من المؤكد إن التحركات الخارجية التي يقوم بها الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في غاية الأهمية بعد أن شوه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير العلاقات الخارجية، مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية تركت تأثيرها البالغ على السودان، بالإضافة إلى وضعه في قائمة (الإرهاب)، إلى جانب مذكرة القبض على الرئيس المخلوع عمر البشير المتهم بارتكاب جرائم في حق الإنسانية بإقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، لذا أرى من الضروري الانتهاء من الملفات الخارجية الممثلة تحدياً كبيراً للحكومة الانتقالية السودانية، وتصب زيارة حمدوك للولايات المتحدة الأمريكية في إطار معالجة قضايا عجز النظام البائد من حلها رغماً عن أنه قدم الكثير من التنازلات على حساب الشعب السوداني الذي صبر على مدى ثلاثة عقود، عموماً الدكتور حمدوك يمضي في الاتجاه السليم لإنهاء جملة من الموضوعات والقضايا التي تقف عائقاً أمام تقدم السودان، وهي قطعاً تقود البلاد للتنمية والنهوض بها لتواكب التطور السياسي والاقتصادي الذي يشهده العالم من حولنا، ولا سيما فإن من أهم تلك الملفات ملف شطب اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية لـ(الإرهاب)، وبلا شك فإن نجاح حمدوك في هذه الملفات يعني فتحاً للعلاقات الثنائية بين أمريكا والسودان، وبالتالي يكون في مقدوره إدارة الملفات الداخلية العالقة بصورة تجعل البلاد مستقرة سياسياً واقتصادياً، وذلك من خلال حل جميع النزاعات المسلحة التي اضطرت الآلاف من السودانيين للنزوح لبعض دول الجوار.
إن زيارة رئيس الحكومة السودانية للولايات المتحدة في هذا التوقيت هامة جداً لإنجاز الملفات العالقة بين البلدين، وهي ملفات مورثة من نظام ثورة الإنقاذ الذي ظل حاكماً ثلاثين عاماً عانت من خلالها البلاد من الحصار المضروب على السودان من المجتمع الدولي الذي أيد عدم رفع العقوبات المفروضة على البلاد في مقدمتها رفع اسمه من قائمة (الإرهاب) التي أدرج فيها منذ العام 1993م وذلك في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
ومما لاشك فيه فإن شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من أبرز التحديات الجسام التي تواجه الحكومة السودانية الانتقالية، لذا من الضروري أن تكون الملفات الخارجية من الأولويات الرئيسية التي تلعب دوراً ريادياً في تجاوز الأزمة الاقتصادية بالغة التعقيد، خاصة وأن البلاد بعيدة كل البعد عن المنظومة الاقتصادية العالمية، وقطعاً سوف تساهم في إعفاء ديون السودان الخارجية البالغة (56) مليار دولار تقريباً، فضلاً عن النجاح في ملف العلاقات الخارجية، وإحلال السلام من أجل تشجيع المستثمرين الأجانب، وهذا لن يتحقق إلا بنجاح الحكومة الانتقالية من خلال رفع اسم السودان من قائمة (الإرهاب)، والذي دفع ثمنه الشعب السوداني للجرائم التي اقترفها النظام البائد وهي جرائم لا أخلاقية ولا إنسانية، وبالتالي فإن التغيير الذي حدث في السودان يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن السودان لن يهدد أمن أي دولة من دول في العالم، لذا على من ينتقدون الزيارات الخارجية للحكومة الانتقالية الكف عن ممارسة هذا الإحباط والتقليل من أهمية الملفات الخارجية التي فشلت في إطارها حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، وذلك رغماً عن تنازلها عن حقوق الشعب السوداني الذي لم يكن له ضلعاً في فصل جنوب السودان، أو أي جرم ارتكب في حق البلاد والشعب، لذا الحوار مع أمريكا يندرج في إطار تهيئة الأجواء، وإزالة العوائق توطئة لشطب اسم السودان من قائمة (الإرهاب) الأمريكية نهائياً.
ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والسودان تفتح له أبواب المجتمع الدولي مشرعة من أجل الارتقاء به ولحاقه بركب الدول التي تشهد نماء، رخاء وسلام، وهذا لن يتحقق بالصورة المرجوة إلا من خلال فتح صفحة جديدة في العلاقات السودانية الأمريكية من جهة والعلاقات مع المجتمع الدولي من جهة ثانية، وفي هذا السياق قطعت الحكومة الانتقالية السودانية شوطاً كبيراً يدعنا نتفاءل بما تسفرعنه الحلول الموضوعة على طاولة الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتها رفع اسم السودان من قائمة (الإرهاب) والعقوبات (الاقتصادية).
فيما نجد أن الإدارة الأمريكية أدرجت في 12 أغسطس 1993م السودان ضمن قائمة الدول الراعية لـ(لإرهاب) من واقع إيواءه لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، والذي على أثره أصدر بيل كلينتون الرئيس الأميركي الأسبق قراراً يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على السودان في 3 نوفمبر من العام 1997م، والذي بموجبه تم تجميد الأصول المالية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية، وإلزام الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان.
بينما أصدر الكونغرس الأمريكي قانوناً أطلق عليه (قانون سلام السودان) في العام 2002م، والذي ربطه بالوصول إلى حل سلمي مع الحركة الشعبية بزعامة الدكتور جون قرنق دي مبيور، وفي العام 2006 فرض الكونغرس عقوبات إضافية ضد الأشخاص المسئولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في إقليم دارفور،
ومع نهاية حكم باراك أوباما الرئيس السابق أمر في 13 يناير من العام 2017م رفع العقوبات جزئياً عن السودان بعد ستة أشهر، إلا أن ترمب الرئيس الأمريكي الحالي أرجأ النظر فيها، ومن ثم قرر في 6 أكتوبر من العام 2017م رفع الحظر التجاري الأميركي، والإجراءات العقابية التي فصلت السودان عن الاقتصاد العالمي، بيد أنه أبقى عليه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض حظراً على مبيعات السلاح، وقيوداً على المساعدات الأميركية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق