....................................
وقف عندها : سراج النعيم
..............................
روي الدكتور محمد عوض الجيد الخبير الاقتصادي قصته مع النجاح في بلاد العم (سام)، وكيف استطاع تحقيق حلمه لدرجة أنه فرض علي الصحف والأجهزة الإعلامية الأمريكية توثق تجربته.
وقال : أولاً تعود جذوري إلي قرية (الحجاج) غرب ولاية الجزيرة، القرية التي بدأ فيها حلمي، وأنا عمري (12) عاماً، وكان هنالك تلفاز واحد في قريتي، وكنا نتحلق حوله جميعا للاستماع إلي أخبار الساعة التاسعة المبثوثة عبر تلفزيون السودان، وكانت النشرة العالمية تتحدث عن الانتخابات الأمريكية باللغة العربية، فسرح خيالي نحو بلاد العم سام، وفي تلك اللحظة تولد في دواخلي الحلم، ولكن لم أكن أدري كيفية تحقيقه، فالتفت ناحية والدتي وقلت لها : أريد أن أذهب إلي أمريكا، فقالت : (خلص تعليمك ثم فكر في السفر)، بعدها دخلت مدرسة (المدينة عرب) المتوسطة، وكان أن نجحت فيها بتفوق، ثم انتقلت للدراسة في مدرسة (حنتوب) الثانوية
وعن اختياره لمجال الاقتصاد قال : هذا الاختيار نابع من حبي لمساعدة الآخرين، الذين لا يمكن مساعدتهم إلا عن طريق المال.
وحول وصوله إلي هذا المنصب الرفيع قال : اعتبر أول مسلم سوداني يدخل مجال المال بالولايات المتحدة، الأمر الذي لفت إليّ الأمريكان، لأنه مجال صعب ومعقد جداً، ونجاحي فيه فرض علي الأجهزة الإعلامية إنتاج فيلم وثائقي عن تجربتي في الاقتصاد، والذي عملت في إطاره مستشاراً مالياً لشركة (ويل استيل)، التي منحتني المنصب الأمريكي الرفيع كأول مسلم افروعربي، وحينها قال لي الأمريكان إنني دخلت مجالاً نحن الأمريكان لا ندخله.
وكشف عن بداياته قائلاً : قبل (25) عاماً، بدأ حلم الهجرة ، وتولدت الفكرة في دواخلي أكثر منذ اللحظة التي شاهدت فيها مناظر سياسية بين (كارتر) و(ريغن) حول رئاسة أمريكا، وفي تلك الأثناء أعجبت بالولايات المتحدة، فالتفت إلي والدتي قائلاً : (يمه أنا داير أمشي أمريكا)، فنظرت الي ثم قالت : (ابقي عشرة علي تعليمك)، وبعد أن درست معظم مراحلي الدراسية وجد لي اخي الأكبر فرصة للدراسة في جامعة (صنعاء) اليمنية، وكان أن فعلت، وظل حلمي قائماً حيث قدمت لـ(10) جامعات أمريكية، إلي أن وجدت فرصة للدراسة في جامعة (كنشاس)، التي درست فيها الاقتصاد وإدارة الأعمال.
واسترسل : شددت الرحال إلي (نيويورك) بعد أن أشتري لي أخي الأكبر تذكرت سفر، وكان آنذاك بحوزتي ألف دولار فقط، وبما إنني أصل أمريكا لأول مرة بقيت في المطار ساعة ونصف، نسبة إلي أن التكت الخاص لجامعة (ويل استيل) زمنه ست ساعات من المطار، وأثناء وجودي في مطار (نيويورك) تذكرت مفكرة كتب لي فيها بعض الزملاء بـ(صنعاء) عناوين معارفهم بالولايات المتحدة، حيث كتب أحدهم يا محمد إذا لم تجد أحد في مدينة نيويورك، اتصل بهذا العنوان، الأمر الذي أشعرني بالاطمئنان، رغما عن الخوف الذي دب في أوصالي، وبهذه المفكرة تذكرت مضيفة الطائرة السعودية وهي مغربية الجنسية، أذ أنها سألتني لماذا أنت ذاهب إلي أمريكا؟ فقلت : للدراسة، بعدها أعطتني ثلاث عملات لم اسألها لماذا؟، المهم إنني استلمتها منها ووضعتها في جيبي، علماً بأنني تعلمت في اليمن إذا واجهتني إشكالية أن اسأل الشرطة، وكان أن ذهبت إلي الشرطة الأمريكية بالمطار وفتحت لهم المذكرة، ثم أشرت للشرطي بيدي علي رقم هاتف للإتصال، فأشار إليّ بيده علي أساس أن أدفع عملة، فما كان مني إلا واستخرجت العملة المعدنية من جيبي ودفعت بها إليه، فقال لي نعم، ثم اتصل بالأخ الشيخ، الذي وصف له المكان الذي يجب أن احضر إليه، عندها قام الشرطي الأمريكي بإحضار عربة أجرة (تاكسي) يقودها هندي أوضح له العنوان الذي يجب أن يقودني إليه، والذي بدوره أوصلني إلي الشيخ الذي اصطحبني معه إلي منزله، كان ذلك في العام 1990م، ونسبة إلي بعد فترة دراستي من ذلك التاريخ قررت أن أعمل، فقلت للشيخ أود أن أعمل فقال لي أذهب إلي شارع (فلاقورش) في مدينة (بروكلن)، وقدم في المحلات التجارية هناك، وكان أن عملت بنصيحته، وذهبت للمكان الذي وجدت فيه شخصاً عربياً كان يضع يديه للخلف وبعد أن نظر الي جيداً سألني هل ترغب في العمل؟ فقلت : بلي، وكان أن عملت مع ذلك الشخص السوري الجنسية في المحل التجاري الخاص ببيع بناطلين (الجينز)، وخلال ثلاثة أشهر ائتمنني صاحب العمل علي إيرادات البيع، وعندما مر عام اتصلت بالجامعة، فطلب مني الحضور فوراً، عليه اشتريت تذكرة بص أوصلتني إلي (ويل استيل) في ساعة ونصف، وحينما وصلت إلي هناك وجدت من يستقبلني ومن ثم يصطحبني إلي السكن الجامعي، وفي اليوم التالي سددت رسوم الدراسة، وكان أغلب زملائي في الجامعة من اليمنيين والروس وجنسيات من بلدان أخري، وكانوا يذهبون لتناول وجبة الطعام في شكل مجموعات، وكنت أفعل معهم، وفي يوم من الأيام ذهبنا جميعاً إلي تناول الطعام في المطعم المعني، فقلت في غرارة نفسي أتمني أن يمنحني صاحب هذا المطعم فرصة للعمل ، وهكذا إلي أن طلبت منه توظيفي وبعد أسبوعين من ذلك كنت أعمل فيه، وهي كانت وظيفتي الأولي بعد انخراطي في الدراسة الجامعية.
وماذا كانت طبيعة عملك في المطعم الأمريكي؟ قال : بدأت العمل فيه بمسح (البلاط)، وتنظيف الحمامات، وبما إنني كنت مؤمن بأن أتقن أي عمل يوكل إليّ، وبالتالي إتقاني له جعلني أتعرف علي مختلف الجنسيات، وعلي أدب التعامل الأمريكي، وخلال ست أشهر أصبحت المدرب للموظفين الجدد بذلك المطعم، الذي عملت له أول دراسة لتقليل طلبات الطعام عبر (الكاشير)، أي أن الزبون يحدد ماذا يريد من طعام منذ الوهلة الأولي لدخوله المطعم، وبعد سنتين بدأت مرحلة جديدة بالتقديم للبنوك الأمريكية، إلا أنها لم تعير طلبي اهتماماً، اللهم إلا بنك واحد ظللت اتصل عليه كل يوم (جمعة)، وأسأل هل لديكم فرصة توظيف، وبعد (24) شهراً تعرفوا علي صوتي من كثرة الاتصالات، وفي يوم من الأيام طلبت من السكرتيرة أن تمنحني فرصة، ولو كان ذلك من خلال امتحان الوظائف، فقالت : (يا محمد لدي امتحان للكاشير يمكن أن تأتي إلي البنك وتأخذه)، وآنذاك لم تكن لدي سيارة وحتى إذا وجدت فأنا لا أجيد القيادة، فاتصلت بأحد الزملاء في الجامعة، وجاء إليّ ثم وذهبنا إلي البنك، وأخذت الامتحان الذي جاوبت علي أسئلته، ثم تم إبلاغي بأنني نجحت، وتم تعييني في الحال، وخلال ست أشهر أصبحت مديراً لقسم الكاشير (الصرافين)، وخلال سنتين أصبحت مديراً للبنك، وأثناء عملي خلصت رسالة الماجستير، ومن الطرائف أن أحد الزبائن جاء إليّ مع صاحب شركة لسحب رصيده من البنك وايداعه في الشركة الحديثة، وكان أن أقنعت الزبون بأن لا يسحب مبالغه المالية من البنك، عندها طلب مني صاحب الشركة الأمريكية الشهيرة أن أعمل معه، فقلت له هذا هدفي ولكن ليس الآن، وبعد العام 2005م جاء إليّ صاحب الشركة الأمريكية مرة أخري وجدد طلب عملي معه وكان أن عملت معهم، وبهذا استطعت أن افتح (120) حساباً للشركة، وهذا ما فرض علي الصحف الأمريكية أن تكتب عن تجربتي إلي جانب الأجهزة الإعلامية، نسبة إلي أن المجال المالي بالولايات المتحدة محصوراً في أصحاب البشرة البيضاء والأثرياء فقط، وكل نجاحي هذا نابع من بر الوالدين وإصراري علي تحقيقي حلمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق