أغاديز/ الخرطوم : سراج النعيم
أكد اللاجئ السوداني (عثمان) أن قوات الأمن النيجرية قامت بفض اعتصام اللاجئين السودانيين من أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدينة (أغاديز) بالقوة المفرطة، مما أدى إلى إصابات وجروح بالغة التعقيد للعشرات من المعتصمين السودانيين.وأضاف : تم ترحيل عدد كبير من اللاجئين السودانيين من أمام مقر المفوضية السامية إلى المعسكر (قسرياً)، كما تم اعتقال أكثر من (٤٥٠) لاجئ سوداني، إلى جانب تعرض البعض للاعتداء، وانتزاع ملابسهم في ظل برد قارص، كما تم منع دخول الأطعمة تجويعاً لنا، ونحن الآن نعاني الأمرين من عدم وجود المياه والأكل، بالإضافة إلى عدم توفر الصحة والتعليم، وبالتالي لا تحصيل أكاديمي ولا علاج.
وأردف : اعتصمنا منذ ١٦ ديسمبر ٢٠١٩م، وذلك للمصير الذي يكتنفه الكثير من الغموض، ورغماً عن ذلك قامت السلطات النيجرية بفض الاعتصام بالقوة من خلال تطويق الشرطة والأمن لمحيط مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة، ومن ثم أمروا المعتصمين السودانيين بركوب الشاحنات المعدة لنقلهم من أمام المفوضية السامية إلى المعسكر الواقع في صحراء قاحلة، وليس فيه مقاومات للحياة الآدمية.
واسترسل : المعسكر الذي أجبرنا على العودة إليه نعيش فيه أوضاعاً سيئة، ولا يحظي بأي اهتمام من المفوضية السامية للأمم المتحدة والحكومة النيجرية التي رفضت الإسراع في اتخاذ إجراءات تحفظ حقوق اللاجئين السودانيين، ورغماً عن ذلك تم تحويلنا من معسكر داخل المدينة إلى معسكر صحراوي يبعد (١٧) كيلو متراً، وهو من المعسكرات التي لا توجد فيها أي مقومات لحياة الإنسان.
وتابع : منذ العام ٢٠١٧م وإلى تاريخ اعتصام اللاجئين السودانيين أمام المفوضية السامية، ومن ثم فض الاعتصام بالقوة لم تجد الأمم المتحدة والحكومة النيجرية أي حلول، مما دفع عدداً كبيراً من اللاجئين السودانيين مغادرة المعسكر للأسباب التي أشرت لها، بالإضافة إلى تردئ البيئة، ومماطلة الدولة المستضيفة والمنظمات الدولية، وعدم بحثها عن الحلول الناجزة للاجئين، إذ أنه لا يوجد اعتراف صريح بنا على مستوي دولة النيجر، لذا نحن نعيش ظروفاً في غاية الصعوبة، وبالتالي هنالك حالات من الأمراض المختلفة بما فيها النفسية، وهذا الأمر نابع من أن المعسكر موجود في منطقة صحراوية قاحلة، وبعيد كلياً عن المدينة والمجتمع، مما جعل اللاجئ السوداني يعيش في بيئة أشبه بالسجن، لذلك خرجنا منه، وتوجهنا للاعتصام أمام مقر المفوضية السامية لشئون اللاجئين بدولة النيجر، وظللنا (صابنها) إلى أن تم فضنا بالقوة المفرطة.
رغماً عن مجريات الأحداث السودانية المتسارعة في السودان إلا إنني ظللت أتابع بقلق شديد أوضاع السودانيين المعتصمين أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة بالنيجر، وعلى خلفية ذلك تواصلت مع اللاجئ السوداني (عثمان) الذي ملكني الحقائق كاملة، إذ استشفيت من حوار إدرته معه أن هنالك سيناريوهات رتبت لها السلطات النيجرية لفض اعتصام أكثر (١٢٠٠) لاجئ سوداني، ولا سيما فإنهم يمرون بأزمة إنسانية بالغة التعقيد، ولم تهتم مفوضية الأمم المتحدة بالنيجر بهم، مما فأقم أزمتهم والتي بلغت أقصي ذروتها.
وأبدي اللاجئ (عثمان) في وقت سابق تخوفه من إقدام الأجهزة الأمنية النيجرية على فض الاعتصام باستخدام القوة المفرطة، وذلك نسبة إلى أنه أصبح مصدر قلق للحكومة النيجرية، وعليه وجد إصرار اللاجئين السودانيين للبقاء أمام المفوضية السامية اللاجئين (UNHCR) بمدينة (أغاديز)، ورفضهم التام العودة للمعسكر الذي يقع في صحراء قاحلة تبعد عن مكتب المفوضية أكثر من (17) كيلو متراً، وبما أن المنطقة التي بها المعسكر تبعد مسافة طويلة يضطر اللاجئين للذهاب من المعسكر سيراً على الأقدام لمتابعة الإجراءات، وقطعاً هي مسافة تصعب على أي إنسان أن يمشيها ذهاباً وإياباً، خاصة وأن من بين اللاجئين السودانيين أطفالاً، نساء، شباب، كبار في السن، مرضى ومعاقين حركياً، مما تعرض الكثيرين على إثرها للإصابة بـ(جراح)، بالإضافة إلى تسبيب الأجهزة الأمنية النيجرية للأذي لعدد من اللاجئين السودانيين على خلفية استخدامها القوة أثناء فض اعتصام اللاجئين الذين تم الاعتداء عليهم خارج مدينة (أغاديز).
ومن المعروف أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالنيجر لم تول قضية اللاجئين السودانيين اهتماماً، وذلك منذ أن قدموا من ليبيا إلى النيجر في العام 2017م، وظلوا يعانون الأمرين من الأوضاع الإنسانية المتأزمة جداً، مما جعل مصيرهم يكتنفه الغموض، وذلك من واقع أنهم لا يجدون رداً على الأسئلة المتعلقة بالمستقبل الذي يمضون في إطاره نحو مصير مجهول، إذ أن المفوضية السامية للاجئين أضاعت ملفات اللاجئين السودانيين، وبالتالي يكونون مضطرين للانتظار في معسكر يفتقر لأبسط مقومات الحياة من (مشرب) و(مأكل) ناهيك عن النواحي الصحية والتعليمية، ووفقاً لكل تلك العوامل أتجه اللاجئين السودانيين للاعتصام أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدينة (أغاديز) النيجرية.
وواصل اللاجئين السودانيين اعتصامهم في ظل ظروف قاسية جداً، وذلك على أساس أنهم يركنون لواقع مرير، بالإضافة إلى مضايقات من السلطات النيجرية التي قطعت عنهم الإمداد المائي أثناء وقفتهم الاحتجاجية أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة، مما دفع سكان المدينة النيجرية مدهم بالمياه، وهكذا ظلت المفوضية السامية توعدهم دون توفير أدني حد لحياة كريمة، إذ قالت في هذا الاتجاه السيدة (السكاندرا موريلي) مسئولة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الـ(UNHCR) بغرب أفريقيا أنها تسعى لحل شامل للأزمة ، وعبرت عن قلقلها جراء الذي يجرى في مدينة (أغاديز) النيجرية، وأكدت أنها عقدت العزم على التوجه إلى النيجر في يناير 2020م، إلا أن السلطات النيجرية استبقت الزيارة وقامت بفض اعتصام أكثر من (١٢٠٠) لاجئ سوداني بالقوة المفرطة، وذلك حسبما أفادوا.
وسألت صديقي اللاجئ السوداني (عثمان)، من أي الأقاليم السودانية هاجرتم إلى النيجر؟، قال : الأغلبية العظمي من اللاجئين السودانيين تعود جذورهم إلى إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، الإقليم الواقع جغرافياً غرب السودان، وهي الأوضاع الأمنية التي قادتهم للنزوح من مسقط رأسهم إلى ليبيا، وذات الواقع المؤلم تفاجئوا به دائراً في وجهتهم الجديدة بين الحكومة الشرعية وقوات الجنرال (حفتر)، مما عرضهم ذلك الصراع للانتهاكات اللا إنسانية، التعذيب، الخطف، والقتل من قبل العصابات الليبية المسلحة، لذا لم يكن أمامهم حلاً سوي البحث عن الأمان بالاحتماء بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالنيجر، إلا أنها لم تقم بالدور المنوط بها، بالتالي تعرضوا لخطر القمع.
وحول أول اللاجئين السودانيين الذين وصلوا من ليبيا إلى النيجر؟، قال : وصلنا إلى معسكرات الإيواء الأممية بدولة النيجر في العام 2017م، إلا أنه لم يتم إكمال أوراقنا أو تسوية ملفاتنا التي كلما سألنا عنها يقولون إنها ضاعت، وهكذا ضاعت ثلاث سنوات من عمرنا دون أن نتقدم خطوة للأمام، وطوال الفترة المشار لها نتفاجأ بضياع الملفات دون الالتفات إلى الأوضاع الإنسانية التي نركن لها داخل معسكر ليست فيه أي مقومات للحياة.
من جهة أخرى كان اللاجئ عثمان قد كشف للدار التفاصيل الكاملة لأزمة اللاجئين السودانيين بدولة النيجر مؤكداً أن أوضاعهم من الناحية الإنسانية مذرية جداً خاصة وأن من بينهم أطفال، نساء، شباب، معاقين حركياً، ورجال كبار في السن، وهم جميعاً مهددين بالترحيل من قبل السلطات النيجرية.
فيما تم اختزال حياة اللاجئين السودانيين في حالة الانتظار في ظل طقس بار جداً، إذ ينام البعض منهم على الأرض، ولدى الكثير منهم قصص مروعة وتصلح لأن تألف حولها مؤلفات، وعلى سبيل المثال
اللاجئ ابوبكر الذي بدأت رحلته من مخيم في إقليم دارفور بحثاً عن حياة أفضل، ولم يجد أمامه حلاً سوي الاتجاه شمالاً إلى ليبيا، إلا أنه وجد الأوضاع في ليبيا لا تختلف كثيراً عن الواقع الذي فر منه، إذ تعرض للاحتجاز من طرف تجار البشر الذين طلبوا منه المال. لكنه لا يملكه.
وقال أبو بكر: لقد ضربوني، لدرجة إنني اعتقدت أنهم سيقتلونني إذ رأيت رجالاً يقتلون أمامي، ثم جاء ليبي إلى مخيم المهربين، وسدد المال لإخلاء سبيله، على أن يسد له الدين مقابل العمل معه نصف عام في مزرعته، وبما أنه عاش ظروفاً قاسية أيضاً اضطر للهرب من ليبيا متجهاً إلى النيجر.