الاستاذ عمار رئيس جمعية مصابي الايدز بولاية الخرطوم يتحدث للاستاذ سراج النعيم |
ابواحمد : نعيش كالخفافيش في الظلام خوفاً من وصمة المجتمع والأسرة لنا كمرضي
أم محمد : تفاجأت بالإصابة بفيروس المناعة المكتسبة بعد الطلاق بشهرين
الخرطوم : سراج النعيم/ تصوير: محمد إسماعيل
ونواصل سلسلة الالتقاء بمصابي
الايدز من خلال روايتهم قصصاً مخيفة ومرعبة جداً عن الكيفية التي انتقل لهم بها
مرض المناعة المكتسبة (الايدز) ومن ثم الكيفية التي استطاعوا التعايش بها مع
الفيروس وأن كانوا جميعاً ينزفون ندماً علي الأخطاء التي قادتهم إلي هذا المصير
المجهول الذي يحمل بين طياته الكثير من الغموض فيما نجد أن هنالك فتيات وفيتان ونساء
ورجال استطاعوا أن يتعايشوا مع الفيروس بفضل الله سبحانه وتعالي في المقام الأول
ومن ثم الجمعية السودانية لمصابي مرض الايدز بولاية الخرطوم وهي التي قمنا
بزيارتها في مقرها بالخرطوم وخرجنا منها بحقائق مذهلة وضعها علي منضدتنا الأستاذ
عمار رئيس الجمعية بالولاية إلي جانب قصص مثيرة ومقلقة جداً عن انتقال هذا الداء
إلي العديد من الشباب من الجنسين الذين يعون تماماً خطورة مرض الايدز الذي أصابهم
عبر وسائل مختلفة منها الممارسة الجنسية خارج رباط مؤسسة الزواج الرسمية لذلك
ترددوا كثيراً في الانضمام إلي المنظمات الإنسانية العاملة في مجال مكافحة مرض
الايدز لأنه دارت تساؤلات لا حصر لها ولا عد في مخيلة كل واحد منهم ومع هذا وذاك
دب في دواخلهم (قلق وريبة) من أن يصادفوا هناك أشخاصا تربطهم بهم صلة خاصة وان
هنالك أصحاء ناشطون في هذا المجال فيما كنت أحمل في ذهني الكثير من الهواجس التي
عمقها في ذهني التناول الإعلامي الذي جعل رؤية هؤلاء أو أولئك المتعايشين مع مرض
المناعة المكتسبة داخل مكاتب الجمعية السودانية لمصابي الايدز الذي ارتبط في
الأذهان في كل المجتمعات بأنه جرائم أخلاقية، بيد أن الصورة المرسومة في المخيلة
اختلفت كثيراً عن سابقتها بزيارة المقر وأدارة حوارات ساخنة حول القضايا والهموم
التي تعتري هذه الشريحة الموجودة في كل مكان يمكن يخطر علي البال لذلك كان لابد من
فتح هذا الملف لإيجاد حلول تزيل عنهم الوصمة.
نعيش كالخفافيش في الظلام
وفي سياق متصل قال مريض الايدز
ابواحمد : الرغبة التي تسيطر علينا جميعاً للدرجة التي نسكب الدمع كلما خلونا
لأنفسنا وذلك بسبب النكران الذي يمارسه علينا المجتمع ما أن يعلم بأن احدنا مصاباً
بمرض الايدز، مما جعلنا نخفي الإصابة بالفيروس حتى في نطاق الأسرة خوفاً من النظرة السالبة التي يرشقونا بها
وبالتالي نحن نود التعايش معه دون ارتداء الأقنعة ولكن كيف؟ هذا السؤال بسيط إلا
أن الإجابة عليه صعبة جداً رغماً عن التعايش الذي تأقلمنا في إطاره طوال السنوات
الماضية إلا أنه وللأسف الشديد نجد أنفسنا
منبوذين بصورة قد تقودنا للتخلص من حياتنا فكم مريض بالايدز انتحر وكم... وكم...
وكم، لأنه لا يمكن أن نستمر في الحياة مثل (خفافيش الظلام) من أجل أن لا يكتشف أي
إنسان علي وجه هذه البسيطة هذه الحقيقة
،بالمقابل الكثير منا يعيش بين أهله وزملائه في الدراسة والعمل دون أن
يعرفوا أنه مصاب بفيروس الايدز.
ويضيف : هكذا المشاهد المرتسمة في الأذهان
تأخذ حيزاً كبيراً في عوالمنا التي تفرض علينا طرح الأسئلة الصعبة جداً وهي بلا شك
تحمل في معيتها العديد من علامات الاستفهام، ومن بين تلك الأسئلة هل ساهمت الأجهزة الإعلامية في التأطير لهذه الأفكار
السالبة التي أدت في النهاية إلي إبراز الصورة المغايرة للمرضي المتعايشين مع
فيروس المناعة المكتسبة؟ وهل في الإمكان أن يجدوا من يحتضنهم في المحيط الأسري أو
في المجتمع بصورة عامة باعتبار أنهم يمكن أن يكونوا فاعلين في المجتمع الذي خرجوا
من رحمه أصحاء ولكن الأقدار وحدها التي وضعتهم في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر.
الممارسة خارج مؤسسة الزواج
فيما قالت أم محمد المتعايشة مع
فيروس المناعة المكتسبة : بدأت تداعيات قصتي مع داء الايدز من خلال تجربة مريرة
ومؤلمة في نفس الوقت فلم أكن أدري بأن زوجي مصاباً بالفيروس ولكن كانت تدب بيننا
الكثير من الإشكاليات التي تطورت بمرور الزمن ولم اعد احتمل من قريب أو بعيد ذلك
الواقع الذي لم أألفه قبلاً فما كان مني إلا وطلبت منه الطلاق فرفض رفضاً باتاً
إلا أنني أصريت اصراراً شديداً على فكرتي لأنني لاحظت أنه ينشيء علاقات غير شرعية
وعندما طرقت هذا الباب كثيراً لم يجد أمامه بداً سوي الاستجابة، وانتقلت مع أبنائي
للعيش في منزل الأسرة الكبيرة وما أن مرت أربعة أشهر علي استلامي قسيمة الطلاق إلا
وانتقل للرفيق الاعلي، ومن ساعتها والناس تبعث لي بالرسائل السالبة التي تؤكد بما
لا يدع مجالاً للشك أنه مصاب بمرض الايدز ومن ثم انتشر الخبر في المنطقة التي كنا
نقيم فيها، هكذا إلي أن علمت أسرتي، الشيء الذي جعلني أحس آنذاك أن الأرض تميد بي
ولم أكن أدري ماذا أفعل؟ لأن قواي في تلك الأثناء انهارت تماماً وبالتالي عمدت إلي
تكذيب الخبر ولكن لا حياة لمن تنادي فالنظرات مازالت كما هي لم تتغير قيد أنملة
لذلك قررت أن استجمع قواي ومن ثم أتوجه مباشرة إلي أي مركز من مراكز فحص الايدز
لعمل التحاليل الطبية وبالفعل ذهبت إلي هناك وأخذت عينة من الدم وقالوا لي عليك الإتيان
للنتيجة بعد أسبوعين من تاريخه وبالمقابل انتظرت هذين الأسبوعين اللذين مرا علي
كأنهم أعوام لا حصر لها ولا عد وفي الزمان والمكان المحددين عدت إلى المركز الذي
ظهرت فيه النتيجة المؤكدة أنني مصابة بمرض المناعة المكتسبة (الإيدز).
نتيجة فحص مرض الايدز
وتسترسل : لا يمكنك أن تتصور الحالة
النفسية التي دخلت فيها وأنا أتلقي خبر إصابتي بالفيروس حينها شعرت بأن الدنيا أظلمت
في عيني ولم اعد قادرة علي الوقوف علي اقدامي الأمر الذي اضطرني إلي أن أجلس علي الأرض
اعزي في نفسي علي هذا المصير المجهول ومع هذا وذاك كنت أتسأل في غرارة نفسي ماهي
ردة فعل الوالدة حينما أخطرها بهذه الحقيقة عموماً توكلت علي الله سبحانه وتعالي
وتوجهت ناحية أمي وقمت بمصارحتها بذلك فما كان منها إلا أن رفضتني وطلبت مني
مغادرة منزل الأسرة الكبيرة فوراً، وأثناء ذلك النقاش الممزوج بالبكاء وصمتني
شقيقتي الصغري بالعار عليهم مما قادني للعيش في عزلة عن العالم المحيط بي داخل
غرفة بالمنزل الذي تركه لنا زوجي السابق وهناك عملت علي ناسيان والدتي وشقيقتي
بالرغم من أنهما كانتا تخافان عليّ خوفاً شديداً قبل أن اخبرهما بإصابتي بمرض
الايدز الذي كان في إمكاني إخفائه عنهما المهم أنني بدأت ألملم أشتات نفسي إلى أن
اتخذت قراراً بضرورة التحليل لأبنائي الثلاثة، الذين جاءت نتيجة التحاليل الطبية
لتؤكد أن فيروس المناعة المكتسبة (الايدز) لم يصل إليهم، فحمدت الله العلي القدير
كثيراً ومن ثم صليت صلاة شكر علي هذا الكرم الرباني.
التعرف على المتعايشين مع الايدز
وتستطرد : ومما ذهبت إليه قررت أن
أعمل في إحدى المؤسسات لكي أستطيع الإنفاق على نفسي وأبنائي الذين يدرسون في مراحل
دراسية مختلفة وكان أن وفقت في عملي الذي لا يعلم عنه أحدا شيئا في الشركة التي
اعمل بها منذ عامين وخلال دوامي مجيئا وذهاباً تعرفت علي منظمات تعمل في المجال
الإنساني وبالأخص في نطاق مكافحة الايدز وهي الجهات التي بدأت توفر لي الدواء الذي
تحسنت في ظله حالتي الصحية كثيراً تخيل أنني لم أفصح عن إصابتي بداء الايدز فهل
كان في استطاعتك معرفة ذلك الإجابة في غاية البساطة لا لأن الفيروس لا يظهر إلا في
الدم لذلك يعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالي للمنظمات الإنسانية التي لعبت دوراً
ريادياً في التأقلم والتأهيل والمساعدة كبيرة جداً وهي الأشياء التي جعلت مني هذه
الشخصية الناجحة في حياتها الخاصة والعامة ووفقاً لذلك أوكلت لي مهام كبيرة في العمل،
ومن خلال هذه المنظمات والجمعيات العاملة في مجال مكافحة الايدز استطعت التعرف على
مجموعات كبيرة من المتعايشين من الجنسين مع الفيروس.
احتاج إلي زوجي الآن
وهمست في أذني قائلة بصوت خافت مليء
بالحزن العميق : هل تصدق أن الإحساس الذي يخالجني في تلك الأثناء هو التفكير في
زوجي الذي كنت أتمنى صادقة أن يكون علي قيد الحياة حتى أسأله ما الذنب الذي
اقترفته في حقك لكي تنقل لي هذا الداء؟. وتابعت : الإجابة بالنسبة لي ظاهرة وهي
أنه ظلم نفسه قبل أن يظلمني معه ثم صمتت برهة والدموع تتساقط من عينيها دون أن
تأبه بها وهي تقول : لا أخفي عليك سراً إذا قلت لك أنني في حاجة إليه حتي يقاسمني
هذه الظروف المحيطة بي من كل حدب وصوب بغض النظر عن حالته الصحية المتسبب فيها
المرض المسمي فيروس المناعة المكتسبة (الايدز) لأنه علي الأقل سوف يؤازرني في هذه
المحنة.
وتسترسل : وبمرور الزمن كبر الأبناء
نوعاً ما فما كان أمامي بداً سوي إخبارهم بحقيقة إصابتي بداء (الايدز) حتى لا
يعلموا بذلك من شخص أخر ويسبب لهم شرخاً في حياتهم من واقع وصمة المجتمع لنا، كما
أنني وضحت لهم الكيفية التي انتقل لي بها، ما قادهم إلي مطالبتي بمسامحة والدهم
عما اقترفه في حقي، أما أطفالي الصغار فمازلت اخفي عنهم المرض لأنني بصراحة لم
استطع مواجهتهم بحقيقة مرضي حتى الآن.
أطفال مصابين وآخرين أيتام
فيما كان الأستاذ عمار محمد الأمين
رئيس الجمعية السودانية لمصابي الايدز بولاية الخرطوم قد وضع علي منضدة الصحيفة
الحقائق المجردة قائلاً : هنالك أطفال أيتام من أباء وأمهات كانوا متعايشين يصل
عددهم إلى واحد وستون وأكثر من مائة طفل آخر متعايشين مع فيروس الايدز الذي أصيبوا
به منذ اللحظة التي أنجبوا فيها لهذه الدنيا علماً بان الطفل يمكن أن يصاب من
والده ووالدته وعكس ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ومن ثم العلاجات والإرشاد النفسي
الذي تتبع فيه أشياء معينة لا تدع العدوى تنتقل من الآباء للأبناء هذا بالنسبة
للممارسة الجنسية ولكن هنالك طرائق أخرى كاستخدام أدوات مختلفة وهي نادراً ما تحدث
لذلك نرجو من الجهات الداعمة أن تولي الأطفال الرضع كل عنايتها حتى نضمن طفلاً
سليماً لابد من أن نوفر أنواع مختلفة من الألبان فاقل علبه لبن يبلغ سعرها أربعين
جنيه في حين أن المتعايشين ظروفهم المادية صعبة جداً لا تمكنهم من توفير الألبان
وبالتالي عندنا أطفال يعانون معاناة شديدة في هذا الاتجاه لأنه إذا رضع من ثدي
والدته ففيه خطورة عليه فالرضعة أو الرضعتين تكفيا لانتقال الفيروس إليه.
لا توجد مخصصات مالية للمرضي
وقال : كان في وقت ماضي تطالعنا
أجهزة الإعلام بأنها عثرت على مريضة ايدز في إحدى الدول العربية فماذا يعني ذلك
سوى تعميق الوصمة في المجتمع فمريض الايدز لا يختلف عن أي إنسان سوى أنه ابتلاه
الله سبحانه وتعالى بهذا الداء لذلك نريدكم أن تعكسوا زيارتكم هذه وتؤكدوا أنكم
أكلتم وشربتهم فيها حتى ترفعوا عنا هذا الاضطهاد الذي نتعرض له من الناس وشراكتنا
الأساسية مع مدير برنامج مكافحة الايدز بولاية الخرطوم أما بالنسبة للمشاكل
المالية فهي لا تجد الحلول لأنه لا توجد ميزانيات مخصصة للجمعية فالحكومة معترفة
بعدم وجود مخصصات لمرضي الايدز أن كان ذلك في وزارة الشئون الاجتماعية فكل الطرق
منحصرة في العلاجات وهي متوفرة بواسطة البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة
بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بإشراف من وزارة الصحة الاتحادية أما فيما يلي
المشاكل التي يلجأ إلينا في خصوصها المتعايشين بعيداً عن ذلك لا نجد لها حلول إلا
بالخطابات أو الاتصالات الهاتفية فمن المفترض أن تخصص حكومة ولاية الخرطوم مخصصات
لمرضي الايدز كسائر الأمراض الأخرى مثلاً مرضي الفشل الكلوي والسرطان والخ فلماذا
لا يتم التعامل معنا على نفس النسق .. هل تصدق أنه لم يجاز لنا قانوناً لحاملي
فيروس المناعة المكتسبة (الايدز).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق