.............................
كلما تجاوزت الأحلام سقفها الواقعي، فإنها تتبعثر ما بين الأمل والفشل، فلا يستطيع الإنسان أن يحقق منها ولو جزءاً يسير، خاصة وأن الإنسان لم يعد هو الإنسان الذي يفكر في مستقبله بصورة إيجابية، لأنه غير مستعداً للتضحية، أو أن يدفع ثمناً مقابل ترجمة ما يصبو إليه لواقع ملموس.
إن الإنسان في هذا الزمان ربما يكون غير مهيأ للعطاء وبذل قصاري جهده فيما يرمي، بل يكتفي بالأحلام أثناء النوم أو اليقظة، إلا أنه يتفاجأ في اليوم التالي بواقع مغاير، فمجرد ما تشرق الشمس تتبخر كل أحلامه، ويجد أن ما رسمه في الخيال صعب المنال، خاصة وان الزمان لم يعد كما كان، وبالرغم من ذلك يظل الإنسان يحلم، ويمني النفس غارقاً فيها مداعباً دواخله بها منذ نعومة اظافره، وتجد ذلك واضحاً حينما تسأل طفلاً عن ماذا يود أن يصبح في المستقبل؟ فيرد عليك ببراءته، ودون تردد طبيباً، أو مهندساً، أو ضابطاً وإلي آخره، وهكذا تظل الأحلام تكبر معه يوماً تلو الآخر، وأن كانت هناك قناعة تامة بأن الرؤية غير واضحة المعالم، أو أنها غير ممكنة، أو أنها مستحيلة لما يكتنفها من الغموض والضبابية، إلا أن المرء كلما فشل في تحقيق حلمه علي أرض الواقع، فإنه يصر عليه ليكون نشطاً بقوي خفية تدفعه لإثبات الذات.
ويري الفيلسوف ﺩﻳﻞ ﻛﺎﺭﻧﻴﺠﻲ : (ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺟﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺤﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻓﻬﻢ ﻳﺤﻠﻤﻮﻥ ﻛﻴﻒ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻢ، ﻭﻳﺘﺨﻴﻠﻮﻥ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻓﻴﻪ، ﺛﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺑﻠﻮﻍ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻫﺬﻩ، ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻓﻬﻢ ﻭﻏﺮﺿﻬﻢ ﻫﺬﺍ)، ولكن عندما تكون الأحلام غير المتوافقة مع الواقع يفشل، أما ذلك الذي يفصّل أحلامه وفق واقعه ينجح في حياته، لأنه لا ينجرف بها نحو تيار الآخرين، أي أنه لا يسعي للتقليد الاعمي لمجرد أنه خضع لأفكار سالبة، والذين يخضعون للأفكار السالبة، فإنهم يكونون غير مقتنعين بها، إلا إنهم يأملون، وما بالأماني وحدها تتحقق الأحلام، وبالتالي لا يمكنهم الانعتاق عما يمضون في إطاره، وللخروج من ذلك المأزق يجب علي الإنسان أن يفكر بالطريقة المثلي، وأن يعيد حساباته، وأن يأخذ الحيطة والحذر حتي لا يكون مكبلاً، فيضطر إلي أن يلجأ لنكران الواقع المرير بما فيه الموت ﻛﻮﺍﻗﻊ ملموس، وأن كان لا يمكنه إنكاره، لأنه قدر محتوم لا فرار منه، ومعروف لكل إنسان معرفة جيدة، وبالتالي أن شئنا أو أبينا آت آت.
من المؤكد أن لكل حلم تبعات تصاحبه أن تحقق أو لم يتحقق، ربما ترتقي بالقيمة الإنسانية، أو تنخفض بها، المهم أنه ينتج عنها نقصاً في قدرتنا الإستيعابية للواقع، وكلما أرتفع سقف الحلم ارتفعت معه الطموحات والتطلعات غير المحتملة لطاقة الإنسان المحدودة، ويظل هكذا إلي أن يكتشف نفسه، وحينما يفعل يكون الزمان قد سرق عمره، فكيف يكون حكيماً وواقعياً مع نفسه، لا يعني ذلك معرفتك كم يبلغ طولك أو وزنك أو.. أو.. أو... ﻭﻟﻜﻦ معرفة جوهر دواخلك قبل معرفة تفاصيل تكوينك الإنساني، أي أن تكون إنساناً عميقاً من حيث تفكيرك وأحلامك، فإذا اردت اكتشاف ذاتك، فإنه ليس أمراً سهلاً، وقد تحتاج إلي وقت طويل، حتي تصل إلي نقاط قوتك وضعفك، وهذه المعرفة لا تتطلب منك أن تكون فيلسوفاً بقدر ما تكون حاصلاً ﻧﺴﺒﺔ %90 من الإجابات للأسئلة الموضوعة علي طاولة شخصيتك، هل تستغرق وقتاً أكثر من اللازم في اللهو أو اللعب أو الترفيه أو التواصل عبر وسائط الميديا الحديثة وغيرها؟، الإجابة ببساطة نعم، فمعظم الناس يقتنون هواتف ذكية تجوب بهم العوالم الافتراضية، ولا يعطون أحلامهم حيزاً كبيراً، حيث يبحثون في ظلها عن أنفسهم، وليس التفكير في تحقيق الأحلام لا يعني بأي حال من الأحوال الخضوع لها بشكل كامل، وعزل الذات عن الواقع ركوناً لسلطة التأثير.
من يرغب في تحقيق أحلامه بإتزان، فيجب أن يوازن بين الحلم والواقع، وأن لا يخضع لاحدهما أكثر من الثاني، مع الإجتهاد لتنقية الأحلام إلي أن يصل إلي حلم يحقق له الرضا والسعادة عندها سيدرك ماذا أن يكّون ذاته، لأن الأحلام لا تمضي نحو نجاح الإنسان، إلا إذا كان متميزاً، هكذا هي المعطيات حينما توازنها ما بين الأحلام والواقع، وهكذا تكتشف أين تكمن موهبتك، وهكذا يكون إبداعك ذو حضور قوي جداً في الحياة، ومع هذا وذاك تدفعك إرادتك لإنجاز أهدافك.