من المؤكد أن مهمة الحكومة الانتقالية خلال الثلاث
سنوات القادمة ستكون في غاية الصعوبة لما ورثته من وزارات، مؤسسات، شركات، مصارف ومشاريع
أقل ما توصف به أنها منهارة تماماً بسبب (فساد) نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على
مدى ثلاثين عام متصلة، مما أدى إلى استشرائه في معظم مفاصل الدولة العميقة، وهذا العمق
نابع من طول فترة حكم البلاد ، ولا سيما أنه ترك أثراً بالغاً بالسلبية في إدارة الملفات
السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية، مما أدى إلى تهتك نسيج المجتمع
في شتي مناحي الحياة، والتي سعي في ظله البعض سعياً حثيثاً للمحافظة على القيم والأخلاق
رغماً عن الظروف القاسية التي وضعه فيها نظام الحكم البائد ، لذا يتطلب الأمر ممن تصدوا
للتغيير في البلاد أن يبدءوا بتفكيك الدولة العميقة أولاً، خاصة أنها وظفت كوادرها
بالولاء وليس الكفاءة، وعندما فعلت ذلك كانت ترغب في ضمان استمراريتها، وأمثال هؤلاء
يجب اجتزازهم من جذورهم حتى لا يضعون المتاريس أمام الخطط والبرامج التنموية في بلاد
منهكة أصلاً من سياسات النظام السابق، الذي قضي على الأخضر واليابس، وانتهك الحقوق
في كافة بقاع السودان، وذلك بالاقصاء المتعمد، فمن يخالف ايدلوجيات نظام الرئيس المخلوع
عمر البشير، فإن مصيره الابعاد قسرياً أو ملاحقته بالبلاغات واوامر القبض أو الزج به
في المعتقلات، هكذا استطاع النظام الديكتاتوري استنزاف الموارد الاقتصادية، ودمر الوزارات،
المؤسسات، الشركات، المصارف والمشاريع الحيوية مثلاً مشروع الجزيرة، فهي جميعاً لم
تسلم من (الفساد) المقنن الذي استشري بصورة لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ الاستقلال،
والاتجاه على هذا النحو أدخل السودان في نفق مظلم ، وذلك من واقع أنه لم يراع المصلحة العامة بقدر ما أنه راع المصالح
المرتبطة بالأشخاص المنتمين إليه، فالأمر برمته لم يكن خارجاً من الاتجار بالايدلوجيات
سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، لذا ظل نظام المخلوع عمر البشير يمضي
بها إلى حتفه الأخير رغماً عن أنه كان جاثماً على صدر الشعب السوداني ثلاثة عقود، وهذه
الثلاثة عقود لوث من خلالها البلاد بـ(الفساد) الذي فاحت رائحته في كل مكان لدرجة أنه
ازكم الانوف، وبالتالي كان هو لاعباً أساسياً في الإطاحة بالنظام المعزول الذي لم يهنأ
في إطاره محمد أحمد الغلبان بحياة كريمة، وذلك منذ 30 ﻳﻮﻧﻴﻮ 1989م.
رغماً عن فشل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير طوال
السنوات إلا أنه كان يكابر بالمزيد من الفشل الذريع، والذي يستخدم في ظله السياسات
والاساليب الهادفة لفرض مشروعه الإقصائي للأحزاب والتنظيمات السياسية من المشهد السياسي،
وفي مقدمتها حزب الأمة القومي والحزب الإتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي، مما سهل
له السيطرة على مقاليد الحكم بشكل مطلق، واعتمد على بعض التنظيمات الإسلامية الداعمة
لخطه، ووظفها بما يروق له، بالإضافة إلى الإستفادة من بعض الكيانات الآخري، مما جعل
الخرطوم قبلة للمتشددين من التيارات الإسلامية، والتي ظهرت علناً في تسعينيات القرن
الماضي وأبرزها (كارلوس) و(أسامة بن لادن) وغيرهما، مما أدخل البلاد في صراع دولي قاد
دولاً عظمي لمناهضة سياسات النظام السابق الخاطئة، وبلا شك هو تمادى في ارتكب الخطيئة
التي دفع على إثرها الشعب السوداني الثمن باهظاً.
وبما أن الشعب السوداني شعباً واعياً ومدركاً لحقوقه
انتفض ضد الظلم، وقضي عليه من خلال ثورته المجيدة رغماً عما مارسه نظام المخلوع من
إقصاء، تهميش، تشهير، تعذيب وقتل بصور متعددة وفقاً لسياساته الداخلية والخارجية التي
كانت فاشلة تماماً، مما نتج عنها معاناة المواطن السوداني معاناة لا نهاية لها ، وضاعف
منها وضع السودان في عزلة عن المجتمع الدولي.
ومما ذهبت إليه، فإن مهمة وزراء الحكومة الانتقالية
ستكون صعبة جداً، خاصة وأن أغلب الوزارت أن لم يكن جميعها تعاني الأمرين من سياسات
النظام البائد، لذا تحتاج إلى إعادة هيكلتها، ومراقبة القرارات الوزارية لتنفيذها بالصورة
المثلي للخطط والبرامج الموضوعة حتي لا تواجهها أية عقبات، لذا يحتاج الوضع الراهن
إلى تضافر كل جهود أبناء الوطن من أجل العبور بالبلاد إلى بر الأمان.
من المعروف أن كل الأمور في السابق كانت قائمة على
الولاء لنظام المخلوع عمر البشير، والذي بدوره منح امتيازات لم يكن يحلم بها إياً من
حظي بها، وذلك من خلال (الفساد) الذي عم القري والحضر، والذي تمثل في الاتجار، الصفقات،
العقودات، السمسرة والخ، وبالتالي من أهم النقاط الواجب الالتفات لها حاضراً، هي أن
هنالك وزارات شملها (الفساد)، وتحتاج لتوفيق أوضاعها لكي تعود مؤسساتها، شركاتها، مصارفها
ومشاريعها إلى وضعها الطبيعي من حيث هياكل الوزارات، ومع هذا وذاك يجب اتخاذ قرارات
من شأنها القضاء على تجاوزات إدارية لبعض الوزراء السابقين، والذين كان معظمهم بلا
سلطات على مؤسسات، شركات، مصارف، ومشاريع تتبع له.