جلس إليه : سراج النعيم
وضع الناجي من حبل المشنقة (يوسف الرضي مالك) تفاصيل مثيرة حول قصته مع جريمة القتل، وكيف نجى من حكم الإعدام الصادر في مواجهته من قبل قاضي محكمة الخرطوم شمال.
وقال : تشير وقائع الجريمة التي تمت إدانتي فيها إلى إنني كنت ذاهباً إلى احدى ستات الشاي لكي ارتشف كوباً ساخناً، ومن ثم أتوجه مباشرة إلى مكان عملي بالخرطوم (2)، إلا إنني لم أجدها، مما استدعاني للتوجه إلى شارع (المك نمر) قاصداً وجهتي المعنية، فما كان مني إلا ووقفت عند مسجد مجلس الوزراء سابقاً لكي أشرب (ماء)، وفي تلك اللحظة شاهدت فتاة خارجه من مصلى النساء، فما كان مني إلا وفكرت فيها تفكيراً سالباً، إذ أن الشيطان لعب في رأسي، فقلت في قرارة نفسي يجب أن أتركها تنام داخل ذلك المصلى ثم أأتي إليها، إلا إنني تراجعت عن الفكرة بعد أن تعوذت من (الشيطان)، وعلى خلفية ذلك ناديتها، فوجدت دموعها تبلل خديها، فسألتها ما الذي أصابك أختي حتى تبكين، فلم ترد على، وبما أن الوقت كان متأخراً أكدت لها أنني مسئولاً من احدي العمارات في الخرطوم (٢)، لذا يمكنك أن تذهبي معي لكي تنامي هناك في مأمن إلى الصباح، فقالت : لم أخرج من منزلنا لكي أذهب مع راجل، فقلت : لم أقصد ما يدور في رأسك، بل أود أن أوفر لك مكاناً للنوم فقط، ومن ثم تذهبي إلى وجهتك فيما بعد، وإذا لم ترق لك الفكرة، فهنالك أخت لي يمكن أن اتصل عليها لتذهبي للنوم معها، إلا أنها رفضت جميع الحلول التي طرحتها عليها، فسألتها هل لديك أي شخص يمكن أن أتصل لك عليه، فقالت : لدي زوج شقيقتي، فقلت لها كم رقمه فأعطتني له، وعندما اتصلت عليه جاءني الرد من الطرف الآخر بأن هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حالياً، فأكدت لها أن الهاتف مغلق، فسألتها هل لديك رقم آخر؟، قالت : نعم، فاتصلت عليه إلا أنه أيضاً كان مغلقاً، فقلت إلى أين تودين الذهاب الآن، فقالت : إلى مدينة امدرمان، وتحديداً الثورة بالنص، فقلت : في إمكاني إيصالك بحكم إنني أعرف سائقي المركبات العامة المتجهة إلى هناك، لذا هيا بنا إلى السوق العربي، وهناك سأجد مقعداً لك، فلم يكن أمامها خياراً أخراً سوى أن تقبل بهذا الاقتراح، وعليه توجهنا من أمام مجلس الوزراء سابقاً إلى الشارع المؤدي إلى موقف المواصلات، إلا أنها وما أن وصلنا قبالة مستشفي الشعب إلا وطلبت مني أن أعرج بها إلى داخلية (السيسترات)، وكان أن رافقتها حتى بابها الذي وجدته مغلقاً، فما كان منا إلا وعدنا من هناك إدراجنا، فقلت لها : يمكنك استخدام هاتفي للاتصال بمن ترغبي في مساعدته لك، وكان أن فعلت إلا أنها وجدت كل الأرقام مغلقة، وكان آنذاك الساعة الثانية صباحاً تقريباً، فطلبت مني الفتاة أن اصطحابها إلى أشخاص كان يجلسون أمام مستشفي الشعب، فما كان مني إلا واستجبت لرغبتها، وتوجهت معها إلى ناحيتهم، وألقيت عليهم التحية، أحدهما نهض واقفاً على أرجله، إما الثاني فقد سأل الفتاة، ثم ألتفت إلىّ قائلاً : (خلاص وصلت)، وبالتالي عليك الذهاب من هنا، وعندما هممت بالرحيل تذكرت أن لديهم دفتر أحوال يجب أن يتم من خلاله تدوين بلاغ باسمي باستلام الفتاة، فما كان مني إلا وعدت للحرس مرة أخري فأداروا معي حواراً ساخناً، مما اضطرني لاستخراج هاتفي للاتصال بالشرطة، وعندما لم أجد رداً قررت أن أتوجه إلى أقرب نقطة شرطة، ومن ثم قررت أن أراقب المشهد من أمام داخلية (السيسترات)، في تلك الأثناء شاهدت واحداً منهم يصطحب الفتاة لداخل المستشفي، فما كان مني إلا وأن عدت إلى البوابة مرة آخري، وأثناء توجهي ناحيتهم بالقرب من العنابر من الناحية الشرقية من المستشفي، الذي أمسكت بسياجه، وأنظر في ذات الوقت للداخل، إلا إنني تفاجأت بشخص ما يمسك بي من الخلف، فقلت : (يا زول فكني)، فرفض وعندما التفت إليه ضربني براحة يده كفاً على وجهي، ما حدا بي استخراج سكيناً من بين طيات ملابسي، واطعنه بها، ثم سمعت صوته يصرخ عالياً، فمشيت خلفه إلى أن دخل المستشفي، ومن ثم وقفت أراقبه من على البعد، وعندما تواري عن أنظاري ذهبت إلى العمارة المسئول عنها بالخرطوم (2)، وبقيت فيها إلا أنني لم استطع النوم، وذلك من واقع عدم اعتيادي آذية أي إنسان على وجه هذه البسيطة، لذلك نزلت من العمارة إلى الشارع ، وأثناء ذلك صادفت مرور الشرطة، التي بدورها وجهت لي سؤالاً، هل أنت على علم بشئ حدث في هذه المنطقة، فقلت : أبداً، فما كان منهم إلا أن ذهبوا.
وأضاف : وفي صباح اليوم التالي قررت أن أسلم نفسي لمباحث التحقيقات الجنائية، وأثناء توجهي إليهم شاهدت عربتهم تمر بالقرب مني، وعند مشاهدتهم لي تم إيقافي وقال لي فرداً منهم : هل تذكر أنك التقيت بي في يوم وقوع جريمة القتل بالقرب من مستشفي الشعب بالخرطوم، فقلت : نعم، ثم هممت بالتحرك، فسألوني إلى أين ذاهب؟، فقلت : إلى مكتب المباحث، وكان أن رافقوني إليه، وهناك وجدت بعض الضباط الذين ألقيت عليهم التحية، ثم جلست معهم، فقالوا : (إن شاء الله خير)، فقلت : أنا طعنت شخصاً بـ(سكين)، ولا أعرفه وذلك أمام سياج مستشفي الشعب وإحساسي أنه توفي إلى رحمة مولاه، فقالوا : الضحية الذي أشرت له مازال على قيد الحياة، فقلت : إحساسي أنه غادر الحياة متأثراً بـ(جراحه)، فما كان منهم إلا وطلبوا مني أن أروي لهم تفاصيل جريمة القتل، وكان أن فعلت مثلما سردتها لك الآن، وما أن ختمت القصة إلا واتصلوا باللواء شرطة عبدالعزيز عوض مدير مباحث الولاية (سابقاً)، والذي بدوره جاء إلى فرعية المباحث، فسألني هل أنت الذي طعنت المجني عليه؟، فقلت : نعم وأدعو الله أن يرحمه، فقال : (بما أنك اعترفت فإن الله سبحانه وتعالي سوف يحلك)، ومن ثم تم إلقاء القبض علىّ في البلاغ والتحري معي ومن ثم مثلت جريمة القتل، والتي بعدها تم إيداعي في الحراسة منتظراً، ومنها نقلت إلى السجن الاتحادي (كوبر)، وظللت فيه إلى أن بدأ انعقاد محاكمتي بمحكمة الخرطوم شمال، وبعد عدة جلسات أصدر قاضي المحكمة حكماً يقضي بإعدامي شنقاً حتى الموت، إذ أن المحكمة قالت في حيثيات القرار إنني متعمد على أساس أنني ترددت على المكان أكثر من مرة، إلا أن أهل المرحوم قبلوا بـ(الدية) التي أنقذتني من حبل المشنقة، والتي على إثرها أمضيت أربع سنوات خلف القضبان (أدبية)، وكان أن قضيتها في السجن، ومن ثم أطلق سراحي قبل شهرين من تاريخه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق