عندما يصمت الإنسان عن شئ ما، فإنه لا يعني عجزه عن ترجمة إشكالية أو موقف ما يعتمل في دواخله، ولكن ربما هنالك قيود كبلته عن الإفصاح، ولا يدري كيف يعبر عنها، وذلك لمعرفته أن في الصمت تعبيراً واضحاً، وليس ضعفاً كما يعتقد الكثيرون، فالإنسان ومنذ صرخته الأولي يكون صامتاً، ويظل كذلك علي مدي عامين تقريباً.
وتشير الإحصائيات إلي أن (80%) من الأشخاص حرصوا علي اقتناء الهواتف الذكية للتواصل بالرسائل النصية، أو بـ (الفيس بوك)، أو (الماسنجر)، أو (تويتر) أو (الواتساب)، لاعتقاد البعض منهم بأنها الطريقة المثلي المقللة للكلام، خاصة إذا كانوا غاضبين، فالإكثار من الكلام يؤدي لانفلات بعض الكلمات الجارحة للإنسان، أما الصمت فهو رداً بليغاً، وبه يحقق الإنسان النجاح في حياته.
بينما نجد أن الحكماء والعقلاء وحدهم من لا يظنون أن في الصمت جهلاً، بل يعتبرونه لغة من اللغات المميزة التي قال عنها ﻟﻘﻤﺎﻥ لنجله : (ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺍﻓﺘﺨﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺤﺴﻦ ﻛﻼﻣﻬﻢ، ﻓﺎﻓﺘﺨﺮ ﺃﻧﺖ ﺑﺤﺴﻦ ﺻﻤﺘﻚ)، فما الذي يضيرنا إذا عملنا بهذه النصيحة، حتي إن تغيرت الأشياء من حولنا، ولم يعد الزمان كما هو، والذي يتعرض فيه الإنسان إلي الجرح بكلمة ممن يضحي من أجلهم، وبالتالي يفضل ﺍﻟﺼﻤﺖ مخرجاً، فلا يترك ﻟﺴﺎنه ﻳﺸﺎﺭﻙ في سوءا ت الآخرين، ولأنه مليء بالسلبيات، وأنه مثلما لديه لسان فللناس ألسن، فالإنسان المتحدث يجب أن يكون متمكناً فيما يطرح من أفكار، حتي لا يقع في المحظور، أو أن يختار الإصغاء للآخرين دون أن يتحدث بما لا يعرفه، وأن يركز جيداً فيما يود الإفصاح عنه، وربما من أميز أنواع الصمت هو صمت الفرح الذي تسأل في إطاره الفتاة عن مدي قبولها بهذا الزوج الذي إذا قبلت به، فإن إجابتها تكون صامتة، وهكذا يكون الصمت أفضل إجابة علي أي سؤال، فهنالك حالات تستدعي الإنسان للصمت من التأمل في لحظات حاسمة من حياته، وبالتالي يلوذ هو وآخرين بالصمت ليس خوفاً، إنما تفكيراً في الحاضر والمستقبل معاً.
بينما نجد أن هنالك بعض الحالات يجبر فيها الإنسان علي الصمت، وعدم الإفصاح عما يجيش في دواخله، باعتبار أن الإفصاح يفرز مزيداً من الألم، التأوه، الحزن، والمرارت و… و….و….إلي أخره من التجارب العميقة في الحياة، ولربما البعض منها لا يجدي معه الصمت نفعاً، خاصة عندما يكون الإنسان مظلوماً، فمن منا لم يجرب الإحساس بالظلم، الذي يكون مضطراً معه للصمت، ليس خوفاً من الظالم، بقدر ما هو استمرار في الحياة بعيداً عن التحديات، وحسابات الربح والخسارة، هكذا يحسون بان دواخلهم ممزقة، دون الإجابة علي تساؤلات قد تدور في مخيلات البعض؟، ويظلون هكذا إلي أن تحين ساعة الكلام، أو الرحيل صمتاً، فالصمت في كثير من الأحيان الملاذ الأعظم.
في اعتقادي أن جميعنا فقد إنساناً عزيزاً لديه بأي شكل من الأشكال، إلا أن طبيعة الإنسان تمتاز بالنسيان كلياً أو جزئياً، فهنالك أحداث قد تبقي في الذاكرة، أو تزول منها، لذا إذا شاهدت إنساناً يضحك فلا تعتقد أنه لا يتمزق داخلياً من قساوة الألم، فلربما تكون لحظات عابرة يعود بعدها لهمومه، ذكرياته المؤلمة، جراحه، أحزانه الاشدة قسوة وإيلاماً.
ومن هذه البوابة، وهذا المدخل لابد من التأكيد بأننا اعتدنا التعامل مع أي إشكالية أو موقف بهدوء وتروي للابتعاد عن الانفعال اللحظي، فمن يتحدث منفعلاً قد يجد الراحة للحظة محدودة دون تجاوز الخطأ، فالعمر يمضي بتقادير مكتوبة من ﺍﻟﻠﻪ سبحانه وتعالي، لذا علي الإنسان أن يفكر، يدبر ويخطط جيداً قبل اتخاذ القرار، وأن يقرأ المشهد قراءة صحيحة، قبل أن يرحل فالأرواح خلقت لقضاء عمر محدود تذهب بعده بما أنتجته من أفعال سالبة أو موجبة.
إن الحياة نتعلم منها دروساً وعبراً تمكننا من إدارة أزماتنا في المحيط الشخصي، أو الأسري، أو المجتمعي، وتعلمنا أن أى إشكالية أو موقف فى الأمس يجب أن نتعامل معه بحكمة وتأني حتي لا نضطر لاصطحابه معنا، خاصة وأن القلوب أضحت لا تحتمل، وما فيها من إشكاليات ومواقف يكفيها، فكل ما نمر به يجب أن نفكر فيه تفكيراً عميقاً حتي لا نتغير لمجرد أن إنساناً اقتحم حياتنا بشكل مفاجئ، وحاول جاهداً العبث فيها، ظناً منه أنها قد تؤثر في تفكيرنا، إلا أنه قد لا يعرف أننا نحتفظ بعادات وتقاليد لا تدع بالنا مشغولاً علي مدار الساعة بمشكلة أو موقف اعترض طريقنا، فإن الله سبحانه وتعالي ذرع فينا نعمة النسيان الدواء الناجع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق