......................
عبدالرحمن : أغاني العملاق محمد وردي سببت لي إشكاليات
......................
لم أكن مرغوباً في حفلات الأعراس بسبب (أغاني الحقيبة)
......................
جلس إليه : سراج النعيم
.....................
أجريت حواراً استثنائياً مع الفنان الكبير عبدالرحمن عبدالله الشهير بـ(بلوم الغرب) عقب عودته من رحلة استشفائية من (المجر) التي شد إليها الرحال لتلقي العلاج.
في البدء من هو عبدالرحمن عبدالله ومن أين أنت وما سر الارتباط بمدينتي بارا والأبيض؟
قال : والدي ووالدتي أطلقاً عليّ أسم عبدالرحمن عبدالله محمد أحمد، من قبيلة (الركابية) و(الشايقية) رغماً عن أنني ضد القبلية التي أنادي بعدم تقنينها عملاً بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : (لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى والإيمان)، من مواليد 1950م مدينة (بارا) التي نشأت وترعرعت فيها، وهي يقال أنها تشبه مدينة (أرقي) بالولاية الشمالية من حيث وجود السواقي داخل البيوت، والمياه قريبة والتباين ما يؤكد أن مناخ مدينة (بارا) أقرب إلي مناخ مدينة (أرقي).
مقاطعاً مدينة (أرقي) شايقية فهل أنت من قبيلة (الشوايقة)؟
قال : (شايقي) من جهة حبوبتي (حرم بت الزاكي) التي هي من منطقة (ود الزاكي)، لذلك أتمني أن أزور مدينة (أرقي) التي تربطني فيها صداقات بالشعراء السر عثمان الطيب، حسين دفع الله، عبدالله محمد محمد خير وخالد شقوري.
وماذا عن مدينة (بارا) مسقط الرأس؟
قال : يوجد بها أهلي من قبيلة (الركابية) الذين نزحوا للمدينة من شمال السودان، وهي مدينة التباين من حيث وجود القبائل السودانية المختلفة، فانصهروا فيها وخلقوا أجيالاً أقل ما توصف به الرقي، وكل من عاش في مدينة (بارا) لم يعد منها إلي جذوره مرة آخري، فأنت في مدخلها تشاهد شجر (اللبخ) الذي زرعه الإنجليز قبل استقلال السودان، وهي عموماً عبارة عن واحة جميلة.
هل أكتشف عبدالرحمن نفسه كفنان أم أنه تم اكتشافك؟
قال : اكتشفت موهبتي بنفسي وأنا طالب في مرحلة الثانوي ليس فناناً رسمياً، ولكنني كنت أغني في بعض الأفراح للفنانين عثمان حسين، إبراهيم عوض ومحمد وردي الغناء السائد آنذاك إلي أن أصبحت متخصصاً في أغاني العملاق وردي ما خلق لي إشكالية في معهد الموسيقي والمسرح.
هل كنت تقلد وردي حتى في صوته؟
قال : نعم لدرجة لا يمكن أن تتصورها، وفي برنامج (البساط احمدي) عبر قناة النيل الأزرق الذي تعده وتقدمه الأستاذة أم وضاح غنيت فيه أول أغنية (وافترقنا) للعملاق الراحل محمد وردي.
هل يعرف الراحل وردي أنك كنت تقلده؟
قال : بكل تأكيد بدليل أنني غنيت له في حياته بمنزله بالكلاكلة، كما أنني شاركته بالغناء في عدد من المنابر أبرزها زواج الدكتور الفنان عبدالقادر سالم والكلية الحربية وزواج آخر بالخرطوم بحري أي أنه بيني وبينه ود، وفي رأيي أنه لن تنجب حواء أفريقيا فناناً مثله لأنه مسكون بالإبداع والشجن، ما جعله فناناً غير عادياً فهو لم يتم اكتشافه حتى الآن.
ماذا عن الانتقال من مدينة (بارا) إلي مدينة (الأبيض)؟
قال : عندما انتقلنا من مدينة (بارا) إلي مدينة (الأبيض) لم أحس أنني ابتعدت عنها علي أساس أن الفارق الزمني بينهما لا يتجاوز الـ( 45 ) دقيقة، إلا أن الحياة أخذتنا هنا وهناك إلي أن بدأت مشواري الفني من (الأبيض) التي دفع لي فيها الشعراء بالنصوص الغنائية وحسب قصوري الثقافي في الناحية الفنية وقتئذ كنت أعتقد أن الأغاني التي أسمعها عبر أثير المذياع لا يكتبها إلا الشعراء الموجودين في الخرطوم فقط إلا أنني وجدت أن ذلك الفهم خاطئ وأن الشعراء يوجدون في كل بقاع السودان المترامي الأطراف.
من هو أول شاعر تعاملت معه وماذا غنيت له؟
قال : عبدالرحمن عوض الكريم الذي غنيت له ( زيد غرورك) ، ( بنحبك كتير).
مدى صحة أنك غنيت قبل هذه المرحلة أغنيات باللغة العربية الفصحي؟
قال : نعم غنيت (جبل توباد) التي قدمتها في مدرسة النهضة المصرية، وعزفها معي الأخ الصحفي أحمد طه الذي كان عازفاً ممتازاً علي آلة الكمان، ونلت بها جائزة ( 50 ) جنيه، وتم إهدائي كتاب لـ(محمود تيمور) مؤلف النص بعدها غنيت (أنت قلبي) للشاعر كامل الشناوي، وهي كانت البداية فنياً.
ما الذي دفعك للغناء باللغة العربية الفصحي؟
قال : كنت أحب اللغة العربية حباً شديداً، فمثلاً كامل الشناوي يقول : (قدر أحمق الخطي.. سحقت هامتي خطاه) فلم يعجبني ذلك فعدلته إلي (قدر مسرع الخطي.. صوب لهامتي قضاه) علماً بأنني لست شاعراً، ولكنني غيرتها بالإلهام وجاء ذلك التعديل من واقع أن المطلقية لله سبحانه وتعالي.
ما هي الثقافة التي كنتم ترتكزون عليها في ذلك الوقت؟
قال : كانت ثقافتنا ثقافة مصرية حتى أن دراستنا الموسيقية مبنية علي العود، وكان يدرسنا مدرساً مصرياً، هكذا بدأت أتلمس طريقي إلي أن أرسل لي الدكتور عبدالقادر سالم مؤكداً أنه والفنان صديق عباس قدما لمعهد الموسيقي والمسرح وتم قبولهما.
قبل الانتقال إلي المرحلة التي أشرت لها هل غنيت حفلات أعراس بالأبيض؟
قال : نعم ولكنها كانت من أصعب الحفلات في حياتي حيث وجدت أمامي فنانين يغنون أغاني الحقيبة، ومدينة الأبيض عن بكرة أبيها تحب تلك الأغاني، ويغنيها فنانين خطرين جداً أمثال عبدالفتاح وعبدالله مساعد وحيدر عليه الرحمة، وكان أن عاصروا حدباي والأمي وسيد عبدالعزيز، وأنا كنت مقلاً في التغني بأغاني الحقيبة التي غنيت منها (عازة في هواك) ورددتها بأسلوبي الخاص و(اجلي النظر يا صاحي)، والأخيرة أخذتها من شاعرها الراحل سيد عبدالعزيز، إذ أنه كان موجوداً بـ(البان جديد) في أواخر عمره، ثم جاء للخرطوم عموماً لم أكن مرغوباً في حفلات الأعراس، ورغماً عن ذلك قلت بيني ونفسي هم يجتهدون في أعمال غيرهم التي سبقهم عليها (سرور) و(كرومة)، فيما كنت إصر علي تقديم أعمالي الخاصة التي أنتج من خلالها الحاني التي وصلت إلي المتلقي وعلي هذا النحو رتبت نفسي.
ما النصوص التي وصلتك في ذلك الوقت؟
قال : نص (احكي قصتنا) و(جمال زينة) و(عذاب الحب) والأخيرة من كلمات الشاعر مرتضي والد الفنان الشاب معتز صباحي حيث أنه جاء اليّ في مدينة الأبيض ثم غنيت لبنت (بارا)، وهي لم تكن بدايات مرتبة، ولكنها لفتت إلي نظر الناس إلي أن هنالك فنان أسمه (عبدالرحمن عبدالله)، وفي هذا الجو أصبحت أنتج الأغاني الجديدة ومع ذلك أدخلت في الفرقة الموسيقية (البيز جيتار) و(الساكس فون) بطريقة علمية وحديثة
دعني أعود بك إلي معهد الموسيقي والمسرح ماذا عنه؟
قال : وكما أشرت قبلاً أرسل لي الدكتور عبدالقادر سالم حتى أتمكن من الالتحاق بالمعهد، وكان أن جئت للخرطوم فتم استيعابي بعد أن خضعت للامتحان وأحرزت فيه درجة ممتاز جداً، وكان أن طلبوا مني العودة إلي مدينة الأبيض حتى يتم نقل راتبي من هناك إلي الخرطوم، وكان أن شددت الرحال بالقطار فرحاً بما حققته وعندما وصلت اصطدمت بالمفتش البيطري الذي قابلته فرحاً بقبولي في معهد الموسيقي والمسرح، فقال : لماذا أنت فرحان؟ قلت : تم قبولي في معهد الموسيقي والمسرح بالخرطوم، فقال : ولماذا جئت؟ فقلت : آتيت لتحويل راتبي من هنا إلي الخرطوم، فقال : (راتب شنو وأنا بستفيد منك شنو)؟ بعدما تتخرج من معهد الموسيقي والمسرح، ولم استطع الرد عليه لأنني تألمت جداً من النظرة الضيقة التي نظر بها إلي ما وضعته علي منضدته، وفي ظل ذلك صبرت علي مضض إلي أن ظهر جمعة جابر الذي جاء إلي الأبيض وفي معيته ورق لإنشاء معهد موسيقي بالمدينة، ولم يكن لديه مبني حيث يتم ترحيلنا من مبني إلي آخر إلي أن استوعبنا نادي (هلال الأبيض) مجاناً من الساعة الثالثة عصراً إلي السادسة مساء، وبدأنا الدراسة في المعهد سبعة ثم ازداد عددنا إلي أن وصل إلي ( 45 ) وأثناء الدراسة كنت أغني في الحفلات إلي أن اشتهرت وامتدت من مدينة (كوستي) إلي إقليمي (دارفور) و(كردفان).
كيف سجلت للإذاعة السودانية؟
قال : أنتقل مايكرفون الإذاعة من مدينة أم درمان إلي مدينة الأبيض، وسألوا بإذاعة الأبيض عن الفنانين، وكان أن أشاروا لهم بشخصي، فسجلت لهم ( المعلمة، جدي الريل، رسوماتك)، وبعد ذلك منحت درجة أولي، وكان رئيس البعثة محمد خوجلي صالحين مدير الإذاعة السودانية، ولم أكن أعرف قيمة أن تصنف فنان درجة أولي، وعلي قدر ما قدمت إلي الإغراءات للحضور إلي الخرطوم رفضت الفكرة رفضاً باتاً لأنني كنت القاسم المشترك بين فناني الخرطوم وكردفان ودارفور، ومكتفي بذلك خاصة وأنني تعلقت تعلقاً بكردفان، ولكنني كنت أأتي للخرطوم للتسجيل ثم أعود إلي مسقط رأسي.
ماهي قصة أغنية ( يا ضابط السجن )؟
قال : في بدايتها تمت معاكستي في تسجيلها بالإذاعة السودانية وعندما سألت لماذا؟ قالوا : أن الرئيس الراحل النميري لا يقبل تسجيل هذه الأغنية علي أساس أن كلمة ضابط السجن تعني أن هنالك أمراً غير سليماً يشير إلي أنك تود أن تقول إن النميري سجان فتم تغييرها إلي ( أجمل حلم )، فرفض الشاعر فكرة التغيير إلا أنني رغماً عن ذلك سجلت الأغنية.
ما هي الكيفية التي استطعت أن تغنيها كما كتبها شاعرها؟
قال : عندما استلمت ثورة الإنقاذ مقاليد الحكم غنيت في قاعة الصداقة بحضور السيد المشير عمر البشير الذي أرسل العميد ركن يوسف عبدالفتاح وطلب مني أن أغني (يا ضابط السجن)، فاستفدت من ذلك وسجلتها بصورة رسمية، وسحبت من الإذاعة (أجمل حلم)، وكان ذلك الطلب أعطاني الضوء الأخضر.
هل أغنية (ضابط السجن) أغنية سياسية؟
قال : ليس لها أدني علاقة بالسياسة، وكل ما في الأمر أن شاعرها كانت لديه إشكالية تمثلت في أن أسمه متشابها مع أحد الاشتراكيين المسمي أحمد محمد آدم، وشاعر (يا ضابط السجن) أسمه محمد حامد آدم، وعندما تم اعتقاله من طرف جهاز أمن الرئيس الراحل النميري، قال فرداً من أفراد الأمن أنه ليس الشخص المعني إلا أن الضابط إصر علي أنه هو نفسه ليتم وضعه في السجن عاماً كاملاً وبعد أن تأكد لهم أنه ليس هو تم إطلاق سراحه.
هل سلمك نص أغنية (يا ضابط السجن) قبل أم بعد إخلاء السلطات سبيله؟
قال : استلمت منه النص وهو حبيساً بالسجن حيث أنني كنت أزوره ما بين الفينة والآخري ورغماً عن ذلك كنت خائفاً من أن اتهم معه ظلماً.
هل تم تسجيل أغنية (يا ضابط السجن) في الألبوم الغنائي الذي حمل عنوانها قبل أن يطلق صراحها المشير عمر البشير أم بعد ذلك؟
قال : كان من المستحيل تسجيل الأغنية عبر أي وسيط في ظل نظام الحكم المايوي باسم (يا ضابط السجن)، وكل التسجيلات التي تمت لها حدثت بعد أن طلبها المشير عمر البشير بقاعة الصداقة في بدايات ثورة الإنقاذ الوطني، ومن ساعتها وهي تغني في كل المنابر الإعلامية والمسارح المختلفة إلي أن أصبحت رقماً بفضل الله سبحانه وتعالي ومن بعده السيد رئيس الجمهورية، ومن كثرة ما تتطلب مني كنت أتسأل ما الذي فيها حتى يتعلق بها المتلقي لهذه الدرجة، وبما أن الأمر يمضي علي هذا النحو أصبحت أغنيها في كل مناسبة ولكن المدهش أنها تطلب للمرة الثانية، فهي في رأيي وجدت القبول المنقطع النظير ثم جئت واستقريت في الخرطوم.
هل عرضتك أغنية (يا ضابط السجن) للاعتقال من جهاز أمن الرئيس الراحل النميري؟
قال : أبداً لم يحدث معي ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق