.........................
قبل وفاة اخي وصديقي كمال القوصي بعث إليّ برسالة مؤثرة تألمت علي إثرها حتى تساقطت دموعي مدراراً، وكانت الرسالة المفعمة بالمفردات الإنسانية تحكي مأساة طفلة رضيعة مصابة بضيق في الشرايين، وهذه الطفلة تتنفس تحت (كمامة) الاكسجين لعدة أيام، ومع هذا وذاك تنتظر من يوفر لها تكاليف إجراء العملية الجراحية المقدرة بـ(22) ألف جنيه، وهو المبلغ الذي عجزت أسرتها عن دفعه كاملاً وكل ما استطاعت توفيره هو (7) ألف جنيه، وأكد لي القوصي أن المريضة اسعفت إلى المستشفي، لافتاً نظري لحالتها الصحية.
المهم إنني عشت معه لحظات صعبة مع تلك الحالة الإنسانية للطفلة وأسرتها، وهو رغماً عن ظروفه الصحية، إلا أنه تحرك إلى المستشفي، فوجد فيها أن إجراءات العملية مكتملة ولا يتبقي سوي تقديم المساعدة، لذا لم يكن أمامه بداً غير الاتصال بصديقه المشهود له بعمل الخير، نعم لجأ إليه لأنه لا يرد له طلباً في الجوانب الإنسانية، وأن كان لا يحب ذكرها، ولكن ندعو الله العلي القدير أن يجعلها في ميزان حسناته، وبما أنه تابع معاناة الطفلة عن قرب ارسل لصديقه قصة الطفلة كاملة عقب صلاة الصبح مباشرة، وفى نفس اليوم تلقي منه اتصالاً هاتفياً مرحباً ومعلناً تكفله بنفقات علاج الطفلة، وقال له بالحرف الواحد : (ابشر اعتبر الموضوع منتهي)، وكعادته شكره علي الاستجابة السريعة، وعليه كان فرحاً بما انجزه بفضل من الله، واخبره صديقه أنه في طريقه للمستشفي، وعندما وصل إليها عاود الاتصال به هاتفياً ووضعه في الصورة.
وحدثني القوصي عن هذه القصة مؤكداً أن الشعب السوداني لا تدعه الأزمات يتقاعس عن مد يد العون للآخرين، هكذا ظل في انتظار صديقه الذي اتصل عليه فشعر في صوته بنبرة حزن، عندها أحس بأن مكروهاً أصاب الطفلة المريضة، وكما توقع فقد أخطره صديقه بأنها توفيت في اليوم الذي سبق اتصاله به.
الشيء المؤسف في قصة الطفلة أن أسرتها باعت كل ما تملك وآخرها هاتف والدها الذي انهمرت دموعه، إما والدتها فلم يغمض لها جفن، هكذا كان يحدوهم الأمل بأن يتم إجراء العملية الجراحية لصغيرتهما، اللهم إنني حينما تلقيت نبأ وفاتها اظلمت الدنيا في وجهي بعد أن عشت معه قصة الطفلة، ودون أن أشعر وجدت نفسي ابكي عليها بكاءاً شديداً.
أراد صديقه أن يخفف عنه مشيراً إلى أنه وجد في المستشفي الكثير من الحالات المرضية التي تحتاج للمساعدة حتي لا تلاقي نفس مصير الطفلة، لذا دعنا نقود حملات مكثفة لكي يقوم رجال المال والاعمال بزيارة المستشفيات والوقوف علي الحالات المريضة للأطفال الذين تعجز أسرهم عن دفع نفقات العلاج في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة، والقصص المؤثرة في هذا الإطار لا حصر ولا عد لها، وفي الغالب الاعم تكون أشد قسوة وايلاماً لأن أسرهم لا تمتلك المال الذي يمكن أن يزيلوا به الالم.
ومن القصص المؤثرة أن هنالك طفلاً مصاباً بمرض لا أعرفه ولكن شاهدته يخرج فضلاته عبر (الصره)، وأعتذر المستشفي عن إجراء العملية لعدم وجود قسم مختص للجراحة، ورغماً عن ذلك عرضت حالته علي الأطباء الذين أكدوا أنها من العمليات الجراحية السهلة، إلا أن أسرة الطفل لا تمتلك قيمة تكاليف العملية الجراحية البالغة (20) ألف جنيه، وهذا إن دل علي شيء، فإنما يدل علي أن الأطفال المرضي من أسر فقيرة يعانون الأمرين .
حقيقة أشعر بالفخر والاعتزاز والاعتداد بأن الشعب السوداني ورغماً عن الظروف الاقتصادية القاهرة إلا أنه يقف منحازاً إلى الإنسانية، ومن فضل الله سبحانه وتعالي أن أعمال الإنسان لا تنقطع برحيله عن الدنيا، بل تصبح حسنات له بعد وفاته.
وبما ان الراحل كمال القوصي يتبع للطريقة الجعفرية الاحمدية المحمدية بمصر كان حريصاً بأن أجري مقابلة مع الشيخ السوداني محمد صالح عبدالغني وذلك بمنزله بالخرطوم بحري، وأشار إلي أن طريقته تنسب للشيخ صالح الجعفري من مواليد مدينة دنقلا شمال السودان عام 1910م ثم هاجر إلى مصر لتلقي العلم بالأزهر عام 1930م، وكان آنذاك يبلغ من العمر ( 25 عاماً ) ومكث هناك ( 50 عاماً ) إلى أن عين إماماً للأزهر ومعلم في جامع الأزهر إلى أن توفى، وكانت طريقته الجعفرية نسبة إلى مؤسسها الشيخ صالح الجعفري والاحمدية نسبة إلى الشيح أحمد بن إدريس شيخ الطريقة الاحمدية، أما المحمدية فنسبة إلى سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، وكان يقول إنها مستغاة من القرآن والعلم والتقي ومدح رسول الله صلي الله عليه وسلم، فالطريقة الجعفرية تعود بالتصوف إلى السلف الصالح، وبعد وفاة الشيخ صالح تولي الخلافة والدنا الشيخ صالح عبدالغني الجعفري الذي أسس الطريقة وسجلها بالقنوات الرسمية بالمجلس الاعلي للتصوف بمصر، فأصبحت مقننة بموجب التراخيص الممنوحة، فإنضمت لركب مجلس التصوف في ثمانينات القرن الماضي، ثم بدأ الشيخ عبدالغني بتأسيس المراكز والساحات إلى أن وصلت لـ ( 80) مركزا بمختلف مدن مصر، ومن أهم اشيائه مناداته بالصحوة الصوفية الشبابية أي أن مفهوم التصوف ليس للكبار فقط، ونهج الطريقة هو نهج الشيخ من المطبوعات والكتب ودار نشر (جوامع الكلم) الخاصة بنشر الكتاب الصوفي وتراث الشيخ وتكاد تكون المكتبة الوحيدة الموجودة في مصر المتخصصة في طباعة الكتاب الصوفي.
قبل وفاة اخي وصديقي كمال القوصي بعث إليّ برسالة مؤثرة تألمت علي إثرها حتى تساقطت دموعي مدراراً، وكانت الرسالة المفعمة بالمفردات الإنسانية تحكي مأساة طفلة رضيعة مصابة بضيق في الشرايين، وهذه الطفلة تتنفس تحت (كمامة) الاكسجين لعدة أيام، ومع هذا وذاك تنتظر من يوفر لها تكاليف إجراء العملية الجراحية المقدرة بـ(22) ألف جنيه، وهو المبلغ الذي عجزت أسرتها عن دفعه كاملاً وكل ما استطاعت توفيره هو (7) ألف جنيه، وأكد لي القوصي أن المريضة اسعفت إلى المستشفي، لافتاً نظري لحالتها الصحية.
المهم إنني عشت معه لحظات صعبة مع تلك الحالة الإنسانية للطفلة وأسرتها، وهو رغماً عن ظروفه الصحية، إلا أنه تحرك إلى المستشفي، فوجد فيها أن إجراءات العملية مكتملة ولا يتبقي سوي تقديم المساعدة، لذا لم يكن أمامه بداً غير الاتصال بصديقه المشهود له بعمل الخير، نعم لجأ إليه لأنه لا يرد له طلباً في الجوانب الإنسانية، وأن كان لا يحب ذكرها، ولكن ندعو الله العلي القدير أن يجعلها في ميزان حسناته، وبما أنه تابع معاناة الطفلة عن قرب ارسل لصديقه قصة الطفلة كاملة عقب صلاة الصبح مباشرة، وفى نفس اليوم تلقي منه اتصالاً هاتفياً مرحباً ومعلناً تكفله بنفقات علاج الطفلة، وقال له بالحرف الواحد : (ابشر اعتبر الموضوع منتهي)، وكعادته شكره علي الاستجابة السريعة، وعليه كان فرحاً بما انجزه بفضل من الله، واخبره صديقه أنه في طريقه للمستشفي، وعندما وصل إليها عاود الاتصال به هاتفياً ووضعه في الصورة.
