ﻓﻲ ستينيات القرن الماضي بدأ التصوف يلعب دورا كبيرا في
المجتمع السوداني الذي ظل يتفاعل مع منذ زمن طويل مع الوح.. الدواية.. الخلاوي..
التقابة.. حلقات الذكر.. الجلباب ذو اللونين الأخضر والأحمر.. السبحة.. وغيرها من
الأشياء التي تدل علي الانتماء لهذه الطريقة أو تلك.. ورغما عن تعدد الطرق الصوفية
في السودان إلا أن الطريق.. والهدف واحد.. الغرض منه ممارسة الأشعار والأذكار والإنشاد
الديني.. ويأخذ ذلك حيزا كبيرا في كل عام من تاريخ مولد المصطفي صلي الله عليه
وسلم حيث تنصب الطرق الصوفية المختلفة الخيام في الساحات علي امتداد الوطن.. إلا
أن الاحتفاء به في ميدان الخليفة بام درمان له طعم ونكهة خاصة لما تقدمه الطرق
الصوفية من أدب صوفي مميز في ذكر الله سبحانه وتعالي ورسوله عليه أفضل الصلاة
والسلام .. وعندما كنا صغارا كنا نفرض علي والدينا أخذنا إلي ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ببيت الخليفة
بام درمان حيث أنه يمثل مكان الالتقاء لأحبة سيد البشرية عليه أفضل الصلوات وأتم
التسليم.. وهو ديدن الجميع الذين يتقاطرون علي ذلك النحو من كل حدب وصوب.. وبما
لاشك كان صديقنا الفنان الراحل محمود عبدالعزيز كسائر الأطفال يحب الاحتفال به مع
أﺷﻘﺎؤه ﺃﺻﺪﻗﺎؤه وزملاؤه.
يبقي الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف احتفالا موسميا
للكثير من تجار الحلويات.. العصائر.. العاب الأطفال.. شتات الشاي.. وبائعات
الزلابية.. والوجبات المختلفة ويعرضون تجارتهم من خلال المحلات التجارية المؤقتة
بتصاديق من المحلية فيما وأتذكر أنني كنت اتجازب أطراف الحديث مع الفنان الراحل
محمود عبدالعزيز الذي ذكرني بما كان يحدث من بعض الصبا الذين يأتون إلي ساحات
المولد من أجل وهم يدسون بين طياتهم ما يطلقون عليه ( النبلة ) المصنوعة من عود
خشب وبلاستيك وعندما تحلق المجموعات حول البائعين بالساحة.. يقذف أولئك الصبيان
الناس فيما كان هنالك بعض الصبا يقومون بربط ﺛﻴﺎﺏ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ
اللواتي يرتادن ساحة المولد النبوي الشريف ﻣﻊ بعضهن البعض
ونسبة إلي أن الحوت كان صاحب ذاكرة حديدية رؤى لي قصة اللص الذي جبل علي سرقة
الدجاج في الحي بصورة شبه يومية مستخدما ذكائه رابطا جزء من المصران بسير بلاستيك
ويلقي به إلي الدجاجة التي ينوي اصطيادها من هذا المنزل أو ذاك وما أن تلتقط
الدجاجة المصران إلا وينتفخ المصران في فمها فيستطيع أن يكتم صوت الدجاجة من أن
تلفت نظر أصحابها وعلي خلفية ذلك يقوم اللص بسحبها تدريجيا عبر المصران المنتفخ ﻭﻳﺴﺤﺒﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻫﺪﻭﺀ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺼﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻮﺥ الذي يكون في
تلك الأثناء ضاغطاً علي حلق الدجاجة بقوة للدرجة التي لا تستطيع معها الفكاك من
تلك القبضة المحكمة وكانت الحكاية مندرجة في إطار القصص الغريبة التي كان تتم في
ذلك الزمن الجميل ما يؤكد أن الحوت كان متعلقا بالتاريخ القديم الذي استفاد منه في
تجربته المستقبلية في إبراز موهبته في مجال التمثيل فالقصة التي رواها عن اللص
والدجاجة تصلح أن تصبح دراما في هذا العصر الذي يعاني في ظل الظروف الاقتصادية
القاهرة التي يركن لها المجتمع بعد رفع الدعم عن المحروقات.
المهم أن الفنان الراحل محمود عبدالعزيز كان يكثر
من الحديث عن التصوف الصوفية التي ينتمي إليها الكثير من
العامة ولم يكن يعجبه الحروب التي تشن علي الصوفية والتصوف من جهات بعينها مدعية
أنها تستقطب شرائح متعلمة.. وﻣﻦ ﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻣﻦ.. فأخذ الطرق ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ في بذوق
نجمها.. ، فيما ظلت الجهات المعادية للصوفية تتقوقع في مكانها ولا تبرحه قيد أنملة
رغم الصراع الذي تديره ما بين الفينة والأخرى إلا أنه صراعا لم يجد سوي النفور
بدلا من الترغيب فالخشونة التي تمتاز بها تلك الجهات كانت طاردة للشباب من
الانتماء إليها.
وحينما ننظر بمنظار فاحص إلي الصوفية والتصوف نجد أن
هنالك بعض السوالب التي قادتها إلي طريق أقرب إلي الأفول منها ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ بالإضافة إلي الأشعار التي يمجد من خلالها سيد البشرية
عليه الصلاة والسلام وشيخ الطريقة في نفس الوقت وتخليد الذكري السنوية.. وضرب النوبة..
وإقامة الحولية ويطوف حولها الحيران.. وهو ذات الأمر الذي يتم في موسم المولد النبوي
الشريف أمام وداخل الخيام المخصصة لكل طريقة من الطرق الصوفية بالساحات المنتشرة
بولاية الخرطوم والولايات الآخري.
ومما ذهبت إليه وجدت الطرق الصوفية مكانتها في ظل ثورة الإنقاذ
الوطني التي أولتها جل اهتمامها ﻭﺇﺳﺘﻄﺎﻋﺖ في تلك
الأجواء أن تستقطب إليها الشباب من الجنسين خاصة شباب ﻓﻲ المدارس والجامعات فواجه
ذلك الشباب المتصوف ﺗﺤﺪﻳﺎﺕ جسام ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ الانتماء لهذه
الطريقة أو تلك وبدأت تظهر في المجتمع السوداني بوادر تصوف الشباب.. لأن تجربة
ثورة الإنقاذ كانت بمثابة طوق النجاة للطرق الصوفية من الاندثار.. ما سهل الطريق أمام
المتصوفة ﻟﺰﻳﺎﺭﺓ القباب وﺍﻷﺿﺮﺣﺔ وإقامة
الليالي في الأماكن المخصصة للذكر ومع ذلك ظهرت الجهات المعادية للصوفية والتصوف
إذ أنها دخلت في صدامات مباشرة مع مشايخ الطرق المختلفة.
وعندما مرض الفنان الراحل محمود عبدالعزيز قامت بعض
الطرق الصوفية بعمل حلقات ذكر تضرع من خلالها له بالدعاء أن يمن عليه الله سبحانه
وتعالي عاجل الشفاء.. وحينما توفي إلي رحمة مولاه أصاب المجتمع بصورة عامة وخاصة
الشباب صدمة كبيرة.. أخذت حيزا من الانتقاد لما تعمد البعض من الحواتة افتعاله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق