..........
انتشرت قطيعة صلة الرحم في المجتمع لدرجة أنها أصبحت مشكلةً كبيرة، فالأخ يهجر أخاه لسنوات وسنوات، وربما بل تصل في كثير من الأحيان إلى اعتداء الشقيق لشقيقه والابن على أبيه أو أمه، ودائماً ما تكون الأسباب (تافهة)، ومعظم الذين ينجرفون وراء هذا التيار يعتقدون أن المسألة في غاية البساطة، وبالتالي هم غافلين عن الخطر العظيم الذي يعقون فيه بالجهل، ناسين أو متناسين أن الله وعد من يقطعون الرحم باللعن والطرد من رحمته، لذا توعد الله قاطع صلة الرحم بالعذاب، أو النار، أو اللعنة، أو الغضب، فهو من الكبائر، وروى أبو بكرة عن رسول الله -صل الله عليه وسلم أنه قال : (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)، وروت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- عن رسول الله صل الله عليه وسلّم- أنه قال : (الرحمُ معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).
فيما حثت الديانة الإسلامية على صلة الرحم، وهي أول ما أوصي بها رسول الله صل الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة، وفي السياق روى عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى المدينة المنورة، فاجتمع الناس حوله لاستقباله، وهم يقولون : قدم رسول الله صل الله عليه وسلم، ثم سمعه عبد الله بن سلام وهو يقول : (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطَّعام، وصلوا الأرحام، وصلُوا بالليلِ والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).
فيما أصبحت صلة الرحم في ظل (العولمة) ووسائلها الاجتماعية (الفيس بوك)، (الواتساب)، (تويتر) و(الماسنجر) وغيرها مهدداً خطيراً لنسيج المجتمع، ويزداد التهديد كلما تطورت التقنية الحديثة، عليه تبعد الناس عن بعضهم البعض بما في ذلك الأشقاء الذين أصبح الرابط بينهم الأسماء فقط من خلال شهادات الميلاد، فإذا كان هذا هو الحال الأشقاء، فما بالك بأفراد العائلة بصورة عامة، لا سيما فإن الرابط بينهم أبعد بكثير مما تتصور، وبالتالي إذا وجهت سؤالاً لمن يتواصلون عبر وسائط التواصل الاجتماعي مع أهلهم دون تكليف أنفسهم عناء التواصل المباشر (الزيارة) لماذا؟ فإن الإجابة تكون بلا تردد : (أهل شنو يا أخ)، وعندما تصر على معرفة الأسباب يبدأون في سرد قصص تندرج في إطار (القطيعة)، وهي قصص لا يمكن أن تخطر على البال، وقطعاً الأغلبية العظمي لديها إشكاليات تتعلق بـ(الميراث) و(الطلاق)، ودائماً ما تتعمق مثل هذه الخلافات لدرجة أنها تبعد الشقيق عن شقيقه، والذي ربما يصل بذلك الخلاف إلى المحاكم أو أن يقتل واحداً الآخر.
عموماً عدم التواصل بين أفراد العوائل تحكمه أسباب أقل ما توصف بها أنها (تافهة)، فهنالك من يقول لك : (خالتي على خلاف مع والدتي منذ فترة طويلة)، ومثل هذا الخلاف يقف عائقاً أمام تواصلنا مع بعضنا البعض، وهنالك من يتعامل مع صلة الرحم من خلال الانطباع الشخصي الذي صوره بما يتخالج في ذهنه، ومثل هذا الشخص إذا سألته لماذا لا تواصل أبناء عمومتك؟ فإنه يرد عليك قائلاً : (يا خي ديل عشان ابوهم عندو قروش مفترين جداً وشايفين أنفسهم)، وعندما تسأل من لا يتواصل مع عمته؟ يقول لك : (زوجها منعها من التواصل معنا)، وهكذا يتفنن الناس في قطيعة صلة الرحم، أي كل واحداً منهم يجد سبباً لممارسة هذا الفعل القبيح، وهو في مجمله يكون بسيطة جداً، وإلا أن البعض منها يرتكز على (الوشايات) غير الصحيحة، ورغماً عن عدم صحتها إلا أنه يتم أخذها على محمل الجد، هكذا تستمر القطيعة حتى في حال الأفراح والأتراح، هكذا تتعمق (القطيعة) يوماً تلو الآخر، وكل واحد من الجانبين يقول لك : (الفاتح ليك افتح ليهو).
ومما ذهبت إليه من نماذج أجد أن الظاهرة في ازدياد خاصة مع تطور (العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي ساهمت مساهمة كبيرة في هذا الاتجاه، كما أنها سهلت قطع صلة الرحم بعد أن وجد الناس في (الفيس بوك)، (تويتر)، (الواتساب) وغيرها من وسائل التقنية الحديثة التي أضحت ملاذاً، بل هنالك من يستخدمها في نقل (الوشايات) ناسياً أو متناسياً أنها لاعباً رئيسياً في تعميق الخلافات، وبالتالي يجد من يميل أو تميل لها فرصة في استثمارها لخلق (الفتن) ونقل (القولات)، وإذا وجهت اياً منهم للصواب يرد قائلاً : (يا زول انسي أي زول بحاسبوا ربو يوم القيامة براهو)، والغريب في بعض قاطعي صلة الرحم أنهم يدامون على الصلوات في المساجد، وربما تجد من بينهم من يحفظ القرآن الكريم.
وبما أن البعض يركز على أن الحساب فردي، فأقول لأمثال هؤلاء كونوا أنتم الأفضل في التواصل مع أرحامكم، فالرسول صل الله عليه وسلم قال : (ﺃَﻻ أذلكم على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة؟ تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك)، وهذا يؤكد عظمة صلة الرحم، والتي قال عنها أيضاً : (ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧـﺮ ﻓﻠﻴﻜﺮﻡ ﺿﻴﻔﻪ، ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻠﻴﺼﻞ ﺭﺣﻤﻪ، ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻠﻴﻘﻞ ﺧﻴﺮﺍً ﺃﻭ ﻟﻴﺼﻤﺖ)، وﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ صل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ : (ﻣﻦ ﻭﺻﻠﻨﻲ ﻭﺻﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻗﻄﻌﻨﻲ ﻗﻄﻌﻪ ﺍﻟﻠﻪ)، وقال الله في محكم تنزيله تعالي : (ﻓﻬﻞ ﻋﺴﻴﺘﻢ ﺇﻥ ﺗﻮﻟﻴﺘﻢ ﺃﻥ ﺗﻔﺴﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭض ﻭﺗﻘﻄﻌﻮﺍ ﺃﺭﺣﺎﻣﻜﻢ، ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻌﻨﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺄﺻﻤﻬﻢ ﻭﺃﻋﻤﻰ ﺃﺑﺼﺎﺭﻫﻢ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق