الخميس، 11 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب : مبروك الاتفاق

.............
لم أكن مندهشاً لتوقيع الاتفاق التاريخي بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وذلك بعد وساطة قادها أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، والاتحاد الأفريقي، وقد نجحا في تذويب نقاط الخلاف، وعدم اندهاشي نابع مما يجري من أحداث متسارعة في البلاد كانت تحتاج إلى إرادة سودانية لإيجاد الحلول الناجزة التي تحققت وفق مفاوضات وضعت النقاط فوق الحروف، وقطعاً سوف تعيد للسودان توازنه المفقود منذ ثلاثة عقود رغماً عن التحديات التي تنتظر الحكومة في المرحلة الانتقالية، خاصة في الجوانب الاقتصادية، لذا صبر إنسان السودان على الطرفين للاتفاق السياسي المفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تنتظرها ملفات كثيرة أبرزها محاسبة الرئيس المعزول عمر البشير ورموز نظامه على الجرم الذي ارتكبوه في حق الشعب السوداني، وتقديم كل المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، واجتزاز (الفساد) المستشري في مؤسسات الدولة العميقة، وتقديم المتهمين إلى محاكمات تعيد للشعب السوداني حقوقه المسلوبة خاصة وأنه خلع النظام البائد بعزيمة وإصرار نابعان عن قناعته بأن السودان لا يحتاج إلى الأفكار الانتهازية، وبالتالي أي نظام حكم لا يضع المواطن من ضمن أولوياته، فإن مصيره سيكون مثل سابقه الذي استقل الديانة الإسلامية وتطبيق الشريعة لتحقيق مكاسب شخصية، وهي المكاسب التي كشف عنها الفريق أول صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق من خلال فتحه ملف (الفساد) في البلاد، والذي فاحت رائحته لدرجة أنه أزكم الأنوف، ويعتبر (قوش) لاعباً أساسياً في انهيار سلطة الطغيان، إذ أنه قدم دعماً للمد الثوري الشعبي الهادر. 
مضي على الثورة الشعبية سبعة أشهر منذ انطلاقة شرارتها الأولي من مدينتي (عطبرة)، والتي نجحت بصمودها وجسارتها في أن تشجع المدن والمناطق السودانية للتظاهر ضد نظام الديكتاتور (البشير)، والذي جري اعتقاله فيما بعد، وإيداعه خلف قضبان السجن الاتحادي (كوبر) مع عدد من رموز نظامه الذي كان يدرك أنه يمضي نحو الهاوية، ومع هذا وذاك لم يعد الشعب السوداني يطيقه خاصة وأنه غير صادق في سياساته، مما حدا به أن يلغنه درساً بليغاً في القيم والأخلاق التي هزمته بها باستخدام سلاح الثورة الشعبية السلمية. 
من المعروف أن النظام السابق كان مدخله للسلطة الديانة الإسلامية وتطبيق الشريعة ولولا هذا المدخل لما استطاع الاستحواذ على الحكم ثلاثين عام مارس من خلالها الانتهاكات اللإنسانية، وعاش فساداً في الأرض، ورغماً عن ذلك صبر عليه عسي ولعله يعود إلى رشده، ويرد الحقوق إلى أهلها، إلا أنه لم يفعل بل تمادي في غيه، لذا لم يكن هنالك حلاً سوي أن ينتفض الشعب السوداني في وجه السلطان الجائر الذي تم اقتلاعه من خلال الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، والذي بعده تم توقيع الاتفاق بين المجلس العسكري الإنتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسَه، أين اختفي أنصار نظام عمر البشير الذين كانوا يملئون الدنيا بالتسلط والفساد، وما هو مصيرهم بعد تشكيل الحكومة المدنية، وهل أقروا بالفشل الذي ظل يلازمهم على مدي ثلاثين عام أم أنهم سيواصلون الصمت، أم أنهم سيستغلون منابرهم الإعلامية والصحفية للتشكيك وتثبيط الهمم في الفترة المقبلة، وهل يأملون في أن يجدوا أذناً صاغيه بعد الفشل الذريع سياسياً واقتصادياً، فما جري قبلاً يحتاج منا للتفكير جدياً في مستقبل البلاد وفقاً لما يلبي آمال وأشواق الشعب السوداني الذي عبر عن فرحته بالاتفاق بين المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير التي أكدت أنها لديها رغبه أكيدة في إحداث التغيير الحقيقي، وإعلاء قيم الحرية، السلام والعدالة، وهو الأمر الذي جعل الشعب السوداني يساندها بثورته المدهشة، لذا السؤال الذي يفرض نفسه في الراهن السوداني، ما الذي نتوقعه من الحكومة المدنية في الفترة الانتقالية خاصة وأن الدولة العميقة مازالت متغلغة في كل مفاصلها، وذلك منذ الإطلالة الأولي لثورة الانقاذ الوطني بالانقلاب الذي وظفت في إطاره كوادرها بالولاء، وبالتالي كان الاعتقاد السائد هو أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لا يمكن الإطاحة به إلا من خلال انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية، وهي الثورة التي تنبأ بها زعيم الإسلاميين الدكتور الراحل عبدالله حسن الترابي.

الأحد، 7 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب : لماذا ساند الفريق صلاح قوش الثورة الشعبية ضد نظام البشير؟



.............
تعتبر الثورة الشبابية السودانية ناجحة بكل المقاييس والمعايير كون أنها حققت ما تصبو إليه، وساعدها على تحقيق ذلك الفريق أول مهندس صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق، والذي قاد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير برؤيته الأمنية نحو الهاوية مستفيداً من الثورة الشعبية للقضاء عليه، وعلى خلفية الراهن السوداني وقتئذ تم استدعائي من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك قبل انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبية من مدينتي (عطبرة) باعتبار أنني ناشطاً عبر الإعلام الحديث، ومؤسساً لشبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، الشبكة المنتشرة عبر المواقع الإلكترونية، عموماً تلقيت مساء (الأربعاء) السابق للشرارة الأولي للثورة الشعبية اتصالاً هاتفياً من ضابط أمن برتبة (مقدم)، اخطرني بدوره بالمثول أمامه في مكاتب جهاز الأمن الساعة السادسة مساء، إذ أنه كان لحظة الإتصال في اجتماع برئاسة الجهاز، وعلىّ الاتيان إليه عقب ذلك، وعندما أزفت الساعة كنت حاضراً في الزمان والمكان المحددين، وبما إنني لا أعرفه ولا علم لي بسبب الاستدعاء أصلاً، اتصلت على على رقم هاتفه، فرد على مؤكداً أنه انتهي من اجتماعه الأمني لتوه، وكان أن اصطحبني إلى مكتبه، واستخرج من درج مكتبه أوراقاً، ثم بدأ التحقيق الأمني معي حول شخصيتي، وانتمائي السياسي ومن يمول شبكتي الإخبارية، وما أن رديت على تلك الأسئلة، إلا ووجه لي عدداً آخراً منها، وكان أن اجبت عليها مؤكداً أنني أسستها في العام ٢٠١٠م، عبر الإعلام الحديث (قوقل)، (تويتر)، (الفيس بوك) و(الواتساب)، ومنذ ذلك التاريخ وإلى هذه اللحظة التي يتم فيها التحقق معي وصل عدد أعضائها أكثر من (٣٠٠٠٠٠) ألف عضو، وهم جميعأ أمنوا بالفكرة، وأهدافها الرامية لإيصال رسالة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية تحفظ إنسان السودان من الشائعات، والتي تضج بها الاسافير، وما أن انتهي من التحقيق، إلا واتضح لي بما يدع مجالاً للشك أن النظام البائد فقد السيطرة على مقاليد حكم البلاد، وقلت في قرارة نفسي أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ذاهب.. ذاهب، المهم أن (المقدم أمن) سمح لي بمغادرة مكاتب جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وما أن غادرت مكتبه مروراً بالاستقبال الإ وتفاجأت بأن هنالك استمارة مطبوعة من عدد من الصفحات تنتظرني للإجابة على الأسئلة المضمنة فيها، والتي ربما رديت على معظمها في التحقيق الذي اجراه معي ضابط الأمن على الورق، فلم يكن أمامي بداً سوي أن أجلس في الاستقبال للإجابة عليها، وفي آخر صفحة طلب مني أن أرسم رسماً (كركيا) لمنزلي
فيما تركز التحقيق على نشري لمادة كتبها الدكتور الداعية الإسلامي محمد الحكيم، والذي كتب (بوستاً) عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) عن سيدة تلقي منها اتصالاً هاتفياً، مشيراً إلى أنها تطلب فتوى حول التواصل بينها وزوجها، موضحاً أنها قالت إن زوجها لا يلتقي بها في الأسبوع إلا مرة واحدة، فما كان منه إلا ووجه لها بعضاً من الأسئلة المتمثلة في ماذا يعمل زوجها، فردت عليه أنه يعمل موظفاً في احدي المؤسسات، وعند انتهائه من الدوام اليومي يواصل العمل في دوام ثاني بسيارته الخاصة (ترحال)، ثم سألها من الذي يقف لكم في صفوف (الخبز)، (البنزين) و(الصراف آلي)، ومن الذي يذاكر الدروس للأبناء؟، فردت عليه مؤكدة هو، فقال لها يجب أن تعذريه أو أن تشتكي (معتز موسى) لله، وكان وقتئذ معتز موسي رئيس وزراء، ووزير مالية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي تمت إقالته من منصبه، وتعيين الدكتور محمد طاهر ايلا خلفاً له، ومما أشرت له تأكدت أن الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش يبحث عن النشطاء المؤثرين عبر الإعلام الحديث، وذلك من أجل معرفة توجهاتهم السياسية، ومدي تأثيرهم في الرأي العام خاصة وأن (العولمة) ووسائطها سيطرت على المجتمع السوداني في الداخل والخارج، والتي تم توظيفها في دعم الثورة الشعبية التي فرضت على قوات الشعب المسلحة التدخل للإطاحة بالنظام السابق، والذي لم يسلم من جبروته حتى الموالين له، وبانحياز الجيش وقوش للثورة الشعبية تحقق لها النجاح الذي تصبو إليه، والذي ضحي في إطاره عدداً من خيرة الشباب، وأذكر منهم الشهيد عبدالسلام كشة، والذي استشهد ضمن من استشهدوا أمام مقر القيادة العامة حيث أنه ظل يكافح وينافح ويناضل ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وذلك منذ أن كان طالباً.
فيما يحفظ للفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش سماحه للمتظاهرين بالتوجه إلى ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في السادس من أبريل من العام ٢٠١٩م، مستفيداً من الحراك الشعبي لإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي سبق واتهمه بمحاولة الانقلاب عليه، فتم إيداعه خلف قضبان السجن، ولكن مهما كان اختلافنا معه في كيفية إدارته للملفات الأمنية داخلياً وخارجياً إلا أنه يظل واحداً من عوامل النجاح الأساسية للثورة الشعبية في السودان رغماً عن أن دوافعه كانت دوافع شخصية، وما سهل له مهمته هو أن (البشير) كان يبحث في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المتوالية عن مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد أن فشل الفريق أول مهندس محمد عطا من إخراج النظام البائد من ذلك النفق المظلم، والذي قاده إليه (الفساد) والإصرار على الاستمرار في حكم البلاد، والتي ظل يحكمها على مدي ثلاثين عام، وكان يريد المزيد من السنوات، وذلك من خلال التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات للعام 2020م، وهو الأمر الذي استفز الشعب السوداني، بالإضافة إلى التصريحات غير المسئولة من بعض قيادات الحزب الحاكم، مما دفع أهالى مدينة (عطبرة) بولاية نهر النيل للخروج في تظاهرات عنيفة في ديسمبر من العام ٢٠١٩، وهي كانت الشرارة الأولي للثورة الشعبية العفوية، والتي شجعت بقية مناطق ومدن السودان المختلفة للمضي قدماً في ذات الاتجاه التصعيدي، والذي أفضي في النهاية إلى التخلص من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مارس اصنافاً من التعذيب الجسدي والمعنوي، كما أنه مارس أيضاً القمع، القهر، الإزلال، الإهانة، الظلم، التهميش، التشهير، الاعتقال، القبض، وسفك دماء الأبرياء، ومع هذا وذاك انتهج سياسة خارجية سيئة الذكر، فتارة يتحالف مع المحور الإيراني، وتارة أخرى مع الحركات الراديكالية الممتدة في الوطن العربي، مما جعل علاقته الدبلوماسية مع أمريكا والغرب وبعض دول الخليج ومصر، وليبيا يشوبها الكثير من الشوائب، وهو الأمر الذي يجب تداركه في المستقبل، وتصحيح مساره بما يعود على البلاد بالمنفعة، فلا أري سبباً واحداً يدعنا نغامر في ملف السياسات الخارجية من أجل تحقيق أجندات شخصية، فدائماً الأجندات الذاتية تقود البلاد عموماً إلى عدم الاستقرار السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، وعليه فإن الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية ينهي دولة الرئيس المخلوع عمر البشير العميقة.
إن الشعب السوداني يرغب بشدة في أن تكون السلطة الحاكمة في البلاد (مدنية)، وذلك من أجل تحقيق طموحاته، آماله وأشواقه خاصة بعد الإطاحة بالنظام السابق، والذي خلف العديد من الآثار السالبة، والتي يجب على المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير الاعتماد على الدستور وسن القوانين المنظمة لحركة المجتمع خلال الثلاث سنوات الانتقالية، بالإضافة للتوصل إلى تفاهمات مع الحركات المسلحة حتى لا نشهد في هذه الفترة صراعات، فهي الصراعات التي خلقها نظام المنزوع عمر البشير الذي عمل على الفتنة التي صنعها بين مكونات المجتمع السوداني بالقبلية والطائفية والجهوية، مما أدي إلى ظهور حركات مسلحة في المشهد السوداني، والذي يستوجب في الحكومة الانتقالية أخذ الحيطة والحذر في إطاره، وذلك من خلال وضع الخطط برؤية نافذة للأوضاع الراهنة المتطلبة انتقالاً سلساً للسلطة في السودان.
ومما ذهبت إليه، فإن الشعب السوداني خرج للشارع في ثورته الأولي في بداية العام 2018م، وذلك على خلفية الزيادة التي أقرها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أسعار (الخبز)، مما دل على أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد وفق رؤية اقتصادية تدع المواطن يعيش حياته بكرامة، وهو الأمر الذي فرض على رأس الدولة السابق أن يبحث بين الموالين له عن رجل أمن قوي يدير له المرحلة (الحرجة) التي يمر بها في تلك الأثناء، فلم يكن أمامه خياراً سوي الفريق أول مهندس صلاح عبدالله (قوش)، والذي عينه مضطراً مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي سبق أن عزله منه في العام 2009م، المهم أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بدأ يتخبط في اتخاذ القرارات منذ العام ٢٠١٣م، وذلك من أجل البقاء في السلطة أطول فترة، وعليه يعتبر المهندس قوش صاحب طموح سياسي وأمني لا محدود، وذلك من واقع أنه يمتاز بالنبوغ، والذي ظل ملازماً له منذ أن كان طالباً في كلية الهندسة ـ جامعة الخُرطوم، والتي أطلق عليه فيها لقب (قوش) الذي انتمى للجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي، وكان آنذاك مسئولاً عن المعلومات الخاصة بالتنظيم، وظل على ذلك النحو إلى أن تخرج من الجامعة في العام 1982م .
بينما نجد أن السودان شهد انتفاضة (إبريل) في العام ١٩٨٥م، والتي استطاعت أن تخلع نظام الرئيس المشير الراحل جعفر محمد نميري، ومن ثم تولي المشير الراحل سوار الدهب رئاسة الفترة الانتقالية لمدة عام، ثم احتكام الأحزاب إلى صناديق الاقتراع، والتي فاز بها الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، والذي انقلبت على شرعيته ثورة الإنقاذ الوطني، والتي آتي بها الإسلاميين في العام 1989م، وبالتالي ظل المهندس صلاح عبدالله قوش يدير جهاز الأمن الداخلي للحزب الحاكم، ومن ثم عين ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي تدرج فيه إلى أن أصبح مدير إدارة العمليات.

سراج النعيم يكتب : إدهاش العالم بالسلاح السلمي

..............
أثبتت الثورة الشعبية قدرتها على إدهاش العالم بالسلاح السلمي الذي استخدمته منذ بذوق فجرها المجيد في سماوات السودان، وعلى خلفية ذلك استطاعت كشف الغطاء الزائف عن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ومنظومته الأمنية المعتمد عليها كلياً للبقاء في السلطة أكثر من الثلاثين عام لدرجة أن اعتقاداً بدأ يسود الأوساط السودانية بأن السودان ما عاد لنا، خاصة وأن النظام البائد اختزله في طائفة حزبية محددة، مما جعلنا نبحث عن مرحلة مفصلية جديدة لتاريخ السودان الحديث، وهي قطعاً تحتاج منا إلى إعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، والذين يتوقون للحرية، السلام، العدالة والتنمية المستدامة، وهي لا تحتمل أي عبث أو محاولة الانفراد بالسلطة كما فعل نظام المعزول عمر البشير في وقت سابق، والذي لم تكن من أولوياته نهضة البلاد بقدر ما كان يحصر تفكيره الضيق في إطار كنز الأموال بـ(الفساد) الذي استشري في البلاد، وذلك من خلال اعلاء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، لذا لم يكن أمام الشعب السوداني خياراً سوى أن يخرج إلى الشارع، والذي لم يخذله بأن سطر ملاحماً ثوريةـ وطنية ـ تاريخية رائعة قادت البلاد إلى الاستقلال من الحكم الديكتاتوري.
يجب أن ننأي بأنفسنا عن المهاترات والإسفاف، ويجب أن ندخر المجهود الذي نبذله في ذلك إلى التفكير في التنمية، ومواكبة التطور الذي يشهده العالم من حولنا، وهو الأمر الذي يحتاج منا الصبر لسنوات آخرى خاصة وأننا صبرنا على النظام السابق لدرجة أنه أفقر العباد والبلاد إفقاراً لم تشهد له مثيلاً، وذلك منذ استقلال السودان، والذي ظل يركن إلى الظلام الذي حل على البلاد من خلال الانقلاب العسكري في العام ١٩٨٩م، فمنذ ذلك التاريخ تأكد لنا تماماً أننا أمام تحد كبير، لذا ظللنا نذود عن الوطن، والذي شهدنا في إطاره اصنافاً من الإرهاب الفكري، والذي جعل الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية تعاني الأمرين في سبيل إيصال رسالتها المقيدة بالقوانين المشرعة تفصيلاً لحماية النظام، مما نتج عن ذلك الإيقاف، المصادرة، الاستدعاءات، البلاغات، القبض والاعتقال، ورغماً عن ذلك ظلت الأجهزة الإعلامية والصحافة يعملان في ظروف صعبة جداً .
فيما ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير يصنع الأزمات المتوالية لإيجاد الحجة التي تهيئ له وأد الوسائل الإعلامية مسموعة، مرئية، ومقروءة كلما تناولت الراهن السياسي، الاقتصادي، الإجتماعي، الثقافي، والفكري بشفافية مطلقة، هكذا ظلت تفعل تكراراً ومراراً على مدي ثلاثين عام ، فيما عمد النظام البائد على ترغيبها وترهيبها حتي لا ترسم صورة مغايرة للواقع السوداني الملئ بـ(الفساد)، والذى لا يمكن أن ينخدع في إطاره الشعب السوداني الواعي- المدرك تماماً لهذه الحقائق، والتي لم تدع له مجالاً للظن الحسن في إدارة النظام السابق للبلاد، والذي صبرعليه صبراً منقطع النظير، وذلك على أمل أن يعود إلى رشده، ويقدر ذلك الصبر إلا أنه كان يتمادي في غيه، والذي قاده إلى طريق اللاعودة، وبالتالي اختار الطريق المضني، ومع هذا وذاك حاول تسديد طعنات نجلاء بالثورة المضادة، والتي لم تصمد طويلاً أمام إرادة الشعب السوداني ، المهم أن نظام الرئيس المعزول عمر البشير ابتدع أفكاراً لا تمت للقيم والأخلاق الإنسانية شيئاً، و سهل للخيانة والتسلق على أكتاف الضحايا ، لذا لم تكن إدارتهم للمعركة مع الخصوم الألداء تصب لصالحه لأنها مستندة على السقوط في براثن السلطة وتطويعها كيفماء يشاءون استناداً على السلطة الممنوحة للأجهزة الأمنية، ولعمرى هي ارتكبت جرائراً في حق إنسان السودان ظلماً وسفكاً للدماء، لذا وجب المضي قدماً في الطريق الوفاقي للخروج بالبلاد إلى بر السلام، وتنسم دعاش الحرية، والسلام والعدالة التي ظل الشعب السوداني يذود عنها بما يحفظ للإنسان حقوقه المهضومة ثلاثة عقود، والتي مارس في ظلها نظام المخلوع صنوفاً من الظلم، والذي يتم وإصباغه بالقوانين المتوافقه مع أفكارهم المدمرة لكل من يخالفهم الرأي والتوجه المهدد للفكر والأيدلوجيات ، و التي استعان بها للخطط السوداء المنجرف بها نحو تيارها الاثن، وعليه فنحن على قناعة راسخة بأن الأحزاب والتنظيمات السياسية ستظل في خلافاتها الأيدولوجية القائمة على مناخ غير ديمقراطي، وهذا يستوجب قوانين تزيل عن الأذهان السوالب الماضية التي اجهضت كل آمال وأشواق الشعب السوداني، وكان ذلك يحدث نسبة إلى أن الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاشلة تسعي إلى سرقة الثورة الشعبية، والتي خرجت عفوية للشارع، وذلك من أجل تبيان الرؤىة الصحيحة، لذا سيثبت التاريخ من خلال المستندات الوثائقية من خان الوطن، ومن سجل اسمه في دفاتر برلمانات النظام السابق، ومن اجتمع مع مدير أمن البلاد للانقضاض على الثورة الشعبية.

