الخميس، 4 يوليو 2019

القبض على المتهمين بسرقة خزانة وزارة إعلام الخرطوم

تمكنت مباحث قسم شرطة الشمالي من القبض على اثنين من المتهمين قاما بكسر خزانة وزارة الإعلام بولاية الخرطوم واسترداد المبالغ المسروقة كافة. وتم فتح بلاغ في مواجهة المتهمين تحت المادة (174) من القانون الجنائي توطئة لتقديمهما للمحاكمة.
وأوضح رئيس قسم الخرطوم شمال العقيد شرطة معتصم سليمان عمر،يوم الأربعاء أنه إثر ورود بلاغ بكسر خزانة وزارة الإعلام بالولاية وسرقة مبلغ (800) ألف جنيه عبارة عن مرتبات العاملين إبان عطلة عيد الفطر المبارك، تم تشكيل تيم من مباحث القسم لجمع المعلومات والتحريات.
وأكد أنه تم القبض على المشتبه به من أفراد الحراسة، وبالتحري الدقيق وتوافر المعلومات أقر المتهم الأول بالسرقة، مرشداً عن المتهم الثاني وبمواجهته اعترف بالجريمة المنسوبة إليه.
وقال سليمان إنه تم التصرف في جزء من المبلغ وشراء موتر جديد ماركة (gn) تم وضعه معروضات في البلاغ وتسجيل اعتراف قضائي بالواقعة، كما تم استرداد المبلغ المسروق.

الخميس، 27 يونيو 2019

مقتل شقيقين سودانيين طبيباً وقانونياً بإطلاق أعيرة نارية بالسعودية


الدار تكشف تفاصيل جريمتي قتل بالسعودية
................
السلطات الرسمية تلقي القبض على الجاني وعدد من المشتبه بهم 
...............
الرياض/ الخرطوم : سراج النعيم
................
كشفت مصادر مطلعة لـ(الدار) القصة المؤثرة، والمثيرة لجريمتي القتل البشعتين اللتين تم تنفيذهما في الشقيقين السودانيين، المستشار القانوني (محمد حسن عثمان) البالغ من العمر (50) عاماً، والدكتور (الحاج حسن عثمان) البالغ من العمر (65) عاماً، واللذين تم العثور عليهما مقتولان بالرصاص الناري بمنطقتي (الخزان) و(الناصرية) السعوديتين، وذلك في ظروف غامضة.
وقال المصدر الذي روي قصة القتل المآسوية لـ(الدار) : تشير وقائع الجريمتين إلى أن المجني عليهما الأول الحاج حسن، وهو طبيباً يعمل في الحقل الطبي بالمستشفي التخصصي السعودي، إما القتيل الثاني محمد حسن، فهو مستشاراً قانونياً، وكل واحد منهما يقيم في شقة بعيداً عن الآخر، فالمستشار القانوني (محمد حسن) يقطن في منطقة (الخزان)، والتي كان فيها لحظة مقتله يلملم في أغراضه تأهباً للرحيل إلى شقة آخري نسبة إلى أنه سيقوم بتسفير أبنائه من السعودية نهائياً، وسوف يرافقهم في هذه الرحلة للسودان لقضاء إجازة قصيرة، ثم يعود ادراجه من أجل مواصلة عمله القانوني بالمملكة العربية السعودية، وعلى خلفية ذلك كان يفترض أن تقلع بهم الطائرة إلى مسقط رأسهم يوم (السبت) الماضي الذي بدأ في إطاره تجهيز بعض الأغراض التي يود ترحيلها من الشقة (مسرح الحادث) إلى مكان إقامته الجديد، والذي سوف يستقر فيه عقب عودته من السودان، إلا أنه وفي نفس اليوم سالف الذكر تم ارتكاب الجريمة، المهم أنه حمل (كرتونة) ونزل بها من الشقة قاصداً وضعها في سيارته القابعة في الشارع العام، وصادف ذلك أن ابنه البالغ من العمر (١١) عاماً كان نازلاً هو الآخر خلفه مباشرة وهو يحمل في يديه (قمامة) يريد وضعها في المنطقة المخصصة للنفايات، وهي على مسافة قريبة من مسرح الجريمة، والذي تقف أمامه سيارة والده، عموماً ما أن وصل نجل المستشار القانوني إليها إلا وسمع صوت إطلاق عيار ناري، مما قاده للالتفات سريعاً ناحية مصدر الصوت، فتفاجأ في تلك الأثناء بشخص ما يصوب مسدسه نحو والده، ومن ثم يطلق عليه الأعيرة النارية، هذا المشهد الحزين أدخل في الابن الصغير الخوف الشديد كيف لا وهو مازال طفلاً لم يبلغ الحلم بعد، لذا اضطر للتواري عن أنظار القاتل خلف السيارة مراقباً للمشهد المؤلم من خلال زجاج السيارة، وقد استطاع نجل الضحية أن يشاهد من تلك الزاوية الجاني يطلق الرصاص على والده، وذلك بعد سماعه لصوت الرصاصة الأولي، ومن ثم أطلق رصاصتين أخرتين في مواجهة المستشار القانوني، فلم يكن الابن مصدقاً لما يجري من حوله من سيناريو أقرب إلى سيناريوهات أفلام الأكشن، فهو أي نجل المجني عليه محمد الحسن شاهد جريمة مقتل والده عن قرب، ومن ثم سقوطه على الأرض مغشياً على وجهه لحظة عودته إلى الشقة بمنطقة (الخزان) السعودية.
وفي ذات السياق قال المصدر : ومما ذهبت إليه من تفاصيل في معرض تناولي لهذه الجريمة المثيرة للاهتمام، فإن الناس بدأت تتجمهر حول مسرح الحادث، والذي طوقته الشرطة السعودية بعد أن حضرت إليه على جناح السرعة، ومن ثم دخلت بشكل مباشر في التحقيق حول جريمة قتل المستشار القانوني (محمد حسن)، وهي جريمة تعددت في إطارها الروايات، ورسمت لها السيناريوهات إلا أن الثابت هو أن هنالك شيئاً ما جعل الجاني ينفذ هذين الجريمتين الشنيعتين بهذه الصورة البشعة.
وأضاف : أثناء الانشغال بالجريمة وتحليل الأسباب التي أدت إليها وصلت إشارة للشرطة السعودية الموجودة بمسرح الحادث تؤكد أن سودانياً آخراً اسمه (الحاج حسن)، وهو طبيباً بالمستشفي التخصصي قتل أيضاً بالرصاص، واسمه مطابقاً إلى اسم القتل المستشار القانوني (محمد حسن)، ونفذت الجريمة في حق الدكتور الحاج حسن قبل ساعة بمنطقة (الناصرية) السعودية، وبعد أن تلقت الشرطة السعودية الإشارة سالفة الذكر وجهت سؤالاً لذوي القتيل (محمد حسن)، هل المستشار القانوني المجني عليه لديه شقيق يعمل طبيباً، ويدعي (الحاج حسن)، فردوا عليها مؤكدين ذلك وبالإيجاب، حينها أكدت لهم السلطات السعودية أنه قتل أيضاً قبل ساعة من قتل شقيقه، وأضافت : إن الجاني الذي ارتكب الجريمة الأولى، هو نفسه الذي ارتكب الجريمة الثانية في منطقة (الخزان).
وتابع : كانت هنالك اتصالات تمت بالمجني عليه من قبل بعض أفراد أسرته إلا أنها لم تسفرعن نتيجة إيجابية، إذ أنهم كانوا يجدون هاتفه يرن دون أن يرد عليهم، فما كان منهم إلا والإتصال بأبنه، والذي رد قائلاً : جئت من العمل للمنزل للتو، فتفاجأت بالشارع المؤدي إلى مسكننا مغلقاً بقوات من الشرطة السعودية، ورغماً عن ذلك حاولت أن أدلف إلى داخل المبني إلا أن السلطات الرسمية منعتني منعاً باتاً من الأقدام على هذه الخطوة، فما كان مني إلا وسألتهم لماذا لا تسمحون لي بالدخول إلى مكان إقامتي، فردوا على قائلين : إن هنالك شخصاً تم قتله في هذا المكان، عندها زاد اصراره على الدخول إلى المنزل، مؤكداً للسلطات السعوديه أنه مقيماً في هذا المكان الأمر الذي استدعي الشرطة أن تأخذ منه إقامته، وعند إطلاعها على اسمه وهويته توصلت إلى حقيقة أن اسمه وهويته مطابقان الى اسم الطبيب القتيل (الحاج حسن)، ورغماً عن ذلك لم تخبره بأن القتيل المسجي جثمانه في الداخل هو والده، وأثناء إدارته لذلك الحوار مع الشرطة تلقي اتصالاً آخراً من أقاربه يطلبون من خلاله الإسراع في التواصل مع والده لإخباره بأن عمه المستشار القانوني تم قتله أمام مقر إقامته، فما كان منه إلا واتصل بشقيقه الذي كان في المنزل، وطلب منه اخبار والده بقتل عمه، فرد عليه بأن والدهما لا أثر له بالمنزل، إلا أن هواتفه السيارة موجودة، مما حدا به أن يقول للشرطة : أنا لدي عمي قتل، ولابد من أن أدخل إلى المنزل لإخطار والدي بذلك، عندها سألته الشرطة أين قتل عمك؟، فرد عليها قائلاً : في منطقة (الخزان)، فما كان من السلطات السعودية إلا وقالت له : والدك أيضاً مصاب بإطلاق أعيرة نارية، وكانت الشرطة السعودية تطمئن في اسرتي القتيلين على أساس أنهما مازلا على قيد الحياة، إلا أنهم أكتشفوا فيما بعد إنهما توفيا متأثرين بالأعيرة النارية التي أطلقها عليهما الجاني، فالدكتور (الحاج حسن) يقطن في منطقة (الناصرية) والتي تعرض فيها للقتل بأربعة رصاصات، اصابته إحداهما في القلب مباشرة، إما الثانية فإصابته في البطن.
وأوضح المصدر بأن الشرطة السعودية توصلت إلى الجاني من خلال كاميرات المراقبة الموضوعة في العمارتين، ولم تكشف عن هوية الجاني بالرغم من أنه ألقي القبض عليه، وبعد التحري معه سجل اعترافاً بارتكابه جريمتي القتل، ولم يوضحوا أن كان معه شركاء أم لا مع التأكيد أن هنالك مشتبه بهم ألقي القبض عليهم أيضاً، وعليه مازالت السلطات المختصة تتحري في القضية التي يكتنفها الغموض، والذي أكدت في ظله أنها سوف تكشفه بكل التفاصيل بعد الانتهاء من التحقيق حوله، ومن هذا المنطلق تم إكمال إجراءات تشريح الجثمانين اللذين تم تسليمهما إلى ذويهما الذين قاموا بمواراتهم الثري بمقابر (المنصورية) جنوب مدينة الرياض العاصمة السعودية.
فيما تبين السيرة الذاتية للدكتور الحاج حسن، والمستشار القانوني محمد حسن إلى أنهما من أبناء جزيرة (بدين) بالولايه الشمالية، وهما من قبيلة (المحس) حيث أنهما شدا الرحال إلى المملكة العربية السعودية منذ سنوات، وهما يقيمان فيها مع أسرتيهما منذ سنوات، وهما يمتازان بالروح السمحة والأيدي الخيرة، لهما ثلاثه إخوة ذكور وأربعة أناث.
ومضي : الدكتور الحاج حسن له أربعة أبناء منهما خريجين جامعيين، ويعملان في السعودية، ولديه أيضاً بنتاً خريجة، وهي تعمل أيضاً، فيما تدرس الابنة الصغيرة، بينما يعتبر الدكتور الحاج حسن أكبر اخوانه الذين لا ينقطع عنهم وذلك من خلال إجازته السنوية، إما شقيقه الأصغر المستشار القانوني محمد حسن فقد تخرج من كليه القانون جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهو مجتهد في عمله ومحب له، وأيضاً محبوباً جداً وسط الجالية السودانية، وهو صاحب قفشات، وهو لديه بنت وولد، الابنة دخلت هذا العام الجامعة، إما الابن فهو يدرس في الصف السادس.

سراج النعيم يكتب : انقسام أبناء كوش بين السودان والحبشة

....................
من المؤكد فإن الآثار السودانية تشكل اهتماماً متزايداً في جميع انحاء العالم، وبالرغم عن ذلك الاهتمام إلا أن الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد لم تول هذا الجانب الاهتمام الذي يجعل منه مورداً من الموارد الاستثمارية الاقتصادية، وبالتالي اهملوا هذا القطاع الهام جداً، إذ نلحظ أن المواقع الأثرية في معظم انحاء السودان تحتاج إلى وقفة تأملية عميقة، وذلك من أجل الحفاظ عليها خاصة التماثيل والمواقع الآثرية المكتشفة حديثاً، والتي تم اكتشافها في الآونة الأخيرة، وأبرزها العددية الكبيرة من المقابر الآثرية في مدينة الخرطوم والسودان عموماً، والشاهد أن البعثة الإنقاذية الرسمية قد أعلنت في وقت سابق عن عثورها على هياكل عظمية مدفونة على متن سرير خشبي مغطى بالكتان جنوب مدينة (بربر)، المدينة الواقعة شمال ولاية نهر النيل، وهو الشمال الجغرافي السوداني، وبالرغم من كل هذا الثراء، إلا أن الآثار السودانية شهدت إهمالاً بالغاً من الحكومات السودانية، ولعل الإهمال الأشد كان في حقبة الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي لم يواجه التحديات التي واجهت هذا القطاع الحيوي ليس في المحيط السوداني، إنما في جميع أنحاء العالم، وكان يفترض فيه أن يشرع قوانيناً تحمي الآثار السودانية من الانتهاكات التي تتعرض لها ما بين الفينة والآخري.
ومما أشرت له فإن قطاع السياحة لم يكن من أولويات النظام البائد على مدي ثلاثين عام، وهذا يعود إلى أنه كان منشغلاً بالشأن السياسي المندرج في إطار تمكين دولته العميقة، وعليه فإن الأمر من أساسه ليس من اهتماماته، بالإضافة إلى أن الرؤية لم تكن واضحة للحفاظ على هذا القطاع الحيوي، لذا لم تجد الآثار السودانية الموجودة في معظم مناطق ومدن السودان الإهتمام، وعلى سبيل المثال لا الحصر محمية (جبل البركل)، (البجراوية)، (الدندر)، (أركويت البحرية)، (جبل مرة)، (سنقنيب) و(ودنقنياب) والأخيرتين يقعان على ساحل البحر شرق السودان، فيما تنتشر في ولاية نهر النيل شمال السودان الأهرامات والمعابد الأثرية، وبالتالي يعتبر السودان من أقدم دول العالم التي استوطن فيها الإنسان، وتعد اللهجة (المروية) من اللهجات الأقدم في القارة السمراء، ولكن بكل أسف لم يوثق إنسان السودان لتلك الحقب بالصورة التي تحفظ للأجيال المتعاقبة الحضارة السودانية الراسخة في المخيلة، وهذا الاتجاه السالب قاد للاعتماد على المؤرخين، والذين لم يغطوا كل تاريخ السودان، وهو ما أشار إليه المؤرخ اليوناني الشهير (هوميروس)، والذي ذكر بأن الإلهة كانوا يجتمعون في السودان في عيدهم السنوي، كما ذكر أن عاصمتها (مروى)، ووفقاً لديودورس فإن السودانيين هم من أوائل الخلق علي وجه البسيطة، وأنهم من علموا الكتابة للمصريين، وفي العهد المروي كانت العلاقات ودية بين البطالسة والسودانيين، لا سيما في عهد بطليموس الثاني، كما كانت العلاقـة وثيقة بين (كوش) و(اليونان).
وفي هذا الإطار قال اليعقوبي في كتابه (تاريخ اليعقوبي) عن ممالك الحبشة والسودان، إن أبناء نوح تفرقوا من أرض بابل وقصدوا المغرب، فجازوا من عبر الفرات إلى مسقط الشمس، وانقسم أبناء كوش بن حام، وهم السودان والحبشة عند عبورهم نيل مصر إلى فرقتين، فرقة قصدت البين بين المشرق والمغرب، وهم النوبة، والبجة، والحبشة، والزنج، والأخرى قصدت الغرب، وهم زغاوه، والحسن، والقاقو، والمرويون، ومرندة، والكوكو، وغانه، وواضح إن سودان اليعقوبي يشمل منطقة الساحل في أفريقيا.
فيما نجد أن آثاراً سودانية يعود تاريخها (٣١٠٠_٢٠٠٠م)، وعليه نشأت مملكة (المغرة) و(علوة) وغيرها من الممالك التي كانت تشكل مدخلاً لإنسان السودان، وهذا يدل على أن الحضارة السودانية من أقدم وأعرق الحضارات في العالم، ويتضح ذلك من خلال كتابات المؤرخين، الباحثين والمهتمين بالشأن السوداني، والذي أطلت فيه حضارة النوبة ما بين الفترة (٢٢٤٠_٢١٥٠)، وتلك الكتابات وجدت على جدران المعابد والأهرامات في (جبل البركل) و(نوري)، وهي التي شيدها ملوك (نبتة) و(مروى)، وتوجد الآثار السودانية على ضفتى النيل ما بين وادى حلفا وسنار، بالإضافة إلى الأهرام الملكية في البجراوية والحصون التي بنيت في عهد إمبراطورية مروي شمال السودان، وفي قرية الشهيناب علي الضفة الغربية من النيل وسوبـا بالقرب من الخرطوم، ودير الغزالة بالقرب من مدينة مروي الحديثة، وفي وادى حلفا بعمارة غرب، وسيسي مدينتان محصنتان وفيهما معابد بنيت من الحجر الرملى، بالإضافة إلى الآثار، وهناك مملكة (الداجو) في إقليم دارفور، و(المقرة) شمال السودان، و(علوة) على النيل الأزرق، و(البجة) شرق السودان.

سراج النعيم يكتب تفاصيل مؤثرة حول تدهور حالة (ابوهريرة) داخل المعتقل

.......... تحصلت على تفاصيل مثيرة حول الحالة الصحية للأستاذ أبوهريرة حسين، وزير الشباب والرياضة السابق، والذي تم اعتقاله من قبل السلطات الرسمية في 17 أبريل 2019م، وذلك ضمن سلسلة من الاعتقالات السياسية التي نفذت في مواجهة قيادات من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وتم اقتيادهم على خلفية ذلك إلى السجن الاتحادي (كوبر)، ومنذ تاريخ الاعتقال سالف الذكر ظل أبو هريرة حسين قابعاً خلف قضبان السجن يعاني من المرض، وكلما مر عليه يوماً تتدهور حالته الصحية تدريجياً، وعلى إثر ذلك تعرض للإصابة بمضاعفات جراء أنه أصلاً مصاباً بمرض (السكري)، وهو ليس هي المعضلة الكبري، بل المعضلة الحقيقية أنه أصبح في ظل ذلك الوضع مهدداً بالإصابة بـ(العمى) خاصة أنه أجري في وقت سابق عملية جراحية للعين اليمني في العاصمة الروسية (موسكو)، وذلك قبل تقلده منصب وزير الشباب والرياضة الاتحادي، والذي لم يستمر فيه سوي بضعة أيام من تاريخ قرار تعيينه من قبل الرئيس المخلوع عمر البشير، ومما أشرت إليه في معرض تناولي لأزمة (أبوهريرة) فإن حالته الصحية تشير إلى أنها تمضي نحو التعقيد (الحرج)، لذلك يحتاج في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ حياته للعناية الصحية الطبية الخاصة جداً، وهو الأمر الذي دفع السلطات المختصة للعمل بشكل لصيق على متابعته متابعة دقيقة لتلافي آثار ما يمكن أن يحدث له من مضاعفات نتيجة مرضه (المزمن)، والذي يستوجب الإشراف المباشر له من قبل الطبيب المختص في السودان إلى أن يتمكن من شد الرحال إلى طبيبه الروسي الذي أجري له العملية الجراحية قبلاً، والذي طلب منه معاودته فيما بعد من أجل استخراج (السيلكون)، وأن كانت الرعاية الصحية له ولجميع السجناء السياسيين المعتقلين متوفرة داخل السجن الاتحادي (كوبر)، إلا أن الأستاذ أبوهريرة حسين حالته حالة إنسانية خاصة تحتاج للنظر إليها بعين الرأفة، وذلك من أجل أن تتحقق له فرصة الرعاية الصحية الخاصة. فيما علمت من المقربين من المعتقل السياسي أبوهريرة حسين أنه قدم كل المستندات والتقارير الطبية التي يؤكد من خلالها الأطباء الاخصائيين أنه في حاجة ماسة لاستكمال علاجه الذي بدأه في (روسيا)، والتي سبق له أن أجري فيها عملية جراحية في (شبكية) العين اليمني، والتي باتت مهددة بالتعرض للمضاعفات (التهابات حادة)، وهي قطعاً تؤدي للإصابة بـ(العمي)، وهو الأمر الذي يتوقع حدوثه في حال أنه لم يتلق العلاج اللازم بطرف الطبيب الروسي، بالإضافة إلى أنه أجري عملية جراحية للعين اليمني، والتي تتأثر بمرض السكري الذي نجم عنه تعرضه للإصابة بجرح غائر في رجله اليمني. بدأ تدهور الحالة الصحية للأستاذ أبوهريرة حسين عندما شعر في معتقله بالسجن الإتحادي (كوبر) بصداع حاد، دوار واستفراغ مستمر، ولم يتوقف ذلك الأمر عند هذا الحد، بل أصيب بالحمى الشديدة، وذلك من واقع أن الإصابة التي تعرض لها في رجله أحدثت جرحاً عميقاً، وهذا الجرح لم يندمل رغماً عن العلاجات التي يتلقاها في إطاره، وذلك نسبة إلى أن جرحه جرحاً غائراً بذل في ظله الأطباء الذين أشرفوا على حالته الصحية من داخل السجن الاتحادي (كوبر) مجهوداً مقدراً، إلا أنها لم تفلح في إيقاف النزيف، الأمر الذي فرض على السلطات المختصة تحويل حالته الصحية إلى مستشفى (علياء)، والذي وضحت فيه الفحوصات الطبية أن حالته (حرجة)، وتستوجب بشكل عاجل جداً نقل دم على أساس أنه فقد كميات كبيرة من دمه، وذلك من واقع الجرح في رجله، والذي وقف مرض (السكري) عائقاً أمام تماثله للشفاء الأمر الذي جعل دمه يصبح أقل من (50%)، مما قاد الطبيب المشرف على حالته أن ينقل له ثلاث زجاجات دم، بالإضافة (32) درباً مائياً، إلا أن حالته استمرت مع اضطراب في وظائف الكلى، وبالرغم عما أشرت له فإن حالته بدأت تسوء بنسبة (70%) الأمر الذي أدي إلى إعادته إلى معتقله بالسجن الاتحادي (كوبر)، وهو الأمر الذي نتج عنه تدهور حالته الصحية للمرة الثانية. وكان أبو هريرة حسين قد قال لي قبل اعتقاله أنه أجري فحوصات بمستشفي (الأمل)، وقد أكدت نتائجها أنه يحتاج بشكل عاجل جداً تدخلاً جراحياً في عينه اليمنى من أجل استخراج مادة (السيلكون) المتراكمة بها، كما أن عينه اليسرى أيضاً تحتاج لعملية (ليزر)، وإذا تأخر أكثر من ذلك فإنه مهدد بفقدان بصره نهائياً خاصة وأنه يعاني من مضاعفات متقدمة في (الشبكية)، وقد أُجريت له عملية قص زجاجي، وإصلاح شبكية قبل ثمانية أشهر في (موسكو)، ويحتاج أن يعود إليها لإكمال العلاج. وأضاف : الطبيب الروسي أكد لي بما لا يدع مجالاً للشك أن أكمل إجراء العملية الثانية المندرجة في إطار العملية الجراحية للأولى للعين اليمني، وذلك في فترة أقصاها 15-4-2019م، وهي الفترة الزمنية التي تجاوزها. وأردف : سبق أن أجريت عملية جراحية تمثلت في قص زجاجي وإصلاح للشبكية في روسيا، وذلك قبل دخوله للسجن بثمانية أشهر بجانب إجرائه لعملية قسطرة قلب نتيجة جلطة سكري بمستشفى رويال كير في عام 2018م.

الأحد، 23 يونيو 2019

اتفاق الحكومة والحركة الشعبية اقر فصل الجنوب بالاستفتاء

على خلفية توقيع نيفاشا 
................
اتفاق الحكومة والحركة الشعبية اقر فصل الجنوب بالاستفتاء
.................
على عثمان محمد طه ممثل نظام الرئيس المخلوع وقع الاتفاق
...............
وقف عندها : سراج النعيم
...............
ركزت بيانات الحكومات العسكرية في البلاد على فشل التجارب الديمقراطية في السودان، ولعل آخرها ثورة الإنقاذ الوطني برئاسة المخلوع عمر البشير الذي انقلب على شرعية الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، والذي شكل ائتلافاً مع الحزب الإتحادي الديمقراطي، والجبهة القومية الإسلامية التي قادت ضباطاً من قوات الشعب المسلحة للانقلاب سالف الذكر باعتبار أن البلاد تشهد إشكاليات اقتصادية بالغة التعقيد، مما أفقدها القدرة على تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تمرد جنوب السودان، والخلاف حول الدستور، فالبعض يدعو إلى سلطة علمانية، والبعض الآخر يدعو إلى سلطة دينية، مما حدا بنظام الحكم المايوي إعلان الحرب على الأحزاب التقليدية وقتئذ، مثال حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي إلا أن الأول حاز على النصيب الأكبر من سخط نظام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، إذ أنه قام بمصادرة أمواله، ومن ثم وجه تهماً إلى قيادته، فأخذت الإشكالات تسيطر على الوضع فيما يتعلق بالسياسة المنتهجة لحل الأزمات، في حين طالب القوميون العرب بنظام حكم اشتراكي عربي يرتكز ارتكازاً أساسياً على الديانة الإسلامية، مما أدي إلى حدوث انشقاقات، مما نتج عنها إنقلاب الشيوعيون على النظام الماوي، وهو الانقلاب الذي ترأسه الرائد هاشم العطا في 19 يوليو 1970م، إلا أنه لم يستمر في الحكم سوي ثلاثة أيام فقط، ثم عاد النميري إلى تولي السلطة مجدداً، والتي على خلفيتها شكل محاكم أصدرت أحكاماً قضت بإعدام قادة من الحزب الشيوعي، وأبرزهم عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب، وجوزيف قرنق، ومن ثم قام بإتباع سياسة إقتصادية قائمة على تأميم المؤسسات الشركات، والمصارف، محولاً إياها إلى قطاع عام، وابرم عقوداً مع شركة (شيفرون) الأمريكية للتنقيب عن النفط في إقليم كردفان وجنوب السودان، إلا أن التعاقد لم يستمر طويلاً نسبة إلى الأوضاع أمنية في البلاد، وشملت ثورة النميري التصحيحية الخدمة المدنية، وحل مجلس قيادة الثورة المايوية، والإتحاد الاشتراكي، الأحزاب، التنظيمات، النقابات والاتحادات، ومن ثم أجري استفتاء على رئاسة الجمهورية، وهو الاستفتاء الذي جعله أول رئيس سوداني ينال لقب رئيس الجمهورية، ومن ثم كلف جعفر محمد علي بخيت، منصور، وبدرالدين سليمان لوضع مسودة حكم للبلاد، وعليه تم الاقتراع عبر الصناديق لتكوين مجلس الشعب، والذي كان له رأياً آخراً حول مسودة الدستور، وكان الأعتراض قائماً على مسألة شكل النظام الجمهوري، وحدث خلاف بين المعسكر الداعي إلى وضع الدستور علمانياً، والآخر الداعي وضع الدستور وفقاً للتشريعات الإسلامية، وكانت من النقاط المثارة عدم إدراج النص على دين الدولة الرسمي، وقال أحد نواب البرلمان : (إن الدستور قد نص على اللغة والعلم والأوسمة، فكيف يعقل أن يهمل الديانة الإسلامية، فرد عليه جعفر محمد بخيت الذي رأس من وضعوا المسودة بأن مسألة النص على الدين الإسلامي مسألة مظهرية وليست جوهرية، لأن الدولة كائن معنوي لا دين لها، وهي لا تمارس العبادة التي يمارسها الفرد والدولة هي اساس المواطنة لا الدين).
وفي العام 1989م قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري تحت اسم ثورة الإنقاذ الوطني، وفي بداية الانقلاب لم يكن معروفاً توجه الانقلابين السياسي إلى أن ظهرت الجبهة الإسلامية بزعامة حسن عبد الله الترابي في المشهد السياسي، وفي ظل ذلك النظام الجديد ساءت العلاقات السودانية مع بعض دول العالم، مما نتج عن ذلك مقاطعة السودان، وإيقاف المعونات الأمريكية، ومن ثم إدراجه اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، إما في العام 1999م فقد قام نظام المعزول عمر البشير بتجريد الدكتور حسن عبد الله الترابي من صلاحياته التشريعية كرئيس للمجلس الوطني، ومن ثم تم اعتقاله واقتياده إلى السجن الاتحادي (كوبر)، مما حدا به تكوين حزبه الذي أطلق عليه المؤتمر الشعبي، وبالتالي أنشق الإسلاميين إلى حزبيين، وفي ظل هذه الصراعات والانشقاقات والانقسامات أندلعت حرباً في إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م، والذي تكونت فيه حركات مسلحة، وتصاعدت وتيرة الأحداث التي أصدر في إطارها مورينيو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لويس مذكرة اعتقال بحق الرئيس المخلوع عمر البشير.
وتستمر الأزمات في ظل النظام السابق الذي استقل انشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان في أغسطس من العام 1991م، وأجري اتصالاً احادياً بالدكتور لام أكول، والذي توصل معه إلى اتفاق يفضي لتوقيع وثيقة (فرانكفورت) في يناير من العام 1992م، إلا أن نظام الرئيس المعزول عمر البشير تنصل عنها فيما بعد، وفي مايو من العام 1992م قامت الحكومة بأجراء مفاوضات في (أبوجا) النيجيرية بوساطة من الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا، إلا أنها لم تسفر عن الوصول لاتفاق بين طرفي الصراع، وعليه ظلت الحكومة والحركة الشعبية في حالة شد وجذب إلى أن تم التوقيع على الاتفاق الإطاري (ماشاكوس) في يوليو من العام 2005م، ومن ثم تم إبرام اتفاق (نيفاشا) بين نظام الرئيس السابق عمر البشير ممثلاً له علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، الدكتورجون قرنق دي مبيور زعيم الحركة الشعبية، وهو الاتفاق الذي أوقفت بموجبه الحرب الدائرة بجنوب البلاد، وعلى خلفية ذلك منح إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً، والمشاركة في الحكم الاتحادي، ومن ثم إجراء استفتاء حول بقاءه مع شمال السودان أو الانفصال، وذلك في العام 2011م، وفي 9 يناير من العام2011م وقع اختيار الجنوبيين على الانفصال، وعليه تم إنزال علم جمهورية السودان من مدينة (جوبا) واستبداله بعلم الحركة الشعبية.
من الواضح أن الأحزاب والتنظيمات السياسية تستغل ثغرات الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم السودان، واتضح ذلك في معارضة نظام حكم الرئيس الفريق (عبود)، وذلك عندما أطلقت كوادره تصريحات حول الوضع الراهن في البلاد، وهي التصريحات التي نتج عنها الحراك الثوري الذي اضطره للتنازل عن مقاليد الحكم، والذي قتلت في ظله الشرطة الطالب أحمد القرشي طه، والذي صحب تشييع جثمانه احتجاجات عنيفة، وهذه الاحتجاجات لم تتوقف عند الخرطوم، بل امتدت شرارتها لمعظم مدن ومناطق سودانية في جميع أنحاء السودان، وبما أن الأمر خرج عن السيطرة اضطر الفريق إبراهيم عبود إعلان استقالته من الحكومة، وحل المجلس العسكري، ومن ثم دخل في مفاوضات مع زعماء النقابات العمالية والمهنية وممثلي أحزاب المعارضة والأكاديميين، وقد أفضت المفاوضات إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، وإبقاء الفريق عبود كرئيس للدولة، والذي سرعان ما تخلي عن الحكم، وحل محله مجلس رئاسي يتكون من خمسة أعضاء، وعليه انتهي الحكم العسكري في أكتوبر من العام 1964م.
وفي نوفمبر من العام ١٩٦٤م تم انتخاب الإمام الصادق المهدي رئيساً، حيث أنه مارس ضغطاً على محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان وقتئذ للاستقالة بعد بلوغه للسن القانونية، والتي تتيح له أن يتقلد منصب رئيس الوزراء، وما أن تحقق له ذلك، إلا ودخل في نظام حكم ائتلافي مع الحزب الإتحادي الديمقراطي في 25 يوليو من العام 1966م.
فيما تسامحت حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية مع المعارضين الجنوبيين، وأعلنت العفو العام عن المتمردين، ودعت إلى مؤتمر (المائدة المستديرة) في مارس من العام 1965م، والذي عقد بمدينة جوبا، وكان يهدف إلى إيجاد حل لمشكلة جنوب السودان، وفيه انقسم الجنوبيين بين البقاء مع شمال السودان أو الانفصال، فيما كانت رؤية السلطة المركزية قائمة على فكرة قيام دولتين لكل منهما برلماناً وسلطات تنفيذية، إلى جانب كفالة حريتها في معالجة الأمور الاقتصادية والزراعية ومسائل التعليم والأمن، وأن يكون للجنوب جيش تحت قيادة موحدة للدولتين، إما الجنوبيون الأكثر راديكالية فقد كانوا يودون الحصول على حق تقرير المصير للاستقلال التام بدولتهم، وبما أن الأمر كان يمضي في هذا الاتجاه أشعل التمرد الحرب، وهكذا الجنوب يشكل عقبة للأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد إلى أن قام نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بفصل جنوب السودان من خلال الاستفتاء الاحادي في العام 2011م، وذلك وفقا للاتفاق الذي وقع في ضاحية نيفاشا في العام 2005م.
من جانبها، سعت حكومة النميري سعياً حثيثاً لإيجاد حلول ناجزة لإشكالية جنوب السودان والانتهاء من التمرد، فما كان منه إلا الاعتراف في التاسع من يونيو من العام 1969م بالفوارق بين الجنوب وشمال السودان، وشكل هذا الاعتراف علامة تحول كبرى في سياسات الحكم المركزي تجاه الجنوب، ورغماً عما قام به النظام المايوي إلا أنه لم يشفع له باعتبار أن نظام الرئيس النميري ينتمي للمعسكر اليساري، ولم يمنع ذلك المفهوم التوقيع على اتفاقية أديس أبابا في 3 مارس من العام 1972م، وذلك بين نظام الرئيس الراحل النميري وزعماء التمرد الجنوبي من خلال وساطة أثيوبية، مجلس الكنائس العالمي ومجلس عموم أفريقيا الكنسي، ونتج عن ذلك الاتفاق إيقاف إطلاق النار بين الجانبين وإقرار حكم ذاتي إقليمي، واستيعاب (٦) آلاف فرد من قوات حركة (الأنانيا) في قوات الشعب المسلحة، ما أن بدأت السلطات المختصة في تنفيذ بنود الاتفاقية إلا وقفزت على السطح الخلاف في الجنوب السودان، ثم أمتدت إلى البرلمان الإقليمي، وترتكز الصراعات العنيفة في المكاسب الشخصية غير الرامية للمصلحة العامة، وارتفعت بعض الأصوات المدعية أن هنالك نعرات قبلية وغيرها من العوامل المؤدية دون أدني شك للفشل الذريع، وظل المشهد كما هو إلى أن حلت سبعينيات القرن الماضي، وفي ذلك التاريخ حدث خلاف بين أبيل الير وزعيم المتمردين السابق جوزيف لاقو، وعليه حدثت الانشقاقات بين القبائل الجنوبية، واعترض جنوبيون على إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. 
وفي العام ١٩٨٣م قاد العقيد ركن الدكتور جون قرنق دي مبيور التمرد الجنوبي تحت عنوان حركة (الأنانيا ٢)، والذي وصل إلى مرحلة متأخرة من التأزم، إذ أن هنالك مجموعة عسكرية في مدينة (واو) رفضت رفضاً باتاً أوامر قيادتها بالتحرك من هناك إلى شمال السودان، ولم تكتف بل خالفت التعليمات العسكرية، وقامت بقتل ضباط شماليين، ومن ثم هربت من المدينة إلى الغابة،
ومن هنا بدأ الجزء الثاني من تمرد الجنوبيين، مما جعل النظام المايوي يرسل ضابطاً جنوبياً لإعادة المجموعة مجدداً إلى حضن قوات الشعب المسلحة، إلا أن جون قرنق فاجأ الحكومة السودانية بالانضمام إلى الفرقة العسكرية المتفاوض معها، ثم كون فيما بعد الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي ظل هذه المستجدات وتطور الأحداث أصبح نظام في البلاد يمضي نحو العد التنازلي. 
وفي ٦ إبريل من العام ١٩٨٥م تقلد المشير عبدالرحمن سوار الدهب مقاليد حكم البلاد في فترة انتقالية مزحت بين العسكرية والمدينة ونجحت في الخروج بالسودان إلى بر الانتخابات بأمان، وهي الحكومة التي جاءت إلى سدة الحكم بصورة عفوية بعد انتفاضة الشعب على النظام المايوي بسبب ارتفاع الأسعار، ومن الملاحظ أن الاحتجاجات في السودان تخرج للشارع بشكل عفوي كما حدث في أكتوبر من العام 1964م، فهي كانت ضد الغلاء، ومن ثم أصبحت عصيان مدني، مما اضطر السلطات العسكرية في البلاد التخلي عن حكمه، وهكذا حدثت مظاهرات إبريل من العام 1986م، وهي أيضاً انتفضت في وجه التسعيرة التي أقرتها السلطات المختصة، وبما أن المظاهرات تواصلت، ولم تتراجع عن خيارها رغما عن تراجع الحكومة عن التسعيرة التي وضعتها في تلك الأثناء، مما فرض على قيادة قوات الشعب المسلحة احتواء الأوضاع المتأزمة في البلاد، وفي السادس من أبريل من العام 1985م، أعلن المشير عبد الرحمن سوار الذهب الاستيلاء على السلطة، وبرر الإطاحة بالمشير النميري إلى أن قيادة قوات الشعب المسلحة ظلت تراقب الأوضاع الأمنية السيئة في البلاد، وما تشهده من أزمة سياسية، اقتصادية واجتماعية، عليه قررت بالإجماع الوقوف إلى جانب إرادة الشعب السوداني، ومن ثم أصدر قرارات عطلت بموجبها الدستور، وإعلان حالة الطوارئ، وإقالة الرئيس وحكومته، وحل الاتحاد الاشتراكي. 
فيما ترمي مرحلة الحكم الإنتقالي تهيئة الأجواء لفترة الانتخابات، واحتواء آثار نظام الحكم المخلوع، وانجزت الحكومة الانتقالية وعدها بالتخلي عن السلطة بعد مضي عام، ومن ثم تم الاقتراع للانتخابات، والتي تقلب فيها حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي، الذي أصبح رئيساً لمجلس الوزراء، فيما تقلد الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة أحمد الميرغني رأس الدولة، وتميزت هذه الفترة بعدم الاستقرار الذي أدي إلى تشكيل عدد من الحكومات الائتلافية خلال أربع سنوات، مما نجم عن ذلك خروج الحزب الإتحادي الديمقراطي من الحكومة، وعمل على إبرام اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد تحقيقها انتصارات عسكرية، ونتج عن ذلك تذمر في قوات الشعب المسلحة والتي رفعت مذكرة شديدة اللهجة لحكومة الإمام الصادق المهدي.











سراج النعيم يكتب : الحكومة المدنية المطلوبة للشعب

...............
مما لا شك فيه، فإن الدولة المدنية المطلوبة من الشعب السوداني، هي الدولة المؤسسة على التساوي والعدل بين الناس جميعاً دون تمييز بين هذا أو ذاك، وذلك وفقاً للحقوق المكفولة لهم سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وهي قائمة في الأساس على الحرية، العدالة والسلام، وإذا توفرت تلك العوامل فإنها سوف تلعب دوراً ريادياً في تحيق ما يصبو إليه، بالإضافة إلى أنها توفر الحماية للأشخاص، والذي ظل يبحث عن العيش في الحياة بكرامة.
مما أشرت له، فإن إنسان السودان لم ينعم يوماً واحداً بالحقوق خاصته، والتي عاني في ظلها من عدم توفرها نسبة للظلم البائيين الذي ظلت تمارسه الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم البلاد، فهو ومنذ الاستقلال لم يهنأ بيوم جميلاً، وعليه فإن تصريف شئون السودان ارتكزت بشكل سافر على المحسوبية والولاء الأعمي، والذي أفرادت في إطاره المساحات الشاسعة للمصالح الشخصية، والتي ظلت تتأصل في بعض المؤسسات، الشركات والمصارف، وذلك منذ الانقلاب على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، هكذا ظل نظام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير يعلي من قيم عدم إحقاق الحق يوماً تلو الآخر، ويفرد المجال لاستشرا (الفساد) الذي كان يدعي في إطاره أنه يحكم بالديمقراطية ولكن لم يفعل سوي أنه خلع البزات العسكرية للإيهام بأنه تحول من نظام عسكري إلي سلطة مدنية مع التأكيد أن الدولة المدنية يجب أن تكون فكرتها قائمة على حفظ كرامة الإنسان داخلياً وخارجيا، وإعلاء قيم العدل والمساواة بين أبناء الشعب السوداني دون تمييز خاصة وأنهم ظلوا يبحثون عن حقوقه المغتصبة على مدي ثلاثين عام، إلا أن ذلك البحث دون جدوي.
إن الدولة المدنية التي ينشدها الشعب في المشهد السوداني، هي دولة بعيدة كل البعد عن العنصرية والتمييز العرقي بين مكوناتها المختلفة، والتي يجب أن تتسم في بالشفافية والتنوع رغماً عن اختلاف السحنات واللهجات، إلى جانب أنها ترفض رفضاً باتاً الوصايا، والتي يحاول البعض فرضها من خلال أفكار وتوجهات تهدف إلى خدمة حزباً أو طائفة سياسية محددة، وهذا الحزب أو الطائفة نجده ما أن يتقلد مقاليد السلطة في البلاد يفكر جدياً في كيفية إقصاء التيارات المؤثرة في المشهد السياسي، ومن ثم يعمد إلى وضع الدستور وسن القوانين المتلائمة مع رؤيته، والتي يود أن يدير بها البلاد، وهي قطعاً تكون مقيدة للحريات الشخصية، الصحفية والإعلامية، وترمي جميعاً إلى إجبار من يخالفهم الرأي على الإنصياع إليها مكرها بالضبط كما فعل النظام البائد خلال ثلاثة عقود متصلة دون إنقطاع، إذ أنه وضع الدستور وشرع القوانين بما يتماشي مع سياسات الإخضاع الكلي، وذلك فقاً لما يرمي إليه من أجندات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وفكرية، ناسياً أو متعمداً النسيان هضم حقوق الشعب السوداني دون أن يأبه بها رغماً عن أنه وضع دستوراً وقوانيناً تنص على حفظ الحقوق، مثلاً حرية التنقل من مكان إلى آخر، والعمل في الوظائف الحكومية بالمؤهلات، الكفاءات والخبرات بعيداً عن التوظيف بالولاء، إما في جانب التعليم والصحة فقد حولهما النظام السابق إلى سلع تجارية متجاوزاً بهما القيمة الإنسانية والأخلاقية، أي أن الإنسان الذي لا يمتلك المال الكافي لا يمكنه تلقي العلاج بالصورة المثلي، وكذلك لا يمكنه التحصيل الأكاديمي وغيره من الحقوق المهضومة، والمنوط توفيرها للمواطن المقلوب على أمره في دولته، إلا أن استشراء (الفساد) في البلاد جعل ذلك مستحيلاً.
من المعروف أن فكرة الدولة المدنية قائمة على فلسفة يونانية قديمة، وهذه الفلسفة تهدف إلى أن يكون الحكم نظاما شعيبا مدنيا، وهذه النظام المدني منوط به وضع الدساتير وتشريع القوانين في أي مرحلة من مراحل السلطة، المهم أن فكرة الدولة المدنية أخذت تتطور تدريجيا في محيطها، ومن ثم بدأت في الانتشار على نطاق واسع، إلى أن وصلت إلى الدول الأوروبية، والتي كانت تعاني معاناة بالغة التعقيد من (الفساد) الذي انتشر فيها بإسم الدين، لذا التقطوا الفكرة سريعا وبدأوا في تنفيذها عمليا، وذلك من خلال تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية الرامية إلى أن يكون الشعب أساسيا في عملية إنتاج الأفكار سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا وفكريا باعتبار أنه شريكا أصيلا في السلطة، وبالتالي يستطيع بالانتماء إلى المجالس التشريعية والبرلمانات المطالبة بحقوقهِ، وحمايتها في ذات الوقت من التغول الذي يحاول البعض ممارسته، وذلك من أجل تحقيق مكاسب شخصية، لا علاقة لها بالمصلحة العامة، لذا يجب عدم إتاحة الفرصة لهؤلاء أولئك للانجراف بها عن مسارها، بل يجب أن يضغط الناس في الإتجاه الصحيح، والذي دون أدني شك يقود للقضاء على التهميش، القهر، الاقصاء، التمييز والتعصب، وهي جميعا تجد مرتعا خصبا كلما كان (الفساد) مستشريا في البلاد، لذلك استند البعض من الساسة على تلك السياسة للاقصاء والتفريق بين الناس، وذلك من استقلال الدين لتقسيم الناس إلى طوائف ومذهب. 
فيما نجد أن الدولة المدنية مبنية على عدم خلط الدين بالنظام السياسي، وبالرغم عن ذلك لا تتعارض معه من قريب أو بعيد، بدليل أنه مصدرا للأخلاق والقيم الإنسانية، وبالتالي هي ليست ضده كما حاول البعض تصويرها، بل من أهم اهتماماتها المواطنة كجزء أصيل من تكوين من الدولة، أي أن الناس تتساوي في الحقوق والواجبات، أي أنها لا تنصف إنسانا على الآخر مهما كانت وظيفة، أو سلطته، أو نفوذه، بل هم سواسية في نظر القانون الذي يعلي ولا يعلي عليه. 
بينما نجد أن السلطة المدنية تلعب دورا كبيرا في من حيث جعل الإنسان يقبل الآخر بغض النظر عن القبيلة أو السحنة، وتعمل أيضا على التوظيف وفقا للموهلات، الكفاءات والخبرات المشروطة بالإنتاج، وذلك من أجل منح الشباب فرصا في الوظائف التي حرموا منها في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مما نجم عن ذلك انتشار البطالة بصورة مقلقة جدا، مما قاد إلى التوظيف بالولاء الذي أثر تأثيرا بالغا لعدم المساهمة في الانتاج، مما أدي إلى التأثير سلبا في الميزانية العامة، وبالتالي تدهور القطاع الاقتصادي، ودخلت المؤسسات، الشركات، المصارف والمشاريع الحيوية في نفق الفساد المظلم، مما انعكس ذلك سلبا على الاقتصاد السوداني بصورة عامة وعلى المجتمع بصورة خاصة، فلم يكن نظام الرئيس المعزول عمر البشير حريصا على تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وكلما أشرق صباحا جديدا تتعمق فيه الأزمات المتوالية، فهو كان جل تركيزه منحصر في النواحي الأمنية للبقاء في كرسي السلطة، وعليه أدت تلك السياسة المفتقرة للرؤية المستقبلية إلى عدم الاستقرار داخل الدولة، مما أدي إلى ظهور سوالب وانتشار الجريمة وتفشي المخدرات وغيرها من الظواهر الدخيلة على المجتمع السوداني، ولم يولي الجانب المعرفي اهتماما من أجل تثقيف وتوعية أفراد المجتمع بالحقوق والواجبات، وبما أنه لم تكن هنالك حقوق فإنه ليست هنالك واجبات على المواطن الذي فقد ابسط حقوقه في ظل نظام ديكتاتوري لم يهتم بالحقل الصحي الذي لم يسلم من الصفقات المشبوهة بالتعاقد مع شركات لاستيراد الأجهزة الطبية والأدوية، بكم مريض توفي نتيجة الإهمال أو عدم امتلاكه المال الذي يسترد به عافيته لذا يضطر إلى أن يتلقي العلاج في بيئة صحية مذرية، خاصة وأن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لم يوفر الأدوات المساهمة في تنظيف الأماكن العامة، والطرقات في كافة أنحاء الدولة.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...