روي الشاب قاسم عزالدين صلاح عبدالقادر البالغ من العمر (28) عاماً، العامل في مجال تلميع الأحذية (الاورنيش) التفاصيل المؤثرة لقصة اختطافه في الساعات الأولي من الصباح، وذلك قبل (25) عاماً من منطقة (الحاج يوسف) شرق الخرطوم، ومن هناك توجه به خاطفه إلى مدينة (وانجوك) جنوب السودان.
وقال : بدأت قصتي بكل تفاصيلها الأشبه بالأفلام الهندية منذ أن رسم خاطفي الجنوب سوداني سيناريو محكم جداً، وهو السيناريو الذي أستطاع من خلاله أن يخطط للجرم الذي ارتكبه بصورة دقيقة بدأها بإقناعي أنه خالي، وبما إنني كنت صغيراً، ولا يتجاوز عمري الثلاث سنوات صدقت روايته، ولم أشك فيها مطلقاً، وهكذا إلى أن تفاجأت بحادثة الاختطاف من (الحاج يوسف) أثناء نومي، والذي حينما صحوت منه وجدت نفسي داخل قطار يمضي بي نحو الجنوب، وهناك استقريت فيه بمدينة (وانجوك) أياماً، شهوراً وسنيناً، اتسمت في مجملها بالقسوة الأشد إيلاماً، لذا ظللت أعاني الأمرين من الاعتداء المستمر الذي تعرضت له، ولم أضع له حداً إلا بعد أن عملت زوجة خاطفي (الكجور) له، وهو ما يعرف في الشمال بـ(السحر)، والذي أصبح على إثره أصبح قرنق (صامتاً)، مما أدي إلى عدم اكتشاف حقيقتي الغامضة، وبالتالي لم أجد من يفك طلاسمها، فالأسئلة الدائرة في ذهني كثيرة، وتتمثل في من أنا، من هو والدي ومن هي والدتي؟؟؟، وبما إنني لم أجد الإجابة الشافية اضطررت للبقاء في الجنوب مع زوجة خاطفي (قرنق)، وطوال تلك السنوات كنت اسأل القادمين من الشمال عن والدي ووالدتي في منطقة (الحاج يوسف)، عسي ولعل أجد من يتعرف عليهما؟ إلا إنني لم أصل إلى نتيجة إيجابية، مما قادني إلى أن أكون شبه مشرداً وبلا هوية، وعليه كنت لا أستطيع أن أقول إنني (شمالياً) ولا (جنوبياً)، بل كنت أقول إنني إنساناً ضائعاً، وهذا الإنسان الضائع يحاول التأقلم على وضع فرضته عليه الظروف، أي أنه قرر الرضا بما قسمه له الله سبحانه وتعالي، هكذا ظللت عائشاً، ولكن في (توهان)، وتفكير عميق على مدار الساعة ولا ينقطع هذا التفكير نهائياً.
واستطرد : جاء إلينا في يوم من أيام الظلام والظلم جنوبياً في مدينة (وانجوك)، فأدارت معه حواراً حول شخصيتي الدائر حولها الغموض، فاكتشفت أنه ملماً بتفاصيل تتعلق بحياتي في الخرطوم، إذ إنني عرفت من خلاله اسمي كاملاً، وأين والدي ووالدتي اللذين أكد أنهما يقيمان في اتجاه مدينة (نيالا) غرب السودان، وإنني ليس (جنوبياً)، بل (شمالياً)، وانتمي إلى قبيلة (الزغاوة)، وطلب مني عندما أعود إلى الخرطوم أن أبحث عن والدي ووالدتي)، وأشار إلى أن (قرنق) قام باختطافي من منطقة (الحاج يوسف) لعدم إنجابه الأبناء، وكان يريدني أن أكون له (ولداً)، إلا أنه لم يحسن التصرف معي.
وأضاف : في العام 2017م توفي خاطفي (قرنق)، فأصبحت وحيداً، ولا أعرف إلى أين أذهب، عموماً ظللت دائراً في فلكه إلى أن قابلت سيدة تدعي (نجوى)، وهي تنحدر من إقليم دارفور غرب السودان، وبدورها أكدت أنها أمي بـ(الرضاعة) إلا أنها افتقدتني عندما بلغت الثلاث سنوات، وأوضحت بأن حادثة اختطافي حدثت في العام 2002م، وهو العام الذي وصلت فيه المنطقة الجنوبية.
واسترسل : ظل خاطفي الجنوب سوداني يؤكد باستمرار أنه خالي، وأن والدتي توفيت إلى رحمة مولاها، وأن مسقط رأسها مدينة (أويل)، هكذا حصر تفكيري في ذلك الحيز الضيق، وعندما توفاه الله سبحانه وتعالي واصلت الإقامة مع زوجته، وكنت أصرف على نفسي من عملي كمساعد في عربة (لوري)، ثم اتجهت إلى بيع البنزين، والذي جنيت منه مالاً كثيراً، بالإضافة إلى (بخيت) منحني (10) ألف جنيه، وهو من أبناء إقليم دارفور حتى أتمكن من الهرب من دولة الجنوب، وأعود إلى الخرطوم، وكان أن بدأت موسم الهجرة إلى الشمال، ولكنها كانت مليئة بالمغامرات، والتي كدت أن أفقد في إطارها حياتي، بالإضافة إلى إنني تعرضت لنهب مبلغ مالي كبير كان بحوزتي في منطقة (الميرم).
واسترسل : هروبي من الجنوب نابعاً من إنني كنت أتعرض للضرب بشكل يومي خاصة عندما يجدني (قرنق) أصلي، مما اضطرني إلى أداء صلواتي في (الخلاء)، المهم إنني جئت للخرطوم، واستقر بي المقام في منطقة (الكلاكلة)، وفيها رويت قصتي إلى المصلين بالمسجد، وطلبت منهم مساعدتي في العثور على أهلي حتى أتمكن من استخراج الرقم الوطني، فأنا الآن بلا أهل.. بلا هوية.
فيما قال الشيخ المهدي عبدالقادر أحمد : نحن في مسجد (الرحمة) بالكلاكلات جاء إلينا هذا الشاب في المسجد وروي لنا قصته، فقمنا بتبني قضيته، وحسب روايته فإنه تم اختطافه من منطقة الحاج يوسف، ويذكر تفاصيله لأنه كان عمره (3) سنوات، والاختطاف تم في الساعات الأولي من الصباح، ومن ثم توجه به الخاطف عبر القطار إلى دولة جنوب السودان، وما أن وصلا إلى الجنوب إلا وبدأ يتعامل معه تعاملاً صعباً جداً، إذ كان يضربه ضرباً مبرحاً خاصة إذا وجده يصلي في أي وقت من الأوقات، وظل على خلفية ذلك مقيماً معه مرغماً، وعاني معاناة لا حدود لها إلى أن توفي خاطفه الرجل الظالم، والذي بدأ بعده يفكر جدياً في الفكاك من السلاسل المكبل بها، فجمع مبالغاً من المال، كما دفع له شمالياً بـ(10) ألف جنيه، ومن ثم دبر وخطط إلى أن تمكن من الهرب، واستخلصنا من روايته أن والده كان يذهب للعمل مرتدياً البزة العسكرية، وأن اسمه (عزالدين صلاح كوشيب)، ومن هذه النقطة بدأنا رحلة بحثنا عن أسرته بعد أن اعتنينا بذلك الاسم جيداً، والذي أجرينا في إطاره اتصالاتنا، إلا أننا لم نصل إلى نتائج إيجابية، وبما أنه يداوم على الصلوات معنا بالمسجد نتجاذب معه أطراف الحديث، والذي ذكر من خلاله معلومة تؤكد أن والده كان يرتدي البزة العسكرية بـ(كاب) لونه أحمر، عندها تأكد لنا أن والده كان يعمل في الشرطة العسكرية، وأشار أيضاً إلى أن والده وفي كثير من الأحيان يقول لهم إنه لديه (استعداداً) يندرج في إطار خدمته العسكرية، وبالتالي نناشد الجميع عبر (الدار) الأوسع انتشاراً مساعدتنا.