وحدثني القوصي عن هذه القصة مؤكداً أن الشعب السوداني لا تدعه الأزمات يتقاعس عن مد يد العون للآخرين، هكذا ظل في انتظار صديقه الذي اتصل عليه فشعر في صوته بنبرة حزن، عندها أحس بأن مكروهاً أصاب الطفلة المريضة، وكما توقع فقد أخطره صديقه بأنها توفيت في اليوم الذي سبق اتصاله به.
الشيء المؤسف في قصة الطفلة أن أسرتها باعت كل ما تملك وآخرها هاتف والدها الذي انهمرت دموعه، إما والدتها فلم يغمض لها جفن، هكذا كان يحدوهم الأمل بأن يتم إجراء العملية الجراحية لصغيرتهما، اللهم إنني حينما تلقيت نبأ وفاتها اظلمت الدنيا في وجهي بعد أن عشت معه قصة الطفلة، ودون أن أشعر وجدت نفسي ابكي عليها بكاءاً شديداً.
أراد صديقه أن يخفف عنه مشيراً إلى أنه وجد في المستشفي الكثير من الحالات المرضية التي تحتاج للمساعدة حتي لا تلاقي نفس مصير الطفلة، لذا دعنا نقود حملات مكثفة لكي يقوم رجال المال والاعمال بزيارة المستشفيات والوقوف علي الحالات المريضة للأطفال الذين تعجز أسرهم عن دفع نفقات العلاج في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة، والقصص المؤثرة في هذا الإطار لا حصر ولا عد لها، وفي الغالب الاعم تكون أشد قسوة وايلاماً لأن أسرهم لا تمتلك المال الذي يمكن أن يزيلوا به الالم.
ومن القصص المؤثرة أن هنالك طفلاً مصاباً بمرض لا أعرفه ولكن شاهدته يخرج فضلاته عبر (الصره)، وأعتذر المستشفي عن إجراء العملية لعدم وجود قسم مختص للجراحة، ورغماً عن ذلك عرضت حالته علي الأطباء الذين أكدوا أنها من العمليات الجراحية السهلة، إلا أن أسرة الطفل لا تمتلك قيمة تكاليف العملية الجراحية البالغة (20) ألف جنيه، وهذا إن دل علي شيء، فإنما يدل علي أن الأطفال المرضي من أسر فقيرة يعانون الأمرين .
حقيقة أشعر بالفخر والاعتزاز والاعتداد بأن الشعب السوداني ورغماً عن الظروف الاقتصادية القاهرة إلا أنه يقف منحازاً إلى الإنسانية، ومن فضل الله سبحانه وتعالي أن أعمال الإنسان لا تنقطع برحيله عن الدنيا، بل تصبح حسنات له بعد وفاته.
وبما ان الراحل كمال القوصي يتبع للطريقة الجعفرية الاحمدية المحمدية بمصر كان حريصاً بأن أجري مقابلة مع الشيخ السوداني محمد صالح عبدالغني وذلك بمنزله بالخرطوم بحري، وأشار إلي أن طريقته تنسب للشيخ صالح الجعفري من مواليد مدينة دنقلا شمال السودان عام 1910م ثم هاجر إلى مصر لتلقي العلم بالأزهر عام 1930م، وكان آنذاك يبلغ من العمر ( 25 عاماً ) ومكث هناك ( 50 عاماً ) إلى أن عين إماماً للأزهر ومعلم في جامع الأزهر إلى أن توفى، وكانت طريقته الجعفرية نسبة إلى مؤسسها الشيخ صالح الجعفري والاحمدية نسبة إلى الشيح أحمد بن إدريس شيخ الطريقة الاحمدية، أما المحمدية فنسبة إلى سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، وكان يقول إنها مستغاة من القرآن والعلم والتقي ومدح رسول الله صلي الله عليه وسلم، فالطريقة الجعفرية تعود بالتصوف إلى السلف الصالح، وبعد وفاة الشيخ صالح تولي الخلافة والدنا الشيخ صالح عبدالغني الجعفري الذي أسس الطريقة وسجلها بالقنوات الرسمية بالمجلس الاعلي للتصوف بمصر، فأصبحت مقننة بموجب التراخيص الممنوحة، فإنضمت لركب مجلس التصوف في ثمانينات القرن الماضي، ثم بدأ الشيخ عبدالغني بتأسيس المراكز والساحات إلى أن وصلت لـ ( 80) مركزا بمختلف مدن مصر، ومن أهم اشيائه مناداته بالصحوة الصوفية الشبابية أي أن مفهوم التصوف ليس للكبار فقط، ونهج الطريقة هو نهج الشيخ من المطبوعات والكتب ودار نشر (جوامع الكلم) الخاصة بنشر الكتاب الصوفي وتراث الشيخ وتكاد تكون المكتبة الوحيدة الموجودة في مصر المتخصصة في طباعة الكتاب الصوفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق