.......
وصلت الأوضاع الاقتصادية في البلاد لمستويات غاية في الصعوبة، وانعكس ذلك على أسعار السلع الإستراتيجية، وتعريفة المواصلات، وما أن تسال عن الأسباب؟ إلا ويأتيك الرد بأن الجنيه السوداني فقد قيمته مقابل الدولار الأمريكي، والذي عجزت كل الحكومات عن كبح جماحه، وبالتالي أصبح مبرراً للزيادات التي يواجهها المواطن وحيداً، فبعض الشركات، المصانع، التجار وسائقي المركبات العامة يرفعون الأسعار بصورة تفوق كل التصورات، وعليه عندما يفكر المواطن في الخروج للعمل، فإنه يحتاج على الأقل إلى (1000) جنيه يومياً، علماً بأنه لا يتقاضي نظير عمله ربع المبلغ، لذا السؤال الذي يفرض نفسه كيف يغطي عجز ميزانيته، ومن أين يأتي بالمال؟؟.
أصبح المواطن يفكر ألف مرة في حال أنه يريد الخرج من منزله، وإذا اضطرته الظروف لذلك مكرهاً، فإنه يقترض مبلغ الـ(1000) جنيه من المحل التجاري في الحي، وإذا استمر هذا الوضع أكثر من ذلك، فإنه يحتاج إلى ماكنة لطباعة (النقود) حتي يظفر بالمال الذي يصرفه على المركبات العامة ذهاباً وإياباً، ووجبة (فول) وصل سعرها إلى (180) جنيه، وإذا أضاف للطلب (عيشتين)، فإن سعره يصبح (200) جنيه، وإذا أضاف له (بيض) و(طعمية)، فإن سعره يصبح (300) جنيه، وهذا بالنسبة لشخص واحد، فما بالك بالأسرة المكونة من أكثر من شخص؟.
إن رفع أسعار السلع الإستراتيجية وتعريفة المواصلات لم يعد أمراً مفاجئاً للمواطن، بقدر ما أنه يتضاعف مع إشراقة كل صباح دون أن تحرك الحكومة الانتقالية ساكناً لوضع حداً للأزمات الطاحنة، والتي افرزت ظاهرة (تجار الأزمات) الذين جعلوا المستهلك يقف مكتوف الأيدي، ولا يدري ماذا يفعل في ظل ضغوط ممارسة عليه؟، وهذه الضغوط تضطره للتأقلم مع الزيادات غصباً عنه، وما يلفت نظري هو أن الأسعار مرتفعة بصورة صارخوية بما في ذلك المنتجات المحلية، وسعر تعريفة المواصلات بحسب مزاج (السائق) أو (الكمسنجي)، وبالتالي بات المواطن لا يدري لمن يلجأ؟.
ربما لعب (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة دوراً كبيراً في التدهور الاقتصاد المريع، والذي نهبت على إثره مدخرات البلاد، مما ترك ذلك اثره على خزينة الدولة، بالإضافة إلى عامل آخر يتمثل في تهريب السلع الإستراتيجية لدول الجوار، والذي نجم عنه أثراً سلباً في الاقتصاد السوداني، وشكل تهديداً تمثل في عدم الإستفادة من عائدات الضرائب والجمارك، وانعكس اثره أيضاً في إرتفاع أسعار السلع الإستراتيجية، وإغراق السوق بسلع منخفضة الجودة، وبالتالي فإن هذا الوجه الكالح لأزمات الاقتصاد السوداني يتبدى في الخرطوم، إلا أنه يظهر جلياً في ولايات السودان المختلفة، مما أدي لتراجع اقتصادي كبير في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وأسعار السلع الإستراتيجية، والخدمات الرئيسية والبنى التحتية، وعليه استمر الاقتصادي متحركاً في طرق (وعرة) لا يمكن أن تتجاوزها الأزمات المرتبطة بالحياة المعيشية اليومية، بالإضافة إلى عدم الإهتمام بقطاع الإنتاج، علماً بأن السودان يمتلك أكبر مساحات زراعية في الوطن العربي، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية والمراعي الطبيعية.