأصوات النسائية.
ماذا عن مشاركتك في أوبريت ملحمة (قصة ثورة) الشهير في العام 1968م؟
شاركت في ذلك الاوبريت الذي قدمناه أمام الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري، وذلك في إحتفالات ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة في العام 1964م، وهو من كلمات الشاعر هاشم صديق والحان الموسيقار محمد الأمين الذي اختارني للمشاركة فيه إلي جانب خليل إسماعيل، عثمان مصطفى وقمت بأداء مقطع (كان القرشي شهيدنا الأول)، المقطع الذي قمت بادائه عدة مرات إلي أن اقنعت الموسيقار الفنان محمد الأمين به، وبدأت القصة حينما تعرفت على الفنان محمد الأمين وأبو عركي البخيت من خلال برنامج (رسائل المديريات) في ستينات القرن الماضي، إذ كنا نعرف بعضنا البعض كأسماء فقط، وعندما استقر الموسيقار محمد الأمين في حي (بانت) بمدينة امدرمان كان منزله بمثابة نادي لكل الفنانين والموسيقيين والشعراء والملحنين، كان تتم فيه ورش لأعمال موسيقية جديدة، وأي فنان أو فنانة لديه عمل جديد وكنت استمع بدون تعليق نسبة إلي انني ليس لدي إلمام كبير بما يدور، ومن هذا المنطلق استفدت منهم كثيراً، وقد خرجت من تلك الورشة أعمال فنية خالدة أشهرها أغنية (الموعد) و(الملحمة)، وأتذكر أن الشاعر هاشم صديق جاء إلي الفنان محمد الأمين الذي كان مقيماً بالقرب منه، وكان أن دفع له بقصيدة (قصة ثورة) التي شرع الأخير في وضع الألحان لها، وقد تدرب الفنان بهاء الدين ابوشلة على مقطع (والشارع سال وغضب الأمة اتفجر نار)، فيما ردد الدكتور عثمان مصطفى (وسال الدم في أرض الوادي)، بينما غني الفنان الراحل خليل إسماعيل (وكان في الخطوة بنلقى شهيد بدمو بنكتب عهد جديد)، وكان ابواللمين يختار المقاطع لهذا الفنان أو ذاك، ولم يتبقي سوي مقطع (وكان القرشي شهيدنا الأول)، الذي حفظته تقريباً فما كان مني إلا واقتربت من الباشكاتب وقلت له : مقطع (وكان القرشي شهيدنا الأول) عجبني شديد وأرغب في ترديده، فسألني : (بتقدري)؟ قلت : أحاول، ثم بدأ في العزف على آلة (العود)، وكان أن غنيت المقطع، وما أن انتهيت منه إلا وقام بوضع آلة العود على الكرسي وخرج إلي الشارع، ثم عاد موجهاً خطابه لي : (كدي غنيهو تاني)، وكان أن فعلت، ثم أردف : تعالي المساء عندنا بروفة وحأوريك رأيي النهائي، وعندما حضرت للبروفة طلب مني أن أغني المقطع، وكان أن غنيته في حضرة الأستاذ موسى محمد إبراهيم الذي وزع الملحمة، وعند الانتهاء من المقطع سأله الباشكاتب عن رأيه في ادائي له ؟ فرد عليه قائلاً : (ما في أحسن من كده، وطوالي تثبت صوتي في السلم المفروض أدخل فيهو)، وهذا الاختيار جعلني في غاية السعادة، وكان أن قدمناه بالمسرح القومي لأول مرة، وفي مركز حكومة الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري في العام 1968م، وكان أن حازت (الملحمة) علي رضا الجمهور، وبالذات مقطع (وكان القرشي شهيدنا الأول)، بعد تم تكريم الموسيقار محمد الأمين الذي كان يعاني من إشكالية النظر فتم تسفيره إلي (لندن) لتلقي العلاج، إما المرة الثانية التي قدمنا فيها (الملحمة) كان ذلك في عهد الرئيس الراحل المشير جعفر نميري.
ما الإضافة التي اضافتها لك المشاركة في الملحمة؟
كانت دافعاً كبيراً بالنسبة لي ووضعتني مع كبار الفنانين، وزادت من شهرتي في الحركتين الثقافية والفنية كصوت نسائي باعتبار أنها نادرة في المجال الغنائي في البلاد، والملحمة من الأعمال الفنية النادرة جداً، وبالتالي من الصعب تكرارها، لأنها تمثل مرجعاً للزمن الجميل.
ما الإشكاليات التي واجهتك في بداية انخراطك في الوسط الفني؟
واجهتني الكثير من العقبات والمتاريس، إذ رفضت أسرتي ممثلة في والدي امتهاني للغناء رفضاً باتاً خاصة وإنني انضممت للحركة الفنية في وقت لم يكن في الساحة الفنية أصوات نسائية بالمفهوم العميق أو تكاد تكون شبه منعدمة فقد جاءت إطلالتي في المشهد الفني بعد (عائشة الفلاتية)، (مني الخير) و(مهلة العبادية) وذلك في ستينيات القرن الماضي، والذي بعده بسنوات ظهرت في الساحة الغنائية أصوات نسائية جديدة مثل المطربات (زينب الحويرص)، (سمية حسن) و(البلابل) وغيرهن.
ما هي أسباب غيابك عن الساحة الفنية طوال السنوات الماضية؟
غيابي عن ممارسة الغناء في الخرطوم يعود إلي استقراري بمدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان من أجل رعاية والدي وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق