الخرطوم : سراج النعيم
رحل عنا خلال أسبوع ثلاثة من مبدعينا العمالقة الذين فتحوا
الباب مشرعاً للتساؤلات إلي متى يعاني المبدع من عدم الاهتمام به حياً من الجهات
المعنية برعاية المبدعين علي المستويين الرسمي والمدني.. وهو الأمر الذي ظهر جلياً
عندما رحل عن دنيانا شاعر الشعب ( محجوب شريف) الذي شيع في موكب مهيب من منزله
بالثورة الحارة الـ(21 ) إلي مقابر ( احمد شرفي).. والفنان النوبي ( صالح ولولي)
والموسيقار اليمني السوداني (ناجي القدسي) الذين توفاهم
الله سبحانه وتعالي بعد صراع مرير مع المرض الذي لزموا علي أثره الفراش فترة من
الزمن.
وأكثر ما حز في نفسي أن القدسي قرر له إجراء عملية
جراحية بالقاهرة إلا أنه لم يتمكن من السفر نسبة إلي عدم امتلاكه المال الذي
يساعده علي إجراء العملية بالقاهرة ما أضطره إلي إجرائها بأحدي مستشفيات العاصمة
اليمنية ( صنعاء) .. وهكذا يجابه المبدعين الإهمال بالرغم من أنهم اثروا الوجدان
بإبداعاتهم الخالدة في ذاكرة الأمة.
من المعروف أن القدسي من مواليد مدينة عطبرة في العام ﻓﻲ
1944 ﻣﻦ ﺃﺏ يمني أستقر به المقام بالسودان قادما
من مسقط رأسه محافظة (إب) وسط اليمن في ثلاثينات القرن الماضي فتزوج من سيدة
سودانية تنتمي إلي الأسرة الميرغنية.
لقب بالناجي بعد أن نجا من حادثة تسمم أودي بحياة توأمه
( الحسن) ضف الي ذلك أنه يحمل لقباً آخراً هو (القدسي) لولهه بالأحاديث القدسية
أبان دراسته بالمعهد العلمي بمدينة سنار.
ﺳﺠّﻞ ﺃﻭﻝ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﻟﻺﺫﺍﻋﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻋﺎﻡ 1961 ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ " ﺁﻣﺎﻝ "، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ . ﻭﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻨﺔ
ﺃﻧﺸﺄ ﻓﺮﻗﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻲ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﺎﺏ ﺑﺄﻡ ﺩﺭﻣﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﺴﻴﻦ ﺣﻤﺰﺓ ﻭﺃﺧﻴﻪ ﻫﺎﺷﻢ ﺣﻤﺰﺓ ﻭﻋﻮﺽ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ، ﻭﻟﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺳُﺠﻠﺖ ﻟﻺﺫﺍﻋﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺑﺼﻮﺕ ﻫﺎﺷﻢ ﺣﻤﺰﺓ .
ﻟﺤﻦ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ ﺃﻋﻤﺎﻻً ﻟﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ 1962 ،1966، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺬﻳﻊ ﺻﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1967 ﺑﺎﻟﻠﺤﻦ ﺍﻷﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﻑ ﺍﻟﻤﻠﺤﻨﻴﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ، ﺃﻱ ﻟﺤﻦ ﺃﻏﻨﻴﺔ " ﺍﻟﺴﺎﻗﻴﺔ " ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺨﺒﺄﺓ ﻃﻲ ﺭﻣﺰﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻏﻨﺎﻫﺎ
ﺍﻟﻤﻄﺮﺏ ﺣﻤﺪ ﺍﻟﺮﻳّﺢ، ﻭﺻﺎﻍ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﺪﻭﺵ . ﻭﻫﻲ ﺍﻷﻏﻨﻴﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ ﻧﺠﻤﺎً ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻳﺘﻐﻨّﻰ ﺑﺄﻟﺤﺎﻧﻪ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ﻭﻳﺴﺠﻞ ﻣﻘﻄﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻹﺫﺍﻋﺔ ﻟﻤﺎ
ﺣﺎﺯﺗﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﻝ ﺷﻌﺒﻲ ﻋﺎﻝٍ . ﻛﻤﺎ ﺃﺻﺪﺭﺕ ﺷﺮﻛﺔ " ﻣﻨﺼﻔﻮﻥ" ﻟﻺﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻟﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﺓ ﺑﺼﻮﺗﻲ ﺍﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ﺃﺑﻮﻋﺮﻛﻲ ﺍﻟﺒﺨﻴﺖ ﻭﺍﻟﺘﺎﺝ ﻣﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻄﻮﺍﻧﺎﺕ ﻃﺒﻌﺖ ﺑﺠﻮﺩﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ .
ﻓﻲ ﻳﻮﻟﻴﻮ /ﺗﻤﻮﺯ 1971، ﺃﻋﺘﻘﻞ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﻨﺎﻭﺋﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﺤﻦ " ﺍﻟﺴﺎﻗﻴﺔ" ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻟﻬﺘﺎﻓﺎﺗﻬﻢ، ﺧﻼﻝ ﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺕ ﺍﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻴﻦ، ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺮﺍﺋﺪ ﻫﺎﺷﻢ ﺍﻟﻌﻄﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻌﻔﺮ ﻧﻤﻴﺮﻱ . ﺍﻋﺘﻘﺎﻟﻪ ﺍﺳﺘﻤﺮّ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﻬﺮ، ﺧﺮﺝ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻴﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ . ﻓﻘﺪ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﺣﻨﺎﺟﺮ ﺍﻟﻤﻐﻨﻴﻦ ﻋﻦ ﺃﻟﺤﺎﻧﻪ ﺧﻮﻓﺎًمن النظام المايوي ﻣﻤﺎ ﺃﺩﺧﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺣﺎﻭﻝ ﻋﻼﺟﻬﺎ ﺑﺎﻧﻐﻤﺎﺳﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ، ﺛﻢ ﻟﺤﻦ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺘﺄﻣﻠﻴﺔ ﻷﺑﻲ ﺍﻟﻌﻼﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻱ
ﻭﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ .
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1976 ، ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺗﻨﻘﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺣﻴﺚ ﻗﺪّﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﻠﺤﻨﻴﺔ،
ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺃﺑﻴﻪ، ﺍﻟﻴﻤﻦ، ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻡ 1982 ، ﺣﻴﺚ ﻋﺎﺵ ﻋﺰﻟﺔ ﻟﻢ ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﺇﻻ ﻟﻤﺎﻣﺎً ﺑﺰﻳﺎﺭﺍﺕ ﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻛﺎﻥ ﺁﺧﺮﻫﺎ ﻋﺎﻡ
2011
ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻘﺪﺳﻲ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ، ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﻋﻨﻪ ﺭﻏﻢ ﺍﺑﺘﻌﺎﺩﻩ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ . ﺇﺫ ﻧﺠﺪ ﻧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﺎﺭ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﻤﻮﺻﻠﻲ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺻﻼﺡ ﺷﻌﻴﺐ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﺎﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺃﻧﺲ ﺍﻟﻌﺎﻗﺐ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﻴﻦ ﻭﻧﻘﺎﺩ ﻭﺻﻔﻮﺍ ﺃﻟﺤﺎﻧﻪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻭﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﻧﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﻏﻨﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻟﻌﺪﻡ ﺭﺗﺎﺑﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ.
ﻭﻳﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻫﻮ ﻣﺆﻟﻒ ﺃﻃﻮﻝ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ "ﺍﻟﻨﻴﻞ " 36 ﺳﺎﻋﺔ.