الخميس، 21 فبراير 2019

سراج النعيم يكتب : شراء اللحوم بـ(النظر) يسقط بس

.....................
ظلت الضائغة الاقتصادية القاهرة تشكل واقعاً مذرياً للشعب السوداني الذي صبر صبراً نقطع النظير، وبالرغم من ذلك الصبر لم تتم مكافآته بما يضمن له عيشاً كريماً في حياة خالية من (الفواتير)، وهي (فواتير) باهظة الثمن، فكلما مزق منها واحده أطلت عليه أخري لم تكن في الحسبان، مما قاد للحيرة والدهشة في زمن لم تعد فيه الدهشة تشكل حيزاً، ومن الشواهد على معاناة إنسان السودان شراء اللحوم (الحمراء) أو (البيضاء) وفق نظرية (الشراء بالنظر)، هكذا يركن الفقراء لهذا الواقع الذي تسيطر عليه ظروف اقتصادية بالغة التعقيد، وكلما مر عليها يوماً تزداد سوءاً، الأمر الذي جعل صديقي يدير معي حواراً حول الأوضاع الاقتصادية القاهرة التي يمر بها، إذ قال كما تعلم فأنني موظفاً بسيطاً، وأتقاضي في إطار الوظيفة مبلغاً مالياً ضعيفاً، ومع هذا وذاك متزوج، ولدي عدد من الأطفال، وكلما نهضت من النوم في الصباح الباكر لكي أتوجه للعمل كالمعتاد يطلبون مني مبلغاً مالياً بسيطاً بغرض شراء صناديق (بسكويت) من المحل التجاري القريب من المنزل، وبما أن ميزانيتي محصورة في نطاق ضيق جداً ولا تسمح بذلك، أقول لهم باستحياء شديد (ما عندي قروش)، فما يكون منهم إلا أن يردوا على قائلين : (طيب ما تقعد معانا في البيت أفضل من الذهاب للعمل دون عائد، وعمل لا فائدة منه يسقط بس)، المهم أن صديقي حزن حزناً عميقاً كون أنه لم يستطع أن يلبي لأبنائه أبسط ما يرغبون فيه من (بسكويت) يأكلونه لدي ارتشافهم أكواب شاي الصباح، وكما تعلمون فإن الأطفال عموماً لا يعرفون شىء اسمه (ما عندي قروش)، وهذا النموذج الذي أشرت له واحداً من بين عشرات النماذج التي تمر على حياتنا اليومية، وهي نماذج أفرزها سوء التخطيط الاقتصادي في البلاد، رغماً عن أن الجهات المختصة تضع خطط وبرامج ذات وعوداً غير صادقة، وهذه الوعود قادت البلاد نحو مستقبل يحمل بين طياته رﺅﻳﺔ فيها شيئاً من (الضبابية)، بالإضافة للفساد الذي أستشري في أوساط الناس، عموماً كلما مر يوم على (محمد احمد الغلبان) يزداد وضعه الاقتصادي سوءا، وعليه يجد ﺃﺣﻼمه ﻭﺗﻄﻠﻌﺎت وآماله وأشواقه ذهبت إدراج الرياح.
حقيقة أصبح الراهن السوداني من حيث البنية الإقتصادية الأساسية يحتاج إلى زمن حتى يتعافى، ويصبح صحيحاً، ومن ثم يستطيع الشعب أن يحقق ما يصبو إليه، إلا أنه حتى ذلك لم يعد ممكناً من خلال خطط وبرامج قائمة على رؤية يصعب تنفيذها لتعارضها مع مصالح البعض الذين يهدفون إلي أن يبقي الحال على ما هو عليه، خاصة وأن المعالجات الاقتصادية الرسمية لا تتقدم للإمام قيد أنملة، الأمر الذي أدي إلى فقدان الثقة في إدارة هذا الملف الشائك، وجعل الحياة شبه معطلة، خاصة وأن الوضع (الاقتصادي)، (الاجتماعي) و(الإنساني) تشوبه ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ عدم ﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ نحو المستقبل، والذي قد لا يتوفر فيه الحد الأدنى لحياة كريمة، نعم هذا هو الاحساس الذي يتخالج ﺩوﺍﺧﻞ ﻣﻌﻈﻤﻨﺎ، وهو إحساس ﺃﻭﺟﺪته الرؤية الإقتصادية الخاطئة المرسخ لها، ومع هذا وذاك هنالك إصرار على تنفيذها رغم العلم بمالآتها السالبة، وكأن المسئولين لا خيار أمامهم ﻟﻠﺘﺮﺍﺟﻊ عنها ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺄﺟﻴﻞ للبحث عما هو أفضل مما هو مطروح آنياً.
ﻻ ﺃﺩﺭﻯ ﻟﻤﺎﺫﺍ أشعر بعدم الاطمئنان والتفاؤل لمستقبل السودان في ظل واقع اقتصادي (متخبط) وبالغ التعقيد، واجتماعي حدث فيه شرخ يصعب تداركه مع مرور الزمن، وإنساني عمق الجراح في النفوس، وثقافي قاد النشء والشباب للوعي والإدراك لمجريات الأحداث (السياسية)، (الاقتصادية)، (الاجتماعية)، (الإنسانية) و(الثقافية)، وبالتالي هي أوضاع مختلفة، وتعكس ﺭﺳﺎﺋﻞ واضحة ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻬﻤﻪ ﺍﻷﻣﺮ، فإن بلادنا تمر بمنحنيات خطيرة تحتاج إلى ﻤﺸﺎﺭﻳﻊ، وكما تعلمون فإن المشاريع هي لغة ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺰﺩﻫﺮ، والجاذب لرؤوس والأموال والإﺳﺘﺜﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ، وقطعاً ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ في ظل ذلك ﻣﺮﺣﻠﺔ ليس فيها هذا المفهوم العميق الرامي لإصلاحات ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ليس من بينها فتح الأبواب مشرعة للاجئين (الجنوبيين)، (السوريين)، (الاثيوبيين)، (الاريتريين) وغيرهم، بالإضافة إلي العمالة الاجنبية غير المقننة والمخالفة لقوانين الإقامة، وهي عمالة تستنزف البلاد ولا تضيف، بل أوجدت عادات وتقاليد وثقافات مغايرة للسودانية إلي جانب بعض الأمراض، وبالتالي سيبقي الحال على ما هو عليه، لذا لن نجني ﺛﻤﺎر بلادنا التي يفترض فيها أن تكون سلة غذاء العالم، والذي يعلم تماماً هذه الحقيقة، والتي لن تتحقق إلا إذا عاودت ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ السوداني ﺩﻭﺭﺗﻬﺎ ﺍﻻﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﺸﺎﻁ ﻣﻌﻬﻮﺩ يكون ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ الذي نأمل فيه أن تتحقق كل طموحتنا وأحلامنا وأشواقنا.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...