تنبأ له طبيب بالاصابة بالعمى بعد (70) عام
منير عبدالوهاب : عرفت منذ صغري بانني سأصبح (كفيفا)
هيأت نفسي إلى هذا اليوم واجريت (7) عمليات جراحية
جلس إليه : سراج النعيم
كشف المخرج الإذاعي والممثل المخضرم منير عبدالوهاب قصته الحزينة مع الإصابة بالعمى، والذي تنبأ في إطاره طبيبا سودانيا قبل أكثر من (70) عام بأنه سيصبح (كفيفا)، وظل على خلفية ذلك يهيء نفسه إلى أن فقد بصره نهائياً.
فيما رد على أسئلة وضعتها على منضدته حول حياته الخاصة والعامة، بالإضافة إلى وظيفته في مجال الحسابات الحكومية، والتي تحول بعدها إلى مخرجاً للبرامج، السهرات والدراما بالإذاعة السودانية والتلفزيون القومي.
كيف أصبحت (كفيفا)؟
بدأت قصتي مع الإصابة بالعمى منذ أن كنت طفلاً، ووقتئذ كنت أدرس في المرحلة الاوسطي، وأثناء تحصيلي الأكاديمي مر أطباء العيون على مدرسة (الاميرية) أمدرمان، وكشفوا النظر للتلاميذ، وعندما عرضت على الطبيب المختص قال : (سبحان الله.. سبحان الله)، موجها خطابه إلى أطباء الامتياز الذين كانوا يرافقونه، فسألوه بصوت واحد ماذا وجدت يا بروف في حالة هذا الطفل؟ فقال : إن مصيره الإصابة بالعمى، فاردفوا : لماذا؟ فقال : توجد في عينيه ماء سوداء، فاضافوا : أليس لهذه الحالة علاج؟ فقال : في الوقت الحاضر ليس لها علاج، ولكن بعد عشرين أو ثلاثين عام ربما يصل العلماء للدواء الناجع، عموماً مصير هذا الطفل الإصابة بالعمى، ومن ساعتها تأكد لي بانني سأصبح (كفيفا)، فالطب آنذاك الوقت كان متطورا جدا.
وماذا؟
حينما ازفت ساعة الصفر بدأت أشاهد (طشاش)، فما كان مني إلا وأجريت أكثر من (6) عمليات في السودان، بالإضافة إلى عملية أخرى في (القاهرة)، ولم تسفر عن نتائج (إيجابية)، والحمدلله على ما أراد، وهو القائل في حديثه القدسي : (من أخذت حبيبة عينيه، فإن جزاءه الجنة) فهذا الحديث كثيرا ما يريحني.
كم مضى على إصابتك بالعمى؟
مضى على إصابتي بالعمى (7) سنوات، وقبلها كنت أشاهد (طشاش)، هكذا إلى أن أصبحت لا أشاهد نهائياً.
هل تأقلمت مع الإصابة بالعمى؟
نعم.. فقد أضحيت أمارس حياتي بشكل طبيعي، لأنني مهيأ أصلاً لهذه الحالة، بالإضافة إلى انني لدي نجلي الذي يساعدني كلما فكرت في الخروج من المنزل.
هل نجلك مضى في مجالك؟
لا.. فقد اختار تخصصا بعيداً عن والده، ووالدته عفاف شيخ الدين المتخرجة في مجال الموسيقى رغماً عن أنه عازف (أورغ) و(بيز جيتار) و(عود) ماهر جدا، كما أنه خاض تجربة التمثيل، أي أنه اختار دراسة الترجمة، ومن ثم عمل في السفارة البريطانية
هل أنت أصلا من جزيرة توتي؟
نعم.. فأنا في الأساس من قبيلة (المحس)، وكان أن سافرت إلى الولاية الشمالية مع مجموعة من الزملاء، وقدمنا مسرحية في مدينة (دنقلا) و(كريمة) وأثناء وجودنا في الأخيرة جاء إلينا مدير الشرطة، وطلب منا أن نقدم لهم عرضا مسرحيا في إفتتاح دار الشرطة، وكان أن استجبنا له (مجاناً)، فقال : من أين أنت في الخرطوم؟ فقلت : من جزيرة توتي، فأردف سؤاله بآخر : هل أنت (محسي)؟، فقلت : نعم، فما كان منه إلا وتحدث معي باللهجة المحلية، فلم أرد عليه، فقال : أليس محسيا أنت؟ فقلت : (محسي)، ولكن لا (ارطن)، فقال : لماذا؟ فقلت : منذ أن تم انجابي في جزيرة توتي وجدت أجدادي يحفظون الناس القرآن الكريم، ولا يعرفون اللهجة المحلية، عندها أكد لي أنه عندما تخرج من كلية الشرطة تم ابتعاثه إلى أمريكا، وأثناء تجواله فيها وجد متحفا أمريكيا، فدلف إليه فوجدت فيه فلكلور سوداني وفوقه مباشرةً لافتة مكتوب عليها (من ترهاقة ملك مملكة كوش إلى ملك مملكة أمريكا)، فاستغرب غاية الاستغراب، فسأل المشرف على المتحف أين أأت إليكم هذه الأشياء؟ فقال : هدية من ملك أفريقيا، فما كان منه إلا أن يشرح حقيقة الفلكلور مؤكدا له بأنه هدية من حاكم السودان، فطلب منه الأمريكان أن يعمل معهم في مجال السياحة إلا أنه رفض الفكرة رفضا باتاً، وتمسك بعمله في الشرطة السودانية.
ما أبرز المسرحيات التي شاركت فيها؟
شاركت في العام 1976م في مسرحية (سقوط برليف) من تأليف الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد وإخراج عمر الخضر في إفتتاح قاعة الصداقة بالخرطوم، بالإضافة إلى مشاركتي في مسرحية (المهدي في ضواحي الخرطوم)، و(لعنت المحلق) من تأليف نعمات حماد وإخراج الفنان الراحل عبدالعزيز العميري في مهرجان الثقافة الثاني بمدينة (كسلا).
ماذا عن المخرج الراحل خطاب حسن أحمد؟
كان عليه الرحمة عبقريا، ومخرجاً مميزا حيث أنه أخرج لي برنامج (الصباح رباح) بالإذاعة السودانية، ومنذ تلك اللحظة ظلت علاقتي معه مستمرة حتى بعد أن احالنا النظام المباد للصالح العام، إذ أنه اتصل بي هاتفياً، وطلب مني أن أأتي إليه في شركة إنتاج إعلامي، وكان أن أنتجت معه (10) إعلانات، ومنحني على إثرها مبلغ كبير من المال الذي ظللت أصرف منه عام كامل، وللمعلومية فإن خطاب حسن أحمد من أسرة فنية بجزيرة توتي، وبرز منها الفنان عابدين ابوعشة، والكوميديان المميز إبراهيم زكريا، ومؤلف منلوجات الأطفال الشيخ عمر الذي ألف مثلاً (الغروية)، (امحمد)، (فاعل خير) وغيرها من المنلوجات التي وصلت إلى (10).
ما الأعمال الأخيرة التي اخرجتها للإذاعة السودانية؟
كنت استكتب اللواء الراحل عبدالله ابوقرون عن شخصيات سودانية خالدة في الذاكرة مثلاً الشيخ فرح ودتكتوك، عبدالرحمن النجومي وآخرين.
ما البرامج المميزة التي اخرجتها للإذاعة السودانية؟
من البرامج المميزة (العلوم الدينية)، (فترة السحر) و(السهرة).
كيف جئت لعالم الدراما؟
كان مدخلي لها في منتصف سبعينيات القرن الماضي من خلال وظيفتي في مجال الحسابات، فأنا كنت مولها بالرديو منذ الصغر، والذي كانت تحبه أختي التي تستمع إليه يومياً، وتطلب مني الإستماع للبرامج الإذاعية إلى أن أصبحت أحفظ بعض الشعارات، عموماً كنت محاسبا في الحكومة، فطلب مني وكيل وزارة المالية أن أمثل أمامه، وعندما ذهبت إليه أبدى إعجابه بتجربتي في مجال الحسابات، واقترح نقلي إلى وزارة الخارجية، فرفضت الفكرة جملة وتفصيلا، وابديت رغبتي في العمل بالإذاعة السودانية، إلا أنه طلب مني العمل في (اللاسلكية واللا سلكية) لمراجعة (شيكات) منذ الاستقلال، وعندما انتهيت منها اصريت على نقلي للإذاعة رغماً عن الإغراءات من مدير (الحريقة)، إذ أنه منحني رتبة (ملازم أول) بعد أن آلت للشرطة، إلا انني رفضت ذلك، واصريت على العمل بالإذاعة، هكذا إلى أن تم منحي خطاب نقلي لوزارة الثقافة والإعلام، والتي بقيت فيها فترة من الزمن إلى أن نقلت للإذاعة، وأصبحت أنتج البرامج الإذاعية، المسلسلات، التمثيليات والمسرحيات في الإذاعة والتلفزيون.
ما الموقف الخالد في الذاكرة بالإذاعة؟
في مرة من المرات كنت أقف أمام صراف الإذاعة، فمنحني الصراف مبلغا ماليا كبيراً، وصادف ذلك وقوف الممثل الراحل عوض صديق خلفي مباشرةً، فسألني ماذا الذي تنتجه في الإذاعة؟ فقلت : عدد من البرامج الإذاعية، فقال : (أنا وأستاذ يسن عبدالقادر دايرين نشغل معك)، فقلت : لا مانع لدي، لكن دعني أشاور المخرجين، وعندما فعلت لم أجد لدي البعض منهم مساحة، والفرصة الوحيدة التي وجدتها في برنامج يخرجه الشاذلي عبدالقادر، والذي اعتبر انضمامهما له إضافة، وكان أن شكرني الأستاذ الراحل عوض صديق، وهذا يقودني إلى تقييم المبدع، والذي أتذكر في ظله انني كنت مشاركا، وعدد من الشباب الخريجين في مسرحية (العروس في المطار) مع الأستاذ ابوقبورة في بعض الولايات، والتي قدمنا من خلالها عرض مسرحي في منطقة (طابت)، وحقق العرض نجاحا منقطع النظير، فما كان من الأستاذ محمد سراج إلا وقال : (يا منير وزع القروش بالتساوي على طاقم المسرحية)، فقلت : يا أستاذ ليس منطقيا أن أخذ مبلغا معك بالتساوي، هكذا رفضت ورفض طارق علي وخالد خيري وكل الممثلين في المسرحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق