........
إننا نركن إلى زمن الخنوع، الخضوع، المهانة والمذلة، إذ تبدلت ثوابت الأمة الإسلامية إلى التطبيع مع إسرائيل من أجل إرضاء أمريكا، وإغضاب الله سبحانه وتعالي حيث قال في محكم تنزيله : (ولن يرضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم)، وفي سياق قال جعفر : (وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الإجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم، فلا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية في شخص واحد في حال واحدة)، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهوديا - نصرانيا، وذلك مما لا يكون منك أبدا، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة، وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل، وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل، فهل بعد هذه الحقيقة نطبع من أجل الحصول (الوقود)، (الخبز) و(الحليب)، والذي نرضخ الآن في إطاره لأمريكا، وإسرائيل، أي تريد حكومتنا الانتقالية أن ترضع أجيالاً وأجيالاً من ثدي اللوبي الأمريكي - الصهيوني (الفاسد) الذي قطعاً يقود البلاد والعباد إلى (الضياع) من خلال إلباس إنسان السودان ثوب الخضوع بلا (حياء) أو (خجل)، وهذا النهج الذي بدلت فيه الحكومة الانتقالية القبلة من المقدسات الإسلامية إلى (تل أبيب) و(واشنطن).
ها أنا أقف حائرا أمام فتوى الدكتور نصرالدين عبدالباري وزير العدل السوداني، والتي جواز من خلالها التطبيع مع إسرائيل دون مراعاة للعواقب الوخيمة في القريب العاجل والمستقبل الذي قادنا إليه الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني، والذي بهذا التطبيع اسقط البلاد في معترك أثن، وتبعه بعض الوزراء في هذا الاتجاه الذي افتي من خلاله وزير العدل السوداني بجواز التطبيع مع إسرائيل، وبهذه الفتوي يكون قد خلط بين السلطة التنفيذية ومعترك السياسة، مما يؤدي إلى الإخلال بميزان (العدالة)، التي يفترض أن تكون حارساً لـ(لوثيقة الدستورية)، وبالتالي أصبح سياسياً يفتي ويتبني ويدافع عن تطبيع الحكومة الانتقالية السودانية مع إسرائيل، أي أنه انتهج ذات نهج علماء السلطان في ظل نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي كان بعض علمائه يصدرون الفتاوى في قضايا محسومة وواضحة لـ(لصغير) قبل (الكبير)، ولا تقبل أي اجتهاد ديني أو قانوني، لأن المولي عز وجل حسم أمرها بما انزله في محكم تنزيله، اللهم إلا إذا كان هذا المسئول أو ذاك يرغب في تجميل قبح السلطان، وتطويع (الخطيئة) لصالح التطبيع مع إسرائيل.
اندهشت غاية الاندهاش من فتوى الدكتور نصرالدين عبدالباري، والذي ربط التطبيع مع إسرائيل بـ(الوثيقة الدستورية)، مؤكداً أنها لا ترفض إنشاء علاقات دبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني المغتصبة للأراضي الفلسطينية، وأنه لا يوجد شيء يسمى ثوابت للأمة، وأن التطبيع مع إسرائيل مثله مثل كل الاتفاقيات الثنائية، هكذا أفتي ناسياً أو متناسياً قول الله سبحانه وتعالي : (لن يرضي عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وعليه يبقي التطبيع مع إسرائيل تحصيل حاصل، ولا يجانبه الصواب، لأنه غير متسق مع ما انزله الله سبحانه وتعالى، فماذا تعني وثيقة دستورية شرعها البشر، وبالتالي إذا كان فتوي وزير العدل السوداني صحيحة، فهل ما ذهب إليه مضمناً في بنود الوثيقة الدستورية لتتماشي مع التطبيع؟، عموماً كنت أتمني من وزير العدل السوداني أن يفند كيفية توافق التطبيع مع الوثيقة الدستورية الموقع عليها بين المكون العسكري والمدني مع التأكيد بأن (إسرائيل) ليست كباقي الدول العربية أو الإسلامية أو الإفريقية أو الآسيوية أو الأوروبية، لأنها دولة مغتصبة للأراضي الفلسطينية، وبالتالي ليس هنالك (قانوناً) أو (وثيقة دستورية) أو خلافها تقر إقامة علاقات مع إسرائيل وتطويرها بالاتفاقيات، وتبادل الخبرات في شتي المناحي، لأن التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني يعني الاعتراف شرعياً كـ(دولة) لا أساس لها في خارطة العالم العربي والإسلامي.
ظلت القضية الفلسطينية من الثوابت الراسخة في أذهان المسلمين، ويتوارثها الأجيال جيلاً تلو الآخر، وأي دولة إسلامية أو عربية تقيم علاقات مع إسرائيل مرفوضة، بدليل أن تطبيع الحكومة الانتقالية السودانية قوبل بالرفض الواسع، ولكل رافض أسبابه المنطقية، أبرزها صك الاعتراف بإسرائيل، لذلك على الحكومة الانتقالية السودانية التراجع، أو أن تستفتي الشعب السوداني حول قرار التطبيع مع إسرائيل، وقبل كل ذلك على كل مسئول سوداني أدلي بتصريحات إيجابية في هذا الملف أن يعتذر، ويعود إلى رشده قبل فوات الأوان، فلا سيما فإن القضية الفلسطينية لا تقبل المساومة من أجل مكاسب سلطوية، فهي في الأساس من ثوابت الأمة العربية والإسلامية، لذا سيسجل التاريخ للأجيال المتعاقبة هذا الخطأ الذي ارتكبه الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني، ومن مضي في مساره، فالقضية الفلسطينية مرتبطة ارتباطاً عميقاً بالمعتقدات، الحضارة، القيم، المبادئ والتاريخ، ورغماً عن ذلك فإن تصريحات بعض المسئولين السودانيين تحمل بين طياتها الانكسار، وتكشف مدي الضغوطات الممارسة عليهم من القوي العظمي الأحادية، والتي عمدت في إطارها أمريكا وإسرائيل للاستفادة من ضعف الحكومة الانتقالية السودانية ليتماشي مع أجندتهما السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية، وبالتالي لم يستوعب من طبع مع دولة الكيان الصهيوني أن استهداف أمريكا وإسرائيل للسودان لن ينتهي مهما قدم الحكام تنازلت في قضايا مصيرية، فلن ترضى عنك الولايات المتحدة ولا إسرائيل حتى تتبع ملتهم، بالإضافة إلى أن الحكومة الانتقالية السودانية متناقضة في مسألة التطبيع مع إسرائيل، واتضح ذلك من خلال تصريحات الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني، والأستاذ فيصل مع صالح وزير الإعلام والثقافة، والدكتور نصرالدين عبدالباري وزير العدل، والفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، والفريق ركن ياسر العطاء عضو مجلس السيادة، فما تم من تطبيع مع إسرائيل يتناقض مع ما ذهب إليه رئيس الوزراء في لقائه مع المسئول الأمريكي بالخرطوم بأن البت في تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية، أشار بعض المسئولين إلى أن التطبيع مع إسرائيل يعود على البلاد بالمنافع في حين أن الدول المطبعة مع دولة الكيان الصهيوني أكدت أنها خسرت أكثر مما كسبت، فإسرائيل تأخذ منك كل شيء ولا تعطيك غير الصراعات والنزاعات، كالذي يحدث بالضبط في سوريا، لبنان، الأردن ومصر، فدولة الكيان الصهيوني تستهدف مصالحها والاعتراف بها، لذلك تحرص على إنشاء علاقات مع دول عربية - إسلامية وأفريقية لزعزعة الأمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق