كيف انضم للحركة الشعبية وما علاقة ياسر عرمان بدفعه
للسياسة
ما الحوار الذي دار بينه والدكتور الراحل جون قرنق
بالقاهرة
ما سر الثنائية التي تمناها مع الشيخ عبدالرحيم البرعي
توثيق : سراج النعيم
صراخ ودموع ولهفة وحيرة كلها ارتسمت على الأفئدة لحظة
تلقيها نبأ وفاة الفنان الشاب محمود عبدالعزيز الذي عاشوا معه لحظات قاسية لن
تمحوها السنون من الذاكرة فالتجربة المرضية المريرة التي مر بها بمستشفي رويال كير
بالخرطوم ومن ثم ابن الهيثم بالمملكة الأردنية الهاشيمة كانت تجربة قاسية جداً علمّت
الجميع قيمة الحياة ومرارة الفراق ولوعته.
يعتبر الراحل محمود عبدالعزيز من الفنانين القلائل
الذين حملوا مشعل الرفض لكل ما هو مقيد للذات الإنسانية فهو قد أعلن منذ الوهلة
الأولى حبه اللا محدود للإنسانية والحياة من خلال الأغاني التي حافظ بها على
الأفكار الجادة في المجال الذي اختاره للمضي به قدماً بموهبة قل أن يجود بها
الزمان لأنه أي الحوت استطاع أن ينحت أفكاره الجريئة بتناول النصوص الغنائية
المميزة والألحان المتجددة في الحركتين الثقافية والفنية .
ما بعد الحزن
ومن هنا رأيت أن أبحر في لجة حواراتي مع هذا الفنان
الأسطورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني فهي في المقام الأول والأخير حوارات لم
تنقطع برغم انقطاعه عن الحياة فثمة من يقول وهم عديدون أن محمود عبدالعزيز نقلنا
إلى ما بعد الأشياء المرئية .. إلي ما بعد الحزن العميق الذي ترجمه بوضوح في الكثير
من الأغاني.. إلي ما بعد الفرح الذي مزجه بالحزن فهو بلا شك كان فناناً جميلاً
وصادقاً ومدهشاً.
صوت يشدك إليه
وعندما تتحدث مع الفنان الجماهيري محمود عبدالعزيز
ينتابك إحساس منذ الوهلة الأولي بأن صوته قادم من خلف الغيوم فهو صوت يشدك إليه إن
شئت أو أبيت ولهذا الصوت سحره الأخاذ ولا يعرف
هذا السحر سوي معجبي (الحوت) لأنه يحمل بين طياته الإصرار وروح التحدي الذي استطاع
به أن يشق طريقه للقمة الفنية في البلاد بعقل وقلب مفتوح ولاشك أن موهبته الفنية
لعبت دوراً كبيراً في اقتحامه للعقبات والأشواك وهي وحدها التي جعلته يدخل تاريخ
الأغنية السودانية من أوسع أبوابها.
(التمرد الجميل)
البداية كانت في تسعينيات القرن الماضي ومن ثم تواصلت
معه بصورة مستمرة ودون انقطاع إلي أن التمست فيه (التمرد الجميل) وهو التمرد الذي
حلق بجناحه بعيداً عما جبل عليه الكثيرين من أبناء جيله الذين ظلوا قابعين في محطة
التقليدية والرتابة والخضوع الدائم الذي كانت تحفل به الحركة الفنية في السودان.
الموسيقار صلاح بن البادية
في العام 1987م
أنضم لمركز شباب الخرطوم بحري على أيام الأستاذ أحمد الريس وهناك ألتقي آنذاك
الوقت بالموسيقار عبدالله الكردفاني وحسن والشيخ صلاح بن البادية الذين كانوا له سنداً
قوياً لمجابهة رسم خارطة طريق لموهبته الفنية التي أول ما قدمها للموسيقار الفنان
الكبير صلاح بن البادية والذي أبدى بصراحته
المعهودة إعجابه الشديد بهذا الصوت المتفرد رغماً عن صغر سنه فما كان من ابن
البادية إلا رعاه كفنان واعد يبشر بمستقبل مشرق في الحركة الفنية جاءت تلك الرعاية
الكريمة من واقع علاقة الصداقة التي ربطته بنجليه (حسن) و(الشيخ) وهي كانت مرحلة
هامة مفصليه من تاريخ حياته الإبداعية وهي المرحلة التي ظل الحوت يحتفي بها كثيراً
في كل الحوارات التي أجريتها معه إذ أنه قال لي :(يكفيني فخراً وإعزازاً أنني
تتلمذت على يد الفنان الكبير صلاح بن البادية يعني لكل حوار شيخ وابن البادية هو شيخي الذي
أخذ بيدي في مرحلة مفصلية من حياتي الفنية).
