.........................
إن الكــرام وإن ضاقت معيشتهم
دامت فضيلتهم والأصل غلاب
لله در أُناس أينما ذكـــروا
تطيب سيرتهم حتى وإن غابوا
ها نحن نطوي صفحة عام بكل مناخاته، تضاريسه، جراحه، أحزانه، آلامه ومراراته، دون أن ننجز ما نأمل فيه، أو نحقق ما نحلم به، هكذا تمضي بنا الأعوام عاماً تلو الآخر، ونحن نعدّ أيامها وشهورها نهاراً وليلاً و(الحال في حاله)، إلا أننا نحمد الله علي نعمة الصحة، لقوله تعالي : (ويقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)، ويقول جل علاه أيضاً : (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً)، وفي تعاقب الليل والنهار عظة وعبرة.
هاهو عام يمضي، وكلما أشرقت شمس أو غابت نفكر في كيفية تقويم أنفسنا، إلي أن تحين ساعة الإيذان بأن نقلب صفحة ونفتح أخرى، وإن كنا لا ندري ماذا يخبئ لنا القدر اليوم أو غداً، فالأيام والشهور والسنين تمر بنا في غفلة إلي أن نجد أنفسنا على عتبات عام جديد، فنبدأ من خلاله التأمل، وتقليب صفحات (سالبة) و(موجبة)، فنكتشف أن عدداً من المصائب ألمت بنا، إلا أن الله تعالي فرجها، وكم من ذنب اقترفناه سهواً أو عمداً؟، واعتقدنا أن المولي عز وجل لن يغفره لنا، وكم مرة في حياتنا راجعنا ثواني ودقائق وساعات وأيام وشهور وسنين خلت، ونحن نتقلب بين (النعمة) و(الفتنة)، بين (الطاعة) و(المعصية)، بين (المنحة) و(المحنة).
ومن هنا يجب أن نتذكر أنه مضي من أعمارنا أعوام وأعوام إلي أن أصبحنا قريبين من قبورنا، فلنتذكر آخرتنا، قبل أن نتذكر العام في ثوبه الجديد، السؤال هل فكر كل منا بأنه وكلما مضت سويعات من العام 2019م، إلا وتمضي الأيام كالسراب يوماً تلو الآخر.
من منا لم يقترف الخطيئة رغم أن هنالك من يصوبونا بصدر رحب، وهذا التصويب نابع عن حب وإحترام، ولكن السؤال لماذا نقع في الأخطاء رغم علمنا التام بأن الله تعالي قال : (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال شراً يره)، هل سيمضي هذا العام كسائر الأعوام ودون أن نجيب فيه على السؤال؟ أم أنه سيكون مختلفاً نتجاوز فيه الأخطاء، ونفتح صفحة جديدة، فما يدرينا أن أحلامنا قد تتحقق رغم أنها استعصت في الأعوام السابقات.
ومما أشرت له ها نحن نودع عاماً ونستقبل آخر، ننزف في إطاره جراحاً، وهذه الجراح يبدو أن مصيرها مجهول، رغم أن عام يأتي وآخر يذهب، وتظل تلك الجراح مفتوحة دون أن تندمل، ونظل نحن رهناً لأعوام ماضيات، أعوام حدث فيها الكثير دون أن نتعظ أو نعتبر، بل تمادينا إلي أن أصبحت مع مرور الأيام أزمات يصعب حلها، خاصة وأن العام يمر كلمح البصر، وكلما يأتي عام يمر بنا آخر كالأمس الذي نذكره جيداً بكل تفاصيله، فهو يأخذ منا أعز الأعزاء، إما بـ(الموت) أو (الهجرة) أو (الابتعاد)، بينما يقرب منا أناس لم نكن نضعهم في الحسبان، وبالتالي كل منا يقول في قرارة نفسه هذه هي سنة الحياة قائمة على (الإحلال) و(الإبدال)، فإذا فقدت إنساناً عزيزاً، فإن الله تعالي يعوضك، وهذا المعوض تتذكره في وقفته، مشيته، كلامه، وكأنه موجوداً معك في حركاتك وسكناتك، حتى وإن رحل فإنه يرحل جسداً، ويبقي في الدواخل.
مر عام بعد أن علمنا أن لا نندم على من تركنا برغبته، وأن الحب قيم وأخلاق، قبل أن يكون أحاسيس ومشاعر، وأن (الحب) إذا فقد الإحترام ذبل، ثم يبدأ في التلاشي تدريجياً إلي أن يصبح في طي النسيان، وأن (العواطف) إذا لم يتحكم فيها الإنسان، فإنها تجعله غير مرتب، وأمثال هؤلاء نادراً أن يجود بهم الزمان، لأنهم يحملون قلوباً بيضاء أنقى من الحليب.
مر عام بعد أن رسم في دواخلنا حلماً جميلاً، إلا إننا استيقظنا مفزوعين على أحداث مؤسفة، فقلنا اللهم أجعلها خيراً، ثم نتساءل لماذا لا يريد ﺷﻼﻝ الدماء أن يتوقف حتى في أحلامنا، وكأن أحلامنا مكتوب عليها أن لا تبارح تلك الأحزان.
مر عام ملئ بالخوف والقلق، عام مثخن ﺑﺎﻟﺠﺮﺍﺡ التي ترفض أن تندمل، أو تستأذن، لأنه أتى سريعاً، وقبل أن نتهيأ رحل، نعم رحل دون يلوح مودعاً، ولم يخبرنا ماذا يحمل العام الجديد بين ﻃﻴﺎﺗﻪ؟، فبلاشك أقصى أمنياتنا أن يفارقنا الحزن، وأن كانت الأماني يستحال تحقيقها في الوضع الاقتصادي الراهن.
مر عام بكل أحزانه والآمه ومراراته وانتقل فيه اعزاء لنا للإقامة مع السكان الذين يسكنون تحت الأرض مع الأهل والأصدقاء والزملاء، فهذا هو المصير المحتوم لكل إنسان على وجه البسيطة وأن طال بها المقام لنا لدامت لغيرنا من العظماء والملوك والسلاطين، فلا دوام فيها لأي كائن كان.
إن الإنسان يأخذ دورته في الحياة ثم ينتقل إلي حياة أخري ينتظره فيها جرد حساب، فيما يرث أمواله و ممتلاكاته أهله أو ربما الغرباء ويؤدي عمله من يخلفه عليه، ويصبح هو نسياً منسياً فمن منا يذكر الاجداد والأباء الذين أضحوا مع مرور الأيام والشهور والسنين مجرد (أسماء) في الشهادات و(أشكال) في الصور والأوراق الرسمية، فلماذا نفكر في المستقبل دون جدوى، فالحياة ماهي إلا ومضة تنطوى بعدها ذكري في طرفة عين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق