الخميس، 28 مارس 2019

على خلفية تبرعها بكليتها... شابة تنقذ والدها من الموت بإنسانية في أسمى صورها!

.............................
وقف عندها : سراج النعيم
............................
استوقفتني قصة فتاة تبلغ من العمر (22) ربيعاً، بعد أن تعاملت مع والدها بإنسانية متبرعة له بجزء حساس من أعضائها البشرية، وبذلك تكون وهبته بإذن الله سبحانه الحياة، ضاربة بذلك مثالاً للإيثار الذي يجب الاعتزاز والفخار به لأنه يوضح مدي ادراكها ووعيها العميق للإنسانية، ومدي حفاظها على (قيم) و(أخلاق) كادت أن تندثر من واقع التطور والمواكبة في ظل (العولمة) ووسائطها المختلفة.
ومن هنا دعوني أدلف إلى قصة الشابة ووالدها المريض بالفشل الكلوي، وهي قصة مؤثرة، إذ بدأت منذ اللحظة التي أتخذت فيها القرار الحاسم، والقاضي بتبرعها بكليتها لوالدها بعد أن تعطلت واحدة تماماً، فيما تعمل الأخرى بمستوي ضعيف، وهي أيضاً مهددة بالتوقف في أي لحظة، وهو الأمر الذي اكتشفته الابنة من خلال مرافقته ذهاباً وإياباً للأطباء والمستشفيات، وشاهدت مدي الألم الذي يعانيه والدها على مر السنوات، فلم تحتمل تأوه، تألمه وحزنه ، وكانت تحاول جاهده التخفيف عنه، ومنحه إحساساً بالأمل، وكلما تخلو لنفسها تبكي على المصير الذي آل إليه، وعلى خلفية ذلك ظلت تبحث عن حل يضع حداً لمعاناة والدها، فما كان منها إلا وجمعت معلومات عن مرض (الفشل الكلوي) مما أتاح لها تثقيف نفسها حول المرض الذي يؤدي أحياناً لـ(للموت)، مما قادها إلى أن تقرر التبرع لوالدها بكليتيها سراً، أي أن لا يعلم بذلك إلا بعد أن يتم نقل الكلية إليه، لأنها تعلم أنه سيرفض الفكرة جملة وتفصيلا، ومع هذا وذاك كان ترتسم في مخيلتها قصص المرضي الذين شاهدتهم يغسلون الكلي، وكيف كانت ردة فعل والدها، الذي ربما ينتظره ذات المصير إن طال الزمن أو قصر، وخلال ذلك كانت تسمعه يهمس مستخيراً، ويدعو المولي عز وجل أن يرفع عنه هذا البلاء، والذي صبر عليه طويلاً، وذلك على أمل أن يجد متبرعاً ليس زوجته أو ابنته الوحيدة ، ولو اضطره ذلك لأن يفقد حياته، مشدداً على الاخصائي المعالج الإبقاء على الأمر سراً، وبالمقابل أبدت الابنة رغبتها في التبرع، وأشترطت على الطبيب المشرف عدم إخبار والدها إلا بعد إجراء العملية، المهم أنها رتبت الأمر مع الاخصائي دون علم والدها ، والذي تم اخباره بأن هنالك متبرعاً رفض الكشف عن شخصيته إلا بعد إجراء العملية عندها وافق مضطراً ، ومع هذا وذاك كان هم ابنته الأكبر أن تكون فصيلة دمها وكليتها ملائمتين مع والدها، وما أن أخطرها الطبيب بتطابق النتائج لم تسعها الفرحة، بينما كان والدها متجهاً لمنزله للجلوس الأخير مع زوجته وابنته وأشقائه وشقيقاته وبعضاً من أهله، وذلك قبل التوجه للمستشفى لمعرفة نتائج الفحوصات، واستكمال إجراءات العملية الجراحية، عموماً كان متوجساً، ولم يخف توجسه عن زوجته، وعندما أزفت الساعة أنطلق برفقة ابنته وزوجته إلى المستشفي، وهو لا يعرف من المتبرع، المهم أن مخاوفه بدأت تتلاشى نوعاً ما بعد أن طمأنه الطبيب مؤكداً تطابق الفحوصات مع المتبرعة (فاعل الخير)، والتي حفظ سرها الأخصائي الذي كان خير عون لها، وعلى خلفية ذلك أُجريت عملية نقل الكلية بنسبة نجاح (100%)، وظل الأب والابنة في غرفة العناية المكثفة إلى أن فاقا من (البنج)، فالتفت الأب المريض يمينه فوقعت عينه على ابنته طريحة الفراش في السرير المجاور له، فيما كانت هي تنظر إليه بلهفة وابتسامة، وهي تقول : (حمدلله على السلامة)، فما كان منه إلا وسألها لماذا أنتي هنا؟ فقالت : من أجلك، أنا الآن بخير طالما أنت بصحة جيدة ، عندها قطع حوارهما الاخصائي قائلاً : (حمد لله على السلامة ومبروك نجاح العملية)، عندها عرف الأب أن (فاعل الخير)، هي ابنته فبكي فرحاً بها قائلاً طبقتي قول الله سبحانه وتعالى : (... ومن أحياها فكإنما أحيا الناس جميعاً... )، حقيقة ما قامت به عمل إنساني كبير يستوجب الوقوف لها إجلالاً، فهو موقف يعبر عن أعلى درجات تحقيق الذات الذي يجعل الإنسان يعيش سعيداً بلذة العطاء والإيثار في الحياة.
يعد ما قامت به (الابنة) المتبرعة بكليتها لأبيها مضرباً للمثل الذي يجب أن يعتز به، لذا حرصت أن أسمع منها القصة مع قطعي وعداً بعدم ذكر الأسماء، فقالت : بما إنني ابنته الوحيد كان لزاماً علىّ أن أرافقه في حله وترحاله، وخلال ذلك عايشت معاناته على مدي سنوات الإصابة بـ(الفشل الكلوي)، والذي قاده إلى تعطيل حياته والمداومة على الأطباء و المستشفيات ، وخلال ذلك قرروا خضوعه لـ(للغسيل الكلوي) بعد دخول حالته في مرحلة (حرجة)، وهي المرحلة التي حدت بي أن أخاف عليه خوفاً شديداً مما قادني إلى إجراء الفحوصات والتحاليل لمعرفة أن كانت أنسجتي تتطابق مع والدي أم لا، المهم أن النتائج كانت ايجابية أي أنها كانت ضوءاً أخضراً لنجاح العملية ، وبالرغم من ذلك كنت متخوفة من عدم قبول أبي، مما دفعني أن أطلب من الجراح اخبار والدي بأنه وجد له متبرعاً إلا أنه يرفض ذكر أسمه، وبما أنني رافقته كنت مطمئنة عليه، وكانت أسعد لحظات حياتي عندما فاق من آثار (التخدير)، وعندما التفت يميناً تفاجأ بوجودي معه ، فسألني لماذا أنتي هنا؟ فقلت : من أجلك يا أبي، فما قدمته لك شيئاً بسيطاً مقابل ما قدمته أنت لي، وهذا هو الوقت المناسب الذي أقدم فيه جزءاً يسيراً ، فلم يتمالك الأب نفسه ، وانهمرت دموعه.
إن موقف الفتاة آنفة الذكر تقشعر له الابدان لأنه موقفاً إنسانياً نبيلاً بغض النظر عن المتبرع له أن كان والدها أو غيره ، وحقيقة عندما حكت لي هذه القصة المؤثرة تأثرت غاية التأثر، فالموقف الذي وقفته يندر حدوثه في هذا الزمان الأشد قسوة وإيلاماً بحيث تغيرت فيه نفوس الناس، وأصبح النقاء والإيثار شبه معدوماً أو عملة نادرة ، لذا ما فعلته الشابة يعتبر درساً غالياً لا يمكن اكتسابه بالتحصيل الأكاديمي في أعرق الجامعات، فماذا يضير هؤلاء أو أولئك الذين يعتدون على الآباء والأمهات بـ(الضرب) ما بين الفينة والأخري إذا استفادوا من مثل هذه القصص ، وأن يردوا جزءاً مما قدمه لهم الأباء والأمهات، هكذا فعلت الفتاة التي أقف عاجزاً عن التعبير عما فعلته مع والدها بالإيفاء والمكافأة لما قدمه لها منذ أن كانت نطفه في بطن والدتها، وإلي أن أصبحت فتاة بالغة راشدة، ولا سيما أنها ستحظى ‏بالأجر والثواب من عند الله، لأنها جسدت الإنسانية في أبهى صورها.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...