الخميس، 4 يوليو 2019

سراج النعيم يكتب : الأوضاع الاقتصادية (هيهات لك)

كلما تأملت الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الإجتماعية، الثقافية والفكرية في البلاد يتبادر إلى مخيلتك بشكل مباشر سورة (سيدنا يوسف) عليه السلام، فهي السورة التي تجسد الواقع الراهن الذي يجد فيه الشعب السوداني نفسه محاصراً في نطاق ضيق جداً، فليس هنالك حلاً يحقق له ما يصبو إليه، وذلك يعود إلى أن الطرفين اللذين يفترض فيهما الخروج به والبلاد إلى بر الأمان يختلفان في بعض النقاط، ولسان حالهما يقول : (هيهات لك)، فيما يردد الشعب المغلوب على أمره بصوت عال (معاذ الله)، فالشعب السوداني عاني ما عاني خلال ثلاثة عقود من عمر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مارس كل أنواع الظلم، القهر، القمع، التهميش، الإذلال، الإهانة وسفك دماء الأبرياء، لذا على من يتصارعون للظفر بالسلطة الإسراع للتوصل إلى إتفاق يحفظ للشعب حقوقه كاملة لا منقوصة، فهو عندما ثار ثورته ضد النظام البائد، والتي تهدف للإطاحة به خاصة وأنه ظل جاثماً على صدور الناس البسطاء ثلاثين عام لم يحتمل أن يزيد عليها يوماً واحداً، لذلك كان حاضراً في الشارع والشوارع لا تخون من يبحث عن حريته الشخصية، الإعلامية والصحفية المسلوبة عمداً لإخفاء (الفساد) الذي فاحت رائحته النتنة، كما أنه كان يفصل القوانين على مقاسه لحماية أجندته الخفية والظاهرة، ورغماً عن ذلك صبر الشعب السوداني صبراً منقطع النظير، نعم صبر على الإبتلاء، نعم صبر صبراً يحسد عليه إلا أن الإنسان لديه طاقة احتمالية محدودة، ما أن يتجاوزها إلا وانتفض في وجه الظلم، وبالتالي كانت الانتفاضة التي حققت ما يرمي إليه الشعب السوداني الذي أنتج طفرة نوعية في الثورات التحررية التي شهدها العالم على مر تاريخه الحافل بها، وذلك في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية المثيلة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي يتهم بإرتكاب جرائم في حق الإنسانية شمالاً، جنوباً_شرقاً، غرباً، وظل يمارس هذا النهج الذي راح ضحيته عدداً كبيراً من الشباب الاعزل، وكما تعلمون فإن الشباب هم وقود المستقبل، لذا ظلوا يكافحون في سوح النضال دون أن يغمض لهم جفناً، وذلك من أجل حياة يسودها الأمن، الاستقرار، الحرية المحكومة بالعادات والتقاليد السودانية غير المنفصلة عن الديانة الإسلامية، بالإضافة إلى الإنصاف والعدل بين الجميع بغض النظر عن السلطات التي يتمتع بها الشخص المنتهك للقانون، وهذا لن يتحقق في صورته المثلي إلا في ظل حكومة مدنية، وعليه فإن كل تلك التضحية التي تمت في سماوات السودان تستوجب الإرتقاء بالمفاهيم السلطوية سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً ، كما أنها تستوجب أيضاً تنمية الأفكار الإيجابية التي يرتأ إليها الشرفاء من أبناء بلادي، والذين ظلوا يواجهون طغيان النظام السابق بكل جبروته ، وبالتالي لم يسلم من قهره إنسان السودان عموماً، وبالرغم عن ذلك كله فإنه عبّر صراحة عما يعتمل في داخله المرهفة، وذلك من خلال الشعارات الرنانة، الجاذبة وبالأغنيات، الأهازيج والقصائد المعبرة عن الفرحة العميقة والعفوية لسقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، النظام الذي ظل يفسد في الأرض فساداً لم يخطر على البال دون كلل أو ملل، إلا أن الثورة الشبابية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) تمكنت من أن تضع حداً لهذا الظلم الذي مارسه النظام السابق وأجهزته الأمنية الباطشة، ورغماً عن ذلك لم تستطع إيقاف المد الثوري الذي استطاع بإصراره الإطاحة به بالرغم من أن كل خيوط المشهد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري قد اجتمعت لديه، مما جعل مقاليد السلطة احادية لدى الحزب الظالم أقصد الحزب الحاكم على مدى ثلاثين عام برئاسة (المعزول)، والذي استخدمته آنذاك الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي في الانقلاب العسكري الذي نفذته على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي في العام ١٩٨٩م، وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه هل التنظيم الإسلامي في البلاد يقف خلف معظم الانقلابات العسكرية في البلاد إن كان بالمشاركة الفعلية أو التخطيط المباشر أو غير المباشر؟.
برغم عما أشرت له إلا أن النظام البائد لم يصمد طويلاً أمام ثورة الشعب السوداني، والتي فرضت عليه واقعاً مغايراً لما كان يتوقعه، مما قاد إلى الإطاحة به بالاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، وجاء ذلك بعد مقاومة ثورية فرضت على النظام البائد الاعتراف بفشله الذريع في إدارة البلاد خاصة وأن الفساد استشرى في كل مؤسسات الدولة، ومع هذا وذاك ظهر التواطؤ من البعض مع متهمين في قضايا (فساد)، كما أنه لم يكن جاداً في عملية الإصلاح السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، عموماً فتح ملف (الفساد) من خلال الفريق أول مهندس صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق لعب دوراً طليعياً في إلقاء القبض على بعض المتهمين إلا أنه اصطدم بواقع لم يكن في الحسبان، لذا لم تمض الإجراءات في مواجهتهم، وبالتالي لم يقدموا للمحكمة.
بينما أثبت الدكتور المفكر الإسلامي حسن عبدالله الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي السابق أنه إنساناً نظيفاً، ولم يرد اسمه ضمن الأسماء التي ظهرت في ملف (الفساد)، لذلك كان شجاعاً وجريئاً في طرحه وتناوله للشأن السياسي، خاصة عقب المفاصلة الشهيرة، والتي بدأ بعدها النظام في التخبط، وعدم تمكنه من إدارة البلاد بالصورة المثلي، والتي خطط لها عرابها الترابي الذي يعد الركيزة الأساسية للإسلاميين الذين لم يستفيدوا من فترة الحكم الطويلة نسبة للصراعات، النزاعات والانقسامات التي تتقلب عليها المصلحة الشخصية، وما أن أكتشف بعض من يتبعونهم ذلك إلا وتجاوزوا الفكرة تماماً، خاصة وأن الفكرة مبنية على الأيديولوجيات.
مما لا شك فيه فقد دفع الشعب السوداني ثمناً غالياً قدم بعده درساً، بليغاً في كيفية إدارة المعارك مع الأنظمة الديكتاتورية، الاستبدادية والقمعية التي حكمت البلاد دون أن تحقق له ما تصبو إليه، وبالتالي هي كانت بعيدة كل البعد عن شعاراتها الزائفة، وعليه فإنه لم يكن يلتزم بالمؤسسية، بالإضافة إلى أن هنالك مجموعات انتهازية تشكلت من مناحي حزبية وتنظيمية، وهي كانت إما مشاركة أو داعمه للنظام السابق، لذا كانت رؤيتهم لا تتجاوز ظلم، إذلال، إهانة، قمع، قهر، تهميش، وتشهير لكل من يخالف نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الرأي أو يعارض سياساته المتبعة لإدارة البلاد.

مقتل 30 مهاجراً بضربة جوية في طرابلس من بينهم سودانيين


لعله ليس من الصعب فتح الآفاق في وجه الأحداث الدموية بليبيا، خاصة وأن الدولة المعنية أمضت أكثر من أربعة عقود تحت مظلة حكم الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي تواجه مواجهة بيروقراطية متجذرة داخلياً وخارجياً، وبما أن السودان والسودانيين في أجندة اهتمام النظام الحاكم هناك، دعونا نواصل كشف الجرائم الإنسانية والأخلاقية المرتكبة في هذا الإطار من خلال سلسلة (عائدون من جحيم الموت والهلاك بليبيا)، خاصة وأن الكثيرين من السودانيين واجهتهم ظروف صعبة جداً في ظل أحداث العنف الدموية، وهي قطعاً ألقت بظلالها على أوضاع السودانيين المقيمين هناك بمدن ومناطق الصراع المتصاعد الوتيرة بين قوات الحكومة الشرعية والمعارضة العسكرية التي يتزعمها اللواء حفتر. 
ومما ذهبت إليه فلا ينكر إلا مكابر الواقع الدموي الذي عاشه وشاهده السودانيين بليبيا، خاصة بعد الاتهام الذي طالهم بالإرتزاق لصالح المعارضة العسكرية الأمر الذي وضعهم أمام خيار صعب، بالإضافة إلى السودانيين الذين يهاجرون من خلال تجار البشر، وفي هذا السياق لم يكن (عمر) الشاب البالغ من العمر (25) ربيعاً يدرك أنه سيرى الهلاك والموت بعينيه وأن يتعرض للنصب والاحتيال من عصابات الهجرة غير الشرعية، وأن يذوق ويلات السفر عبر الصحراء، بل يعرض حياته للخطر المحدق به من كل حدب وصوب، وذلك أثناء ما هو ماضياً نحو حلمه الذي سلك في إطاره دروباً صحراوية عبر الحدود السودانية المتاخمة لليبيا، أملاً في الوصول إلى دولة ليبيا، ومن ثم يشد الرحال عبر سواحلها إلى أوروبا، وحينما فعل ذلك كان يهدف للهرب من شبح العطالة والفقر المقدع الذي يركن له ، هكذا ظل يبحث عن الرزق الحلال الذي بدأ يضيق كل يوم في ظل سياسات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الاقتصادية بالغة التعقيد.
يروي الشاب (رحلة الموت) قائلاً : قررت بعد الأزمات المتوالية الناتجة عن سياسة النظام السابق أن أسافر إلى ليبيا تهريباً عبر تجار البشر، ومن ثم التوجه منها إلى أوروبا، وكان أن توجهت بنا السيارات نحو وجهتنا بعد الاتفاق على المبلغ الكبير مع السمسارة الذين هم حلقة الوصل بيننا وعصابات الاتجار بالبشر، وبما أن المبلغ المطلوب لم يكن متوفراً تم منحنا فرصة لتدبيره، بالإضافة إلى مبلغ آخر يجب دفعه قبل استغلالنا (مراكب الموت) المتوجهة بنا إلى الشواطىء الطليانية، إلى جانب منصرفات شخصية، المهم أننا تحركنا بالسيارة من غرب مدينة امدرمان، وعندما شارفنا على الوصول إلى وجهتنا تم إنزالنا في أحدي (الكافيتريات) للالتقاء بفرد من أفراد عصابات تهريب البشر، وهو من العوائل الشهيرة في ليبيا، فكان أن قضينا معه يومنا ذلك في الاستراحة المخصصة لنا، ومع إشراقة صباح اليوم التالي استأنفنا الرحلة من خلال سيارة آخري، وعندما تحركت بنا تم إبلاغهم بأن هنالك قوات ليبية قد تعترض طريقهم، فما كان منهم إلا وطلبوا منا أن نرد على من يسألنا بأننا عمال مقاولات، وهكذا استطاعوا تجاوزها.
وأضاف : سافرنا إلى ليبيا رغماً عن علمنا بأنها تشهد اضطرابات في الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى انتشار التنظيمات المتطرفة في معظم المناطق والمدن، مما يجعل السلطات الرسمية تمنع السفر إليها في الوقت الراهن، ولكل هذه العوامل اضطر سائق السيارة إنزالنا منها ليسلك هو طريقاً آخراً نسبة إلى أن الطريق كان وعراً، وما أن تجاوزنا تلك النقطة إلا والتقينا بأشخاص آخرين يعدون العدة للهجرة غير الشرعية أيضاً، ويبلغ عددهم حوالي (40) مهاجراً من جنسيات مختلفة، ونحن جميعاً اصطحبنا شخص يطلق عليه (الدليل) الذي هو على دراية تامة بالطرق والوديان الصحراوية، هكذا ظللنا نسير على الأقدام قرابة الأربع ساعات، مما أسفر عن ذلك إصابتنا بالإرهاق والتعب الشديدين، ما اضطر البعض إلى أن يرموا بعضاً من الأغراض التي كانوا يحملونها في تلك الأثناء ولا يحتاجون إليها في الوقت الحاضر، ورغماً عن ذلك تعرض البعض إلى الإغماء، إما البعض الآخر فقد القدرة على السير تماماً، فلم يكن الليبي الذي كان يقودنا كالقطيع أن يطلب من المهاجرين الذين يعجزون عن مواصلة السير العودة كيفما جاءوا.
وأردف : المهم أننا عانينا معاناة كبيرة في ظل الوديان والكسبان الرملية، وهي كانت سبباً مباشراً في سقوط البعض منا على الأرض، وذلك يعود إلى عدم احتمال طول المسافة التي قطعناها سيراً على الأقدام، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هنالك من فارقوا الحياة، ولم نكن نلتفت إلى من يسقط لعدم توفر إمكانية إسعافه، هكذا مضينا نحو وجهتنا إلى أن حل علينا الظلام الدامس، مما جعل الشخص الليبي (الدليل) يأمرنا بالاصطفاف وآراءه، قائلاً : (كل من يفقد طاقته فإنني مضطراً إلى أن أدعه في هذه الصحراء القاحلة يجابه مصيره، ولم ينته من حديثه إلا وبدأت بعض الحيوانات تتحرش بنا، عموماً تجاوزنا تلك المرحلة التي عرضنا أنفسنا فيها إلى الهلاك والموت، وعندما وصلنا ليبيا كانت معاناتنا الاشد من نوعها، إذ أن تجار البشر اقتادونا إلى مكان بعيد عن السلطات المختصة، ومن ثم طلبوا منا الإتصال بأسرنا من أجل أن يدفعوا لنا المبالغ التي تتيح لنا فرصة نقلنا من الشواطئ الليبية إلى السواحل الإيطالية، وعلى خلفية ذلك ظللنا محتجزين على بعد مسافة (30) متر من المدينة المعنية داخل مخازن ووسط حراسة مشددة ، ومع هذا وذاك كانوا يبيعون لنا الاطعمة والماء بثمن غال جداً، ومن ليس لديه المال تكون وجبته عبارة عن (بسكويت) وقطعة (جبن) مع قليل من مياه الشرب، وظل ذلك البرنامج متبعاً معنا على مدار اليوم، ومن يعترض عليه يتم تهديده بالقتل، هكذا صبرنا إلى أن تمكن أهلنا من التواصل مع تجار البشر الذين هم بدورهم يتفقون مع شبكة ليبية متعاقدة مع عصابات عالمية تلعب دوراً كبيراً في الهجرة غير الشرعية، والتي يتم من خلالها تفادي نقاط السلطات الرسمية، عموماً وصلنا إلى المدينة التي تعتبر نقطة الأمان للمهاجرين غير الشرعيين، والذين في إمكانهم التنقل من مدينة إلى آخري.
ومن القصة سالفة الذكر فإن السلطات المختصة في ليبيا والإتحاد الأوروبي توصلوا إلى اتفاق لإيقاف الهجرة غير الشرعية إلا أن المغامرين استمروا في هذا الإتجاه دون خوف من العواقب أو العقوبات القانونية التي يتم ايقاعها في حال قامت تلك العصابات بهذا الانتهاك الذي يعد جرماً نسبة إلى أن انتهاج ذلك السلوك نتج عنه وفيات كثيرة للمهاجرين وأصيب آخرين بعاهة مستديمة، خاصة وأن عصابات الاتجار بالبشر يعرضون الشباب، النساء، الرجال والأطفال الذين يتم تقييد حريتهم بالاستيلاء على هوياتهم حتي لا يتمكنوا من الهرب في حال سنحت لهم الفرصة، وأمثال هؤلاء تنتظرهم عقوبات في حال ألقي القبض عليهم بتهمة تأسيس أو تنظم أو إدارة جماعة ترتكب جرائم في حق الإنسان الذي يجد نفسه عرضه للهلاك والموت، فجريمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين ترتكب في أكثر من دولة، إذ أن عصابات الاتجار بالبشر تعد، ترتب، وتخطط للجريمة التي تترك آثارها على الضحايا الذين يتم تهجيرهم بصورة مخالفة للقانون من دولة إلى آخرى بهدف الكسب المادي.
فيما تم تنظيم قانون التعاون القضائي الدولي لمكافحة التهريب، حيث تلزم المادة ٢٠ الجهات القضائية والأمنية بمكافحة أنشطة وجرائم التهريب، كل في حدود اختصاصه، مع نظيرتها الأجنبية من خلال تبادل المعلومات والمساعدات.
بينما يلزم القانون حماية المهاجرين غير الشرعيين، باعتبار أنه من حقهم العيش في الحياة التي يجب أن يجدوا فيها حسن المعاملة والرعاية الصحية والسلامة الجسدية والمعنوية والنفسية والحفاظ على حرمتهم الشخصية وتبصيرهم بحقوقهم في المساعدة القانونية، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال، ومن ثم التنسيق مع سلطات بلدانهم من أجل العودة إليها.
وفي السياق قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أمس : إن 30 مهاجراً على الأقل قتلوا بضربة وقعت خلال الليل على مركز للمهاجرين في العاصمة الليبية (طرابلس)، وإن عشرات أصيبوا، ولم تستبعد ارتفاع عدد القتلى مع تواصل عمليات الإنقاذ.
وكانت ضربة جوية، في ساعة متأخرة ليل الثلاثاء، قد أصابت مركزاً لاحتجاز المهاجرين، ومعظمهم من الأفارقة، في ضاحية تاجوراء في طرابلس. وقال مسؤول طبي ليبي إنها أدت لمقتل 40 شخصاً على الأقل وإصابة 80 آخرين.
وقال المتحدث باسم المفوضية تشارلي ياكسلي إنه لا يمكن تأكيد من الذي شن الهجوم على المركز الذي كان يؤوي نحو 600 شخص، لكن هناك فرقاً طبية على الأرض.
وقال مالك مرسيط المتحدث باسم مركز الطب الميداني والدعم، إن حصيلة القتلى من حادثة القصف بلغت 40 قتيلاً و80 جريحاً
وأدانت الحكومة المتمركزة في طرابلس في بيان بأشد العبارات ما أسمته الجريمة البشعة التي استهدف فيها الطيران التابع لمجرم الحرب خليفة حفتر، مركز إيواء المهاجرين في تاجوراء والذي أدى إلى قتل وجرح العشرات وأظهرت صور منشورة مهاجرين أفارقة يخضعون للجراحة في أحد المستشفيات بعد الضربة، بينما استلقى آخرون على أسرة، بعضهم مغطى بالغبار والبعض الآخر ضُمدت أطرافه.

فيلم الرئيس المخلوع البشير يحقق رقماً قياسياً في المشاهدة

حقق فيماً وثائقياً بطله الرئيس المخلوع عمر البشير تحت عنوان (البشير .. الساعات الاخيرة) رقماً قياسياً في نسب المشاهدة.
من جهتها، كانت قناة العربية الفضائية قد بثت فيلماً عن اللحظة التي سبقت الإطاحة بالنظام السابق، والذي حقق مشاهدة عالية جداً عبر الإعلام الحديث الذي تداوله بصورة كبيرة، وقد وصلت نسبة المشاهدة في الساعات ما يفوق الـ(50 ) ألف مشاهدة.
من جهته كشف الفيلم الوثائقي تفاصيل مثيرة عاشها الرئيس المعزول عمر البشير في الساعات التي سبقت إعلان اقتلاع رأس الدولة ووضعه في السجن الاتحادي (كوبر) حيث تميز السيناريو الذي بالسرد والأداء التمثيلي، مما جعله جاذباً للمتلقي.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...