الأحد، 29 مارس 2020

سراج النعيم يكتب : أما آن الأوان أن يرتاح هذا الشعب

..........
لم يعد رفع أسعار السلع الاستهلاكية أو تعريفة المواصلات أو أزمات المواد البترولية ومشتقاتها أو الخبز أو أي أزمة من الأزمات المتوارثة تشكل هاجسا أو تدهش أو تفاجئ المستهلك الذي اعتاد على سياسات الحكومات الاقتصادية الفاشلة، وهي بلا شك سياسات منتهجة منذ أن سيطر هذا نظام المخلوع عمر البشير على مقاليد الحكم في البلاد، وإلى أن تمت الإطاحة به من خلال ثورة شبابية شعبية أتاحت الفرصة لقوي إعلان الحرية والتغيير تشكيل الحكومة المدنية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، إلا أنها عجزت من أن تتجاوز ما ورثته من اقتصاد منهار تماما، ولولا ظهور فيروس (كورونا) المستجد في المشهد لكان الشعب خرج للشارع مرة ثالثة لإعادة الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية إلى نصابها الصحيح الذي لم تنجح فيه الحكومة الانتقالية للخروج بالسودان إلى بر الأمان، بل قادت البلاد إلى طريق اللاعودة، بدليل أن الشعب السوداني ظل يعاني من تخبط الحكومة الانتقالية التي أتضح أنها ليس لديها خطط إسعافية سوي أنها ظلت تشكل في اللجان دون وصولها إلى نتائج في الجرائم التي صاحبت ثورة ديسمبر المجيدة، وعلى رأسها قضية فض الاعتصام من أمام ساحة القيادة العامة بالخرطوم.
إن الوضع الراهن أصاب إنسان السودان بإحباط شديد لدرجة أنه لم يخفئ غضبه وتذمره من واقع مفروض عليه فرض، فمعظم سكان السودان أصبحوا يمدون أيديهم نتاج الغلاء غير المبرر والارتفاع الجنوني للأسعار بصورة عشوائية يستند فيها من يقرروها على ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، والذي عجزت الحكومة الانتقالية أن تكبح جماحه، ولم تستطيع أن تخلق توازن ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﺗﺐ الضعيفة جدا، ما جعل الحياة تمضي على نحو في غاية الصعوبة، وتضاعف الأعباء على المستهلك، فبالأمس أصدرت كبرى شركات المنتجات الغذائية في البلاد قرارا يقضي بزيادات في أسعار منتجاتها، بالرغم من أن قرارا سابقا بالزيادات قررته لم يمض عليه شهر أو أشهر، وهكذا تمرر كل شركة غذائية أو تاجر أو سائق مركبة عامة قرارات زياداته دون أن تحرك السلطات المختصة ساكنا، بل مما قاد المواطن للاستسلام، وبالتالي تصبح الزيادات فاتورة جديدة تضاف إلى فواتيره القائمة أصلاً، وبلا شك هي من الفواتير الصعب جدا تمزيقها في ظل واقع اقتصادي متدهور جدا، ويزداد تدهورا يوما تلو الآخر.
إن زيادة الأسعار بصورة عامة ﺟﺎﺀﺕ في توقيت يشهد فيه السودان ظروفا إنسانية غاية في التأزم متمثلة في ظهور بعض الأوبئة مع وجود بنود صرف للوزراء، المؤتمرات، السفريات، الاتفاقيات، الحوارات، المرتبات وغيرها، وبالتالي كلما أشرقت علي (محمد أحمد) الغلبان شمس صباح يوم جديد يتفاجأ بزيادات في الأسعار بالرغم من أن البعض ظل يبرر الزيادات والمواطن يغط في نوم عميق، إلا قلة منهم يستنكرون ثم يستسلمون ثم يتأقلمون على الزيادات الجديدة، وربما هذا السكوت شجع بعض الشركات والتجار وأصحاب المركبات العامة على زيادة الأسعار، فلا الحكومة ولا الشركات ولا التجار ولا غيرهم يتخوفون من خروج الشعب إلى الشارع أو أن تحدث تلك الزيادات ثورة.
من الملاحظ أن الزيادات بدأت تأخذ أشكالاً وألواناً وإبعاداً بعد التغيير الذي نجحت فيه الثورة الشعبية التي عبرت عن حق من حقوقها المشروعة، فهل يقف فيروس كورونا احتجاجات يتوقع حدوثها للأوضاع الاقتصادية بالغة التعقيد.
إن الزيادات أصبحت ﻓﻮﻕ ﻃﺎﻗﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ الذي ما زال يلتزم الصمت على أمل أن تجد الحكومة الانتقالية حلول إسعافية عاجلة، لذا السؤال الذي يفرض نفسه هل ﺭﻓﻊ الأسعار عبر الشركات والتجار يشير إلى رفع الدعم عن السلع بصورة عامة على المدى القريب أو البعيد، فالأسعار لا تتناسب ﻣﻊ ﺩﺧﻞ الفرد، الذي لم يعد أمامه خيار سوى أن يناهض تلك القرارات حتى لا يكون سلبيا في حياته، التي تشهد ارتفاعا جنونيا في أسعار السلع الاستهلاكية، وتعريفة المواصلات فكلما مزق فاتورة أطلت عليه آخري أعنف من سابقتها ومع هذا وذاك يؤرق فيروس كورونا مضاجع الشعب السوداني الذي فرضت عليه الحكومة الانتقالية حظر التجوال من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة السادسة صباحاً دون أن تجري دراسات خاصة بذوي ﺍﻟﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ الذين نطرح في إطارهم السؤال القديم المتجدد إلى ﻣﺘﻰ ﻧﻈﻞ الأﺳﻌﺎﺭ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ دون ضبطها ورﻗﺎبتها رقابة لصيقة للأﺳﻮﺍﻕ أو الشركات المنتجة أو مركبات المواصلات، فكل تاجر أو صاحب شركة أو سائق مركبة يرفع الأسعار بمزاجه الشخصي، فلا ﺭﺍﺩﻉ ﻭﻻ ﻭﺍﺯﻉ ﺩﻳﻨﻲ، فالشعب (ﺗﻌﺐ)، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻓﺎﻗﺪ للدليل، ولا يدري ﻣﺘﻰ ﺗﺼﺪﻕ الحكومة الانتقالية ﻓﻲ ﻭﻋﻮﺩﻫﺎ التي أصبحت مجرد وعود تخدريه، أفما آن الأوان أن يرتاح هذا الشعب الصابر معلم الشعوب.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...