الأحد، 20 ديسمبر 2020

سراج النعيم يكتب : هجرات الشباب لبلاد العم سام طريقها شائك ومتشابك


في كثير من الأحيان تضطر ظروف الحياة وتقاطعاتها الاشد قسوة وإيلاماً الإنسان للإبتعاد عن وطنه (مكرهاً) ، وهذا الاكراه يدعه يفكر جلياً في الهجرة من رقعة جغرافية شهدت طفولته، صباه وشبابه إلى آخري، مستنداً ربما على مقولة : (إذا ابتك دياراً فلله ألف ديار)، ويكون بذلك قد اختار طريقاً شائكاً ومتشابكاً، طريقاً ربما يحقق له الأموال إلا أنه يفقده رؤية الكثير من التواصل المباشر، لذلك يكون مسكوناً بأشواق وآمال عراض، إما إذا بقي في بلاده، فإنه سيعيش غريباً يجابه الأوضاع الاقتصادية الصعبة جداً، ويحاول جاهداً التأقلم معها، إلا أنه يجد نفسه متنازعاً ما بين الرحيل قسراً والبقا مكرهاً، لذلك تصلح قصته أن تكون مسلسلاً في حلقات لامتزاجها بين الماضي، الحاضر والمستقبل، وذكريات تناوله ثلاثة وجبات، بالإضافة إلى التحلية بـ(الفواكة) أو (الحلويات)، وارتشاف كوب (الشاي)، وربما يأخذ بعد ذلك مصروفه من والده أو والدته بأصابع مرتجفة، وٍيركض به مسرعاً نحو غرفته، هكذا تكون ذكرياته ممتزجة بالصفاء حتي عند التخاصم، أي أنه لا يفكر في أزمات الحياة المعيشية التي نمر به رغماً عن أن العائل للأسرة شخصاً واحداً.
إن من تضطره الظروف للسفر، فإن هنالك من ينتظر خطاباته المرسلة بفارق الصبر، والتي تتم قراءتها في جلسة يتحلق حولها الأهل وربما الجيران والأصدقاء، إلا أنه ومع التطور التكنولوجي أصبح التواصل سهلاً ورغماً عن ذلك لا يحرص على الإرسال، أي أنه لا يفكر في إدارة قرص هاتفه الذي هو بمسافة مساحة قريبة جداً من (جيه) ليسأل عمن غاب عنهم سنوات طوال، وبالتالي فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو أين أنت، ولماذا كل هذا الجفاء، والإبتعاد جغرافياً ألا تعلم أن البعيد عن العين بعيد من القلب؟؟، رغم(العولمة) ووسائطها المختلفة قربت المسافات إلا أن الهجرة الطويلة تفقد المغترب حميمية التواصل، التوهج، الألق، متعة الإنتظار، ارتجاف الأصابع وخفقان القلب، وكلما تذكره الناس تكون ذكراه منحصرة في عدم التواصل، وأنه لم يعد مهتماً بالتواصل الإجتماعي مع أسرته، أهله وأصدقائه الذين ينشغل عنهم بجني المال، وبالتالي يجد نفسه تائهاً بالبحث عن أوضاع اقتصادية أفضل، إلا أنه ومع مرور الأيام، الشهور والسنين يجد نفسه ضائعاً بين أتون الغربة وتحسين الظروف الاقتصادية، وأن كان يحمل في داخله حباً نقياً كالماء الذي يرتشفه إلا أن ماء بلاده عذباً وساحراً.
دائماً ما يكون المودع مرغماً على الوداع والوداع في حد ذاته يكون صمتاً، لأنه يوداع على أمل الالتقاء في زمان ومكان آخر، هكذا يرحل مع الاحتفاظ بذكريات وتفاصيل تحلق حول قلبه، ولا تدعه يقوى على تحملها إلى أن يجد نفسه منغمساً بينها، ومحرك البحث لمتابعة ما يجري
 في رقعته الجغرافية، وأمثال هؤلاء ينطبق عليهم قانون الإختفاء في ظروف غامضة، القانون الذي يدرجه ضمن اعداد الموتي أو المفقودين، خاصةً من هاجر هجرة غير شرعية، وانقطعت أخباره عن أهله تماماً، وبالتالي فإن اسقاطه من ذاكرة العين يحدث دونما شك، فالإسقاط من العين ناتج عن الإبتعاد وفقاً لقانون التقادم الذي لا يعرف
الأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي لعبت في هذا الضياع السياسي، الاقتصادي، الإجتماعي، الثقافي والفكري، هكذا يصبح الإنسان غائباً عن وطنه جسداً، وشارداً بالذهن هنا وهناك، أي أنه مشتت الأفكار، ذلك منذ أن غادر ولكن لا يدري هل يعود بعد سنوات سالماً غانماً أم أنه يعود محمولاً على (نعش).
إن قصص الهجرة الشرعية وغير الشرعية يندي لها الجبين، وهي قصصاً ترسم سيناريوهات قائمة على الإستراتيجيات، الإيديولوجيات السياسية أو الطائفية، المستقبل، الأمل والهدف المنشود، وعليه يجد الإنسان نفسه دائراً في ذلك الفلك بلا تغيير يذكر، كما أنه يتفاجأ بأن ما رسمه في المخيلة لا يمكن تحققه على أرض الواقع، أي أنه لا يتفاءل ولا يتفاعل، وربما تدفعه الظروف إلى إسقاط (الهوية) وربما (الجنسية)، وذلك بهدف تحقيق مكاسب شخصية في المستقبل، ولو كانت هذه المكاسب على حساب قيمه، أخلاقه، عاداته، تقاليده، ثقافته وفكره، والتي ربما يستبدلها بآخري لا تمت بصلة له، وهي كفيلة بأن تساهم في ضياعه، مما يجعله جثماً على صدور أبناء وطنه كـ(الصخرة)، لأن أفكاره تمتاز بالهدام، وتقوده لضع الاشواك بدلاً من الزهور، وكلما حاول العبور تعترض طريقه المحفوف بالمتاريس، هكذا يعمل ذلك المكسو بالثقافات المغايرة لاستوطان ثقافات الاستعمار في ثوبها الجديد، وهكذا يكون استعمرني، سرقني، مزقني، حرقني، قتلني، استوطن غصباً عني، لذلك حزنت حزناً عميقاً حين استحمرني.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...