اقتبس ذلك الضياء
فما ذهب إليه
الحوت يؤكد وفاءه لمن وقفوا معه في البدايات واصفاً الفنان صلاح بن البادية بالشيخ
وشخصه بالحوار في دلالة واضحة بأن الصوفية التي امتزج بها منذ ذلك التاريخ شكلت
حيزاً كبيراً من اهتماماته وتطوير ذاته لذا نجده قد اقتبس ذلك الضياء الذي أصبح له
مشعلاً في حياته الإبداعية التي طرح في إطارها الكثير من مدائح المصطفي صلي الله
عليه وسلم وذلك عبر إذاعة الكوثر وقناة ساهور لتعظيم المصطفي صلي الله عليه وسلم واذكر
أن من أماني الفنان الراحل محمود عبدالعزيز أمنيته في تشكل ثنائية مع أبونا العارف
بالله الشيخ الراحل عبدالرحيم البرعي في عدد من المدائح التي ألفها الأخير نظماً
ولحناً.
قضايا وطنية
ويلاحظ في الحوت الروح الفنية المعتمدة اعتماداً كلياً
على الإلمام بما اختاره أو اختارته إليه موهبته الفذة التي في ظلها طرحت عليه
سؤالاً مفاده أخي محمود أراك تنتقل ما بين الفينة والأخرى بين الغناء والتمثيل فأي المرافئ تؤثر الوقوف
عندها وما هو مرماك الذي تهدف للرسو فيه وماذا تود أن ترسل لجمهورك عندما تجمع بين
هذين المجالين الإبداعيين؟
قال بصراحته
المعهودة : اطمح من وراء ذلك إلى أن أرسو في مرفأ الإبداع الذي وضعتني فيه موهبتي
فلكل موهبة قالبها وموهبة الغناء عندي لها قالبها الخاص وكذاك موهبة التمثيل ولكل موهبة
فكرتها التي أجسدها فيها بالإطار الفني الذي يتناسب معها ولكن رغماً عن ذلك ففكرتي
الأساسية تركزت منذ البداية في الغناء ولاشيء غيره خاصة حينما تأتي اليّ تلك
اللحظة المليئة بالتوهج فهي تحملني إلي عوالم الغناء من على خشبات المسارح فالفن
بصورة عامة لا ينمو في الفراغ بل يحتاج إلي موهبة يتم صقلها بالاطلاع والدراسة فأنا
فعلت كذلك بالدراسة الموسيقية والتمثيل بقصر الشباب والأطفال وهذا الاتجاه نابع من
إيماني القاطع بأن الفنان هو ابن المجتمع وعليه يؤثر ويتأثر بواقعة وقضاياه في شتي
ضروب الحياة لذلك ظللت احمل هذين الرسالتين لأنني علي قناعة تامة بأنه لا تضاد بين
الفن والتمثيل بل هنالك نوع من التكامل بينهما وبالتالي لم أعزل فني عن قضايا وطني
التي عشتها بكل صدق مغسول بالوفاء.
الحركة الشعبية
وبما أن الحوار قد قادنا إلي عوالم الوطن والسياسة دعني
أسألك عن الانضمام للحركة الشعبية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا فمن هي الشخصية التي
قامت باستقطابك وأين التقيت بها ومن مِن القيادات بالحركة تحدثت إليهم؟
وبلا تردد قال : انضمامي للحركة الشعبية تم بواسطة الأخ
ياسر عرمان الذي سعي للالتقاء بي آنذاك والذي كنت فيه بالقاهرة وقد دار بيني وبينه
حواراً امتد لساعات حول رؤية الحركة الشعبية للسودان الوطن بعد الاتفاق الذي
أبرمته مع الحكومة بمباركة دولية المهم أن الفكرة كانت تصب في إطار مصلحة شعبي
الشمال والجنوب وبالتالي قبلت ما طرح علي شرطاً ألا يتم إقحامي في القضايا
السياسية مهما استدعي الأمر وان اعمل في المجال الثقافي والفني فقط فما كان من ياسر
إلا واجري مكالمة هاتفية بالدكتور الراحل جون قرنق دي مبيور ومن ثم أعطاني إليه
قائلاً : مرحباً بالرفيق محمود عبدالعزيز في الحركة الشعبية التي سوف تتحول من
حركة مسلحة إلي حزب سياسي يمارس العمل السياسي المصحوب بالقضايا الاجتماعية
والثقافية والفنية وفي الأخيرتين نحن نحتاج إلي جهودك معنا من أجل إيصال رسالتنا
للمجتمع السوداني الذي يجب أن يكون موحداً فقلت له طالما أن فكرتكم في أن يكون
السودان موحداً لا مانع لدي من العمل معكم في قطاع الثقافة والفن ومن هنا بدأت
علاقتي بالحركة الشعبية ومن ثم تم وضعي في لجنة استقبال الدكتور جون قرنق بالخرطوم.
دار العجزة
والمسنين
قلت للحوت ما هي إسهاماتك الوطنية من الناحية القومية
وأين أنت من القضايا الإنسانية؟.
قال : الشعب السوداني بصورة عامة يحب خدمة الإنسانية
وبما أنني واحد منهم أسجل زيارات لدار العجزة والمسنين وبعض الدور الأخري العاملة
في خدمة الانسانية في فترات متقطعة ولكنني أحرص عليها بالإضافة إلي أن علاقات قوية
ربطتني بأطفال الشوارع طالما أنهم أحبوني وأحبوا فني ويا أخي أنا إنسان بسيط ويعرف
هذه الحقيقة كل من جمعته بي صداقة وأنت اعلم الناس بذلك ولم يسبق لي أن توانيت عن أداء
ضريبة الوطن في أي محفل من المحافل ويشهد علي ذلك الوسط الفني والدولة من خلال
الحفلات والليالي التي أقيمت ويكفي أنني أحتفل بعيد الاستقلال علي طريقتي الخاصة
فأنا منذ أن بدأت الخوض في المعترك الفني الذي شهد الكثير من التحولات والمنعطفات التي
ظللت علي خلفيتها أتفاعل مع قضايا وطني وأحث جمهوري علي انتهاج نفس النهج لأنني
كنت احمل رسالة لا تهمني معها المادة بقدر ما أنا اعمل علي إشباع هوايتي في الفن
والتمثيل معاً وما مسرحية (تاجوج في الخرطوم) التي قمت بإنتاجها والتي ألفها
المخرج الراحل مجدي النور وأخرجها الشاعر الكبير قاسم ابوزيد وشاركني في بطولتها
الممثلة الكبيرة سمية عبداللطيف وكوكبة من نجوم الدراما إلا أكبر دليل علي ذلك فلم
يبخل عليّ أبناء جيلي من الممثلين والعازفين المهرة في التأطير لفكرتي في الفن
والتمثيل إلي أن وجدت لهما موطئ قدم بين رصيفاتهما ومن ثم حققت بهما الانتشار في
فترة وجيزة فأصبحت أعمالي بفضل الله سبحانه وتعالي وشركات الإنتاج الفني والتوزيع
والأجهزة الإعلامية المختلفة تلامس أحاسيس ومشاعر المتلقي في كل أرجاء السودان.
الحوت
نجم الشباك
ما
هي الفترة الزمنية التي أصبح معها الحوت نجماً للشباك الذي كان محصوراً في العملاق
محمد الأمين وربما بعض الفنانين في الحفلات الموسمية ؟
بدأت
هذه المرحلة في فترة مبكرة والتي أخذت فيها حفلاتي العامة تجد إقبالاً منقطع
النظير من الجماهير رغما عن أن البعض عمل علي رسم صورة مغايرة عن شخصيتي الفنية من
خلال الترويج إلي أنني فناناً غير ملتزم بالمواعيد وهي الحيلة التي لم تنطلي علي
جمهوري الذي كان واعياً بما يحاك ضدي في تلك الفترة ولكنني كنت أعزو ذلك إلي
الغيرة الفنية التي كان يفترض فيهم منافستي بتقديم الأعمال الغنائية الجادة التي
تلاقي هوا في نفوس الجماهير التي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تجامل مهما كانت
المغريات إذ وجدت في البداية أن أقدم نفسي للجمهور بأغاني معروفة للفنانين الكبار
احمد المصطفي وحمد الريح ومحمد وردي وعثمان حسين وزيدان إبراهيم ومحمود تاور ونجم
الدين الفاضل وآخرين وقد شاركت في معظم احتفالات الكشافة البحرية بما في ذلك الحفل
الذي شهده الرئيس الراحل النميري.
جنة
الاطفال
محمود
عبدالعزيز بكل صراحة هل ترديد وتوثيق أغنية (جنة الأطفال) التي كانت شعاراً
للبرنامج الخاص بالأطفال بتلفزيون السودان هل فعلت ذلك بدافع الحنين لتلك الأيام التي
شاركت من خلالها في البرنامج؟
قال
: جنة الأطفال كان لها دور كبير في تشكيل شخصيتي التي وجدت في المنزل عدد من
المبدعين الذين سبقوني في هذا المجال خالي الطاهر محمد الطاهر الممثل الذي ظهر
للمتلقي عبر اثير الإذاعة السودانية والتلفزيون القومي في الكثير من الأعمال
بالإضافة إليه خالي الشاعر أمين محمد الطاهر الذي تغنيت من كلماته وبالتالي استطاع خالي الطاهر أن يحبب لي
التمثيل وهو الذي ساعدني في المشاركة في برنامج جنة الأطفال وأنا مازلت طفلاً
صغيراً وهناك تعرفت عن قرب علي مجموعة من الزملاء الذين كانوا يشاركون بالبرنامج .