دموع البلابل
تبلل دار العجزة والمسنين لهذا السبب
..................
هذا هو سر تسمية
محطة البلابل على لقبنا الفني
....................
جلس إليها : سراج النعيم
....................
ردت البلبة (هادية) علي أسئلة (الدار) المطروحة بالإنابة عن شقيقتاها (آمال) و(حياة) طلسم اللواتي حققن نجاحاً منقطع النظير في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان لهن دوراً كبيراً في إنتشار الأغنية السودانية، وتطويرها بصوت نسائي.
في البدء هل كان يتخالج للبلابل بعد العودة من
الأغتراب الطويل أن يجدن جمهوراً يستقبلهن ويحرص علي حفلاتهن الجماهيرية، والملاحظ
في ذلك الجمهور أنه مختلف الأعمار بما فيهم أجيال لم تشاهدكن؟
قالت : الإحساس الذي كنا نحس به إحساساً جميلاً
جداً، وذلك نسبة إلى السر الذي تمتاز به أغاني البلابل التي نختارها بحسب العمر،
ولذلك تجد تلك الأغاني تخاطب كل الأعمار من الجنسين أي أنها تخاطب حتي الأكبر منا
سناً من جانب النص واللحن.
من الذي كان يختار لكن النصوص الغنائية التي تترجمنها
لكل الأعمار؟
قالت : ما تقول لي من الذي يختار النصوص لأنه في
ذلك الزمن لا يمكن أن تقول للحلنقي أو علي سلطان أو عبدالباسط سبدرات أكتب لي
قصيدة فهم كانوا جزء لا يتجزأ منا مثلاً أغنية (سكة مدرستنا) كنا لحظتها بنات صغار
يحس بنا الشاعر ويعبر عنا، فكل شاعر من الذين يكتبون لنا نصوصاً يكتبونها بإحساس
يتوافق مع إحساسنا مثلاً (حلوين حلا) ولا تنسي أننا كنا نسكن في منطقة يمر بها أي
إنسان في الذهاب والمجيء، وبالتالي لابد له من أن يدخل منزلنا فأصبحت العلاقة
علاقة أسرية قبل أن تكون علاقة في الإطار الثقافي والفني ما وطد علاقتنا مع
الشعراء والملحنين الذين يعتبر منزلنا منزلهم الثاني، ومن خلال ذلك احاطوا بنا
إحاطة وضعتنا في الوضع الذي تركنا نظل خالدين في وجدان الأمة السودانية ولذلك لم
نكن نطلب منهم كتابة نصوص بعينها، إنما هم يعبرون عنا من خلال اللقاء الذي يجمعنا
بهم شبه يومياً، فالحلنقي كان يكتب لنا نصوصاً خاصة بالبلابل ولم يحدث أن قمنا
باختيار نص من بين مجموعة نصوص غنائية كتبها الحلنقي أو أي شاعر من الشعراء الآخرين
الذين كتبوا لنا أشعاراً، وعندما تعاملنا مع الاستاذ عبدالباسط سبدرات الذي كان
وقتئذ في بدايته العملية في مجال المحاماة حيث غنينا من كلماته أغنية (تاتي) التي
رددناها مرة واحدة في مسرح الاتحاد الاشتراكي بمناسبة عيد المرأة، وهي تتحدث في
مضامينها عن التنشئة بكل مراحلها كما أنها تحتوي علي معاني وطنية، وكنا في تلك
اللحظة صغاراً، ورغماً عن ذلك رددناها وسنرددها بمشيئة الله سبحانه وتعالي، فأنا
احفظها نصاً ولحناً من ذلك التاريخ لذلك سنعيد ترديدها في الوقت المناسب.
هل ذلك الحب الجارف لبعضكن البعض هو سر نجاحكن في
الحركة الفنية؟
قالت : بكل تأكيد فنحن والدنا رجل مسامح لدرجة
لايمكن أن تتصورها.. درجة غير عادية.. ومن خلال ذلك التسامح كانت تنشئتنا في
المنزل وهذه التنشئة قائمة علي أن لايكون هنالك خصام بيننا فمثلاً أنا وآمال قد
نحتد في موضوع ما حتي أن ابنائي وابنائها يتفاجئون ويظلون يراقبون ما يسفر عنه
النقاش.. ووسط تلك الأجواء قد اطلب منها أن تساعدني في الطباخة وهذا إن دل علي شيء
فإنما يدل علي أننا لانحمل في قلوبنا الإ كل الحب وبالحب استمرينا إلي أن وصلنا
إلي هذه المكانة الكبيرة في قلوب الاخرين.. فالتسامح سمة من السمات الإنسانية التي
يجب أن نعمل علي ترسيخها في دواخل كل الناس الذين عليهم أن يتذكروا أن المولي عز
وجل يسامح فلماذا لا نسامح نحن البشر فلا يوجد علي وجه البسيطة إنساناً كاملاً،
لذلك تسامحوا مع بعضكم البعض مهما كان الخلاف القائم بينكم، فنحن سبع بنات وثلاثة
أولاد متسامحين مع بعضنا البعض لدرجة لا يمكن أن تخطر علي بالك وحتي عندما يختلف
مننا اثنين لا يتدخل البقية في ذلك الخلاف لأنه مجرد ما تدخل طرف ثالث ستكون هنالك
مشكلة، لذلك وإلى الآن علاقتنا في المحيط الأسري علاقة قوية ولاتشوبها أية شائبة.
بما أنك تتحدثين عن الشعراء الذين تعامل معهن
البلابل، هل تختارن النص أم الشاعر صاحب الأسم في الحركة الفنية؟
قالت : الاختيار يتم من خلال النص وليس للشاعر
الذي كتب النص فالشعراء الذين تعاملوا مع البلابل لا يأتون لنا بمجموعة نصوص
غنائية نختار منها نصا بل يكتبون القصيدة المفصلة علي أصواتنا ثم يلحنها الموسيقار
الكبير بشير عباس أي أن الأغنية تكون مكتملة الاضلاع الثلاثة النص واللحن و الأداء.
كيف تنظرين إلي تسمية محطة البلابل علي اسمكن في
الحياة قبل الممات خاصة وأن الناس درجت علي التسميات بعد الرحيل؟
قالت : دعني أولاً أوضح شيئاً مهماً، وهو أننا
كنا نقيم في مدينة ام درمان حوالي التسع سنوات ثم غادرناها إلى (أركويت)
التي كانت آنذاك الوقت شبه خالية من المباني المعمارية، ولم يكن بها الكهرباء أو
الماء، فنحن كنا لكي نصل إلى منزلنا المجاور إلى منزل الأستاذ مصطفي أمين (وكالة
سونا للانباء) وكان جميلاً فيعتقد الناس أنه منزلنا، المهم أن سور ذلك المنزل كان
لونه أبيضاً، وكنا ننزل من المركبات العامة قصاد ذلك المنزل حتى نستطيع معرفة
منزلنا، ومن ساعتها تمت تسمية تلك المحطة باسم (البلابل)، كما أنه هنالك شارع
البلابل الذي تحول فيما بعد إلى شارع (عبيد ختم)، وأيضاً هنالك شارع (الفردوس)، وهكذا
ستجد هنالك صيدلية البلابل، مخبز البلابل، مكتبة البلابل، مطعم البلابل كلها
تسميات استثمارات لا علاقة لنا بها سوي أنهم أحبوا البلابل فاطلقوا الأسم علي
محلاتهم التجارية ونحن سعداء بذلك.
ما تقييمك للثنائيات
التي ظهرت بعد تجربة البلابل؟
قالت : حتى تستمر الثنائيات لابد من أن يكون
بينهما الحب حتى لا تدخل الغيرة في احدهما وهي الصفة التي لم تعرف طريقها إلي
البلابل نهائياً فلا يمكن أن تغير آمال أو حياة مني أو أن أغير أنا منهما مهما
كانت الدواعي والأسباب فنحن نغير علي بعضنا البعض.
من هي التي تحمل صوتاً مميزاً من بينكن؟
قالت : كل واحدة من البلابل عندها لون وطعم خاص
مثلاً آمال اعجوبة في صوتها وحياة صوتها قوي وأنا أساساً صوتي في طبقة (الالتو) أي
أنني لدي البحة.
من الذي أكتشف البلابل على أساس أنكن يمكن أن
تغنن ثلاثياً ؟
قالت : أولاً لابد للإنسان أن يكتشف الموهبة التي
تسكن دواخله باعتبار أنه قادر على معرفة أين تكمن مساحات الجمال، وأين تكمن مساحات
القبح؟، وعليه أقول وبصراحة شديدة (البلابل) ما في زول أكتشفهن، ولكن الأستاذ
إبراهيم الصلحي كان لديه برنامج (بيت الجالوص) الذي استضاف فيه والدنا وكنا وقتها
أنا وآمال وحياة صغار غنينا في ذلك البرنامج غناء هندي وإنجليزي ورقصنا (جيركي) على
أساس أننا لدينا مواهب، إما في برنامج الأستاذ حمدي بولاد الذي يحمل عنوان (تحت
الأضواء)، وكنت في كل مرة أقول له إنني أريد أن أغني، وكان هو بدوره يتصل عليّ
ويقول : (يا هادية تعالي سجلي)، فكنت أقول : (خليها الاثنين القادمة)، فالبرنامج
يبث في ذلك اليوم من كل أسبوع، إما قصة أننا أصبحنا البلابل فهي بدأت منذ أن كنا
في الفنون الشعبية التي يعرفنا فيها الفريق جعفر فضل المولي المعرفة الحقة، فأول
أغنية رددناها كانت (الجنيات بشروا) التي كان يفترض أن يسبقنا عليها ثنائي النغم،
وعندما حان تسجيلها بالإذاعة السودانية لم يحضرن في وقت التسجيل ما أغضب الموسيقار
بشير عباس الذي ذهب إلى الفريق جعفر فضل المولي، وقال له : ثنائي النغم غابن عن
تسجيل الأغنية بالإذاعة، فقال له : (يا بشير بنات طلسم ديل داير اوديك ليهم عشان
تسمعهن، فهن أصواتهن جميلة)، وبالفعل آتي به الراحل سليمان داوؤد، وهو كان متخصص
في المكياج بالتلفزيون القومي إلى منزلنا، وكان يفترض أن نغني أغنية (البنيات
بشروا) أنا وشادية وآمال، فيما كانت شقيقتنا حياة صغيرة تتابع تحفيظنا للأغنية،
وهي كانت سريعة الحفظ، وعندما اقتنع بأصواتنا قرر أن يسجل لنا الأغنية بالإذاعة، فما
كان من حياة إلا وطلبت منه أن يضمها معنا، فقال : خلاص يا شافعة أنتي حافظة، وكان
أن ذهبنا إلى الإذاعة وسجلناها، ولكن بعد التسجيل مباشرة اعطانا الموسيقار الراحل
برعي محمد دفع الله أغنية (مبروك يا بلد)، المهم أنها أيضاً تم تسجيلها، ولكن كانت
المشكلة في الأسم الذي تذاع به الأغنيتين فاقترح بشير عباس أسم (العصافير) فيما
كان الراحل علي المك يقف بالقرب منا فقال : العصافير تغرد ولا تغني، لذلك سموهن (البلابل)،
وكان أن تمت إذاعتهما بالبلابل فسري علينا الأسم منذ تلك اللحظة، وهكذا حدثت
شهرتنا، وبعد هذين الأغنيتين كانت أغنية (خاتم المني) وغيرها من الأعمال الغنائية
التي ألفها لنا عدد من الشعراء.
