الخميس، 30 أغسطس 2018

سراج النعيم يكتب : وفاة الملهم (محمد المجتبي)

....................
حزنت غاية الحزن لرحيل المُلهم حقاً (محمد المجتبى)، والذي أنتقل إلى جوار ربه إثر علة لم تمهله طويلاً، ومصدر حزني نابع من أن رحيله كان مفاجئاً، وأنه قبيل هذا الرحيل المر روي قصته كاملة، وكأنه يريد لها أن تكون عظة وعبرة للآخرين وأن يستفيدوا منها في المستقبل، فهو كان إنساناً طموحاً له أهداف كبيرة منها تبادل الخبرات والتجارب)، وبما أن الأمر عنده يمضي علي ذلك النحو كان مهماً جداً أن يقدمه للعامة، قائلاً : (في البدء أنا محمد المجتبى البالغ من العمر (٢٢) عاماً، وكما تشاهدونني في الصور معاقاً حركياً بسبب بتر رجلي اليسرى، ورغماً عن ذلك لا أرغب في التحدث عن معاناتي الشخصية، إنما سأتحدث لكم عن أشياء تتعلق بالطموح والسعي وراء تحقيق الأحلام).
قبل سبع سنوات كنت أتابع (محمد المجتبي) عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فوجدت أنه إنساناً طموحاً برغم ظروفه المرضية المزمنة، فهو يريد أن يتلقي تحصيله الأكاديمي الذي توقف منه في الصف الثاني في المرحلة الثانوية نسبة إلى أنه كان يبحث عن العلاج علي مدى خمس سنوات، تنقل فيها لعدد من الدول، هكذا إلى أن انتهت قصته مع المرض مؤقتاً، ولم يكن أمامه حلاً سوي أن يتعايش معه ، المهم بعد رحلته العلاجية عاد العام قبل الماضي إلى الدراسة وجلس لامتحان الشهادة السودانية من أجل تحقيق حلمه الكبير متخصصاً في (الاحياء)، وكان اختياره هذا صعباً جداً من وجهة نظر البعض، خاصة وأنه عائد للدراسة بعد توقف أستمر سنوات وسنوات، لذا هو غير مناسباً له باعتبار أنه معاقاً حركياً، وأن علم الاحياء يوصله إلى المجال الطبي وهو تخصص صعب بالنسبة إلى حالته الصحية، ومع هذا وذاك نصحوه بأن يختار تخصصاً آخراً، إلا أن رغبته كانت أقوي من نصائحهم خاصة وأنه يفرق بين الحلم والخيال ، والذي مر في ظله بتجربة قاسية ومريرة دفعته إلى أن يكون إنساناً طموحاً في تخصص الطب الذي يريد أن يشارك به الباحثين والعلماء في كشف أسرار الأمراض المستعصية.
ومما أشرت له فقد بدأ الملهم (محمد المجتبي) خطوات العودة للدراسة رغم صعوبات أنه معاقاً حركياً إلا أنه جلس لامتحان الشهادة السودانية، والذي أحرز فيه نسبة (71.7)، إلا أن هذا المجموع لم يكن كافياً لتحقيق حلمه، لذلك قرر امتحان الشهادة السودانية مرة ثانية، وبما أنه كان يعلم تمام العلم أن هدفه كبيراً، بدأ يعد في نفسه بإتقان اللغة الإنجليزية بمجهود ذاتي، وهذا المجهود جعل لغته الإنجليزية بنفس مستوى لغته العربية، وتوج ذلك باللغة البريطانية والأمريكية، بالإضافة لمعرفته باللغتين العربية والإنجليزية فإنه يتحدث اللغة التركية بصورة جيدة لإقامته بها لفترة علاجية امتدت لستة اشهر، وما أن فرغ من ذلك إلا وظل يتابع الأبحاث الطبية بصورة لصيقة وباهتمام منقطع النظير إلى أن أستطاع تكوين معرفه طبية عميقة من المنصات العلمية المختلفة عبر الشبكة العنكبوتية، و قرأ الكثير من المؤلفات والمراجع والأبحاث العلمية الطبية.
فيما كان (محمد المجتبى) لديه أهدافاً خلاف الطب، و تتمثل في مساعدة الناس بالطريقة المناسبة إذ أنه قام بإنشاء صفحة بـ(الفيس بوك) تضم في عضويتها عشرة آلاف تقريباً ويحاول من خلالها نشر الثقافة الإيجابية في المجتمع، وقد نجح في ذلك كثيراً، حيث أنه طور مهاراته بتخصيص بعض الوقت للقراءة الأدبية إلى أن أضحي لديه أسلوباً مميزاً في الكتابة، وطور في ذات الوقت معرفته ببعض العلوم مثل علم النفس وعلم الاجتماع إلى أن صار قادراً على تقديم توليفة مميزة للمتابعين.
وتأثرت كثيراً عندما طالعت كيف أخطره الطبيب المختص بأنه سوف يفقد رجله اليسري نهائياً : (يا محمد أنت هسي ليك تلاتة سنوات راقد في السرير، اها وصلت لشنو)؟ فلم يفهم الراحل (محمد المجتبي) قصد الدكتور فقال له : (يعني في مانع لو بقيت راقد في السرير طوالي)؟ فرد عليه الطبيب قائلاً : (رجلك دي لازم تتبتر)، فقال تعقيباً علي ذلك : (كيف أمضي باقي حياتي كلها راقد في السرير وأنا ممكن أعمل الحاجات ولسه راجيني الكثير، عشان كده بقول للناس أجروا وراء أحلامكم وسكوها وما تقيفوا ولو وقعتوا تاني أقيفوا ولو ما عندكم حلم أعملوا ليكم واحد بسرعة مستنين شنو)؟
الراحل (محمد المجتبي) معاق حركياً بعد أن بترت رجله اليسرى من فوق الركبة، وكان يدرس في كلية الصيدلة السنة الأولى، ومن أصعب الأشياء بالنسبة له عودته للدراسة بعد توقف خمس سنوات بسبب المرض الذي قاده إلي اختيار التخصص (احياء)، ومن أكثر المواقف التي مرت عليه أنه عندما يكون جالساً في مقاعد الدراسة لا يظهر لزملائه أنه مختلف منهم ، وكان الاساتذة في بعض الأحيان يريدون طالباً لشرح محدد، فينادون عليّ فلا أرد عليهم مما يجعلهم يستغربون، وعندما أشاهد علامات الدهشة ترتسم علي وجوههم أرفع عصاتي من الأرض والوح بها لهم دون أن اتفوه بكلمة.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...