هل يتضايق البلابل من ترديد الفنانين الشباب
لاغنياتكم؟
قالت :
لا نتضايق
ما هو الأثر الذي يتركه حفظ أغانيكم بما فيهم
الاجيال الجديدة التي لم تشهد ظهوركن في الحركة الفنية؟
قالت : أنتم لا تحسون بالمتعة التي نحس بها عندما
يغني لنا الناس، فهي متعة ما بعدها متعة، ما يعني أنها محلقة في سماوات الإبداع
بصورة تقودنا إلى الاعزاز والافتخار، لذلك أنا دائماً ما أرسل لهم من المسرح
(قبلات).
ماذا عن الاتجاه إلى المشاريع الإنسانية للفقراء
والمساكين واليتامي وأطفال السرطان وغيرهم؟
قالت : نحن بدأنا الاتجاه إلى هذه الجوانب
الإنسانية من خلال منظمة (البلابل) الخيرية، وهي تعمل منذ العام 2009م، وفي ذلك
العام جاءتنا مجموعة متطوعة تريدنا أن نحي لهم حفلاً جماهيرياً لدعم الأطفال
والأمهات المصابين بمرض المناعة المكتسبة (الإيدز)، وكان أن التقيت بهم فاكتشفت
أنهم يريدون الظهور على حساب العمل الإنساني، ونحن عندنا منظمة ، لذلك سجلت زيارات
ميدانية وشاهدت بأم عيني ما يمكن أن يتم عمله في هذا الإطار، وكان أن غنينا حفلاً
نهارياً في قاعة الصداقة بالخرطوم حتي يكون الدخل كبيراً برعاية إحدي شركات
الاتصالات وكان أن نجح الحفل، وظللنا نعمل لصالحهم من أجل أن يتمكنوا من شراء
اللبن للأطفال، كما أننا غنينا في دار العجزة والمسنين (حجوج).
وماذا عن الأجهزة الإعلامية من تجربتكم
الإنسانية؟
قالت : رفضنا أن يكون هنالك أجهزة إعلامية في أي
عمل إنساني نود أن نطرحه لخدمة من هم في حاجة إليه حيث أننا غنينا لدار العجزة
والمسنين ولا أنسي ذلك اليوم الذي جاءتني فيه إمرأة من المسنات واحتضنتني بحميمية
لم أشهد لها مثيلاً في تعبير منها للإحاسيس والمشاعر التي اجتاحتها في تلك اللحظات
التي كنا نغني فيها.. إذ أنها كانت تزغرد بتواصل دون إنقطاع وهي تقدمنا للخروج من
الدار فأنا شعرت بها في تلك الأثناء أنها تعبر عما يجيش في دواخلها بصورة هيستيرية
وكانت تمسك بي وأمسك بها وما أن مر علي ذلك دقائق إلا وأصبحت تبكي وهي تقول : (
تعالوا لينا تاني ) بينما ظللت أنا ابادلها المشاعر الصادقة وقلت لها : حاضر سوف
آتي إلي زيارتك مرة آخري.
وعن أسباب الإنقطاع عن العمل الإنساني؟
قالت : صادف الفترة الزمنية التي أشرت لها أن
زوجي كان مريضاً، فسافرت إليه حتى أقف بجانبه إلى أن يتماثل للشفاء إلا أن السفر
أمتد تقريباً إلى العام والنصف، ومن ثم توفاه الله سبحانه وتعالي، وعدت من هناك
إلى السودان، وقمنا بتجديد عمل المنظمة الإنساني.
متي تتساقط دموع البلابل؟
قالت : دموع الفرح يمدنا بها الناس، إما دموع
الحزن فأنها تسيطر علينا عندما نفقد إنساناً عزيزاً علينا ورغماً عن ذلك ايماننا
قوي بالله سبحانه وتعالي.
كيف تنظرن إلي ظلم الإنسان إلي أخيه الإنسان؟
قالت : الظلم لايبكي إنما هو يقتل نعم يقتل.
هل أنتن تعرضتن لفتن كثيرة؟
قالت : نعم ولكن نحن متكاتفين كأسرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق